النخب أو مراكز السلطة في المجتمعات وفي سعيها لإستدامة السيطرة علي الدولة والمجتمع لا تكتفي بالإجابة
علي السؤال الذي يهمها حول كيفية إستمرارهافي السلطة وإنما تقوم بخطوات إستباقية
لخلخلةوإعادة تشكيل وعي من تقهره وتنهبه . ولذا وفي خضم إنتاجها لإجابات ضرورات وجودها
وأهدافها وكيفية تحقيق هذه الأهداف،تقوم أيضا" بإنتاج الأسئلة الزائفةالتي تقودالمقهورين الي طريق دائري يؤدي بهم في النهاية الي نفس الشرك الذي يحاولون
التملص منه وهذه المرة مع شعور بالعجز والمرارة.
تفكيك منظومة القهرالسياسي/الثقافي/الإقتصادي/الإجتماعي يتطلب النظر
للأسئلة والإجابات التي تطرحهاالنخب المسيطرة و لكن من خارجالسائد في المنظومة،
وإلا فإننا نجازف بإستخدام بديهيات وقواعد التفكير في المنظومة وحينها نكون قد
إستعملنانفس آليات تعزيز وإستدامة المنظومة وبالتالي نكون قد إنهزمنا من داخل أفكارنا.
الأهم في خطوات تفكيك وعي منظومة القهر هو الإنتباه للسؤال الأساسي.
والسؤال الاساسي هو بالضبط نقيض سؤال النخبة المسيطرة عن ضرورات وجودها
وكيفية إستمرار ها في السلطة.
هنا سنتطرق لسؤالين زائفين عن حق شغلتاالمثقفين والثوار عن شغلهم ورطن بها من
يعرف ولا يعرف. ورهاننا علي زيف هذه الأسئلة يجئ لإيضاح أنه لتفكيك منظومة القهر
والإستبداد في بلدنا لا نحتاج الي إجابةعاجلة وشافية وكافية لهذه الاسئلةولن نجد !،
لأن هذه الأسئلة صيغت بعناية وصممت كحواجز وأهداف وهمية لتخفي خلفها أسئلتنا الحقيقية
وإجاباتنا التي ستقودنا الي أفق دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة.
هذان السؤالان هما (الهوية) و (الدين).
"الشعب السوداني في معظمه ذو ثقافة عربية إسلامية، ما عدا بعض الجماعات التيلا زالت علي ثقافتها ولغتها وأديانها المحلية،وحتي هؤلاء سيذوبون بالمحصلة
ولن يصمدوا أمام زحف الثقافة العربية الإسلامية النبيلة
(والتي ستنقلهم من الإنغلاق والوحشية الي الحضارة)".
هذا السؤال الذي تطرحه النخب المسيطرة بقوة (وبإقتناع) وخصوصا" بعد إنفصال الجنوب
هو الأداة الأساسية في حزمة الوعي لدي المركز المسيطر وتم تطبيقه وتجريبه بنجاح
بدءا" بالإستعمار مرورا" بالحقب المختلفة للحكومات وإنتهاءا" بنظام الإنقاذ الحالي.
مستويات الإستجابة لهذا الخطاب عند المقهورين مختلفة،وتبدأ من التسليم
والإنقياد والإحساس بالعجز والذلة ،مرورا" بمن يصل الي التماهي مع
النخب المسيطرة ومن يدعي أنه عربي مثلهم،
وصولا" الي من يناهض النخب المسيطرة ولكنه يقع في الشرك، شرك سؤال الهوية.
الحل ليس في أن يقنع المثقفون `ذوي الهوية العربيةبأن العرب أمة هزيلة لم
تقدم في التاريخ ما يستحق الذكر،وأنهم ناقلون ومقلدون لحضارات الأمم ،
في محاولة للإزراء بالعرب للرفع من شأن المجموعات الزنجية.
والحل ليس في إقناع ذوي الهوية العربيةبأنهم ليسوا بعرب وإنما ينحدرون
من كوش أو الحزام الأفريقي أو ...،في محاولة لخلق مركزية بديلة لمركزية
الثقافة العربية الإسلامية.
كل هذه الإجابات قد تفلح في إثارة المقهورين وتجميعهم ولكنها أبدا
لن تقودهم خارج الشرك.
وإذا دققت النظر في أساس هذه الأطروحات تجد أنها تنطلق من نفس الإفتراضات
والمقدمات النظرية للسؤال في اعلي المداخلة، الحل في رايي هو في تفكيك السؤال
والإجابات المفترضة لنصل للسؤال الأساسي وهو:
يجب أن تقف الدولة علي مسافة متساوية من كل الهويات وكل الثقافات
وهذا لن يتحقق إلا في دولة الديمقراطية العلمانية دولة المواطنة
والعدالة الإقتصادية الإجتماعية
وفي مثل هذه الدولة مساحة واسعة لجدل الهويات والثقافات