ركـــن بنات وأبناء كســـلا ( خيــرات)

Quote: بحكم عمل والدي عليه رحمة الله في الشرطة فقد قضيت طفولتي بمدينة كسلا الحبيبة بقشلاق البوليس. وقد أبصرت عيناي النور في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي في القشلاق الواقع شمال دار الرياضة (استاد كسلا) مباشرة وقد كان يعرف وقتها باسم "الدرادر". ويبدو أن العائلة انتقلت لذلك المكان من قشلاق البوليس القديم الذي كان قريبا من الكارة ، ثم انتقلت العائلة مرة أخرى وأنا في سن السادسة تقريبا إلى قشلاق البوليس الجديد وقتها جنوب حامية كسلا وكانت تسمى وقتها الطابية. كان بيت فرد الشرطة في "الدرادر" مكونا من غرفتين مخروطتي الشكل من الحجر ، وقد كان الحجر من أهم مواد البناء المتوفرة بالمدينة فقد كان الجبلان كفيلين بتوفير حاجتها من هذه المادة الهامة. وكما هو معروف فقد كان الجير المطفي يستعمل كنوع من المونة بدلا عن الأسمنت ولا زالت العديد من المباني الحكومية القديمة في مدينة كسلا تشهد على متانة هذا النوع من البناء. وقد كان الجير ولا زال فيما أعتقد ينتج في محاجر المدينة ، أما القاش المعطاء فقد كان كفيلا بتوفير الرملة والمياه بينما كانت غابات الدوم الكثيفة في الختمية تمدنا بالأخشاب الضرورية. كان سكان "الدرادر" يكملون النقص الواضح في مساحات البيت عن طريق بناء الرواكيب إذ لم يكن في المنزل مطبخ أو "تكل" كما كان يسمى ، كما لم يكن فيه مرحاض. كانت هناك مراحيض عامة شيدت من الزنك في الجانب الجنوبي من القشلاق بينه وبين دار الرياضة. ورغم أن هذه المراحيض العامة كانت مخصصة للقشلاق إلا أن السابلة الذين يطرقون الدرب من الترعة أو أبخمسة في طريقهم للسوق كانوا يرتادونها بحرية تامة ، هذا فضلا عن رواد دار الرياضة أيام المباريات. ولأنه لم يكن للمراحيض التي كانت مصفوفة من الشرق للغرب أبواب فقد كان على المستعمل أن يكون حذرا ويبدأ في الحمحمة بمجرد سماع صوت أرجل شخص يدخل المرحاض. ولهذا السبب أيضا كانت نساء القشلاق يتحاشين استعمال المراحيض أثناء ساعات النهار ، ويتقاطرن زرافات في الصباح الباكر وبعد المغرب خوفا من رواد الأنادي الذين كانوا يستعملون ذلك الطريق. كانت دار الرياضة واحدة من متع الحياة ونحن في تلك الطفولة المبكرة وكنا نستمتع عادة بالدقائق العشرة الأخيرة من المباراة بعد فتح الباب للجمهور بالرغم من أن صغر أحجامنا لم يكن يسمح لنا بالمشاهدة الواضحة خاصة وأن جمهور الدرجة الثالثة عرف بحماسه الشديد. كان مشجعو الفريق المنتصر يهتفون عادة في هذا الوقت " الباب فتحوا .. وال.... غلبوا". وإذا وصلنا لأي سبب إلى دار الرياضة قبل مواعيد فتح الباب فلم نكن نبالي من الانبطاح على الأرض والاكتفاء فقط بمتابعة المباراة من فتحات تصريف مياه الأمطار ويتيح لنا ذلك بالطبع مشاهدة أقدام اللاعبين فقط ، وكنا من فرط خبرتنا نعرف الفرق من ألوان الشرابات. ومن المتع الأخرى ، كانت زيارة الترعة التي سمي عليها حي الترعة وكانت تقع شرق دار الرياضة وتحفها الأشجار الخضراء. كنا نرسل لذلك المكان لجمع الحطب مع التحذير الغليظ بعدم محاولة السباحة في الترعة. وكانت الغابة تكتظ بأنواع الطيور المختلفة والحيوانات الصغيرة مثل السناجب (الصبرة) والهوام من ثعابين وعقارب وجعارين ... الخ. وأذكر أن طائرة صغيرة كانت قد سقطت قريبا من الترعة ربما في الخمسينات وقد سمعنا أن كابتنها الخواجة كان يحاول الهبوط بها فوق مياه الترعة بعد أن عجز عن الهبوط في مطار المدينة الصغير إلى الشمال من المنطقة ، وقد أصبح المطار لاحقا جزءا من الطابية. نتابع بإذن الله