|
( ميري ) قصة قصيرة مؤثرة لفاروق عثمان
|
ميري داخل الزنزانه تلملم اطرافها وما تبقي من انسانيتها المهترئه بواسطة اولئك العساكر الذين داهموها في بيتها المسمي مجازاً,فقد كان عباره عن غرفه من الجالوص قليله الارتفاع ضيقة المساحه,بها باب من الصفيح الصدئ وشباك وحيد اقرب (للطاقه)،مغطي بخرقه مهترئه من الخيش,ربما شكت من تناوب الفصول ،في تلك المنطقه البعيده حيث لا عاصم من هجير الصيف او زمهرير الشتاء,يوجد بها سريران من الحديد والبال يكفي النوم عليهم للإصابة بكل انواع الانزلاقات الغضروفيه والالام العضليه المزمنه.لا كهرباء او ماء ،وجحافل الناموس تعلن حضورها مع مغيب كل شمس,في تناغم مأساوي مع اسراب الذباب والتي تأتي مع طلوع كل شمس,فكأن اليوم مقسم ما بين لسع للناموس او طنين للذباب. اتت هرباً من جحيم الحرب بعد ان احرقت قريتها ذات صباح ماطر احالته النيران الي قطعه من جهنم فهربت هي واطفالها الثلاثه,وخلفت وراءها زوجها القتيل وجزء من الامها المزمنه,ومعاناتها الدائمة،وحين جاءت للشمال لم تجد الا ذلك الحي الذي قطنه اللاجئون امثالها,فاستعصمت بتلك الحجره,ولما كانت لا تجيد القراءه ولا الكتابه,حاولت ان تجد عمل ولكن كانت تعود منكسرة الخاطر من نظرة مجتمع يقسم افراده علي حسب عرقهم ولونهم ودينهم ،لتجد اطفالها بين انين وبكاء,فاغرين افواهم من اجل لقمه تسد رمقهم الطويل,فتبكي معهم فيختلط عويلها بانين اطفالها. اتخذت صناعة الكوجمارو والمريسه ،كجزء من ثقافتها وشئ تجيده كمصدر دخل لملء هذه البطون الفارغه,والأجساد الناحلة ،ومازالت في كرها وفرها مع اولئك العساكر,بين الزنزانه والجلد والغرامه او اعطائهم المعلوم مالاً كان او خمراً. ولكن يبقي ذلك اليوم الاسوأ في حياتها وحياة ابنتها شارتي ذات القوام الجميل والوجه البرئ ،وهي ابنة ستة عشر عاماً حين اغتصبها نفس العساكر بعد ان ارتو من جبايتهم اليوميه,وتركو شارتي تلعق جراحها النازفه واقتادو الام الي زنازينهم بعد ان قاتلت باظافرها واسنانها، لكي تحافظ علي شرف ابنتها البكر,ولكن قوتهم وجبروتهم كسرت ارادتها الانثويه,وجلست في زنزانتها تلملم انسانيتها المهدره من حراس الفضيله. سقطت تلك الادمع وهي تتذكر مآسيها، في ذلك الجزء الذي لم يحسسها يوما بالانتماء اليه ،منعتقه بشعور من الارتياح الغريب وهي تجلس تحت ظل تلك العمارة في احدي مجمعات التصويت، في انتظار التسجيل لتقرير مصيرها والذي اختارته منذ ذلك اليوم الذي سلبت فيه ابنتها اغلي ما كانت تمتلكه ،ولتحرر من حياة البؤس والاضهاد التي عاشتها لعشرين عاما ونيف.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ( ميري ) قصة قصيرة مؤثرة لفاروق عثمان (Re: محمد علي شقدي)
|
حزمت ميري ماتبقي منها،وفككت منزلها المسمي بيتا،جمعته في (بقجتين) وشنطتين من حديد،ومضت في رحله مرهقة،عانت فيها وصغارها رهق الانتظار،بعد رحله طويله في دروب الجنوب الوعرة وطرقه الغير ممهده وصلت الي قريتها التي أضحت الان جزء من مدينة جوبا،سكنت في ذاك الحي الفقير الذي تقطنه قبيلتها،وهي القبيلة التي تنتمي اليها عرقا، وثقافه ولغه،وبدأت رحلة عذابها الثانية بحثا عن ما يسد رمق صغارها،بنت بيتا عباره عن قطيتين من القش يقيها شر الحر وعواصف المطر الاستوائي،جربت ان تعمل الشاي في سوق كتور،ولكن منافسة الوافدات ،جعلها تتجه الي ان تعمل نادله في احد المطاعم،لم تلبث ان طردها صاحب العمل لمجي أعداد مقدره من الاثيوبيات،زهيدات الأجر والمطلوبات من قبل الزبائن،لعنت قدرها وبكت واقعها المرير،سخرت من القدر الضارب لها يمنة ويسري، شمالا وجنوبا. في مساء حزين ناظرت قرص الشمس وهو ينحدر كدمعة دم حري قبل ان يغيب خلف عالمه الاخر،شعرت بحزن وقهر،غير انها تمتمت:بكره قروش بترول يجي ونرتاح ،)بيد ان عقلها المنهك لم يكن يدري ان قروش بترول هذه تذهب الي أولئك المنتفخين اوداجا،المرسلين أبناءهم الي كندا وأستراليا من ذات قروش بترول ميري وأمثالها،نامت ذاك اليوم وحلمت بساحر قبيلتها مادنق،حينها سمعت أصوات صراخ ودوي انفجارات ،قطعت حلمها وهبت مذعوره،أخبرتها اتونج جارتها ورفيقه معاناتها الطويله ان هناك شكله،لم تدري بين من ومن هده الشكله،ولكن قطع حبل أفكارها طيف ذاكرتها،فامتزج الواقع بالذاكرة،رأت ذات الجنود يحصدون أهلها ودماءهم وأشلاءهم تتطاير،كانت منهكة البدن معطلة التفكير فهؤلاء لم يكونو جنود جلابه حين هاجمو ذات قريتها،قبل ثلاثين عاما،بل كانو جنود بلادها التي حلمت بها كثيراً صحوا ومناما،سقطت جارتها اتونج قبل ان يسقط أبناءها ياك وشول برصاص الجنود،كانت ذاكرتها تتذكر حلم البارحة ومادنق ساحر قبيلتها،حين قال لها وهي صغيره:(،ميري مسكين انت،تعيش مرتين،في اتنين بلد ،كان بلد،تبكي مرتين وتموت مرتين)،حين وصلت الي نهاية الحلم اخترقت طلقه دوشكا صدرها النحيف،وسقطت في ذات المكان الذي كان يضرب فيه مادنق الارض بعصاه, ويقرا لها مستقبلها ,كانت تضغط علي جرحها وهي تضحك تضحك من واقعها القمي،وتبكي من وطن حلمت به فاستقبلها بالرصاص.وشيعها نحو الغياب الرياض ابريل 2014
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ميري ) قصة قصيرة مؤثرة لفاروق عثمان (Re: فاروق عثمان)
|
النص كامل غير مجتزأ
ميري داخل الزنزانه تلملم اطرافها وما تبقي من انسانيتها المهترئه بواسطة اولئك العساكر الذين داهموها في بيتها المسمي مجازاً,فقد كان عباره عن غرفه من الجالوص قليله الارتفاع ضيقة المساحه,بها باب من الصفيح الصدئ وشباك وحيد اقرب (للطاقه)،مغطي بخرقه مهترئه من الخيش,ربما شكت من تناوب الفصول ،في تلك المنطقه البعيده حيث لا عاصم من هجير الصيف او زمهرير الشتاء,يوجد بها سريران من الحديد والبال يكفي النوم عليهم للإصابة بكل انواع الانزلاقات الغضروفيه والالام العضليه المزمنه.لا كهرباء او ماء ،وجحافل الناموس تعلن حضورها مع مغيب كل شمس,في تناغم مأساوي مع اسراب الذباب والتي تأتي مع طلوع كل شمس,فكأن اليوم مقسم ما بين لسع للناموس او طنين للذباب. اتت هرباً من جحيم الحرب بعد ان احرقت قريتها ذات صباح ماطر احالته النيران الي قطعه من جهنم فهربت هي واطفالها الثلاثه,وخلفت وراءها زوجها القتيل وجزء من الامها المزمنه,ومعاناتها الدائمة،وحين جاءت للشمال لم تجد الا ذلك الحي الذي قطنه اللاجئون امثالها,فاستعصمت بتلك الحجره,ولما كانت لا تجيد القراءه ولا الكتابه,حاولت ان تجد عمل ولكن كانت تعود منكسرة الخاطر من نظرة مجتمع يقسم افراده علي حسب عرقهم ولونهم ودينهم ،لتجد اطفالها بين انين وبكاء,فاغرين افواهم من اجل لقمه تسد رمقهم الطويل,فتبكي معهم فيختلط عويلها بانين اطفالها. اتخذت صناعة الكوجمارو والمريسه ،كجزء من ثقافتها وشئ تجيده كمصدر دخل لملء هذه البطون الفارغه,والأجساد الناحلة ،ومازالت في كرها وفرها مع اولئك العساكر,بين الزنزانه والجلد والغرامه او اعطائهم المعلوم مالاً كان او خمراً. ولكن يبقي ذلك اليوم الاسوأ في حياتها وحياة ابنتها شارتي ذات القوام الجميل والوجه البرئ ،وهي ابنة ستة عشر عاماً حين اغتصبها نفس العساكر بعد ان ارتو من جبايتهم اليوميه,وتركو شارتي تلعق جراحها النازفه واقتادو الام الي زنازينهم بعد ان قاتلت باظافرها واسنانها، لكي تحافظ علي شرف ابنتها البكر,ولكن قوتهم وجبروتهم كسرت ارادتها الانثويه,وجلست في زنزانتها تلملم انسانيتها المهدره من حراس الفضيله. سقطت تلك الادمع وهي تتذكر مآسيها، في ذلك الجزء الذي لم يحسسها يوما بالانتماء اليه ،منعتقه بشعور من الارتياح الغريب وهي تجلس تحت ظل تلك العمارة في احدي مجمعات التصويت، في انتظار التسجيل لتقرير مصيرها والذي اختارته منذ ذلك اليوم الذي سلبت فيه ابنتها اغلي ما كانت تمتلكه ،ولتتحرر من حياة البؤس والاضهاد التي عاشتها لعشرين عاما ونيف.
حزمت ميري ماتبقي منها،وفككت منزلها المسمي بيتا،جمعته في (بقجتين) وشنطتين من حديد،ومضت في رحله مرهقة،عانت فيها وصغارها رهق الانتظار،بعد رحله طويله في دروب الجنوب الوعرة وطرقه الغير ممهده وصلت الي قريتها التي أضحت الان جزء من مدينة جوبا،سكنت في ذاك الحي الفقير الذي تقطنه قبيلتها،وهي القبيلة التي تنتمي اليها عرقا، وثقافه ولغه،وبدأت رحلة عذابها الثانية بحثا عن ما يسد رمق صغارها،بنت بيتا عباره عن قطيتين من القش يقيها شر الحر وعواصف المطر الاستوائي،جربت ان تعمل الشاي في سوق كتور،ولكن منافسة الوافدات ،جعلها تتجه الي ان تعمل نادله في احد المطاعم،لم تلبث ان طردها صاحب العمل لمجي أعداد مقدره من الاثيوبيات،زهيدات الأجر والمطلوبات من قبل الزبائن،لعنت قدرها وبكت واقعها المرير،سخرت من القدر الضارب لها يمنة ويسري، شمالا وجنوبا. في مساء حزين ناظرت قرص الشمس وهو ينحدر كدمعة دم حري قبل ان يغيب خلف عالمه الاخر،شعرت بحزن وقهر،غير انها تمتمت:بكره قروش بترول يجي ونرتاح ،)بيد ان عقلها المنهك لم يكن يدري ان قروش بترول هذه تذهب الي أولئك المنتفخين اوداجا،المرسلين أبناءهم الي كندا وأستراليا من ذات قروش بترول ميري وأمثالها،نامت ذاك اليوم وحلمت بساحر قبيلتها مادنق،حينها سمعت أصوات صراخ ودوي انفجارات ،قطعت حلمها وهبت مذعوره،أخبرتها اتونج جارتها ورفيقه معاناتها الطويله ان هناك شكله،لم تدري بين من ومن هده الشكله،ولكن قطع حبل أفكارها طيف ذاكرتها،فامتزج الواقع بالذاكرة،رأت ذات الجنود يحصدون أهلها ودماءهم وأشلاءهم تتطاير،كانت منهكة البدن معطلة التفكير فهؤلاء لم يكونو جنود جلابه حين هاجمو ذات قريتها،قبل ثلاثين عاما،بل كانو جنود بلادها التي حلمت بها كثيراً صحوا ومناما،سقطت جارتها اتونج قبل ان يسقط أبناءها ياك وشول برصاص الجنود،كانت ذاكرتها تتذكر حلم البارحة ومادنق ساحر قبيلتها،حين قال لها وهي صغيره:(،ميري مسكين انت،تعيش مرتين،في اتنين بلد ،كان بلد،تبكي مرتين وتموت مرتين)،حين وصلت الي نهاية الحلم اخترقت طلقه دوشكا صدرها النحيف،وسقطت في ذات المكان الذي كان يضرب فيه مادنق الارض بعصاه, ويقرا لها مستقبلها ,كانت تضغط علي جرحها وهي تضحك تضحك من واقعها القمي،وتبكي من وطن حلمت به فاستقبلها بالرصاص.وشيعها نحو الغياب. الرياض ابريل 2014
| |
|
|
|
|
|
|
|