ركـــن بنات وأبناء كســـلا ( خيــرات)

Quote: الأمباشي الشفيع النور ، شخصية اشتهرت بالمرح والشجاعة وكنا نحن أطفال الحي نكن له ودا خاصا لأنه كان يخصنا بجانب من وقته يلاطفنا ويلاعبنا. كانت أغلب ذكرياتي عنه عليه رحمة الله في برش الفطور خلال شهر رمضان فقد كان ريحانة الجلسة التي تستمر بين المغرب والعشاء ويتحلل الناس خلالها من عناء صيام اليوم والعمل أثناء النهار. كان الأمباشي الشفيع يقيم مع عائلته الصغيرة في قشلاق البوليس الشمالي وذلك في نهاية الخمسينات وكان البيت يفتح في اتجاه الشمال في الطريق الوسطى بالقشلاق ، لم يكن البلك أو القشلاق الأوسط القائم بين الشمالي والجنوبي قد بني بعد ، ولا مدرسة تدريب المستجدين في الجانب الشرقي للبلك شمال ميدان الجمهورية لاحقا. وحسبما ورد في ذكريات المرحوم الدكتور محمد سعيد القدال فإن غرف الحراسة في هذا المبنى والتي كانت مخصصة لأفراد قوة الشرطة الذين يخالفون القانون أو التعليمات قد استقبلته لفترة قصيره بعد اعتقاله في المفاصلة بين الشيوعيين وجعفر نميري في مطلع السعينات. كانت وفاة الأمباشي الشفيع مأساوية بكل المقاييس وكان وصول جثمانه للقشلاق من اللحظات التي حفرت في ذاكرتي الطفلة عندئذ ، وكنت أتخيل ولفترة طويلة خلال طفولتي أن يوم القيامة عندما أسمع الحديث عنه أشبه ما يكون بيوم وصول جثة الأمباشي الشفيع. كان الأمباشي قد ابتعث إلى قوز رجب وتم اغتياله غدرا بواسطة أحد زملائه ، ورغم أننا لم نعرف سبب وفاة الرجل الفاضل عندئذ إلا أننا بكيناه بحار الدمع عندما وجدنا الجميع رجالا ونساء يبكونه في ذلك اليوم الحزين. لم يكن خبر الوفاة محليا فيما يبدو فقد نشرته صحيفة "الأيام" في صفحتها الأولي بتاريخ 18 ديسمبر 1958 نقلا عن مراسلها في كسلا عندئذ الأستاذ محمد خليل (الشماشة). ويبدو أن العدالة كانت ناجزة فعلا في ذلك الزمان فقد نشرت صحيفة الأيام في عددها الصادر بتاريخ 27 ديسمبر أي بعد تسعة أيام فقط من تاريخ نشر خبر الوفاة أن الحكم قد صدر على قاتل الشفيع بالإعدام. الذي أذكره جيدا أن الأمباشي الشفيع كان قد ترك زوجة صغيرة السن وأطفالا في عمر الزهور ، وقد رحلت العائلة الصغيرة بعد ذلك إلى حي الميرغنية.