|
الصادق المهدى : الديمقراطية عائدة وراجحة
|
جاء فى جريدة اليوم التالى المقال الآتى :-
أزمة الديمقراطية في الأمة يختزلها شاب قضى أكثر من 10 سنوات في الجامعة منافحا عن الحزب.. ثم عاد ليصف قراراً للمهدي على طريقة: ستالين نفسه لا يمكن أن يفعلها
أزمة الديمقراطية في الأمة يختزلها شاب قضى أكثر من 10 سنوات في الجامعة منافحا عن الحزب.. ثم عاد ليصف قراراً للمهدي على طريقة: ستالين نفسه لا يمكن أن يفعلها
"ليتها عائدة.. ليتها راجحة"
الخرطوم – محمد الخاتم
من السهل على أي مبتدئ سياسي أن يقرأ ويعي سفر "الديمقراطية عائدة وراجحة"، لكن عصي عليه مطابقته مع كثير من فعائل مؤلفه الصادق المهدي غير الديمقراطية، والتي كان آخرها تحريضه العلني لأعضاء الهيئة المركزية التي انعقدت أمس الأول بأمره على إقالة الأمين العام "المنتخب" -كما زعم بعض من حزبه- ولم يكتف بذلك، بل رشّح لهم ثلاث شخصيات للاختيار من بينهم، قبل أن يطلب من الثلاثة أنفسهم - بصيغة الأمر - التشاور فيما بينهم لاختيار أحدهم بالتزكية، فكانت سارة نقد الله بديلا لإبراهيم الأمين، تماما كما أراد!
كل هذا لا يبدو مهما للتدليل على التناقض مقارنة بدخول الرجل للاجتماع وخروجه وهو يشد إلى عمامته نحو 50 عاما من الزعامة بلفافتين؛ إحداهما إمامة الأنصار، والأخرى رئاسة الحزب، دون أن يأتي على موعد تخليه عنهما، أو إحداهما على الأقل، ودون أن يكون مسموحاً لأيّ من المؤتمرين الجهر بأنّ هذا المسلك ليس ديمقراطياً.
"لا داعي للحديث عن ممارسات المهدي خلال 50 عاما قضاها على رأس الحزب للتدليل على تناقضه، فقط العامان الماضيان كفيلان بإثبات ذلك".. هكذا قال أحد شباب حزب الأمة لـ(اليوم التالي) مفضلا حجب اسمه، وتفضيله هذا يمكن اعتماده أيضا كدليل رئيس أو ثانوي لإثبات أنّ "الرجل كان دائما يبشر بالديمقراطية وفي نفس الوقت ينقذ الأنظمة الشموليّة" كما يستطرد الشاب.
حسناً، لنتتبع العامين مع محدثنا الذي يشير إلينا باجتماع الهيئة المركزية الذي انعقد في أبريل 2012 والذي كان المهدي يريد عرقلة قيامه لأنه كان يعرف أن نتيجته ستكون سحب الثقة من الأمين العام وقتها صديق إسماعيل المقرب منه والمتهم من قبل قطاعات واسعة خصوصا الشباب والطلاب بموالاة النظام وهو ما تم بالفعل حيث انتخب إبراهيم الأمين بدلا عنه مدعوما من ذات القطاعات الرافضة للتقارب مع النظام. يقول الشاب الثلاثيني: "الأمر يبدو مضحكا ومستفزا ولا داعي لتتبع عاميين بأكملهما لإثبات التهمة على "سيد صادق"، هكذا نطقها، ورد فعله على سحب الثقة من صديق إسماعيل يكفي لذلك، فبعد إطاحته مباشرة عينه نائبا له دون أي اعتبار لقرار المؤسسة".
كانت نبرة الشاب الذي قضى 10 أعوام حسوما في الجامعة منافحا عن حزبه دون أن يزور قاعات الدراسة إلا لماما أشبه بنبرة ودهشة القيادي بالمؤتمر الشعبي المحبوب عبد السلام الذي جمعتني به مقابلة صحفية وقتها واختزل لي توصيفه لقرار المهدي تعيين إسماعيل نائبا له بالقول: "هذا قرار ستالين نفسه لا يمكن أن يتخذه".
توجهت بسؤال اعتراضي إلى الشاب بأن المهدي لا يبدو مخالفا للسلوك الديمقراطي بحثه لأعضاء الهيئة المركزية سحب الثقة من الأمين لأن الدستور يمنحه هذه الصلاحيات كما قال هو نفسه في كلمته بالجلسة الافتتاحية للاجتماع لكنه آثر ترك الأمر لهم حتى يحظى القرار بالإجماع اللازم.. قبل أن أكمل سؤالي جاءتني الإجابة متعجلة: "كيف لشخص ديمقراطي أن يقبل برئاسة حزب دستوره يمنحه صلاحية أن يقيل بمفرده شخصا آخر انتخبته مؤسسة؟".
صمت الشاب برهة ويده إلى رأسه متعجبا، ثم استرسل طالبا مني عدم مقاطعته: "هذه حجة عليه وليست له لأن الدستور ذاته غير ديمقراطي وهو كرس من خلاله صلاحيات كبيرة لشخصه تلغي جوهر المؤسسات ودورها.. في العرف الديمقراطي لا يملك أي شخص أو جهة حق إقالة شخص انتخبته مؤسسة إلا المؤسسة ذاتها أو مؤسسة أعلى منها وبالتالي المهدي أكبر من الهيئة المركزية إذا اعتمدنا حديثه".
أنهى الشاب حديثه فسألته معترضا بأنه ليس من الإنصاف إطلاق كل هذه الاتهامات على رجل حاز قبل شهور قلائل على جائزة قوسي العالمية لجهوده في ترسيخ الديمقراطية والسلام وعلى الأكثر يمكن اعتماد بعض منها فأجابني بلهجة ساخرة: "وما رأيك في قبوله تكريم البشير له في القصر الجمهوري بعد أسابيع من منحه الجائزة؟، دعك من تقدير الآخرين لجهده لو كان هو نفسه يقدر هذا الجهد لما قبل أن يكرمه من انقلب عليه".
قول الشاب هنا يتطابق مع الاتهامات التي ساقها إبراهيم الأمين للمهدي بأنه لا يريد ثورة شعبية تطيح النظام لأنها تجعل من مكانته مستقبلا محل شك لذا يقف وراء مجموعة صديق إسماعيل المؤيدة للتقارب مع النظام وأنه يسعى لتوريث الحزب لأبنائه ويتعامل كمالك له ولهذا سعى لإبعاده عن منصبه، لكن المهدي لا يبدو حتى الآن مكترثا لهذه الاتهامات بل يعضدها بالنظر إلى وصفه إبراهيم الأمين بأنه (ضخم ذاته) أو: "يريد أن يطارد مع الكلاب ويجري مع الصيد" وما إلى ذلك من عبارات مماثلة بحق معارضيه مثل (الباب يفوت جمل) والتي استشهد بها الأمين لإثبات أنه غير ديمقراطي.
|
|
|
|
|
|
|
|
|