|
هل سيؤدي سقوط البشير إلى تحول السودان لعراق آخر أو ليبيا أخرى؟
|
بسبب ما عايشته من بطش ودموية نظام صدام حسين التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها إلا قليلا فقد كنت من أشد المتحمسين للتدخل العسكري الدولي الذي أطاح به، ولكن كانت صدمتي شديدة جدا وأنا أتابع ما حدث بعد ذلك من انهيار أمني كانت بدايته نهب المتاحف والآثار العراقية ونهايته طوفان دماء وانفجارات لازالت تدوي حتى يومنا هذا، وبسبب ذلك لم أكن من أنصار الحملة العسكرية للإطاحة بالقذافي خوفا على الشعب الليبي من أن يقاسي ما قاساه الشعب العراقي، ووجدت نفسي أتابع بقلق ما ستؤول إليه الأحوال في ليبيا، وفي حين أنها لم تقترب لما وصل إليه العراق إلا أنها لازالت حافلة بأخبار الاختطاف والقتل والنهب والإرهاب واستقواء النزعة الانفصالية والجهوية لدرجة توقفت معها معظم صادرات البلاد النفطية وأصبحت مهددة بأزمة اقتصادية.
ومن الواضح الآن أن القناعة بوجوب تغيير الحاكم في السودان أصبحت هي الغالبة، غير أن من الواضح أيضا أن الخشية من الانهيار الأمني الذي قد يؤدي إليه ذلك هي التي تمنع غالبية المواطنين من الاندفاع في مسعاهم لإسقاط النظام، وهي الحجة التي تتذرع بها قيادتي أكبر حزبي معارضة في السودان وهما الاتحادي الأصل والأمة في عدم السعي لإسقاط النظام، وقد ارتأى الحزب الاتحادي أن يشارك النظام في الحكم في محاولة فاشلة لإصلاحه من الداخل ومن ثم التغيير عبر انتخابات رئاسية يعرف الجميع سلفا أنها ستكون “مخجوجة” ، في حين يحاول حزب الأمة محاولات فاشلة حتى الآن لإيجاد بديل مقنع بالنسبة له يمنع حدوث الإنهيار الأمني، أما المجتمع الدولي فمن الواضح أن أقوى قواه تعتقد هي الأخرى بأن سقوط النظام سيؤدي لإنهيار أمني وكارثة بشرية. إذن السؤال الأن يجب أن يكون هل حقا سيحدث انهيار أمني إذا سقط البشير؟ هل سنشهد نهب متحف السودان القومي والآثار السودانية؟ هل سنشهد نهب بنك السودان وجميع البنوك الأخرى؟ هل سنشهد القتال على أسس عنصرية وقبلية في شوارع الخرطوم وبقية المدن السودانية الأخرى؟ قبل أن نحاول الإجابة على هذه الأسئلة يجدر بنا أن نقارن السودان بالعراق وليبيا لنرى هل من تشابه؟
يتشابه العراق مع السودان بوجود منطقة كردستان التي تقابلها دارفور وجبال النوبة ولكنه يختلف عنه بوجود الصراع المذهبي في العراق والذي لايوجد في السودان وانتشار الأكراد في خارج كردستان أقل بكثير من انتشار أهل دارفور وجبال النوبة في مناطق السودان الأخرى. أما ليبيا فتتشابه مع السودان أيضا بوجود المنطقة الأمازيغية، وأيضا بوجود النزعات الجهوية في بعض أجزاءها، إضافة لوجود جماعات دينية متشددة. التشابه الثاني بين البلدان الثلاثة هو أن الجيش والأجهزة الأمنية كانت جزءا لايتجزأ من النظام وانهارت بلا عودة بعد انهياره، والجيش السوداني الحالي والأجهزة الأمنية هي أيضا مؤسسات تابعة للنظام وبلاشك ستنهار تماما بانهياره .
إذن هناك تشابه مقلق بين السودان والعراق وليبيا، والخشية من الإنهيار الأمني لها ما يبررها. من ناحية أخرى فإن القوة المعارضة الأقوى عسكريا ضد النظام وهي الجبهة الثورية بنيت تنظيماتها على أساس مظالم عرقية وخطابها كان لايعتبر أن نظام الإنقاذ هو نظام حكم عسكري فاشل بل يعتبره نظام حكم الأغلبية “الجلابة” المنفذ لأجندتهم العرقية الاستعلائية ضد المهمشين، ورغم أنها صححت هذا الخطأ أخيرا في خطابها لكنها لاتزال مرتبطة بالعرقية والقبلية من ناحية تركيب جيوشها وقياداتها ولازال خطابها يشي بأنها تقدم المصلحة الجهوية على المصلحة القومية وهي مستعدة للتفاوض مع النظام والتصالح معه مثلما فعلت الحركة الشعبية في جنوب السودان حتى حصلت على الإستقلال. نشوء الحركات في منطقة عانت من النهب المسلح سنوات طويلة قبل اندلاع التمرد المسلح ضد النظام هو أيضا من بواعث الخوف.
إذن فالخطوة الأولى نحو تغيير النظام يجب ألا تكون هي السعي لإسقاطه بل توفير البديل المطمئن للمواطن بأنه سوف لن يحدث انهيار أمني عند تغيير النظام، وبخلاف ذلك فإن المواطن سيفضل أن يموت جوعا وقهرا وفسادا على أن يموت رعبا وفزعا عندما يتحول السودان لعراق آخر أو ليبيا أخرى. المسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق قوى المعارضة الكبرى، وإذا كان الإتحادي قد أخرج نفسه من دائرة المطالبة بتغيير النظام فقد أصبحت هذه المسوؤلية تقع على عاتق حزب الأمة ولكن حتى الآن لايوجد هناك أمل نحو توفير ما يحل محل النظام عند سقوطه، بل أن ما يحدث يدعو لفقدان الأمل تماما! لذلك فإحتمالية استمرار البشير في الحكم مدى الحياة ـ التي يبدو أنها ستكون طويلة ـ احتمالية حقيقية جدا مالم تتوحد قوى المعارضة وكان الله في عون الشعب السوداني!
|
|
|
|
|
|