|
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق (Re: Amjed)
|
له مقال مشهور بجريدة السفير اللبنانية ابان مجازر صدام حسين ضد اكراد العراق بعنوان براءة الي اطفال كردستان قال فيه :
براءة إلى أطفال كردستان
هادي العلوي
ليس من المعقول أبداً، وليس من المنطقي أبداً، أن يستمرَّ هذا النهرُ من الدمِ في الجريان، دون أن يسعى أحدٌ لتسكيره. أي عشق للقتل، يتلبس هذا الرجل، الذي لم يعدْ قادراً على العيش خارج هذا النهر؟ حتى كأنّ السلطةَ لم يبقَ لها معنى، سوى تحرير مراسيم الموت، بلا حدود، وبلا سبب، وبلا هدف.
ان أي قاتل محترف، جائع، مريض، قد يمرّ بفترة استراحة، يتكلم فيها مع نفسه، وربما طَرحَ عليها سؤالاً عن بعض من اختارهم للقتل، ان كان قد أحسن الاختيار. لكن هذا القاتل البدعة، لايريد أن يستريحَ. يرفض أن يأخذَ إجازة، يطرح فيها على نفسه هذا السؤال.
ان الدفاع عن السلطة في العالم الثالث، يستوجب القتل، لتثبيتها. وهو قد قتل مايكفي، لتثبيتها طيلة عشرين عاماً، ومع ذلك، فهو لم يتوقفْ عن لعبة الموت. صار وجوده في الحكم يتركّز في معنى أن نهرَ الدم، يجب أن لاينقطع عن الجريان، لأن انقطاعه، يجعل سلطته بلا معنى.
أباد من رعاياه، في المدة مابين 1968 ـ 1980 قرابة عشرين ألفاً، معظمهم بوسيلته المفضّلة: التعذيب، الذي يشمل أقرب خلصائه. تقول الروايات، أنه أعدم "ناظم كزار"، مدير أمنه العام، نشراً بالمنشار، لأنه تحداه في المحكمة الخاصة. وتقول أخرى، أنه سلق وزير صناعته "محمد عايش" في طنجرة نحاس (صفرية)، لأنه تجرأ عليه في محكمة مماثلة. والخيال الشعبي، حين ينسج هذه الصور، إنما يستند إلى أرضية، هي التي تفسّر لنا معظم مانقرأه في التاريخ القديم والحديث من الأمور الخارقة، فهي ليست مجرد حكي، يتناقله الناس، دون مضمون أرضي.
ومن الإيرانيين، مليون. في حرب كلّفت جيشه نصف مليون. كثير منهم، أعدمته فرق الإعدام العاملة وراء الخطوط، بتهمةِ نقصيرٍ، أو جُبْنٍ، أو تراجعٍ.
واليوم، وقد سكتتِ الجبهة الإيرانية، تتوجه الفيالق إلى كردستان. الجيش العراقي هناك، معلناً عن حضورٍ بنفس الكثافة. ونفس المعدات. ونفس الطريقة في القتال. دليل على أن اندفاعه في تلك الجبهة، لم يكن بسبب معنويات خاصة، نسبها إليه أنصار الدفاع عن الوطن من العراقيين. فهاهو يواصل في كردستان حروبه الإجرامية بكل بشاعتها. كنتُ أقول لهم: "ان هذا الجيش، سيقوم بنفس المهمة حية، حين يكلف بالهجوم على بيوتكم".
ان مايجري في هذه الأيام، يتحدى الخيال، ولايُعبّر عنه بقاموس. أشعر بالعيِّ، وصعوبة الكلام. أبحث عن مفردات مطابقة، وتتعذر علي. صدقوني، أني بحثتُ، لعلي أجد مايساعدني على تحرير وصف لِما يجري في كردستان العراقية، فلم تسعفني اللغةُ. إن الافادات التي أدلت بها منظمة العفو الدولية، وبعض الحكومات في أوربا، قد عبّرتْ عن الدهشة. غير أنها لم تدخل في عمق المفارقة: كيف يكون هذا الجيش؟ كيف يكون هذا الرجل، الذي يعطي الأوامر؟ إن الجنود العراقيين، يجتازون في هذه الساعات الحدودَ التركيةَ، ليصبّوا حِممَ مدافعهم على مخيمات اللاجئين الأكراد. هل سمع أحدٌ بهذا من قبل؟؛ ان اللاجئين ما أن يجتازوا حدود بلادهم، حتى يصبحوا آمنين بحكم الأعراف الدولية. أما ملاحقتهم وراء الحدود، وهم مجرد لاجئين، وبعد أن يكونوا، قد سكنوا الخيام، لإستكمال إبادتهم، فهذا من خصوصيات جيشنا وقائده العام. لقد أمستِ الهمجية التركية بعراقتها في العدوان على شعبها، والشعوب المحكومة بها، ملاذاً لهؤلاء النازحين. ولولا جبن هذا الجيش وخوفه من الأتراك، لكانت المخيمات الكردية، قد إمّحت من الوجود الآن.
يهجم الجنودُ العراقيون على القرى الكردية، لينفذوا خطط إبادة منظمة. كما تقول حرفياً منظمة العفو الدولية في موقف استثننائي، خرجت به على لغتها الإنجليزية المحايدة. هذه القرى الوديعة، البسيطة، المتصوفة في زوايا جبالٍ، طالما فاضت على العراقي باللبن والعسل، واستقبلته بنداء "كاكه"، الذي يعني عند الأكراد، أنك آمنٌ على نفسك ومالك وكرامتك الشخصية. فالكردي العادي، هو مثل سفوحه الخضراء، لايصدر عنه إلا الطيّب، حتى لصوصهم وقطّاع الطرق منهم، يملكون من القيم الأخلاقية، ما لا تملكه أكثر الجيوش تحضراً.
يمسحها الجندي العراقي بحذائه المحمّل بالغاز السام، ثم يجمع مايتبقى بها من الأطفال والأمهات والجدات، حتى يتمتع برؤيتهم، وهم ينامون كالفسائل المقطوعة تحت أخامص بنادقه الرشاشة. لم يتردد الجندي عن أداء هذا الدور. لم يأخذه الندم. ولم يسأل الطيّار نفسَه، على من يرمي قنابله الكيماوية؟ ناهيكم عن أن يفكر بالنزول بطائرته في بلدٍ آخر، لكي يكتسب الجنسية البشرية، ويعلن للعالم حقيقة مايجري في هذا البلد العجيب. كلا، أبداً. بل أقولها عن تثبّتٍ ـ ونحن أبناء قرية واحدة، كما يقول المثل العراقي ـ انه سيعود بعد أن يفرغَ حمولته على غرف نوم الأكراد، ليحدّث زوجته، أو عشيقته عن بطولاته لذلك اليوم.
أيها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة، على فراشه، أو في ساحة لعبه، هذه براءتي من دمك أقدمها لك. معاهداً إياك، ألاّ أشرب نخب الأمجاد الوهمية، لجيوش العصر الحجري، أقدمها لك على استيحاءٍ، ينتابني شعورٌ بالخجل منك، ويجللني شعورٌ بالعار أمام الناس، أني أحمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك. وليت الناس أراحوني منها، حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز. أنا المفجوع بك. الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل. في زمن حكم الذئاب البشرية، لم نعد نملك فيه إلا البكاء.
اقبلْها مني، أيها المغدور، فهي براءتي إليك من هويتي.
***
نُشر هذا النص، في تاريخ 23/9/1988، صحيفة السفير اللبنانية.
ثم أعيد نشره في كتاب "حلبجة"، الذي أعدّته، وأشرفتْ عليه "هيفاء زنكنه"، وطبعته في لندن عام 1989.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 10:09 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | رانيه محمد الشيخ | 11-27-10, 10:13 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 10:27 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 10:20 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 10:50 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 11:10 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 11:33 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 11:40 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-27-10, 11:57 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 00:43 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 00:47 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 00:56 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 01:01 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 01:05 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 01:30 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 01:41 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 01:43 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 02:10 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | محمد قرشي عباس | 11-28-10, 11:13 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | د.محمد بابكر | 11-28-10, 12:16 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | محمد قرشي عباس | 11-28-10, 02:25 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 03:44 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 04:02 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-28-10, 04:07 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | د.محمد بابكر | 11-28-10, 07:10 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | ibrahim kojan | 11-28-10, 10:36 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 11-29-10, 08:34 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | الفاتح سليمان | 11-29-10, 09:29 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | محمد قرشي عباس | 11-30-10, 00:40 AM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 12-02-10, 10:55 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 12-02-10, 10:55 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 12-02-10, 10:55 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 12-02-10, 10:55 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Amjed | 12-02-10, 10:55 PM |
Re: هادي العلوي ... حياة رجل صادق | Sabri Elshareef | 12-03-10, 01:24 AM |
|
|
|