|
أعلمت من حملوا على الأعواد ؟ في رثاء الأستاذ محمود محمد بشير
|
بســـــم الله الرحــمن الرحــيم
أعلمت من حملوا على الأعواد ؟ في رثاء الأخ الأستاذ محمود محمد بشير هاشم الإمام محيي الدّين الولايات المتحدة / فرجينيا [email protected]
إنه أخونا ، وصديقنا ، وزميلنا الأستاذ محمود محمد بشير ، الذي إذا ذُكر ُّذُكر الندى ، وحب الناس ، وذُكرت المروءة ، وسلامة الصدر . فمن لها بعدك يا محمود ! عرفت الأستاذ محمود في سبعينيات القرن الماضي ، فقد كان أستاذاً في مدرسة اليونيتي ، وطالباً في كلية القانون ، بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، وكان يعجبني فيه أنه يجمع في التدريس بين العلوم الطبيعية واللغة الإنجليزية ، ومن المفارقات أنه ترك كل ذلك وصار أستاذاً للغة العربية لغير أهلها ! ثم جمعني به برنامج الماجستير بمعهد الخرطوم الدولي ، فتزاملنا عامين عرفته خلالهما عن قرب ،وأيقنت أني لم أكن أعرفه من قبل ، فالمعرفة العابرة لا تكشف عن معادن الرجال ، ثم تزاملنا في معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى حيث كنّا ندرس العربية للطلاب الأجانب ، فقضيت معه حوالي سبعة أعوام في مكة المكرمة ، أعادنا الله إليها ، فوجدت فيه ما ظل يأسرني ، وسيظل إن شاء الله ما بقي في العمر باق ، فرحمة الله على محمود ، الصديق الحفي ، والخل الوفي. لقد كان محمود ، رحمه الله ، سخياً مسرفاً في السخاء ، ماله لغيره ، لا يأسى على مال ذهب ، ولا يفرح به إن أتى ، فكله عرض الدنيا يذهب ويبقى الذكر الحسن ، بيته قبلة السودانيين المقيمين في ماليزيا ، والقادمين إليها في زيارات قصيرة . وكان محمود متواضعاً ، سكن إبّان إقامتنا في مكّة مع بعض الإخوة العمال والسائقن في بيت متواضع ، وكان يخذمهم خدمة أدهشتهم . ذهبت معه مرة إلى البيت بعد العمل في وقت الهاجرة ـــ هاجرة مكة ـــ فقال له الساكنون معه : ليس عندنا ماء حلو للشراب ، وكان الماء الحلو يجلب من محطات المياه الحلوة في جدّة ، وذلك قبل أن تنتشر هذه المحطات في بقية المدن ، فاستأذن مني وخرج في تلك الهاجرة ، وهو قادم لتوّه من العمل ، ليجلب لهم الماء ، وليس بينهم من له أيّة صلة قديمة أو قرابة به، ولكن الإنسانية ، والرأفة الساكنة في قلب محمود ، لا تعرف غير أن الخلق عيال الله . وكان محمود سليم الصدر ، حسن الظن بالناس ،غافلاً عمّا يكيده الكائدون ، يقابلك بابتسامة ، ولا يتعجل شيئاً ، أوصاني مرّة في أوّل عطلة الصيف أن آخذ له تذاكره وأحجز له في الطائرة التي أسافر فيها ، لأنه ذاهب إلى المدينة ، وسيقابلني في مطار الملك عبد العزيز بجدّة يوم السفر ، ولم يسمع إلى نصائحي بأن الأمر يحتاج وجوده ، وذهب إلى المدينة و ( الزارعة الله تقوم في الحجر ) والذين عملوا في السعودية ، يعلمون عقم الاجراءات الإدارية فيها ، ولا يصدقون أن مثل هذا الغافل يمكن أن تتسهّل أُموره فتستخرج له التذاكر ويسافر ، ولكن حصل ذلك ، وسافر معي في طائرة واحدة ، والدهشة تعقد لسان الأساتذة المسافرين معنا ، ولكن هذا محمود وهذا توكله . لا زلنا نتذاكر هذه القصة مع الدكتور تاج السر ( وده طبعاً مضيّقة إذا ما ظبط كل حاجة قبل أسبوع من السفر ما برتاح ) فيضحك ملء فيه ويحاكيه : " هاشم ياخي استلم لي تذاكري واحجز لي ، أنا ماشي المدينة المنورة ، وبلاقيك في المطار " . رحم الله محموداً ، فقد كان أوفى الأصدقاء وفاء ، وأصدقهم لهجة ،وأسلمهم صدراً ، عفيفاً ، شريف النفس ، ذا خُلق ودين ، فيه براءة الأطفال ، وهمة الرجال ، من عرفه بكى على هذه الخصال التي أودعت التراب ، فارتفع بها ، وباهي برفعته الجبال : ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى أنّ الثرى أعلى من الأطواد لقد حق لأهل محمود ، ولزوجه ، ولأصدقائه ، ولأهل السودان عامة ، وأهل دارفور خاصة ، ولزملائه السودانيين في ماليزيا وطلابه ، وللأخ الدكتور نقيب الصحفيين سابقاً ، النجيب أدم قمر الدين ، وكان سبب معرفتي به ،أن يبكو ا محموداً ، فهو،نموذج للإنسان المسلم الصادق ، والمعلم الكفء القدير ، والشخصية الاجتماعية المحبوبة . هكذا تمضي علينا الأيام ، ثم تمضي بنا فتطوينا ، كما طوت زملاء من قبله . أُقدم هذا العزاء للزملاء معلمي اللغة العربية لغير أهلها ، واستأذنهم ؛ لأقدمه نيابة عنهم لزوجة المرحوم وأسرته . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل محموداً ، وأن ينزله منازل الأبرار.
|
|
|
|
|
|