الزمن لا يتوقّف، وكذلك أدواء الزمن المؤبوء سياسياً بشمولية مقيتة، ظلّت مستمسكة بآخر رَمق في استمرارية الحُكم لخمسةٍ وعشرين سنة، كُلّها في الزّحيح والوَحيح ودون أقلّ فلاح. بل وضد رغبات غالبية الشعب الذي يضنى ويكاد يفنى. الزمن لا يتوقّف لأولشك ولا لهؤلاء؛ الذين يريدون – إنْ استطاعوا - ألّا يفوتهم بيومٍ منه ولا ساعة، لا دقيقة أو حتى ثانية واحدة يمتنع تعويضها. لكنّهم مع ذلك، يماطلون بتضييع الزمن. فلننظر إلى بدء الدعوات الصالحات للحوار والإصلاح وترك اللِّجاج الإنقاذوي السَّمِج؛ متى بدأت وكيف تدشّنتْ، ولماذا تطاولتْ، ثم ما هو معيار الزمن في الوصول لمُخرَجاتها..؟ على بؤسها من مُخرَجات، بل ونكران أهلها لها.
لا أعتقد أنني أتعدّى الحقيقة ،إنْ قُلتُ أنّ دعوة الحوار ظلّت مُشرَعة منذ الشهر الأول للإنقلاب الإسلاموي، منتصف العام 1989. حيث تفوّجتْ الوفود إلى عواصم الدوَل الجارَة، تطلب الحوار مع المعارضة الجنوبية المُسلّحة. كانت وفودهم تبذل الوعد وسيعاً، وتردفه بالتنازل تلو التنازل، وبالرغم من كل ذلك، لم يتم التوصل إلى أهدافٍ، إلّا بعد سـَـــلِّ الرُّوح وإنهاك قوامة الشعب المشبوب والبلد المنكوب. كان الزمن المهدور من يوليو 1989 وحتى يوليو2005 ستة عشر سنة؛ ولم تزد مُخرجات التفاوض الحواري الإنقاذوي، عن توقيع اتفاقية تسمّت باتفاقية نيفاشا، وتسمّت كذلك باتفاقية السلام الشامل؛ ومع استبشار الحكومة والمتمرّدين الجنوبيين، بما صنعا، إلّا أنّ السلام لم يتحقّق. بل حلّ بين حُكّامنا الأشاوس، بغيضُ التشاكس والتراكض استقواءً بالخارج، وفِراراً من الشعب في القُطرَيْن.
أمّا ركائز السلام المتفق عليه، وأعني وُحدة القُطْرِ وشعبِه وتنميتِه، فقد انهارت بالانفصال الحاقن. والذي ما نزال - وكذلك ما يزال إخواننا الجنوبيين - نُعاني سويّاً نتاجات حواراتِه التفاوضية الزمينة، واتفاقاتِه الالتفافية المَهينة. وعلى مَرّ الزمن، ظلّت ذات الوجوه والعقول والجسوم، تُنادي الحوار الحوار الحوار؛ لكنّها في واقع الأمر، ربما كانت تقصد، وما تزال، حوار الطريفي لِــ جملِـــه. فقد صنعت الاتفاقات الكبيرة في مُسمّياتها، لكنّها فقيرة في نتائجها. كاتفاق الخرطوم للسلام، اتفاق أبوجا، اتفاق الدوحة، اتفاق القاهرة ، واتفاق جدّة، اتفاق فاشودة، اتفاق كنانة إلخ,,,, وهلـــُـــمّنِفاقا.
لندَع جانباً ما فات، وقد قيل: الفات مات، بيد أنّ الأنموذج الحواري المُستَمسَك به، يُعاد تطبيقه بحذافيره هذه السِّنين. يُقدَّم كَـــ مِنحة أسنى، دالّة على عدالية الحكومة السودانية وحزبها الرّائد لوطنٍ قائد؛ كأنّما هذه الحكومة التي تطاولت بها الأيام، لا تعي ما اقترفتْ من خراب سياسي واقتصادي واجتماعي وسياسي وعلاقاتي؛ وللعادِّين، سيصعُب لا محالة، قيدُ أيِّ نجاحٍ لهذه الحكومة في أي دفتر إنجاز، اللهم إلّا نجاحها في أن تظلّ على صهوة السُلطة الغاشمة وشهوة الحُكم العارمة، لما يقترب من رُبع قرنٍ من الزمان؛ وإنه لنجاحٌ بئيس لو تمعــنّا في حال الفوضى والفساد وغياب القانون والنظام وعَوَز الإنتاج وانحطاط الخدمة المدنية وإهدار الموارد، وانخفاض؛ ليس قيمة العُملة الوطنية فحسب، بل حتى قيمة المواطن السوداني، تجاه نفسِه والآخرين؛ كيف لا وهو مواطنٌ منكوب تسلّط عليه بعضُ أبناء شعبِه وبناتِه. ليس لهم من قارحات الحُكم بالعدل والإحسان، إلّا الدَّروَشة والعجز المكشوف؛ ومع ذلك يدّعون كل صباح بأنهم وأنّهم وأنّهم إلخ,,, أيدي متوضئة، وقلوب طاهرة، وعقول مفكِّرة ونفوس مؤمنة، عارفة لِــ دربِها و عابدة لربِّها ومُقيمة لِفرضها، ولا تخلو من الإتيان بالنوافل والمندوبات، وعلى سَننٍ من الأمر القويم، أمناً ودفاعاً ونظاماً وإنتاجاً وخدمة مدنية فائقة الجودة وعلاقات خارجية تُحبِّب المُستَثمرين في السودان، وتُحفِّز السودانيين على مُغادرة السودان في ذات الآن!
لقد شهد الناس خطاب الوثبة في السابع والعشرين من يناير، ثم خرجوا لا يلوون على فَلاح في الأمر..! فقد استفزّهم التَّقعُّر اللفظي من بعض ديناصورات القصر والتفاوضات المُزمِنة. ليُدرِك أغلب السامعين، أنّ المسألة فيها "إنّة" وماهو إلّا حوار العجز أو الدَّخَل، ولعله حوار الدَّجل القديم، لكل زعيمٍ فيه رضا؛ مع أنه من المِحال إرضاء الزعماء جميعا. ثم هجس انتظار الناس طيلة فبراير ومارس المُنصَرمَيْن؛ يلوكون تصريحات متضاربة لذوي النفوذ الحِزبي والدستوري، بأنّ الأمرَ جَـــدٌّ، وله حَـــدٌّ. ثم أهلّ علينا السادس من أبريل ليحمل الناس على الجادّة، وقد قيل: المؤمن صِدِّيق..! أمّا وقد انتُهِكت الحُرِّيات مُجدّداً، بعد السادس من أبريل الحوار، ثم تصاعدت الادّعاءات والتبريرات الواهية لبعض النافذين بالإمرة والصولجان، فإنّ مُجمل هذا الحوار، لا يعدو عن كونه حوار الطريفي لِـــ جَمــَـــــلِه؛ و هو ذاك الحوار الذي تتحتّم نتائجه بالمفارَقات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة