رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-03-2024, 10:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2013, 09:48 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... (Re: احمد ضحية)

    الآن, وروحه تغادر جسده المصلوب المحترق في فناء الكنيسة, تطوف في أرجاء البلدة القديمة. وتستعيد ذكريات حياته فيها. يرى نفسه, يدور حول السوق الصغير, ومقابر ودمجبو عابرا إلى السوق الورا, فتعود به الذكريات إلى الخلف حيث يقف و ود الخزين أحيانا ليعابثان الإسكافي. أو يجلسان عند قهوة ود أبدوم, يتداولان مع روادها الأحاديث التي لا تثمر.. يبحث عن الأب جميل, ويشاهد عناق الكنيسة مع الجامع القريب, الذي إحتل جزء من أرض ود أمجبو.. شاهد ذكريات.. لكنه لم يشاهد أحدا يمر في منتصف السوق القديم. ربما لأن الأهالي جميعا لحظتها متحلقين حول جسده المصلوب المحترق, هناك.. في فناء الكنيسة العتيقة.
    حاول فتح أبواب الحوانيت القديمة, لربما هناك روح رجل قديم في انتظار أصدقاءه. أو أحد السابلة المتعبين, لطول ما قطعوا من فيافي وغفار. غلبه النوم على قارعة الطريق في هذا السوق.. فنام متكئا على جدار الحانوت. سوق قديم ورجل قديم.. وحكايا الخزين الضاربة بجذورها في ذاكرة المكان الذي هدته السنين!
    كان السوق إذن خاو لا من الناس فحسب, بل حتى من الحياة نفسها. فحتى القطط تهرب من وجهه.. قطة سوداء تقفز نحو الحائط القريب. كان يشعر بالحسرة والشوق لتلك الأيام. عندما كانت فوانيس الجاز تضيء السوق القديم, إلى أن يعلن صياح الديكة ميلاد صباح جديد دون أن تنطفيء! وقتها كان يصحو باكرا.. قبل شروق الشمس, ككل أهالي البلدة القديمة, الذين لا يوجد بينهم عاطلا أو متعطلا.
    تسآلت روحه:
    "ماذا جرى لأهل هذه البلدة؟"
    في هذه الحوانيت والزوايا و النحوت, التي تزين الأسوار العالية والجدر, التي نمت عليها الطحالب الخضراء والفطريات. كأنها تؤرخ لماضي البلدة القديمة, بسوقها الذي هوعصب حياتها وأنشطتها الدؤوبة, التي لا تهدأ في حركة العمال والصُّناع كالحائكين والإسكافيين والدباغين والدهّانين و الخشابين والحدادين.. في هذه الحوانيت كان الناس, يجدون كل إحتياجاتهم بأبخس الأثمان. فما الذي جرى؟
    كان سوق البلدة القديمة يجتذب السياح الوافدين, والزوار القادمين من القرى القريبة المجاورة, التي كانت تفتقد لمثل هذه الأسواق لتتسوق وتقضي حاجاتها منه.. وقد كان السوق عند أهالي البلدة القديمة يسمى "البندر" لكن أهالي البلدة القديمة, كانوا يفضلون إطلاق إسم "ود أمجبو" على سوقهم, دونا عن كل الأسماء!
    ولعل سوق ود أمجبو في البلدة القديمة, كان مثالا حيا لما يفضلون من خيارات حياتهم. والذي كان إلى ما قبل سنوات قليلة, قبيل مقتل صانع الفخار, سوقا يعج بالحيوية والحياة. أما اليوم.. وروحه تحلق في فضاءات البلدة القديمة, فقد أقفر من تجاره وعماله وباعته وصناعييه وعشابيه, الذين يداوون الأهالي بالأعشاب. كما خلى من تجارته الرائجة في تلك الأيام البعيدة, إذ لم يعد هناك مشترون أو باعة, فأضحى بلقعا يبابا.. يلفظ أنفاسه الأخيرة ببطء!
    إن الذي عاش تلك الفترة الذهبية, يوم كان هذا السوق "في عزّه" لا يسعه إلا أن يتحسر على تلك الأيام الخوالي, وعلى ما آلت إليه هذه الحوانيت "المغلقة" الواقعة على جانبيه, وقد بدت حزينة كئيبة.. بعد أن كانت في يوم من الأيام عامرة.. لا يسعه إلا أن يتحسر على ما أصابها من خراب وهجران, بعد أن هجرها الأهالي!!
    وإن الذي تسوقه قدماه اليوم ليمر في وسطه, لا يسعه إلا أن يحزن ويتألم على هذا الوضع المزري, وهذا الإهمال الفاضح لكل أجزاءه..
    وعلى بعد مسافة قصيرة من هذا المقهى, الذي يعج مدخله بالدلالين, الذين يبيعون ويشترون ويقايضون كل شيء وأي شيء. كان يقع سوق الخضار, كخط فاصل بين السوق الصغير والسوق الورا أو سوق ود أمجبو, الذي يشمل سوق العناقريب, الذي أكثر ما تميز به صناعة البروش, والنطوع والسحارات التي تحتاجها النساء لحفظ أغراضهن. فسوق العناقريب ربما لهذا السبب بالذات, كان لا يفرغ من زبائنه.. كخلية النحل. وكان يطيب للشيوخ وكبار السن والنساء بالذات, الجلوس في هذا الجزء من سوق ودأمجبو. لأسباب خفية غامضة لا يدرون حتى هم أنفسهم كنهها! وأكثر ما يميز سوق ود أمجبو, أنه ملتصق بالكنيسة العتيقة, الملتصقة بالجامع الكبير. الذي لا يبعد كثيرا عن مقر الحاكم العام..
    ستمر عشرات بل مئات السنوات, لكن سيظل سوق ود أمجبو يحمل آثار عزّه القديم ومجده البائد, الذي تكشف أحفورات صانع الفخار عن معالمه المقفرة في ذلك العصر الكارثي..
    وفقا لمخطوطات صانع الفخار, أن من قام بتشييد هذا السوق, هو الخزين الأكبر. أثناء حكم نيرون لروما في القرن الأول الميلادي. وقد كان في البدء مفتوحا.. والأضلاع التي تشكله الآن مستحدثة. فأحد أضلاعه تم إنشاءه في أواخر العهد النوبي, قبيل سيطرة العرب بقليل. أما الضلع الآخر فقد شيد على عهد حكام الفونج وسلاطين دار الريح الأقوياء, وبهذا المدخل توجد عدة مداخل: مدخل للسوق الصغير.. ومدخل لسوق مقابر ود أمجبو.. ومدخل لسوق السمك وجزارات الكمونية والدواجن. ومدخل للكنيسة القديمة والجامع الملاصق لها .
    كان سوق ود أمجبو إذن يبدأ طريقه من حيث الجامع والكنيسة, وجزارة السمك والكمونية. ثم يتجه شرقا حيث ينهض في بداية صفوف دكاكينه دكان الخردوات, الذي يطيب لدراويش البلدة القديمة, الجلوس تحت كشاشته.. كانوا بثيابهم الملونة يجلسون في هدوء وهم يتبادلون أسرارهم!
    وبدء من الصف الذي يلي دكان الخردوات, يمكن للمار أن يمر بشخصيات هذه السوق الثابتة والمميزة واحدا واحدا كلما أوغل في المسير. فالمرحوم رزق كان يحترف من المهن والحرف كل شيء, بدء بصناعة الطواقي والمناديل والقفاف, مرورا بقلع الأسنان المسوسة ووضع حدوات الجياد وقص أظلاف المواشي, بالإضافة إلى كونه حلاقا وطبيبا وحجاما. والذي كان يسبغ على السوق جوا من المرح والسرور بنكاته و"مقالبه" البريئة, التي لم يكن ينجو منها أحد!!.. وطمبل صاحب الشخصية القوية, الذي قلما كنت تراه مبتسما.. والذي كانت مطرقته تترك وقعا داويا يرن في أرجاء السوق كله.. وغيرهم كثيرون.. خطروا على روح جادين فردا فردا في هذه اللحظة الفاصلة التي تفارق فيها روحه جسده المحترق.
    كان الناس يلتفون حول أصحاب هذه الحوانيت. الذين كانوا في معظمهم متحدثين بارعين, يستأنس الأهالي بقصصهم الممتعة, وأحاديثهم السلسة ونكاتهم المرحة. التي تغذيها حكايات الخزين. التي تفيض بالحكمة والطرافة.
    كل حركات المقاومة والمعارضة والهبات الثورية, كانت تخرج من قلب هذا السوق. ولهذا السبب بالذات أصبح الحكام المتعاقبون يستهدفونه. إلى أن وصلوا به إلى هذا الحال البائس!
    كان شاغلي السوق دائما ينقسمون إلى معسكرين: قسم مع الحاكم العام وآخر ضده. وكثيرا ما كانت تدور بينهم معارك حامية ا########س, قد يحتدم فيها النقاش لدرجة الشتائم والسباب البذيء المقذع والعراك بالأيدي, لفرض آرائهم. إلى أن يتمكن العقلاء من فض هذه الإشتباكات.. ليعودوا في اليوم التالي وكأن شيئا لم يحدث البارحة!!... هكذا كان أهالي البلدة القديمة, في تلك الأيام الخوالي!.. وهكذا ودعت روح صانع الفخار سوق ود أمجبو وهي تتحسر على أمجاده الغابرة!
                  

العنوان الكاتب Date
رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:40 PM
  Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:43 PM
    Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:48 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:53 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:54 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:54 PM
        Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 10:46 PM
          Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 11:14 PM
          Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 11:14 PM
            Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... زهير عثمان حمد11-02-13, 11:41 PM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 02:23 AM
            Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 02:31 AM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... عبدالعزيز عثمان11-03-13, 03:00 AM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 09:48 PM
  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 07:39 PM
    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 10:13 PM
      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 03:38 AM
        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 05:02 PM
          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 05:33 PM
            Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 06:50 PM
              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 07:13 PM
                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 09:54 PM
                  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 06:40 AM
                    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 03:50 PM
                      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 09:37 PM
                        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 01:55 AM
                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 05:34 PM
                            Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 05:50 PM
                              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 10:02 PM
                                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 02:12 AM
                              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... باسط المكي11-08-13, 05:06 AM
                                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 07:08 PM
                                  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 07:12 PM
                                    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-09-13, 00:52 AM
                                      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-09-13, 04:41 PM
                                        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-10-13, 03:36 PM
                                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-10-13, 10:28 PM
                                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-13-13, 07:04 PM
  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-11-13, 09:10 PM
    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-12-13, 04:43 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de