|
قصص قيد الانشاء ... ( 7 ): الحمامة
|
الحَمَامَةُ ذَات الجناح المكسور كانت العلامة الوحيدة المميزة في مدخل الحديقة العامة الغريبة. لا ... لم يكن منظرها غريباً بقدر ما أَنَّهَ أَدخلني في حالة اندهاش ورعشةٍ أَعرفُ مَصْدَرَها تماماً؛ كيف لها وهي بذلك الحال أن تكون علامة مميزه علي الحياة أو إمكانية أن تكون بها في ذات يوم حياة قامت بتخريبها؟ آخر مرّة عَبَرت من الممر الذي تبني فيه عشها الأرضي قبل أكثر من عشر أعوام. نعم عشرة أو أكثر! كنتُ جِدّاً أُحِبُ المَمَرّ؛ لا بسبب الحارس الصغير الذي يقف بديلاً عن والدهِ الذي كنا نَتَفَنّنُ فِيْ الزَوَغَانِ مِنْهُ نَحوَ الدَاخل وهو ينظر إلينا مبتسما عند الخُروجِ وكأنهُ يقولُ: نَعَم رأيتكم. بينما والده الشيخ يزرعُ شُجَيْراتِ بَيْتِهُم الصغير الملاصق لمبنى الحديقةِ والذي رغْمَ صِغَرِ حَجْمِهِ إلا أنّ أفرع الأشجار تتدافع متطاولةً نَحْوَ السَمَاءِ بَلْ كَانَتْ فِكْرَةُ الدخول إلى الحديقةِ العامّةِ أمراً مُلْفِتَاً في تِلْكَ النَهَاراتِ المدرسيّةِ دونَ حِسَابِ الوَقْتِ والعِقَابِ الذي يَنْتَظِرنا فِي آخر الشارع ... حتى أنّي الآن أرى وأسْمَعُ ضَحَكَاتِ الأطفالِ وهم يعملون نهبا في شجرة الزونيه العتيقة ...والتي كانت تدر الكثير من الحجارةِ على سَاكِني البيت ... أما "عمّ خضر" فلم يستطع أن يقول إلا "يا أولاد ال..." دون أن يُتِمَّ جُمْلَتَهُ... هَل تعمّدَ أن يسب؟ أَمْ أنّه تراجع عن ذلك مع تغير نبرة صوته من غضب إلى تسامح؟ في النهايةِ تَمَّ نَهبُ شَجرةِ الزونيه بنجاح. أذكر تلك الأشجار الضَخْمَةِ وهي تدعو للتسكعِ تَحْتَهَا فِي نِهاراتِ المدينةِ شديدةِ الحرارةِ مِن جِهَةِ السَماء ومن ناحيةِ العيش فقراً تَحْتِ سُلَّمِ الحَيْاة التي ما كانت تعني لنا أكثر من ثَمَنِ الحلوى فِي الغالب؛ فقد كانت أكبرُ كارثة نخشاها أَنْ يَتَأخر وصولِ إمدادات الحلوياتِ بعد زَفّةِ المولد. دخلت الشارع هذه المرّة صدفةً بَعْدَ حَادِثةِ الغَرَقِ الكبيرةِ تِلْكَ تَفَرَّقَتْ بِنَا السُبُلُ فَهَجَرْنَا المَدِيِنَةَ قَسْرَاً نَحْوَ دُنْيَا المَالِ ... نَفْسُ الحمامة وَقَفَت قَبْلَ عَشْرِ سَنَواتٍ شاهدةً على قصّةِ هُروبنا الكبير خوفاً من تفكير الآخرين باتهامنا بالتسبب في قتل ابن الحارس غرقا. لم يكن الأمر سوى صدفةٍ نادرة؛ إذ كيف يموت السبّاح الماهر ابن النيل غرقاً؟ ونحن لا نستطيع أن نقول أنّنا كنّا شهوداً رأينا الحَمَامَةَ ذَات الجَنَاحِ المَكسور تدفعه نحو النهر دفعا! نَفْسُ الحمامة التي تَرقُبُ الشارعَ من بعيدٍ كأنما تنتظر من يقول نعم دفعت الصغير ابن الحارس فسقط في النهر.
|
|
|
|
|
|