الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 07:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-25-2014, 09:53 AM

Barakat Alsharif

تاريخ التسجيل: 06-08-2010
مجموع المشاركات: 1256

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) (Re: مها عبدالمنعم)

    اختنا مها
    السلام عليكم
    تحية عكادية خالصة، وما قام به هذا الرجل هو الواجب، ونرحب بكم في (العكد)
    والعكد لمعلومية القراء تقع في الوسط بين عطبرة والدامر وهي عاصمة الاسمنت في السودان (يوجد بها مصنع الراجحي، ومصنع السلام ومصنع الشمال)
    اما عطبرة فهي أمنا الثقافية، درسنا في مدارسها وتزودنا منه بزاد الشخصية العطبراوية المبنية على التسامح حيث ضمت عدد ضخم من العمال من شتى بقاع السودان
    وأهديك بهذه المناسبة مقالي الذي كتبته ذات ساعة شوق لعطبرة بعنوان : قطار الشوق رحلة وجدانية في ربوع عطبرة... التي كانت


    Quote: ونهر هائج فيه فورة شباب وهو آت في اندفاع وتهور وكأن لا أحد مثله، نهر تختلف اسماؤه بين البلاد، فهو في السودان (نهر عطبرة) وفي الحبشة (تكازي)، تعددت الاسماء والنهر واحد، ويلتقي الشاب المندفع بشيخ وقور هو النيل، شيخ صقلته تجارب المسافة الطويلة التي قطعها زحفا والتقى فيها بمئات القبائل وملايين الافراد، مسافة تزود فيها برفد الروافد واتسع صدره لعبث الخيران, إذ هي حاملة اليه الجيف والقاذورات، وما أن يتخلص النيل من رعونة النيل الازرق واستهتاره إلا ويجد في عطبرة فتى متمردا آخر لا يظهر الخضوع له بل يعانده في اصرار ويضع خطا فاصلا بينهما إمعانا في التحدي، لكن وبعد مسيرة عدة كيلومترات يكتشف العطبراوي المغرور أن الصدام لا يجدى وأن التفاوض ممكن وأن مجرى الحياة يتسع للجميع، فتذوب الفواصل وتتلاشى الخطوط ويسير مع النيل مسيرة سلام طويلة .
    طيور تتراقص فوق صفحة العطبراوي تقتنص بعض سمك أعمى الطمي عينيه، والموسم دميرة، لكن لا دميرة عند العطبراوي، بل اكتساح سريع ثم انحسار أسرع منه، أنظر حولي فأرى (أدروب) وثلة من قومه يكافحون لإنقاذ كمينة طوب وجه النهر إليهم إنذارا باخلائها فانصاعوا مجبرين، أما الكوبرى الهرم الذي يربط بين عطبرة والدامر الرابض على صفحة الماء فقد كان وكأنه مالك الحزين يرقب غير مكترث كل ما يدور حوله مادا لسانه ساخرا للنهر الهائج، لكن عدم الإكتراث هذا يتحول إلى جزع وخوف عندما يخضع لسلطان قطار طائش, يعبره ويهزه هزا عنيفا، فاذا به يرتجف وتصيح قواعده وجوانبه، ولا يتنفس الصعداء الا بعد ان يمر القطار، وكأنه كابوس ثقيل قد جثم على صدره فتصبح الدقائق المعدودة عنده وكأنها دهورا.
    (الجو) قرب العطبراوي بقعة هي جنة السكارى ومأوى كل من ينشد الحرية ويهوى الإنفلات من القيود، سماء أرض (الجو) غيومها خيالات (الطاشمين)، وسحب الخريف التي تتشكل كما يحلو لها تصنع أزقتها الخاصة في السماء محاكية أزقة المكان المتعرجة، دلوكة (الجو) تهز الوجدان، وترانيم الشاربين و قهقهاتهم و ( الليلة هوي يا ليل) تنطلق في نشاز لا يلبث ان يتناغم عندما تحمله الاصداء بعيدا فلا تملك السحب الا ان ترقص طربا، اصوات (الجو) الصاخبة لا تقول سوى شئ واحد: نحن ابناء عالم آخر، عالم يختبئ بين اليقظة والاحلام، هنا تعطي رائحة البول والمريسة والعرقي المحتمية برائحة الشواء، تعطي المكان نكهة قل ان تجدها في مكان آخر. وتتدثر كل تلك الروائح برائحة شاطئ النهر المتخمرة وهو يجلب معه في فورة غضبه ارتالا من الزبل المتعفن والنباتات والاعواد وجذوع الاشجار، قاذفا بها في وجه ضفتيه، رافسا، صافعا ، وكأنه ينتقم منهما لتقييدهما حرية حركته في مجرى واحد، و لا يكتفي النهر بالرفس والصفع بل يدعو أفواج الذباب الى القدوم، ويلبي الذباب الدعوة فاذا به ليس ببارح غردا كشارب مترنم، بعضه بحجم عادي وآخر (جامبو) أخضر اللون، وتتشاكس أفواجه، وتلهو، ويتبارى أفرادها صعودا وهبوطا، ورواحا وغدوا، وكأن الجمع في مهرجان ، والنهر العنيد، وعن المدينة موقعه غير بعيد، لا يفوته وفي جريه الابدي، استراق السمع الى ضجيج المكان من صوت الصافرات المنطلقة من حناجر القاطرات، وأجراس العجلات المرحة ذات الأصوات الأنثوية، ونواقيس الكنائس ونداءآت المآذن، و تغريد الذباب، و دندنة الحالمين، وعربدة الهاربين من عالم الارض الى جو (الجو).
    نخيل الطليح على أطراف المدينة ينظر من عليائه إلى كل شئ، يراقب النهر ويراقب البشر لكنه يلتزم الصمت، فلايبوح لإحد بشئ مما سمع أو رأى، ومع وشوشة الريح يجيل النظر هازئا إلى سحب الدخان المنبعثة من الورش، و التي ترتفع مثله في الهواء لكنها ما تلبث أن تتلاشى، فيزداد يقينه أن ما ينفع الناس هو ما يمكث في الارض، وتتلقي سحب الدخان السوداء بسحب الغبار البيضاء التي تنفثها مدخنة شركة الاسمنت الرابضة على مقربة من الضفة الاخري للنهر، وتتخذ سحب كل جهة أشكالا شيطانية محاولة تخويف الأخرى ليخلو لها الجو وحدها، لكن هذا العراك بين الأبيض والأسود ينتهي شأنه شأن أي عراك بتوقيع إتفاق على الشراكة في المكان فكما اتسع المجرى للنهرين فالفضاء يتسع ايضا للونين.
    ورش النجارين والبرادين و المخارط والعمرة والمرمة والمخازن والمطابع ومكاتب العموم والهندسة وغيرها، تشكل جسدا واحدا تتحرك أعضاؤه على إيقاع صافرة مبحوحة تدوي بانتظام وفي توقيت دقيق، تعلن مرة عن بدء العمل ومرة عن الإنصراف منه للفطور و مرة أخرى عن العودة إليه، ومرة أخيرة عن إنتهاء ساعات العمل الرسمية، وكل هذه الإعلانات تتم دون كلل أو ملل ومع كل صافرة تتدافع ألوف العجلات عند البوابات دخولا أو خروجا، فلا يخامرك أدنى شك أن ما من عجلة خرجت للحياة من مصنع في هذا العالم إلا وكانت قبلتها عطبرة.
    وللعجلة جمال لا يحسه إلا عاشقوها، فهم يتفننون في زركشتها وتطريز سرجها وتزويدها بالمرايات والأنوار وتلميعها والإعتناء بها عناية الخواجة بكلـــب أو قط، لكن لا الكلــب ولا القط يمكن إمتطاؤه ولا هو بقادر على إيصال صاحبه إلى دار الرياضة أو سينما الجمهورية أو الى السينما الوطنية أو مسرح النيل أو قهوة ود البيه، أو مركز شباب المربعات، ولا هو بقادر على إيصالك لحفلة تحييها فرقة جاز السكة الحديد يطربك فيها عبد الله دينق ويغنى: ( هم نسونا وقالوا ما نسونا نتمنى دائما لو هم يجونا)، فتدليل العجلة دين مستحق والعناية بها بعض وفاء.
    والعجلات أنواع فمنها العجلة (العادية) ومنها العجلة (الدبل) ومنها عجلة السباق وللعجلة الدبل هيبة ووقار لا تخطئه عين الناظر وحسن خليفة العطبرواى كان لا يتنقل في ربوع المدينة إلا على عجلة (دبل)، ولما كانت الأقدار قد جرت بأن لكل أمرئ من دهره ما تعودا، فمن الطببيعي أن تكون عادة شرطة المرور في البلدة فرض الغرامات والجزاءات على كل عجلة أهمل صاحبها تزويدها بالفرامل أو الأنوار أو جرس التنبيه، ولهؤلاء حاسة سادسة لا تضل فيلتقطون المخالف حتى ولو اتخذ شكل إبرة في كوم قش.
    لا يعترض أهل عطبرة على قول الشيعة ألاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا على، لكن القول الفصل في عطبرة هو: لا عجلة إلا (رالي) ولا راديو إلا (فيلبس)، ويمكنك أن تضيف إلى ذلك قائمة طويلة من إعتقادات راسخة لديهم مثل لا ساعة إلا (رومر) ولا فول إلا (اليماني) ولا باسطة إلا (عبد الفتاح) ولا تسالى إلا (الحارث) ولا عطار إلا (ابو شنب) و لا بطل إلا (ديجانقو) ولا خائن إلا (بران). و لا هندية مثل عائشة بارخ. ولا فيلم الا (جانوار).
    من إشلاق البوليس حيث يقبع مطعم هناك قرب العطبراوي يجئ صوت محمد الامين الهادر منطلقا من أسطوانة، صوت يجارى النهر الفائر في قوته و يسير جنبا إلى جنب معه:
    جانا الخبر شايلو النسيم في الليل يوشوش في الخمائل
    هش الزهر وبكت الورود وسالت مشاعر الناس جدوال
    ويالها من مشاعر، سكبها بعضهم اسما فجاءت قرية (امبكول) من ارض الشايقية واصبحت حي من احياء عطبرة كتذكار عزيز القلب شايلو، وسكبها أخرون احزانا فجاءت (زقلونا) صيحة احتجاج على التهميش، ثم تمسك هولاء الذين زقلناهم بحبل (الامل) فاصبح فريقا جماهيريا له طبوله وراياته، ورافدا من روافد الكرة في السودان، امد فرق الخرطوم والفريق القومي في العصر الذهبي للكرة السودانية في السبعينات بالكثير من اللاعبين، وفي مباراة نهائية لكاس الدوري في ذلك الزمن الجميل فاز الهدف فريق الشوايقة على الأمل فريق المستضعفين في الارض، فخرج جمهور الشوايقة يغني مغايظا جمهور الأمل ( احمد سالم وين، قالوا لي سافر) على لحن اغنية الكاشف (أنا يا البلال وين قالوا لي سافر). واحمد سالم نجم عطبراوي اختطفه فريق المريخ من نادى الأمل ثم اصبح من مدافعي الفريق القومي. ويثأر الامل من الهدف في دورى آخر ويرقص جمهوره العريض طربا على كلمات ( في كل سنة، لعبة املنا ما احسنا) وهو لحن مأخوذ من اغنية للفنان الشعبي فيصل الخير غناها لمايو، لا تعصب ولا تخريب بل اهازيج واغاني تعبر عن السلام الاجتماعي الذي تعيشه المدينة، لسان هذا الجمهور وذاك الجمهور يقول غدا القاك يا صديقي في مطاعم الفول أو في اكشاك الليمون و غدا سنلتقي ايها الاهل في الورش و في المقاهى و في بيوت العزاء و في صفوف التنباك و سنتبادل القفشات والحلف بالطلاق والتعليق على احداث المباراة ولا مهزوم بيننا فالمنتصر هو الروح الرياضية وكلنا فخور باحمد سالم وعوض الحاج وشوقي عبد العزيز وزغبير وعبد الله موسى والطيب سند وشاكر وغيرهم من افذاذ اللاعبين الذين توجهوا من عطبرة نحو العاصمة ولا عبرة البتة من اى نادي جاءوا، من الامل أو من الهدف، من الشاطئ أو من الشبيبة. يكفي انهم من عطبرة
    ولا تنتهي قصة عطبرة مع الأمل فقد جاء الرشيد مهدي وانتج اول فيلم روائي سوداني طويل وفي استوديو امكانياته شديدة التواضع وهو فيلم آمال وأحلام وكانت عطبرة سباقة في هذا المجال مثلما كانت سباقة في مجال الرياضة حين اقيمت اول مباراة في السودان تحت الانوار الكاشفة في استادها العريق.
    وقبل الرشيد مهدي ومن إحدى ورش السكة الحديد جاء محمد بشير عتيق، استمد هذا الشاعر الموهوب من جداول المشاعر السائلة قصائده التى خرجت رحيقا وشهدا ونغما من نبع الالحان كرومة فاختلط ليل عطبرة بليل ام درمان، فاذا به يحول ليالي الاربعينات من القرن الماضي الى ليالي ساهرة، وقد انتقي عتيق من تلك الليالي (ليلة ساهرة) فريدة طبعت ذكراها في خياله وتجاوب معها كرومة فلحنها لحنا تكاد ترى -وانت تسمع -ضجيج الحفل ورقص الفتيات وحركة الفتيان. ليلة فيها من كل روضة عينة ومن كل عينة زهرة، روضة لابسة حلة وفيها الجمال تجلى و انار ظلامه فتيات مسفرات كالاهلة. لقد أتي هؤلاء الاوائل بما تقاصرت عنه همم ومواهب الأخير زمانهم جيل القرن الحادي والعشرين
    ويغير الجرسون الاسطوانة فتأتي مريا وصوت حمد الريح الناعم السلس الذي يماثل هدوء النيل يأتي مرددا:
    ليت لي يا مريا ازميل فدياس وروحا عبقريا
    فيخطر بالقلب صلاح احمد ابراهيم ويخطر بالقلب كبريائه وعزته
    وأنا منجم كبريت يتلظى
    كلما اشتم على البعد تعال
    وعطبرة كانت منجم كبريت انفجر مرات عديدة خصوصا في عهد مايو ومرة منها كانت ضد الوزير ابراهيم منعم منصور حين زاد سعر السكر نصف قرش، وخرج العمال يتظاهرون وهم يرددون (استقيل يا ثقيل) ويومها اضمر جعفر نميرى تمزيق عطبرة وكان له ما اراد، فوزع ورشها وشتت شمل عمالها وجاء بالكتيبة الاستراتيجية وهم عمال جاهزون للعمل لافشال اى اضراب يقوم به العمال المتمردون. و رغم ذلك لم تنقطع احتجاجات العمال ضد نميرى وهتافاتهم ( لو انت عنيد نحن حديد)
    كان للشيوعيين وجود كثيف في عطبرة قبل أن يدير الزمن لهم ولعطبرة ظهره، وسطعت في سماء عطبرة نجومهم اللامعة كالشفيع احمد الشيخ والحاج عبد الرحمن وقاسم أمين وكبج وغيرهم من كبار القوم، ولهم فيها قصص وطرائف لاتحصى، ومنها ان اجهزة الامن في عهد نميري ترصدت ذات مرة مجموعة قيادية منهم بغرض اعتقالهم وهم متلبسون بجرم عقد اجتماع سري، وحددت الاجهزة نقطة تجمعهم وتابعت تحركهم بعجلاتهم نحو المكان المخصص للاجتماع، لكن قبل الوصول نحو المقر تفرقوا، لقد تم الاجتماع وهم على ظهور العجلات، إذ ناقشوا ما يريدون نقاشه أثناء سيرهم في الطريق ثم انصرفوا سالمين.
    في العام الميلادي 350 وعند ملتقى عطبرة بالنيل وغير بعيد عن العكد, اعلن الملك عيزانا ملك مملكة اكسوم الحبشية عن عهد جديد، اعلن عن موت مملكة مروى وجاء اعلانه في نصب تذكاري كتب في مقدمته:
    ( انا عيزانا، ملك الملوك،ابن الأله، ملك اكسوم وحاكم حمير وريدان وسبأ وسالهين وسيدامو والبجة وكاسو المنتصر دوما)، وهذا يعني ان ملكه شمل اليمن والحبشة والسودان، ويقول في نصه ان الكوشيين اساءوا معاملة رعاياه من المانجورتو والهاسا وحنثوا بعهدهم فقام بقتالهم على مدى ثلاثة وعشرين يوما وقام بحرق مدنهم ونهب حبوبهم وأشار الى انه قام بالقضاء على النوبة السود والنوبة الحمر وطاردهم وسبى نسائهم وقتل رجالهم. ولا احد يدري ان كانت عطبرة قد اصابها بطش ذلك الملك او لم تكن في حيز الوجود، لكن وجود كنيسة تم بناؤها في العهود المسيحية في نفس المكان الذي وقف فيه عيزانا منتصرا، يمكن ان يستدل منه على ان المكان كان مأهولا وعامرا، ظلت آثار الكنيسة موجودة ثم اقيم في مكانها في عهد قريب سراى كان يمتلكه تاجر من عطبرة، وقد تم حرق السراي في ثورة اكتوبر، لم يكن الرجل صاحبه وزيرا ولا مرتشيا ولا علاقة له بالسياسة من قريب ولا بعيد، لكنها جماهير شحنت فلم تجد مكانا لافراغ تلك الشحنة سوى ذلك السراى فاحرق ودمر، فكانت غضبة الفقير على الغني ولا شئ غير ذلك. وبررت الجماهير غضبتها بان الموقع كان يتخذ مرقصا.
    عطبرة بنت كتشنر هذا ما يقوله مؤرخو الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، لكن اهل الداخلة والسيالة وهما من احياء عطبرة، يقولون غير ذلك، انهم يقولون نحن اللبنة الاصلية ونحن النواة ونحن هنا قبل كتشنر وبكثير جدا، كتشنر لم يفعل شيئا سوى انه اقام ورش السكة الحديد عندنا، فالمكان كان مأهولا ومعروفا والقرى حول عطبرة تشهد لنا بذلك فقد كان لنا الكثير من العلاقات والمصاهرات معهم، خليوة وكنور والعكد وام الطيور والفاضلاب والهودي والمقرن، اما اسم عطبرة نفسه فتحمله قرية الى الجنوب الشرقي من عطبرة واسمها الحالي (اتبرة الفوق) وقريبا منها كانت المعركة بين محمود ود احمد وكتشنر وتحديدا في قرية النخيلة.
    السلام الاجتماعي في عطبرة كما اسلفنا أمر واقع و لا جدال فيه، نوبة ودينكا وجعليين وشايقية ومناصير وفلاته ورباطاب وبطاحين وشكرية وفور وبقارة وغيرهم من القبائل والعناصر، جاءت بهم السكة الحديد فاستقروا وتعاقبت اجيالهم ثم اصبحوا جميعا اصحاب مزاج عطبراوي، والمزاج العطبراوي ساهم في صنعه المسلمون والمسيحيون، فقدكان للاقباط دور مهم ومؤثر في حياة المدينة، في إدارة السكة الحديد وفي الحسابات والبنوك والصيدليات وكان الكثير منهم تجار اقمشة لا تبور لهم (طاقة) و لا يشق لهم (قماش)، لجودة بضاعتهم ومتانتها، ولا غرابة في هذا الجو المفعم بالتسامح أن وجدنا احد الشعراء وقد تغنى بحب فتاة مسيحية وحشد قصيدة بالمفردات المسيحية ، ثم انطلق بها صوت العطبراوي في اغنيته المشهورة:
    يا سلوة المحزون يا قيثارة القلب الجريح
    ويتحفنا شاعر الاغنية ببقية النظم الجميل:
    بخق بطرس يا فتاتي من شفى الرجل الكسيح
    بماري جرجس والصليب بالكنيسة والمسيح
    بالقس بالمطران بالجرس المرن على السفوح
    قداسة البابا المعمد بالشموع وبالذبيح
    ان ترحمي متعذبا يهواك في حب صريح
    كان اليمانية والشوايقة والاقباط هم العتاصر الفاعلة في حياة المدينة دون انتقاص لمساهمة العناصر الأخرى، فبقالة اليماني تجد فيها ما يخطر بالبال وما لايخطر بالبال، ومع اكتظاظها لا يفشل صاحبها في ايجاد مكان لتعليق صورتي عبد الله السلال وجمال عبد الناصر، و عند دكان اليماني كما قال احد شعراء حملنتيش (قدرة بوخها الملوي أذاني) ولم يكتف اليمانية بقدرة فول فقط امام الدكان بل اقاموا مطاعم لا تقدم سوى الفول، مطاعم لها جمهور عريض محتشدة بالرواد دائما وأبدا يحملون معهم البصل الاخضر والجرجير والطماطم والطعمية والجبن، ومع كل ذلك فان صحن الفول لا يسلم شرفه الرفيع من الأذى الا اذا اريق على جوانبه زيت السمسم وتناثرت على حوافه قرون الشطة الخضراء والحمراء. واليماني يستقبل كل هذه الحشود من العمال والباعة المتجولين والطلبة بصبر عجيب عرف به اهل اليمن ويستجيب لطلباتهم ونداءتهم ويدير الحركة بمهارة نادرة.

    وما ان ينتهى الفطور حتى يهرع جمهور العمال الى المقاهي الكثيرة ولكل طائفة منهم تمثل ابناء منطقة او أبناء مهنة أو مناصري حزب مقهاهم المفضل يرتشفون الشاي والقهوة ويتحدثون في السياسة والكورة والسينما ولا يخلو الأمر من اغتياب الكمندة او الملاحظ أو المأمور وآذانهم مرهفة لالتقاط صفارة العودة الى العمل، وفي تلك المقاهي كان (محمد عوارة) المشهور بابي جنزير لا يكف عن اطلاق النكات والتعليقات الساخرة وأبو جنزير كان من اخطر المجرمين وقد اتهم بعدة جرائم قتل وكان يستخدم فيها جنزير عجلة للقضاء على الضحية، ونسجت حول شخصيته اساطير عديدة وتخطت شهرته مدينة عطبرة.
    في مكتبة دبورة ومكتبة حنتبلى زحام على المجلات والصحف لا يماثله الا زحام الفول والصعوط، أو فلم بطله شامي كابور، والطائرة التى تأتي بالصحف يخفظ الناس مواعيد قدومها حفظهم لبرنامج مباريات الدوري، وعلى رفوف المكتبتين تجد تنافس القاهرة وبيروت واضح وجلى، كما ان الخليج يقول ايضا انا هنا.
    على رف المكتبة سلام من نوع آخر فالرف يقول انا كمجرى النيل وكسماء المدينة لدي متسع للجميع، فعلى هذا الرف ترقد مجلة الشبكة اللبنانية وعلى غلافها فتيات بملابس البحر الى جانب مجلة الوعي الاسلامي الكويتية، فمن اراد غيا فهاك هذه ومن اراد رشدا فهاك تلك، مصر تقدم الاهرام واخبار اليوم والاخبار والجمهورية وآخر ساعة والمصور والكواكب وحواء وسمير وميكي وروايات الهلال وسلسلة أقرأ، ولبنان يقدم الصياد والشبكة والجمهور والموعد والنهار والوطواط وسوبرمان والبرق، والخليج يقدم مجلة العربي والدوحة والوعي الاسلامي، وانتاج الخرطوم هو الآخر كثيف، الايام والصحافة والرأى العام والميدان والنيل والميثاق والسودان الجديد ومجلة الخرطوم والاذاعة والتلفزيون، وسوق الثقافة في عطبرة رائج يلتهم كل هذا الانتاج وكشك (عبد السلام التكروني) يبيع مرة اخرى ما تم استهلاكه من كتب ومجلات كبضاعة مستعملة وباسعار زهيدة، وارخص ما يبيع مجلة (الصين الجديدة) وعلى غلافها صورة لا تتزحزح لماو تسي تونغ
    عهد مضى وايام خلت وبعدها بدأت المدينة في تلقى الضربات، كانت اولى الضربات تفكيك منظومة السكة الحديد ثم اعقب ذلك خروج اليمانية وعودتهم الى بلادهم عند اكتشاف البترول في اليمن في بداية الثمانينات، ثم بدأت هجرة الاقباط نحو استراليا وكندا ودول غربية اخرى في التسعينات، واجهز الشوايقة على ما تبقي من رونق لعطبرة حين شدوا رحالهم نحو الخرطوم فخفتت حركة المدينة واختفت اسماؤها المضيئة. وفقدت الكثير من بريقها.
    أخنفى اليمانية وظهر الصينيون، كان اندماج اليمانية في المجتمع سهلا ولم يجد صالح ومحسن ويحى وعلى اى صعوبة في دخول بوابة المجتمع بينما وقف حاجز اللغة والثقافة بين اهل الصين والناس، كانت صور الصينين في مجلة الصين الجديدة تثير الدهشة لشدة تقارب اشكالهم، وما خطر بذهن احد انه سيأتي يوم يخرج فيه هؤلاء الناس من رحم المجلة الى واقع الحياة يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق ويشيدون الكباري والمصانع والطرق.
    على وقع اقدام الصينيين استيقظت عطبرة فجأة لتجد انها على ابواب مستقبل زاهي وهي تجد نفسها مرتبطة برا ببورتسودان والشرق، ومرتبطة غربا عبر الكوبرى الجديد بالضفة الغربية حتى دنقلا وسيعوض الطريق والكوبرى فقدانها للسكة الحديد ولكن عودة السكة الحديد لابد منها لأن قدر عطبرة ارتبط معها، وتنتظر المدينة عودة مرفق السكة الحديد بشغف ولهفة، والى ذلك الحين سنغني مع فنان عطبرة (الذكار) صاحب الاغنية الاصلي الذي اعتزل الغنا،:
    قطار الشوق متين ترحل ترسينا

    (عدل بواسطة Barakat Alsharif on 01-25-2014, 10:01 AM)
    (عدل بواسطة Barakat Alsharif on 01-25-2014, 10:02 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 09:30 AM
  Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) Barakat Alsharif01-25-14, 09:53 AM
    Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 11:24 AM
      Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) علي الكرار هاشم01-25-14, 01:12 PM
        Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 04:14 PM
          Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) عبدالحفيظ ابوسن01-25-14, 04:28 PM
            Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 06:13 PM
          Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) حامد بدري01-25-14, 04:31 PM
            Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 06:19 PM
              Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) على عبدالله بشير01-25-14, 07:26 PM
                Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-25-14, 07:37 PM
              Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) عبد الله شم01-25-14, 07:40 PM
                Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) Balla Musa01-26-14, 04:18 AM
                  Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) عبد الله شم01-26-14, 07:51 AM
                    Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) Barakat Alsharif01-26-14, 07:57 AM
                      Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) عبد الله شم01-26-14, 09:28 AM
                        Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) ابو جهينة01-26-14, 09:51 AM
                          Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) علي محمد الفكي01-26-14, 11:43 AM
                            Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) nazar hussien01-26-14, 01:58 PM
                              Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:46 PM
                          Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:39 PM
                    Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:33 PM
                  Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:27 PM
                Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:17 PM
                  Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 03:49 PM
                    Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) د.نجاة محمود01-26-14, 04:02 PM
                      Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) Barakat Alsharif01-26-14, 04:39 PM
                        Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 05:14 PM
                      Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) مها عبدالمنعم01-26-14, 05:01 PM
                        Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) إسحاق بله الأمين01-26-14, 05:35 PM
                          Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) عبد العزيز محمد عمر01-27-14, 06:17 AM
                            Re: الشهامه بتعجب فشكرا للراجل من العكد (بين عطبره و الدامر ) Mohammed Ahmed Saeed01-27-14, 07:59 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de