|
مقال جدير بالمطالعة: حقائق صادمة عن الاقتصاد السوداني
|
كاتب المقال: على عبد الرحيم علي (في الحقيقة أول مرة اتشرف بالاطلاع على مقال له) ويبدو أنه تكملة لمقال قبله جاء في موقع بوابة الشرق يرجى زيارة الرابط http://www.al-sharq.com/news/details/240769#.U4QpBvl_saU بعنوان: ثلاث مراحل للخروج من الأزمة .. السودان: آفاق غبشاء (2)
Quote: الوضع الاقتصادي الآن في السودان لا يقل سوءًا عن السياسي، فهما متلازمان، وبعد أن أفقرت السياسة الاقتصاد، أرهق الاقتصاد النظام السياسي، فطفق ينشد المخارج. وقد ظل اقتصاد السودان منذ فجر التاريخ، أي منذ بضعة آلاف سنة يعتمد على الزراعة والرعي ولا يزال للأسف! والأسف مبعثه ليس فقط أنه اقتصاد فقير وضعيف، بل إن ثقافة السودانيين – حتى المثقفين منهم – وبعد ما يزيد على ثلاثمائة سنة على انتقال البشرية إلى الصناعة، لا تزال ثقافة زراعة ليس لأن السودان يسعى إلى (الصنعنة) ولم يصلها بعد، بل لأن السودانيين يظنون الصناعة والزراعة هي خيارات اقتصادية، كلاهما صالح للنهوض بالأمم، والاختيار بينهما يعتمد على ثقافة أهل البلد أو إمكانات البلد الطبيعية أو البشرية. وأنا أبشر القارئ الكريم أن السودان سيظل ضعيفاً فقيراً ما دامت هذه الضلالة فاشية في أهله! لاشك أن اقتصادنا الآن يعاني من الناحية الظرفية نتيجة صدمات داخلية وخارجية كالحرب والديون والأزمة العالمية وبؤس العلاقات الخارجية، ويعاني أيضا من ناحية هيكلية أو بنائية (structural) فهو اقتصاد ريعي يعتمد على الموارد الطبيعية وتصدير الخام والجباية الحكومية والتجارة الداخلية غير الإنتاجية، كالسمسرة وما شابهها من مهن. ولكن الإشكال الأكبر في تقديري هو أن اقتصادنا يعاني من الناحية الثقافية (cultural)، وتغيير المفاهيم هو أقسى أنواع التغيير. فالثقافة الاقتصادية في بلادنا ما زالت تقوم على قيم وتقاليد بالية. فالرعاة مثلاً يجعلون لأنعامهم قيمة ذاتية وليست اقتصادية، حيث تكون كثرة الأنعام سبباً في مكانة اجتماعية أرفع دون تحويل هذه الأنعام إلى مال يستخدم في الاستهلاك كشراء العقار أو تحسين مستوى المعاش في المأكل والملبس، وبهذا لا يدخل المال في دولة الاقتصاد. كذلك الأمر في مفهوم الأرض لدى المزارع، حيث تأخذ قيمة ذاتية لا علاقة لها بما تنتجه الأرض فعلياً وإنما قيمة الإرث والتباهي الاجتماعي ولو كانت بوراً. بل إن الأمر يصل إلى ما يظنه الناس قيماً مطلقة وأخلاقاً ثابتة كالكرم مثلاً، فمظاهر الإسراف في (إكرام) الضيف وموائد السمر والمناسبات الاجتماعية والصرف عليها بما يزيد كثيراً على الحاجة مخافة الاتهام بالبخل أو بدافع قيمي صادق، كل ذلك يهلك فرص الأفراد والأسر في الادخار الذي هو من أعمدة الاقتصاد الحديث. وحتى لا يساء فهمي هنا فأنا لا أتحدث عن الشهامة التي فيها إغاثة الملهوف والصرف على المحتاج، ولا حتى عن الكرم الوسطي غير المتجاوز الذي حض عليه الدين كإطعام الضيف قدر الحاجة، وإنما ذلك التنطع غير العقلاني كذبح الخراف لمريض القاوت أو تحلية الشراب لمريض السكر، فقط لإثبات أن (الخير موجود) أو دفعاً لتهمة البخل. بعض هذه العادات بدأ يتغير الآن ولكن السبب في التغيير هو ضغط حياة المدينة على الناس، بينما المطلوب هو تغيير الثقافة نفسها نتيجة زيادة الوعي بين الناس. صحيح أن واقع المدينة قد يغير الثقافة على المدى الطويل ولكن لا داعي لإعادة اكتشاف العجلة، الأفضل هو تغيير الثقافة بزيادة الوعي عوضاً عن انتظار يد التاريخ لتؤدي واجباً نحن نعرفه الآن! لقد ظل الاقتصاد السوداني منذ الاستقلال معتمداً على بنيات اقتصادية وضعها الإنجليز، وقد وضعت آنذاك لمقابلة الصرف على الاحتلال وتصدير المواد الخام إلى المصانع الإنجليزية. ولم تتمكن الحكومات الوطنية من الإضافة إلى هذه البنيات الشيء الكثير من حيث النوع. فقد قامت بعض المصانع ولم يصمد غالبيتها مع الزمن. ثم كانت العشر السمان للبترول والتي لم يُدَّخر منها إلا النذر اليسير في شكل بنى تحتية وخدمات، والآن نجد أننا عدنا إلى زمن الإنجليز مع اختلاف الزيادة في الرقعة المزروعة والنقصان – المريع! – في الكفاءة الإدارية. السودانيون لم يشعروا بآثار هذه الصدمة كاملة بعد، فهي ستتوالى على ظهورنا لفترة من الزمن. أظهر هذه الآثار هو التضخم الشديد الذي أصاب الاقتصاد في فترة قصيرة والنزيف المستمر لقيمة الجنيه السوداني وهذا له أثر قاس على المواطن كون غالب السلع الاستهلاكية واردة وليست منتجة محلياً. والحكومة الآن أعيتها الحيلة في دعم السلع الإستراتيجية ذات الكلفة السياسية العالية، كالقمح والوقود، وقد شهدت البلاد انقطاعات في هاتين السلعتين سرعان ما تتداركها الحكومة بحلول يائسة ستنفد جُعبة الحكومة منها قريباً، ما يعني أزمات في الخبز والوقود والكهرباء وموجة غلاء جديدة في السلع والخدمات. إن أفقنا الاقتصادي قاتم حقاً، ولا أمل في الخروج منه في ظل النظام الحاكم، لأن البقاء في الحكم شديد التكلفة والنظام يصرف على بقائه من مال البلد الشحيح جداً. النظام الآن يغرق، والشيء الوحيد الذي يتعلق به هو رقبة المواطن الذي يختنق، فإما حاول التخلص منه بالقوة وفي ذلك خطورة أن يغرق الجميع، لأن النظام لن يفلته بسهولة، وإما أن يتعاونا للوصول إلى أقرب أرض يابسة ثم يفترقان بعدها بإحسان. لابد أن ينظر المرء بعين الريبة تجاه كل ما تقوله الحكومة عن الوضع الاقتصادي في البلد. فالبرنامج الإسعافي الثلاثي فشل بشهادة النظام ولم يلقن من كان يظن نجاحه! وإنني لأعجب لمسالك الحكومة في أمر الاقتصاد، فالبرنامج الإسعافي يقوم على إحلال الواردات والنهوض بالزراعة، ولكن كيف ستنجح الزراعة إذا كانت البذرة المزروعة والسماد الذي يغذيها والمبيد الذي يحميها والآليات التي تزرعها وترويها وتحصدها وتنقلها كلها مستوردة؟! المدخلات المحلية الوحيدة في عملية الزراعة هي الأرض وفيها من مشكلات الملكية ما فيها، والماء وفيه من مشكلات الري ما فيه، والمزارع الذي يزرع في الغالب بذات الأسلوب والفهم الذي ورثه عن أحقاب بعيدة. ربما كان الأجدى بالحكومة التفكير في توطين مدخلات العملية الزراعية أولاً قبل أن تظن أن بإمكانها إحلال وارداتها. أوليس مدهشاً أننا نستخدم مدخلات مستوردة ذات قيمة مضافة لإنتاج وتصدير مادة خام ونظن أن ذلك يصنع اقتصاداً ناهضا؟! لا عجب إذا أن الأمر لم ينجح إطلاقاً على ما خطط له ولا أحسبه يفعل. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|