|
Re: ذاكرة المسحراتي (Re: سامى عبد الوهاب مكى)
|
طارق عبد الوهاب مكي
Tarig Makki يا محمد قوم يا طارق قوم, هكذا كانوا ينادوننا اذا تأخرنا في الخروج, لكن غالباً ما كنا ننتظرهم في الشارع, و يأتي المويكب الذي سيصير موكبا عمّا قريب. نراهم قادمين قليلين و نذهب نحوهم و نصبح جزءاً منهم, و نمدهم بطاقة و زخم, لا يتم الّا بوجودنا نحن و نتوحد معهم, فتفور الجوقة المتحركة و تمور و يزداد ضرب النوبة و يعلو صوتها و تئز و ترز, كأنّما صوتها يصدر من صدورنا و هنا يأتي صوت ابو سليم محفزاً: يا محمد دوِّر يا حسين دوِّر, و تردد الفرقة المتحركة بعده: دوِّر دوِّر... دوِّر دوِّر, و كنّا نستجيب للنداء رقصاً و ذكراً و حركات رياضية و اخرى ما انزل الله بها من سلطان, لكن الإيقاع مظبوط مافي كلام. و الموكب يكبر شيئاً فشيئا في مسيره (كحجر المغنطيس, طاقته تجذب اليه اشياء تتشابه في المعدن تختلف في الشكل) و لَعمري هي هكذا ام درمان. و ما زال المسير في حالة سيرورة ستفضي الى صيرورة, و حينما ترتسم الجدِّية على وجه ابو سليم نعرف بأن المسير جد, حينها يوقف المسير في مكان معين و يبدأ ينظم في الحشد, و هنا يبدأ ابو سليم بصوته الجميل (الليل.. الليل الليل الليل الليل الليييل اصح يا نايم, و يردد الموكب: أصح.. وحِّد الدايم, و يردد الموكب أصح.. و الليييل الطويييل) على وزن اغنية الجابري و كثبر من المنظومات مثل ذلك و كل ذلك و أبو سليم في حالة وجد عجيب, ملوحاً بيديه الى السماء و يحركهما يمنة و يسرا, و تارة يقبض على قلبه بكلتا يديه و يغمض عينيه و يفتحهما فجأة و هو في مقدمة الموكب و تارة في الوسط و على الجانبين او تراه يجذب الشاردين في اطراف الموكب. يخرج الموكب من منشأه في الركابية و يدخل حي العمدة و هناك محطة مهمة عند الحوّرة (ناس الحوري) كانوا يخرجوا كبيرهم و صغيرهم مع جرادل الحلو مر و الليمون, و بعد ان يتزود الموكب ينشدهم ابو سليم مدحاً او انشاداً و يعلو صوت النَوبة و يختمها بدعاء مقابل هذه المكرمات و نواصل المسير من حي العمدة ناحية ود نوباوي, و في ود نوباوي محطة الحجّة, درجنا ان نسميها الحجّة فلا أحد فينا يعرف اسمها, كانت تقدم لنا هي و أبناءها و احفادها ما لذّ و طاب من مشرب و مأكل و طبعاً أبو سليم ما حيقصّر, كان قاطع ليها غنوة (يا حجّاااااا..يا حجّة. و يأتي صوت النوبة تررم تررم) و الدعاء. و من ود نوباوي الى القلعة و السيد المكّي مرورا بتخوم الشهداء و رجوعاً للركابية من الناحية الجنوبية, و المحطة النهائية جوار بيت أبو سليم و هنا للطرب معناً آخر حيث تضرب النوبة بإيقاعات مختلفة, صوت النَوبة فقط, صوت النَوبة يملأك بالقوة, و رقص أبو سليم و حجازي و أولاد رزق و تنتهي بدعاء أبو سليم (اللهم أعنّا على الصيام و القيام, اللهم كفنا شر الحاسدين و الراصدين و أولاد رزق). أبو سليم اسمه حسن سليم و يناديه الناس أبو سليم او المعلم, و هو متعدد المواهب بنّاء, و مغني و صوته مجاز في الاذاعة منذ الخمسينات و رياضي درّبنا في حمل الاثقال و الجيمنازيوم و مؤذن له طريقة متفردة في الآذان و جامع للصور النادرة و القديمة و صاحب طرفة و سريع البديهة. متّعه الله بالصحة و العافية و أطال الله عمره في فعل الطاعات. رمضان كريم طارق عبد الوهاب مكّي
|
|
|
|
|
|