ركـــن بنات وأبناء كســـلا ( خيــرات)

Quote: كان العم أوشيك عبد القادر عليه رحمة الله رجل رقيق الحاشية ناحل الجسم قوي الشكيمة ، وكان المسئول عن الحركة في مدينة كسلا خلال الخمسينات والستينات وهو من أفراد قبيلة الحلنقة وكان من القلائل في قشلاق البوليس ممن يحذقون قيادة السيارات. ارتبط في ذهني دائما بقيادة عربة الكومر المخصصة لمسئول الحركة وإن كان يقود أحيانا موترا ضخما وكانت عربته تحت خدمة كل عوائل القشلاق في الملمات والمناسبات الهامة. وقد نقلتنا تلك السيارة نحن أبناء الحي إلى كسلا الأميرية الوسطى للجلوس لامتحان اللجنة في مارس 1958 وقد كان العم أوشيك يطمئننا طوال الطريق بأننا سنكون بإذن الله من الناجحين ، غير أنه كان دائما يذكرنا ونحن نغادر السيارة في طريقنا لمركز الامتحان أنه في ذلك اليوم يكرم المرء أو يهان. وكان يدعو لنا وقد ساعدتنا دعواته كثيرا إذ أن تحصيلنا الدراسي كان قاصرا بسبب كراهيتنا للمذاكرة وحبنا الشديد للعب. بالإضافة لعمله بالشرطة كان العم أوشيك رجلا ختميا قاطعا يبذل أقصى ما يستطيع لخدمة السادة المراغنة ، وكم من مرة قابلت وأنا طفل في داره العامرة السيدة نائلة بنت السيد جعفر وكانت أكثر نساء المراغنة شهرة في ذلك الوقت لبساطتها في التعامل مع الناس العاديين. كان العم أوشيك يساعد السيدة نائلة في بعض أعمالها التجارية فيما يبدو ، وأذكر أنها كانت دائما ما تلاطفنا ونحن في تلك السن المبكرة. ولأن العم أوشيك هو جارنا المباشر وللعلاقة الحميمة التي تربطنا بأبنائه فقد كنا نقضي كثيرا من الوقت في داره العامرة. والعم أوشيك هو شقيق الشيخ حسن عبد القادر زعيم أنصار السنة المعروف عليهم رحمة الله جميعا. كان منزل العم أوشيك دائم الاستقبال للضيوف وقد كان هناك بعض الأشخاص الذين يقيمون فيه بصفة شبه دائمة من غير أهل المنزل أو أقاربهم. وأذكر أن أحد النصابين قضى فترة من الزمن في البيت بدعوى أنه صديق جعفر إبن العم أوشيك مدعيا أنه يدرس في بورتسودان الثانوية ، وقد افتضح أمر هذا الشخص عندما عدت أنا في إجازتي من بورتسودان الثانوية غير أن ذلك لم يمنع هذا المحتال من التمتع بكل خدمات الضيافة التي كانت تقدمها عادة هذه الدار وأهلها الكرماء. من الشخصيات التي كانت تتردد على منزل العم أوشيك شخص يدعى "ود النوبة" وهو شخص كان يبدو في العقد الثامن أو التاسع من العمر ، وكنا نحب الجلوس إليه والاستماع لقصصه الغريبة عن تجارة الرقيق والزبير باشا رحمة الذي يحكي عنه بحكم الرفقة كما يقول. ولم نكن ندري وقتها من أين يأتي "ود النوبة" وإلى أين يذهب بعد أن يتناول وجبة دسمة في منزل عمنا أوشيك ، وعندما قرأت لاحقا رواية الأستاذ الطيب صالح "عرس الزين" ربطت دائما بين شخصية "ود النوبة" وشخصية شيخ الحنين.