رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-04-2024, 10:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2013, 02:31 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... (Re: احمد ضحية)

    لحظتها إمتد شعاع الشمس, مخترقا غشاوة السماء الغائمة, عابرا خلال نافذة غرفتها, فأحدث في نفسها, تأثيرا غامضا. أشعل فيها المخاوف والهواجس والظنون. إذ بعد ذلك خيم على فضاء البلدة دخان أسود! نبع من مكان مجهول في الفضاء الرحيب. فشدت صغرى زوجات الحاكم العام صدرها بتكاسل, تحاول أن تقاوم في تثاؤبها المتكرر, بقايا نعاسها, دون أن تكترث!.
    كان كل شيء حولها لا يزال عبقا بأحلامها الليلية الجريئة: الضوء الخامل وحفيف أوراق شجيرات الجهنمية الحمراء, في باحة القصر الرئاسي.. خرير الجدول, الذي تتكيء على شفته, غرفة أحد الحراس من عشاقها السريين, وآثار البلل التي جفت على أوراكها الممتلئة!
    الطريقة التي أعدم بها صانع الفخار, رسمت في أذهان الأهالي, إستفهامات لا أول لها ولا آخر, كان في مقدمتها طبيعة علاقتهم بهذه البلاد.. البلاد الكبيرة. وهكذا قادت هذه الأسئلة دار الريح, لتصبح مستودعا ضخما للسلاح.
    وفيما شهده ذلك العصر أيضا, الإنتعاش الرهيب والرواج الكبير لهذه التجارة. كما شهد شيوع القتل والحروبات والدمار والخراب, الذي طال كل شيء. بعد أن إمتلأت دار الريح بالسلاح, حتى فاضت بكل أشكال وألوان المليشيات والغزاة من دول الجوار!
    كان واضحا أن دار الريح تتعرض لمؤامرة محلية – إقليمية ودولية مربكة! فقد أصبح الأهالي الذين فتنهم الحاكم العام, ليقتلو بعضهم البعض منقسمين.. يميزون أنفسهم وفقا لهوياتهم وسحناتهم وعقائدهم الضيقة! لم يعودوا يشعرون بإنتمائهم جميعا لسهل البلاد الكبيرة, بذات القدر!
    في مثل هذا المناخ اللعين, إكتشف صانع الفخار, أن الأشكال المتعددة للجماعات والطوائف, قد أستغلت لتحقيق مصالح إثنية وطائفية, تتعلق بمجموعة الحاكم العام وأقرباءه في الجماعات والطوائف. وهكذا كانت تلك نقطة البداية لصانع الفخار, ليبحث في الإجابة عن سؤال الذات.
    وهكذا إعتزل صانع الفخار الناس, وأختفى في وديان دارالريح, ولم يظهر إلا بعد أن إستولى جند الحاكم العام على السلطة, فمضى يحرض الأهالي إلى أن نال منه التعب!
    عندما بلغ صانع الفخار سن المراهقة, حاول أن يجيب عن هذه الأسئلة, ولمعرفته بأن شعب البلاد الكبيرة لا زال يؤمن بالدجل والشعوذة, قام بكتابة رقي وتعاويذ ب"العمار" على لوح خشبي, ثم غسله في النيل. ليشرب منه أهل السهل.. ثم فعل الشيء نفسه في وديان دار الريح, حتى يتأكد أن ما من كائن حي في البلاد الكبيرة, إلا ويكون قد شرب من هذه الرقي والتعاويذ المذابة في الماء!
    وهكذا فوجيء ذات صبيحة باكرة, ريانة بدعاش طمي النيل و"همبريب" الوديان, المشبع برائحة "السعدة والسناسنا وصندل الردوم" بأرض سهل البلاد الكبيرة من أقصاها إلى أدناها, ترتج وتتزلزل بإيقاعات هي مزيج من "الكمبلا والمردوم والتم تم والجراري والشاشاي" و.. إيقاع واحد ومتوحد يتخلله غناء عذب بكل لغات البلاد الكبيرة! كان السكان, كأنهم يفيقون للمرة الأولى منذ آلاف السنوات!
    منذ أن سمع جادين جانو بتلك النبوءات البعيدة, التي هي في الحقيقة جزء من تاريخ البلاد الكبيرة, وسيرتها ومسيرتها. ظلت تداهمه ذات الخواطر, التي كانت تداهم صانع الفخار. كما كان هو يتخيل خواطر صانع الفخار!..
    فصانع الفخار منذ طفولته الباكرة, هيمنت على حياته تلك الرؤى الغامضة, عن الحياة والموت والكون وأسئلته المعقدة!. فانهمك تحت وطأتها مشكلا الطين, أشكالا لا تخلو من نبؤات محتملة. أسهمت في تشكيل حياته وحياة من حوله. بل وحياة "جادين جانو- الحفيد" بعد مئات السنوات!
    من عاداته التي لم يخالفها يوما واحدا منذ طفولته الباكرة, وتسفاره. حتى اللحظة التي سبقت مقتله حرقا في ساحة كنيسة "توتي" العتيقة المطلة على مقرن النيلين.. هي وقوفه عند كل صباح.. عند شروق الشمس. متأملا سهل البلاد الكبيرة الرسوبي المنبسط, على مد الأفق المترامي, بإنحداره الطفيف.
    كان يرى بعين خياله كل المرتفعات التي تتخلله: الغابات, الجبال, التلال, القيزان والجروف الصخرية.. كان يرى النيل الذي يشق السهل قسمين, كفلقتي نواة واحدة. فيقول في نفسه كمهووس بالفخار:
    ترى كيف تكونت هذه التربة, التي سقتها دماء الأسلاف عبر آلاف السنوات؟!..
    التربة الرملية في إقليم الصحراء وشبه الصحراء, في السافل ودار الريح؟.. بهشاشتها وإفتقارها للخصوبة.. ترى كيف تكونت هذه التربة الطينية في الوسط ودار صباح, الغنية بالخصوبة والجمال الأسمر.. ترى كيف تكونت هذه التربات الحديدية الحمراء, منخفضة الخصوبة والقابلة للتدهور في الصعيد..
    وهذه التربات الرسوبية السلتية على ضفاف النيل.. وأشقاءه من أنهار دائمة وموسمية.. ووديان تتخلل سهل البلاد الكبيرة الواسع.. الممتد.. بخصوبتها العالية بسبب الطمي الذي يجددها كل عام.. وهذه التربة البركانية الخصبة في دار الريح, وما تمثله من لغز محير في عالم الطين والخصوبة؟!!.. يتنهد ود الخزين:
    " كان صانع الفخار إذن مغرما بالطين وكل ما يتصل به!"
    فيتناهى إلى مسامع الخزين صوت مجهول:
    "لقد أحرق العسس صانع الفخار في فناء الكنيسة"
    ما أن تناهى إلى مسامع الخزين, خبر مقتل صانع الفخار. حتى شعر كأن نفحة قوية من اللهب, تشوي جلده و تحرق عظامه. لحظتها فقط.. فقط لحظتها.. شعر بكم هو طاعنا في السن.. ووحيدا وبائسا إلى أقصى حد.
    في الحقيقة الخزين الذي ما أن بلغ سن الأربعين, منذ عشرات السنوات. حتى توقف تيار الزمن, ولم يعد العمر يتقدم به ولا يوما واحدا. يشعر الآن بنفسه, كقلعة قديمة قاومت كل آثار السنون لتنهد وتتهدم الآن.. الآن فحسب!
    عاد بذاكرته إلى الوراء.. أيام صباه.. عندما أرتحل إلى دار الريح, لينهل من معارفها, وعاد بعد سنوات طويلة, لينبهه أهالي البلدة, الذين وجدهم قد طعنوا في السن, أنه كما هو لحظة فارقهم!.. كانه لم يلبث بعيدا عنهم سوى يوما أو بعض يوم.. كأنه خرج بالأمس فقط وعاد! ومنذها أخذ يلاحظ الخطى البطيئة لسنوات عمره, إلى أن توقفت بإتئاد عندما بلغ سن الأربعين! الآن يشعر بأن كل السنوات, التي أغفلها الزمن تتجمع لحظة واحدة, فتخترق عظامه ووحدته وأساه فيتقوس ظهره ويحدودب!
    لم يتزوج الخزين ودطبلة مطلقا كما كان شائعا عنه, لكن في الحقيقة لم يكن ذلك صحيحا!. ربما شاع ذلك بسبب نذره حياته لمريديه, الذين يتحلقون حوله كل يوم, لينهلوا من معارفه الواسعة. لا تتغشاه الوحدة, حتى بعد أن ينفضوا من حوله. إذ يخلفون وراءهم أطياف حكاياته, التي يظل يسامرها, إلى أن يطل يوم جديد فيجيء المريدون مرة أخرى ليلتفوا حوله.. كان مجلسه عامرا دوما بالأصدقاء والعسس وأشباههم!.
    في اللحظة التي جاءه فيها خبر مقتل صانع الفخار, كان للتو قد أنهى ترتيبات زواج صانع الفخار مع أم منصورة. صرف المريدين الذين تحلقوا حوله بإشارة من يده, وأختلى بنفسه لحين من الوقت. قبل أن يمضي لا يلوي على شيء!
    في اللحظة ذاتها كانت منصورة تستعيد قلق و أرق ليلة البارحة! وتلك المشاعر الغامضة التي إنتابتها.. الآن.. وعلى حافة الموت, تكشفت كل المشاعر الغامضة عن مكنوناتها, وفارقها ذلك القلق الذي إستبد بها لوقت طويل, بعد أن تسلل إلى أعماقها, و أحكم حصاره على مشاعرها.
    كان وجه منصورة يستحيل الآن إلى كيان جامد, ليس له شبيه, ليس بالإمكان عبره قراءة حقيقة ما يجول في خواطرها الملتهبة. إذ كان وجهها لا يفصح عن شيء محدد البتة, مع أن كل من رآها لحظتها, كان يعلم أنها تخبيء خلف جموده, آلام وعذابات من المستحيل كبحها! كما لو أنها قد حلت محل قلبها, وراحت تضخ في شرايينها الأسى والعذاب, اللذان لا حدود لهما.
    كانت منصورة تعلم أن من هو مثل صانع الفخار لا يخشى الموت, وكذلك كانت تعرف منذ وقت بعيد, أن هذا اليوم آت لا محالة, وأن لا مفر منه.
    "لقد فعل كل ما ينبغي عليه فعله"
    همست لنفسها.. وهي تعزي نفسها, في أنه لم يمض إلى حتفه, دون أن يخلف للقادمين آثاره.. فالمنحوتات التي خط عليها صانع الفخار رموزا معقدة, هي الشفرة لهوية البلاد الكبيرة, والتي تم التواطوء عليها من قبل الحكومات المسماة وطنية, وغالبية أحزاب البلاد الكبيرة, وعدد كبير من المثقفين والسياسيين وقادة الرأي العام. إلى جانب منظمات طوعية, وأحزاب دينية إحتيالية, وطوائف إشتهرت بإستغلال الدين في السياسة؟!
    جادين جانو المهووس بجمع أعمال صانع الفخار, وكشف أسرارها على الملأ. بدأ رحلة بحثه عن منحوتات صانع الفخار- الجد.. المتفرقة في كل أنحاء البلاد الكبيرة, بالبحث عن ذاته والتعرف عليها, بحيث أصبحت ذاته هي نقطة البداية, لسبر أغوار سؤال الهوية المشفر في منحوتات صانع الفخار, التي في الوقت الذي خلى المتحف الوطني ودار الوثائق المركزية منها تماما, تفرقت ما بين الخزائن الخاصة للسياسيين الفاسدين, ومتاحف العالم الواسع, لكون مهدد بالزوال في أية لحظة, نتيجة الحروب والأوبئة وكوارث الطبيعة, وفسادالحكومات وإستبدادها!
    وأكثر ما لفت نظره.. تلك المخطوطات القديمة, التي تعود بتاريخها إلى الوقت الذي كانت فيه اللغة "المروية" هي اللغة الرسمية للبلاد الكبيرة, إذ لم تظهر الكِتابات بكلتا اللغتين المروية والعربية, قبل منتصف القرن السادس عشر وفقا لمدونات صانع الفخار.الذي أشار إلى كِتابات ترصد التاريخ الإجتماعي والصوفي والطائفي على عهد السلطنة الزرقاء, ككتاب طبقات الخزين ود عبد الله, أو مخطوطة كاتب الشونة, أو طبقات المرفعين راجل الليل أب كراعا برّه, وغيرها من الكتب القيمة و الهامة التي ترصد أوجه الحياة المختلفة.
    خبأ صانع الفخار أسرارا كثيرة, في منحوتاته العديدة, عبر كل سنوات عمره التي عاشها منذ الطفولة. حتى مات مختبئا ومطاردا ومحترقا في ساحة الكنيسة الكبيرة, التي تطل على مقرن النيلين؟! هذه الأسرار, ستعبرعن نفسها عبر السنوات, التي تلت مقتله محترقا!
    كان صانع الفخار يستقي بعض موضوعاته في النحت, بإلهام خفي من أنبياء غامضين! يتراءون له في الحلم.. في الليالي التي يغيب فيها القمر, وتصبح أضواء النجوم شحيحة؟!.. فكانت هذه الأعمال بالذات تجيء مشفرة برموز, هي مرجع مباشر لإماطة اللثام, عن ما يريد أن يقول بالضبط في كل أعماله.
    ومن نبؤاته التي راجت في العصر "المروي", أن مملكة ستولد في سهول البطانة, مرتحلة من موقعها الأصلي. وبالفعل بعد عشرات السنوات, وبسبب البحث المتواصل عن المزيد من الطين الخصب, نقلت "كرمة" عاصمتها من "نبتة" إلى "البجراوية" جوار "كبوشية", بعد أن وضح أن منطقة "البركل" الصحراوية, لا تفي باحتياجات السكان والحيوان, زيادة على ضيق الشريط الزراعي على النيل.
    فالبجراوية مطلة على سهل البطانة, وهو سهل واسع. وأرضه خصبة. وأمطاره نسبياً غزيرة. كما أن مكنونات طين البجراوية تحتوي على خام الحديد, خصوصا في الصخور. بالإضافة إلى وجود أشجار كثيرة, يمكن إستخدامها, في إيقاد "كماين" صهر الحديد, وصناعة الفخار..
    "ليس في الأمر عجب!"
    هكذا كان جادين جانو- الحفيد, يهمس في سره. عندما تنتابه الدهشة, إثر فك شفرة أي رمز من الرموز, التي حفلت بها مشغولات صانع الفخار. لكونه كان كفؤاً في علم الحركة, الرياضيات, علم التشفير وعلم الخرائط والرسم والجمال.
    كان صانع الفخار ولدى تأمله للنيل, يفكر في حياة الناس ومعاشهم, في هذا الجزء من سهل البلاد الكبيرة. كيف بإمكانهم أن يحيوا دون النيل.. فهم ليسوا كأهل دار الريح, الذين تمتليء وديانهم بمياه الأمطار والسيول المنحدرة عبر الصحراء من أعالي تبستي.. فهذا الجزء من البلاد الكبيرة, النيل بمثابة شريان حياته. ودونه لا حياة لهم! وهكذا أفضت به تأملاته, لوضع خريطة متكاملة, لأماكن الإحتياطيات الجوفية, التي تذخر بها البلاد الكبيرة. كما خط مشاريع سدود على وديان دار الريح, لإحياء نهر هور القديم, الذي يربط دار الريح بدنقلا العجوز..
    " لايبدو أن هناك حدوداً لعبقرية صانع الفخار!"
    أول مرة تعرف فيها "جادين جانو- الحفيد على صانع الفخار الجد" عندما حدثه معلمه - الخزين ود طبلة- الذي عندما يتذكره الآن.. في قيده بأغلال العسس, يرى نفسه عابرا الفناء الكائن في قلب البلدة القديمة, يمشي بخطى متئدة في الزقاقات الضيقة, بعد أن يعبر السوق "الورا" ومقابر "ود أمجبو".. كان وقتها كأي طفل صغير متسخ ومعفر بالتراب, يعبر بلدة معزولة في الجغرافيا والتاريخ.. الله وحده يعرف كيف تكونت في هذه العزلة الغامضة! فالسياسيون ليس لديهم وقت لمعرفة ذلك! هو وحده -كما يعتقد في قرارة نفسه- يشارك الله هذا الإهتمام بالكيفية التي جاء بها هؤلاء ليصبحوا عشوائيين, لا مبالين!
    عندما تفضي به أفنية البلدة الضيقة, إلى زواياها المفاجئة, و"كوشها" يفارقه الإحساس بالإتساخ! كان يشعر بنفسه نظيفا جدا مقارنة بما حوله من أوساخ! وفي نهارات الصيف قد يستظل في طريقه بظل نيمة يتيمة. قبل أن يواصل المضي قدما, إلى حيث يسكن "الخزين ود طبلة", الذي عندما يصله –غالبا- يجده يصارع إنهيار "الكرنك" الذي يعيش فيه. غير آبها لمواء القطط المرتعبة والكلاب المزعورة حوله.. والفئران التي لم تعد تبالي بأي إنهيارات حولها, بعد أن سارعت للإختباء عميقا في جحورها!
    كان الخزين بوجهه المعروق والعرق المتقاطر على جبينه, كسيل تتخدده سدود التغضنات, ويحاول البحث عن ركن لم تطاله ركامات الإنهيار أو الحريق, ف"كرنكه" دائما في حالة إنهيار أو حريق.. ومع ذلك دائما هو هادئا ووقورا كأن شيئا لم يكن!.. كل شيء فيه يتبدى نحيلا. حتى شفتيه المبتسمتين في لا مبالاة كعادتهما.. يتحرك الخزين غير متعجلا.. إذ سرعان ما سيبني ما تهدم من جديد! فقد كان تجسيدا للحكمة الأزلية, التي وردت في نبؤة جادين جانو الجد الأكبر: "أنت من طين لتبني"!..
    عندما يتجمع الناس في "النفير" لمساعدته في إعادة بناء "كرنكه" من جديد.. يسرد لهم, كيف تواجد في العالم الآخر.. يروي لهم عن الأرضة والسوس, اللذان تخصصا في هدم "كرنكه" كأنه يحكي عن أمر معتاد لا غرابة فيه!
    كانو يحبون طريقته في الحكي.. يأتونه من كل فج عميق.. من الدروب الوعرة و الشوارع الضيقة في البلدة القديمة, ومن الأحياء وراء السوق "الورا" وتخوم مقابر "ود أمجبو". بعضهم يجلب له طعاما وبعضهم يجلب ثيابا.. ويكتفي "الغتيتون كيتا فيه" بالسؤال:
    "(لطالما حكيت لنا عن أن "السوس والأرضة" هما ما يتسببان في إنهيار "كرنكك".. فماذا عن حريق "كرنكك" هذه المرة؟)"
    فيرد بهدؤ:
    "أنه السوس أيضا"
    كان الخزين عادة يجلس ليحكي للناس وهو عاري الصدر, لكن مع ذلك لم يكن ثمة من ينتبه لعريه أو كثافة شعر صدره! وكان دائما أمامه صحن لا يخلو من شرائح "شرموط الضان أو الكجيك الجاف", الذي يقضمه بين آن وآخر في تلذذ وإستعذاب!
    أحيانا يستلقي على جانبه في "البرش", الذي يحرص أن يكون محاذيا ل"بنبره" العتيق, الذي لا يحركه من أمام مدخل "الكرنك" تحت ضل "اللألوبة" المعمرة, التي بمثابة شاهدا على عصور متعاقبة للناس والحياة, في هذا الجزء من العالم المهموم والحزين!
    أصدقاءه وجلساءه الدائمون غير الوجوه الأخرى المتغيرة: ثلاثة, أعمى يحرص على إرتداء بدلة أعضاء الحزب الحاكم, رغم أنه لا ينتمي للحزب الحاكم. و مقعد أبكم يعطي جلساءه الإحساس المزمن بالقرف, ومدى إكفهرار هذه الحياة البائسة. وجادين الصغير بعقله الوقاد ونظراته الثاقبة, التي تشي بقدرتها على إختراق كل شيء تقع عليه!.. يجلسون بالقرب منه, مثل سلسلة. غير آبهين بمضايقة السابلة لهم.. أولئك العابرون من كل فجاج الأرض, وأيضا إلى فجاج الأرض.. عندما يتوقفون عن المسير, لنيل قسط من الراحة, وشرب شيء من "المريسة أو العسلية أو الكانجي مورو!"..
    كان جادين أحيانا, يدون بعض الحكايات أو الملاحظات كيفما إتفق.. في أي شيء يجده أمامه يصلح للكتابة عليه. لكن في الوقت نفسه كان لا ينشغل عن مراقبة كوة "القطية" المجاورة.. حيث تسكن منصورة.. الصبية ذات القوام الفارع النحيف الأسمر, التي كانت ترمي بأذنيها في مثل هذه اللحظات وتمددهما, لتحتويان كل حكايات الخزين ونبؤاته.
    المرة الأولى التي رأى فيها جادين منصورة, كانت الشمس في كبد السماء. والبلدة غارقة في قيلولة غائظة, لا حدود لها. سموم هجير الصيف, جعل من البلدة ساعتها, كأنها قوز رملي نائي وبعيد عن كل شيء.. يغلي كأتون يحرق كل شيء, إلى درجة أن أحداً ليس بإمكانه أن يتوقع, أن يكون بوسع أي كائن حي, أن يغيّر مصيره في هذه اللحظة بالذات!
    كانت منصورة دائما ما ترتدي على كنفوسها ثيابا بسيطة. تبدو غريبة للوهلة الأولى, إلى أن يعتاد عليها البصر! وكانت دائما ناعسة العينين كأنها لم تنام لقرون طويلة. وأكثر ما كان يميزها, إكليل "الريحان" الذي تضعه على رأسها, لامة به شعرها الذي تتركه حرا على سجيته دون مشاط!
    يستدير جادين بوجهه الدائري الصغير, وملامحه الدقيقة, ولوهلة يحاول طرد الأفكار, التي تتحدر من رأسه, فتثقل على بصره.. يهمس إليها بكيانه كله, دون أن تنبس شفتيه ببنت شفة! فتهرع منصورة بكل تألقها.. تقطع المسافة بين قطيتها ومجلس الخزين بسرعة الجن, وتجلس إلى جوار جادين, الذي لا يشعر لحظتها بأي غرور ذكوري! إذ يكون وقتها محتلا بالألق وبالغبطة والرضا التامين!.
    نساء القطاطي المجاورة.. العابسات السمينات العانسات اللعينات, يغرن من جمال منصورة! واللائي كن "كيتا" في منصورة, عندما يعاشرن أزواجهن أو عشاقهن, يتخيلن أن من يعاشرهن في هذه اللحظة, هو جادين بشحمه ولحمه!.. كن يضمرن لمنصورة كرها عميقا, إذ كن يشعرن بإختلافها عنهن. لكنهن لم يكن بقادرات على تحديد هذا الإختلاف! وعندما يعييهن التفكير, كن يتوهمن عشاقا على صهوات جياد بيض, يتراكضون لإنقاذهن من أبراج خيالاتهن المرتفعة! وكن يرين ظلالا لحدائق يتوهمن أنها جنات الخلد, ويرين أنفسهن حوريات تجري في دوراتهن الشهرية رائحة المسك وليس الدم!
    لو لم تكن للخزين مثل تلك الحكايات العجيبة, التي غذى بها عقول الناس, لما كانت لهن مثل هذه الخيالات الخارقة! و لما عشقن الخوض في الحكايات المزعومة عن منصورة وجادين, في الأماسي الطويلة للأيام التي تلي مؤتمرات الحاكم العام!. فماعدا حكايات الخزين, لم يكن لهؤلاء النسوة البائرات, أي متنفس لقسوة البلدة وقوانينها وتمييزها ضدهن!
    سكان البلدة القديمة, كان موضوعهم الأساسي, الذي يتداولونه في ملتقيات أفراحهم وأتراحهم, هو علاقة جادين بمنصورة. وغالبا ماشرعت بهذه الأحاديث, تلك المرأة التي يتنادم زوجها الآن مع إحدى البايرات, في السوق الورا, أمام جزارة السمك..
    وربما أن زوج أخرى في هذه اللحظة بالذات, بينما هو في كنتينه, خلف مقابر ود أمجبو, يهجم عليه أحد الزبائن, الذين يلفظون في أنفاسهم الأخيرة, لأنه تحرش بزوجته. وفي الحقيقة الزوجة تكون هي التي تحرشت به! فأهالي البلدة من صيادي السمك "المراكبية", الذين بالكاد يكسبون قوت يومهم.. والعمال المتعبون, والرعاة والمزارعون الحائرون. بعد أن قضى الحاكم العام على أحلامهم في الحرث والنسل.. لم يعد أحدهم يقوى -كما في الأيام الخوالي- على العودة إلى عشه مع إحدى النسوة العابرات! فقد كانت كل الأجهزة في أجسامهم قد تعطلت, ولم تعد أعصابهم تعمل, كما ينبغي. بعد أن قتل الحاكم العام, معظم رجال البلاد الكبيرة في الحروبات المفتعلة. وشرد البعض الآخر. بينما أختار العدد الأكبر من تعداد السكان المتبقين, مغادرة البلاد الكبيرة واللجؤ, ولسان حالهم يقول: "أرض الله واسعة!".. هذا غير المساجين والمعتقلين دون ذنب جنوه!..
    وهكذا أصبحت البلاد الكبيرة, بحاجة لمعجزة, كي لا يكون فيها نساء بايرات! ولهذا السبب بالذات, كن نسوة البلدة القديمة, يغرن من منصورة وحكايتها مع جادين!
    كانت منصورة عندما تختلي بجادين, تستلقى في حضنه. تيمم وجهها شطر السماء, وتغط في نوم عميق. فلا يعود يشغلها وقتئذ شيء عن مراقبة سحب خيالها, وهي تشهق في السماوات البعيدة, تشارك الخالق مرئياته السرية! لا يوقظها سوى تنحنح جادين, الذي يطفق يحدثها بما تكره: أحلامه وأفكاره عن اللامبالاة والتبلد! فقد كان عندئذ تفكيرها ينصرف إلى خشيتها فقده. لكن يوما بعد يوم, كانت حدة كراهيتها لهذه الهموم العامة, تتضائل شيئا فشيئا. إلى أن تلاشت وأختفت تماما, فأصبحت تشاركه هذه الأحلام, التي أصبحت بمرور الوقت ليست أحلاما, بل صوتا واحدا متوحدا عاليا ومرتفعا.. يقض مضجع كل سكان البلاد الكبيرة!
    كان صانع الفخار كمعلمه الخزين يحب "شرائح الشرموط المجفف" في نهارات صيف البلاد الكبيرة الغائظ.. يأكله بتمهل, كأنه يستعذب السباحة في أنهار الخمر, التي حكى له عنها الخزين!.. كان يستعذب طعمها, بعد أن يشمها على مهل. كأنه يشم "شربوتا معتقا" ليتأكد من مدى جودته!
    إذن بعد عشرات السنوات, كان الخزين ود طبلة, لا يحكي عن صانع الفخار, أو ينقل خبراته, للأجيال الملتفة والمتحلقة حوله عبر تاريخ البلاد الكبيرة, إلا بعد تناول ############ الجاف ومريسته المفضلة:
    "أقول لكم.. والحق ما أقول..أن عالم الحياة الأخرى عالم فاتن وبديع, فكل ما هناك يختلف عن ما لدينا في هذه البلدة القاحلة.. أول مرة سافرت إلى هناك, تملكني الرعب! فبكيت مثل طفل صغير, وجسمي كله ينتفض. كنت مرتبكا. لا أدري ماذا أفعل.. فطفقت أمشي على غير هدى, إلى أن مررت بحفرة عميقة مشتعلة بنيران عظيمة. كانت صرخات وبكاء أصوات معذبة, تأتي من أعماقها السحيقة, فسألتهم:
    "من أنتم؟"
    فردوا جميعا بصوت واحد:
    "نحن حكام البلاد الكبيرة".
    وعند هذه اللحظة من الحكاية.. نسوان البلدة البائرات, اللائي تحيط قطاطيهن بمجلس الخزين, يتأوهن ويندبن وهن يرددن:
    "ياللرعب!"
    فينتعش الخزين ويعمق من صوته ونكاية فيهن يقول:
    "إذا وقع أحد بحب إمرأة فهو هالك لا محالة, فهناك حفرة أخرى لهذا الغرض"
    وبغتة تغمر عيون منصورة كآبة وحشية, فتطفق تقضم بشراهة "شرموط الكجيك" الذي علمها جادين أن تحبه.
    وينظر إلى أحد الذين يرتدون بدلة حزب الحاكم العام:
    "وهناك حفر خاصة بالعسس والجند والمليشيات"
    "ماذا عن أهالينا؟"
    "لقد بحثت عن أمي وعن أبي وجدي"
    "وهل وجدتهم؟"
    "كنت قد عدت من رحلتي قبل أن أجدهم, لكنني في طريق عودتي, إلتقيت صانع الفخار الأكبر مستلقيا تحت شجرة سدر, متوسدا ثعبانا ضخما.. كان مبتسما في دعة وحبور"..
    "صانع الفخار؟!"
    "لا. الثعبان.. حكى لي أنه لقي حتفه قبل ثمانية آلاف سنة.. على أيدي جند السلطان"
    "الثعبان؟!"
    "لا. صانع الفخار الأكبر"
    عند هذه الجملة يغرق الصمت المباغت, مجلس الخزين. ولا يعود الأهالي إلى طبيعتهم, إلا بعد مرور وقت ليس بالقصير. حين يتعالى صراخ عجوزا, لم يسبق لها أن عاشرت رجلا. حتى طعنت في السن, صبيا ######ا لأنه ناداها بجدتي, الأمر الذي هدد ذكريات أحلامها في الزمان البعيد.
    كان الخزين عادة يختتم في نهاية المطاف حكاياته (أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح) وكان في ذلك إشارة إلى الحاكم العام لا بإعتباره عاقرا فحسب, بل بإعتباره ########ا كما تقول الشائعات!
    وبعد كل حكاية, كان الدمع ينهمر مدرارا من عينى منصورة الناعستين. بعد أن تغرورقا بالكحل, فتنداح من عرقها رائحة الريحان والسعدة البرية!. وبين نشيجها, تعدل منصورة من الإكليل على رأساها, وتترك يدها طيعة, لتحضنها كف جادين.
    كان الخزين هو الرجل الوحيد من الأهالي, الذي إستطاع إختراق قصر الحاكم العام. ومنحته زوجاته العديدات أنفسهن, عن رضا تام. وهن يندبن حظهن على هذه اللقاءات السرية المختلسة! كن في لحظة الوداع الوشيك, إثر كل لقاء تفيض الدموع من عيونهن مدرارة.
                  

العنوان الكاتب Date
رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:40 PM
  Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:43 PM
    Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:48 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:53 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:54 PM
      Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 09:54 PM
        Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 10:46 PM
          Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 11:14 PM
          Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-02-13, 11:14 PM
            Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... زهير عثمان حمد11-02-13, 11:41 PM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 02:23 AM
            Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 02:31 AM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... عبدالعزيز عثمان11-03-13, 03:00 AM
              Re: رواية: الجزء الأول: آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 09:48 PM
  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 07:39 PM
    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-03-13, 10:13 PM
      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 03:38 AM
        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 05:02 PM
          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-04-13, 05:33 PM
            Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 06:50 PM
              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 07:13 PM
                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-05-13, 09:54 PM
                  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 06:40 AM
                    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 03:50 PM
                      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-06-13, 09:37 PM
                        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 01:55 AM
                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 05:34 PM
                            Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 05:50 PM
                              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-07-13, 10:02 PM
                                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 02:12 AM
                              Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... باسط المكي11-08-13, 05:06 AM
                                Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 07:08 PM
                                  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-08-13, 07:12 PM
                                    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-09-13, 00:52 AM
                                      Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-09-13, 04:41 PM
                                        Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-10-13, 03:36 PM
                                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-10-13, 10:28 PM
                                          Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-13-13, 07:04 PM
  Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-11-13, 09:10 PM
    Re: رواية ثلاثية: الجزء الأول (كامل): آلام ذاكرة الطين... احمد ضحية11-12-13, 04:43 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de