صاحب بروق الحنين دقس الجنوبين

Quote: قبل أيام كشف أحد المسؤولين بولاية الوحدة عن رغبتهم منع الفتيات من أكل (حلوى اللبان) في المدينة، حيث زعم السيد سايمون قاتجوات جال في تصريحات نقلتها (أي راديو)، كان أهم ما فيه الآتي (يلاحظ أن البنات يمارسن عادة أكل اللبان في الشارع، وهو سلوك سئ وغير مسؤول، الناس يقولون دائما بأنه يجب منح المراة حقوق، هل ذلك هو الحق الذي نتحدث عنه، لماذا نعطيهم هذه الحقوق طالما هن يفعلن أشياء خاطئة؟ إذا رأيت زوجتك تفعل ذلك بالتأكيد ستقوم بمنحها الطلاق). تذكرت كل هذه الكلمات وأنا أتابع ردود الأفعال التي أعقبت نشر قناة الجزيرة لفيلم (بروق الحنين)، وهي ردود أفعال غاضبة توجهت للزميلتين (إستيلا قايتانو وكدين جيمس) بعدما عبرت الزميلتان عن حزنهن لاستقلال جنوب السودان وفقدان الثانية (لحبيبها السوداني) وتعرض الأولى لموقف رأته غير حميد وهي تفترق مع أطفالها في مطار الخرطوم، بحيث دخل الأطفال من بوابة المواطنين الوطنيين ودخلت هي مع الأجانب. لستُ ضد الذين انتقدوا إستيلا وكدين، لأنني من الذين يعتقدون بأن الزميلتين لم يوفقن في اختيار ما يدل على احترامهن لإرادة الأغلبية التي صوتت للاستقلال، وليس من الحكمة زج القضايا الشخصية مثل العلاقات العاطفية في مسائل وطنية جوهرية مثل وحدة الدول أو انفصالها عن بعضها البعض، فإذا كانت العلاقات العاطفية تحدد مسار وحدة الأوطان فنحن لنا أخوات متزوجات من شخصيات منحدرة من دول متقدمة، وهن بنات وطنيات تزوجن من مواطنين ألمان وبريطانيين وإثيوبيين وحتى من كينيين ويوغنديين. وهي دول، إن كان من الضروري أن تعقد وحدة سياسية بسبب الزواج فقط، لقمنا باختيار الوحدة مع إحداها بدل جمهورية السودان التي جربانها وتركناها دولة ملتهبة الأطراف. في تقديري إن أهم مافي فيلم (بروق الحنين) أنه كشف عن طبيعة عقلية من أنتجوه، وكيف لا زالوا يفكرون، حتي بعد انفصال جنوب السودان، بصورة سطحية. شخصيا لم أتوقع أن ينتج الدكتور وجدي كامل فيلم يعتمد في مضمونه على تجارب موغلة في الغرابة، كما شاهدنا، لأن قدرات مدير مركز مالك الثقافي تفوق، في تقديرنا، تبسيط الأمور بتلك الشكل. فقد كان من الممكن وضع فرضيات أخرى تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية، ومقاربات أخرى متعلقة بحجم التنمية وكيف عاش الجنوبييون تجربة سنتين من الاستقلال. لقد صعّب الدكتور وجدي لنفسه سهولة العلاقة مع الجنوبيين، سواء كان ذلك مع الكثيرين الذين كانوا يحترمونه أو السلطات. والذي لا يعلمه الكثيرون، أن الدكتور المذكور عندما جاء لتصوير فيلمه، مثار الجدل، في رمضان الماضي، تعرض في يومه الأخير وهو مغادر مدينة جوبا للإعتقال من الأجهزة الأمنية، وأذكر أن زميلنا مثيانق شريلو اتصل بي وقال بأنه تلقى مكالمة لتوه من إستيلا قايتانو تفيد باعتقال دكتور وجدي، وحينها تحركنا لشرح موقفه، وعند اتصالنا بمسؤولي الإعلام في الامن وشرحنا لهم حقيقة أن الدكتور المذكور هو مدير مركز مالك عقار الثقافي، تعامل مسؤولي الجهاز بإحترام يفوق الوصف، حيث بادر ضابط عظيم بمنحي فرصة التحدث مع دكتور وجدي وهو في معتقله، وبمجرد انتهائنا من الحديث قال لي ذلك الضابط العظيم، بأنهم سيطلقون سراحه فورا وسيوفروا له إقامة طيبة على حسابهم في فندق (إستار) على ضفاف النهر لمدة يوم، على الرغم من إنه لا يملك رخصة لتصوير الفيلم في جنوب السودان، وقد كان. بالأمس اتصل بي زميل ذلك الضابط ولامني بشدة على ثقتي في دكتور وجدي، وزعم بأنني مشترك فيما نشر وأشعل الغضب في نفوس الجنوبيين. إن فيلم بروق الحنين لم يعبّر عن حقيقة الوضع في جنوب السودان، بقدر ما خاطب الجانب المخفي عن سطحية كثير من بناتنا، ولا نستبعد بعد الآن أن يخرج أحد من المتطرفين ليتحدث مثل حديث مسؤول ولاية الوحدة، ويمنع الفتيات من الإدلاء بآراء سياسية على وزن (أكل اللبان).