ما انفك السيد الصادق المهدي يردد مقولة "من فشّ غبينتو خرب مدينتو" والتي يذكر البعض أن قائلها السيد عبدالرحمن المهدي , ويردد قطاع كبير من الشعب هذه الحكمة بيقين مطلق أن نتائج فش الغبينة هو لا محالة خراب للمدينة. يبدو أن هذه المقولة وصويحباتها من شاكلة "عفا الله عما سلف" كانت السبب الرئيسي في أزمة السودان اليوم , واعتقد أن ما شجع الإنقلابيون والمغامرون على المضي قدماً نحو الإطاحة بالنظم الدستورية هو عدم العقاب الرادع وركون النخبة عن إبعادهم عن أتون القصاص الشعبي وانتزاعهم من بين أيادي الثوار والإتجاه بهم نحو العفو والتسامح معهم رغم البشاعات والمظالم التي لقيها الشعب منهم. الفريق عبود كان يسير بين الناس مطمئناً ونميري كان يطمع في العودة لسدة الحكم وأعاده الترابي إلى السودان معززاً مكرماً حتى توفي هانئاً بين عائلته. هذا العقد المجحف بين الشعب "ممثلاً في النخب" والحكم الديكتاتوري العسكريتاري , هذا العقد الذي ينص على أن الديكتاتور يقتل ويغتصب ويعذب ويضطهد ويبدد ثروات وأرواح الشعوب ثم ينتهي بالعفو عما سلف وإبعاده عن أتون القصاص الشعبي لابد له أن يتمزق , ينتهي ويتمزق في عقلية الشعب والنخب الممثلة له أولاً ثم ينتهي على أرض الواقع أي تسامح أو عفو عن ديكتاتور هو جريمة أخلاقية في حق الضحايا في البدء وفي حق الأجيال القادمة في المنتهى وسيكون بمثابة زراعة بذرة لإنبات ديكتاتور جديد. مقولة السيد الصادق المهدي "من فش ...الخ" يمكن أن تكون مقبولة بل وصحيحة على مستوى الأشخاص , لكن على مستوى الشعب هي دعوة لعدم إنزال العدالة والقصاص من الظالم باعتبار أن القصاص هو نوع من فش الغبينة , ولا يؤيدها منطق ولا واقع وفي هذا البوست سأحاول التطرق لعدد من الأحداث التي تدلل على عكس هذه المقولة.
وسأبدأ بالثورة الفرنسية قبل قرنين التي تعتبر فخر فرنسا حتى الآن والتي بالرغم من أن شعارها كان الحرية والأخوة والمساواة إلا أن رمزها الأبرز كان المقصلة ولا شئ غير المقصلة , صحيح أنها لم تعجب كثير من الثوار آنذاك نظراً لأنها تنجز الأمر سريعاً إلا أنها حصدت آلافاً من رؤوس المحسوبين على العهد البائد. لقد تجرع الشعب الفرنسي الأمرّين عوضاً عن نزلاء سجن الباستيل الوحشي لذا كانت المقاصل تسجل نهاية العهد الملكي وبداية نجاح الثورة وتكون بمثابة توقيع عقد جديد بين الشعب وحكامه.
إليك هذا المقطع عن اقتحام سجن الباستيل ونجاح الثورة الفرنسية وفش الغبينة بمعنى الكلمة , المقطع التوثيقي 51 دقيقة لكنه يستحق المشاهدة
صحيح كانت هناك أخطاء لازمت الشرعية الثورية ومرحلة القصاص الشعبي , لكنهم كتبوا عقداً جديداً تتداوله الأجيال القادمة ومهروا رسالة لكل ديكتاتور أو مغامر مزمع أنه يمكن أن يضطهدهم (الشعب) ويقمعهم ويذلهم ولكن حينما تحين نهايته ... ستكون بشعة
اليوم ...تُرى أي المدن في فرنسا التي حل عليها الخراب؟ فرنسا اليوم بلد الجمال والفنون والحرية
العنوان
الكاتب
Date
من فش غبينته خرب مدينته ... عقد مجحف في حق الشعوب والأجيال
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أسامة العوض
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست