|
Re: الحجر الذي أباه البناؤون. (Re: مازن صلاح الأمير)
|
المعارضة : من ترك الباب موارباً؟! :-
المعارضة المدنية في السودان أجلَتْ الأحداث الأخيرة شرخا كبيرا لديها لا ترتقه بيانات الشجب و لا هتافات الإدانة ، هذا الشرخ إتسع مع كل فرد ينزل للشارع مناديا بسقوط النظام ، المعارضة ذاهلة تماما عما يحدث و لا تدري من أين يبتدئ السباق ، و المحير في الأمر أن هذه المعارضة نفسها و غالبية تنظيماتها في تحالف من 89 أي بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية ، لكنها ظلت على الدوام ميتة فعليا و معزولة عن الشارع ، فما حدث في الأونة الأخيرة أحدث إلتفاف شعبي حول مطلب سياسي واحد لم يحدث مثله منذ إنتفاضة أبريل المجيدة 85 ، حتى في فترة حملها للسلاح و تهديها بدخول الخرطوم لتحريرها ، المضحك أنهم كانوا في تلك الآونة يتباكون على خداع الجبهة الإسلامية لهم و نقضها لميثاق حماية الديمقراطية و يكيلون الشتائم للترابيين الذي يتحالفون معهم حاليا مما يجعلني في حيرة مطبقة من أمري ، هل كفر الترابي أم تأخونت المعارضة ؟ ، و إن كان السؤال يبدو من قبيل اللغة الصحافية المكرورة لكن للأسف لديه إجابة ، فقد تآلفت كل الظروف الإعلامية و السياسية لجعل إسلامي المعارضة يطفون على سطح المشهد ، و في الحقيقة أن ضعف القوى السياسية الأخرى أيضا يعد عاملا حاسما في تسلق هؤلاء على مناكبهم ، و أيضا اللغة السياسية السائدة ، فإنقلاب الجبهة الإسلامية من مساوئه العديدة أن شاه الخطاب السياسي العام و طريقة التعامل مع الشأن السياسي بشكل لا يمكن أن يجد من يوافقه إلا الإسلاميين أنفسهم ، و يكمن خطر هذه المسألة في أنه مع الإتاحة السياسية لهم في الصعيدين المعارض و النظامي سيعزز من فرضية حدة وجودهم بعد التغيير ، إذا لماذا المعارضة تفسد إستراتيجيتها و تعويلها على الديمقراطية ثمنا لتكتيكات مرحلة إسقاط النظام ؟ ، و هل إسقاط النظام يستوجب فرضا وجود تيار الإسلاميين تحت سقف المعارضة المدنية ؟ ، المعارضة لا زالت تتعامل مع الأمر بصرامة عقلية مسطحة ، تقلل من حدتها تجاه جوهر قضية الديمقراطية و أيلولة الصراع للتحول الديمقراطي عبر التغيير المنشود ، و الآخر أيضا لماذا المعارضة أصبحت حاضنة لتيارات الإسلام السياسي المسئول المباشر عن إنقلاب 89 ، هل هو من قبيل الإجابة عما إذا كان الإسلاميين جاديين في معارضتهم للنظام أم هي محض مسرحية كبيرة ، في إعتقادي أن تيار الإسلام السياسي إن كان يريد إثبات معارضته فالأجدى إثبات ذلك لنفسه لتنعكس على وضعه التنظيمي ، كيف يقبل تنظيم يطرح نفسه معارضا تصريحات قادته عن أن باب العودة و الإندماج مع سقف واحد مع النظاميين أمر متوقع و مطروح ، و الأنكى صمته العاهر على الهجرات المتكررة لعضويته التي تدعي خروجها و معارضتها للنظام و التي لم تلبث ليلة و ضحاها حتى عادت لطبق النهب ، هذا بطبيعة الحال يفضح و بجلاء عدم وجود تربية ديمقراطية في هذه التنظيمات أو بالأحرى عدم جديتها تجاه الديمقراطية ، و إن كان ما توصلت إليه حقاً ، هل هذا ما لأجله قاتلنا سنيناً و إقتتلنا ؟.
و على صعيد مشابه إن كانت المعارضة غير مستوفية لإستحقاق المعارضة للنظام فإنها كخطوة أولى يجب عليها تحليل السلطة الحاكمة و معرفة مواضع قوتها لإستيضاح مكامن ضعفها ، فنحن إزاء سلطة ديكتاتورية و أصولية في نفس الوقت ، فأنت إن أردت محاربتها ، يجب عليك نزع الشرعية الجماهيرية التاريخية منه ، و لكي تعري النظام يجب عليك أن تقف مواجها له ، أي أن تمايز صفك منه ، و للأمانة مع أن الظروف المعيشية هي محرك أساسي للعمل ضد النظام ، لكن لا أظن أن ثورة بالمعنى الكامل لثورة لا تستصحب بمعيتها تنظيرات واقعية و عقلانية يمكن إعتبارها ثورة ، و فيما أقصد إن أردت محاربة النظام عليك أن تؤمن إيمانا تاما بالديمقراطية و حقوق الإنسان و ضرورة التبشير بهما ، و أن ترفض قيام أي فعل سياسي على أساس ديني أو طائفي أو جهوي ، و قد تكون هذه النقطة موضع خلاف من البعض بإعتبار أن مكونات المعارضة التقليدية في السودان تقوم على هذا الأساس ، و من يفكر مثل هذا التفكير أقول له حاسما أنت لا تريد ثورة إن كنت بالمقابل تريد إستمرار الوضع في معسكري المعارضة و النظام ، الثورة ليس بها خيارات وسطية أو توفيقية ، ما يجب حدوثه للنظام السقوط و للمعارضة القومية ، و من ثم فإن كان البعض يعتقد أن وجود تيار للإسلام السياسي في المعارضة قد يكون معوقا حسب الشروط الموضوعة ، فأنا شخصيا لست مقتنعا بمعارضتهم - كما بينت أعلاه - ، الموقف البراغماتي لا يصلح لأن يعتمد عليه في قيام ثورة تصلح الأوضاع المريرة في البلاد ، و كي أكون أكثر موضوعية ، فإن الديمقراطية التي عنيتها أعلاه هي فلسفة الديمقراطية و ليس أداتيتها الصندوقية ، والموقف المبدئي ينبني في الأساس على الحرية الفردية المطلقة و حرية الإعلام و الصحافة و ما يوازيهما ، و في موضع كهذا يجوز لي التساؤل مثلا عن موقف الإسلام السياسي جناح المعارضة عن قانون النظام العام ، بلا أدنى شك فإن قانون النظام العام يشكل جوهر الحركة الإسلامية و النسخة الأكثر تعبيرا عن ضميره و آيدولوجيته و إن أنكروه ، و ما تجربة قوانين سبتمبر و إستمرار فاعليتها بعد إسقاط نظام نميري إلا شاهدا ينطق عن هذه الحالة ، و أي موقف تجاهه إن لم يكن واضحا و صارخا يعد تماهيا لا منقطعا مع النظام القديم و بنية الوعي التي خلقها في العقل الفاعل في السودان .
|
|
|
|
|
|
|
|
|