تمر الذكرى ، ونعرف أن أبطالنا ، يموتون ، وقليلون هم الذين يعرفون مآثرهم . إن الأرض السودانية مليئة بالكنوز الوطنية المدفونة . في أرض حلفاية الملوك ، أرض العبدلاب ، وأرض الشيخ يعقوب مجلي التي استقطعتها دولة الفونج ، وُري جسد بطلنا هناك . تحت قبر مثل قبور عامة الذين رحلوا . كان حينها مُستأجراً مسكناً . عرفه أهل الحلفايا الكرام ، وجلس معهم في مجالس المؤانسة القرآنية عندما كان في أواخر الستينات مما مضى من عمره .
زارني في مسكن استأجرته في حي الضباط بأم درمان ، وقال بالحرف : ( جئتُك كي أعرف المسكن . وإن سألني سائل أين تسكن كريمتي ، كنتُ الدليل ) .أول مدخله إلى الصالون ، تصفح مكتبتي الصغيرة ، وخجلت من عالم يتواضع ليتصفح مكتبة صغيرة في مُبتدأ الإطلال على الثقافة الحق . في المكتبة كتب منها رأس المال مترجماً بالإنكليزية ضمن مجموعة أسفار في التاريخ والشعر واللغة وهندسة العمارة والسياسة وعلم النفس ، والأخير كان مُحفزاً لي في التخيُّل ، وأظنه قد حرضني على الكتابة من بعد ذلك ، توقف عند " رأس المال " لكارل ماركس ، ولم يتهمني التهمة الإخوانية المعهودة عند الذين أعشت نواظرهم الجهالة ، بل تحادثنا سوياً في مضامين الكتاب ، وأسس تراكم رأس المال ، وعلاقة تطوير الصناعة وبين الاستغلال . كان حديثه موجزاً حول المبادئ ، وهو يتحدث بصفاء عن رسالة الدكتوراه التي كتبها " كارل ماركس " في وقت كانت الشعوب السودانية ترزح في بحر الجهالة إلا القليل . تحدث كثيراً عن التجربة السودانية ، وعن أن أصحابها يتعين عليهم معرفة دقائق الحياة السودانية وتنوع أهلها .رفض قسوة الصراع الطبقي ، وأتوبيا دكتاتورية البروليتاريا، وهو يرى للرأسمالية محاسنها في النهضة بكل مكوناتها ،ولا سيما والصحافية والاعلامية ، وتلك هي شغله الشاغل .
كان يأتي من القصر بالمواصلات العامة ،ايام حكم النميري، عندما كان في صحافة القصر يعمل . رفض السيارة الحكومية والهاتف الأرضي الحكومي والمسكن الذي تُخصصه الدولة لمن هم في مناصب مشابهة . كان وإلى مماته عفيف اليد واللسان . متواضع . في نهاية السبعينات تعرفت أول مرة على فهرس الآيات القرآنية خاصته ، كان مكتوباً ورقياً تلك الأيام ،قبل هيمنة الحياة الرقمية . عندما نسأله مستنجدين عن معاني بعض الكلمات الإنجليزية ، يسألنا أولاً عن الموضوع وفي أي مجال نطلبه ، وبعد التحديد ، يحدثنا عن خيارات المعاني ويسهب .
في العام 1974 ذهب مندوباً عن السودان في المؤتمر الأول للترجمة في دولة الكويت . أظن الجميع سوف يذهلون لو علموا أن الخلوة والمدرسة الأولية هي حصيلته الموثقة . عصامي علم نفسه بنفسه ، بالكد والحفر في الصخر وبالمراسلة . هو مالك ورئيس تحرير صحيفة الصراحة ( 1949-1960) ، تلك الصحيفة التي صادرها عسكر عبود ، وبماكيناتها تم إصدار صحيفة الثورة !!. لم يسترد حقوقه من صحيفة " الصراحة " المصادرة إلا عام 1984 م ، سدد ديونه القديمة لأهله بسنجة ، قبل رحيله بستة أشهر ،في 6 يناير 1986 .وشيد بالبقية أصل المسكن الذي سكنته الأسرة من بعد رحيله .
رطب الطرفة ، من أطراف الحكايات والتواريخ التي تتناسل وأنت تسامره ، تتعرف على الشعوب السودانية ، أصولها ومسارب مبدعيها ، ورقة طباع أهلها ، وبداوة النهج . أرضاً ما عرفت الشفهية إلا ليندثر تاريخها أو تلمه الصدور . في أرشيف الصراحة يمكنك أن تتعرف على العالم العصامي " عبد الله رجب " . سجنه المستعمر مراراً ، واحتواه المحبس مرة وكان برفقته الأستاذ " محمود محمد طه " في القضية المشهورة ، وقد غابت تلك عن مدونته الأخيرة " مذكرات أغبش " .
*
01-06-2014, 07:12 AM
محمد علي عثمان محمد علي عثمان
تاريخ التسجيل: 08-21-2012
مجموع المشاركات: 10608
الأكرم : الباشمهندس / محمد علي عثمان تحية طيبة ، وكل سنة وأنت والأسرة بألف خير . لقد تعودنا على إحياء الذكرى السنوية ، وفاءً ، ونثراً لسيرة عصامي أفنى حياته من أجل القلم، ومن أجل الصحافة التي تُعنى بالمواطن العادي الذي يهمه الخبر وتحليل الخبر.
01-06-2014, 04:46 PM
احمد الامين احمد احمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-06-2006
مجموع المشاركات: 4782
Sorry, due to severe disorder in my Arabic keyboard that caused many spelling mistakes I have deleted my comments hoping to solve the matter . I had discovered that more than 5 days after posting my comment while reading the post. Sorry for all.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة