|
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! (Re: طه جعفر)
|
(2)
الجلوس في أحد كراسي الصالة التي تضم تحت سقفها غرفتان. من مكانه ذاك عرف ياسر موقع المطبخ و الحمام و كان بالحوش شجرتي جهنمية و شجرة نيم كبيرة تظلل مكاناً للوضوء مغطي ببلاطات بنية قديمة وبه ثلاث حنفيات. جاءت البنت التي غزا جمالُها جوانح ياسر بكوب ماء و ثيرمس شاي. تطلع ياسر علي الحوائط ليتجنب جمالها المباغت. عاين صورة كبيرة في إطار أنيق بها رجل و امرأة في العقد الثالث و خلفهما تمثال أبي الهول. سأل ياسر: من في الصورة؟ فاجابت البنت التي جاءت معها العطور في موكب من الهدوء قائلة " هما أمي فوزية و أبي الباشمهندس مختار عليه رحمة الله و هما في شهر العسل بالقاهرة قبل أكثر من ثلاثين عام ربما". قال ياسر البركة فيكم. في تلك الأثناء جاءت فوزية و طلبت من ياسر اصطحابها إلي نصف البيت الآخر. دخل ياسر عبر باب حديدي صغير يتوسط الحائط الذي يفصل الصالون عن بقية البيت. لاحظ ياسر مخلفات سيارة و اطارات قديمة و آثار مخددة لأطارات سيارة علي أرضية حوش الصالون. أدخلته إلي الصالون و كان غرفة كبيرة بمساحة حوالي الاربعين متر مربع تشتمل علي مجلس بكراسي ست و طاولة سفرة و سريران و عدة طاولات صغيرة و يشتمل أيضا علي خزانة كبيرة. علي حائطه الخلفي ثلاثة شبابيك ضخمة بأضرف خارجية خشبية و داخلية زجاجية علي سقفه ثلاثة مراوح و له بابان يطلاب علي الحوش الخاص به الذي تنمو عليه شجرتان كبيرتان لم يعرف ياسر نوعهما. غادرت فوزية، افرغ ياسر محتويات حقائبه علي أرفف الخزانة، الملاءات و الملابس المحدودة حتي كتبه وجدت لنفسها مكانا في في الخزانة الضخمة المصنوعة من خشب المهوقني. بدّل ياسر ملابسه و حمل بشكيره ليستحم فينظف نفسه من وعثاء السفر التي لم تفعل اللوكاندة شيئاً غير زيادتها. احساسه بالنظافة و فوح العطر السرّي لمزيل العرق أشعراه بالراحة. تمدّد علي السرير و اتصل بأهله و كلّمهم بكل تلك التفاصيل عدا جمال البنت الذي هزّ مشاعره بعنف شديد. عند بداية المساء سمع طرقاً غير متوقع من الباب الداخلي للبيت.كانت هي و انوار الغروب تشرق علي وجهها المزدان بجمال راسخ. قالت: اسمي هنادي كنت موظفة بالبنك قبل عام و انا الآن بلاعمل. قال ياسر: هل تم فصلك من العمل ام استقلت؟ قالت: أبي تم فصله من العمل في المحلج في قوائم ما يسمي بالصالح العام ، كان مهندسا فنياً تخرج من معهد صناعي بمصر و لقد توفي قبل ستة أشهر بسبب مرض القلب. قال ياسر: البركة فيكم و ربنا يلزمكم الصبر قالت: لي ثلاثة إخوة متزوجون اثنان يعملان بالخرطوم و الأصغر غادرنا قبل ثلاثة أشهر إلي السعودية و لم يجد عمل إلي الآن. قال: الحال من بعضه فنحن نعيش ظروف مشابهة غير أني الأكبر بالبيت و لي اربعة اخوات اثنتان بالجامعة و اثنتان بالمرحلة الثانوية. أبي و أمي يعملان بوزارة المالية بالخرطوم. ثم سألها ياسر لماذا تركت العمل بالبنك. ابتسمت بفتور مُنهَك و قالت تلك قصة طويلة. نادت من الجانب الآخر للبيت فوزية قائلة:" يا هنادي تعالي شيلي الشاي". هنا قال ياسر مدفوعاً بالإضطراب و الخجل و ربما بالخوف :" لماذا لا تنضم إلينا الخالة فوزية". جاءت فوزية و تعب النهار قد هزمته نومة نهار وادعة، حمام مريح و زينة مسائية مختصرة كما يبدو. قالت هنادي متشجعة بحضور أمها في الغالب: " تزوجت أحد زملائي بالبنك و كان ذلك قبل عامين، كانت الحياة جميلةً معه في بدايتها، ازداد تدينه و معه ازدادت غيْرَته و طلب مني الإحتجاب فرفضت، بعدها طلب مني ترك العمل حتي نتمكن من الانجاب و تربية الأطفال، وافقت فتواصلت غيْرَته و مطالبه لي بضرورة تغطية جسدي بالكامل أما هو فقد قام بقص بنطلوناته ليقصرها و اصبح يلبس جلباباً قصيراً و عمامة بعَزَبة في غير ساعات العمل. صارت الحياة معه جحيما و في أحد الأيام استشاط غضبا عندما وجد ابناء و بنات عمومتي هنا بالبيت و كنا نتجادل و نستمع للأغاني في مساء عائلي عادي و كان بعضا منهم يرقصون. شتمني و شتم أهلي و قال: "بلاش تعايشة أو كلام فارغ انتو ما أكتر من خدم مطلوقات". فاشتبك معه أخي و ضربه و وسط ذلك الهياج طلقني. لم يسافر أخي للسعودية إلا بعد أن استخرج لي أوراق الطلاق و كان ذلك قبل ستة أشهر". لم تسع الأرض ياسر و شملته مشاعر مختلطة من الخوف و الحياء و تلعثم أمام ذلك الحضور الكثيف للدفء العائلي الغاضب. وقال :" دا جنون إيه يعني الواحد يتحول فكرياً ثم يُحوِّل حياة الناس إلي جحيم لا..! و يقوم بسبهم في بيتهم". كانت فوزية في تلك الاثناء غارقة في خواطرها المنزعجة و قالت بإنفعال: " دا ولد باطل غلبتو الحياة فانهزم". باشر ياسر مهام وظيفته، فكّر في اقناع أحد زملائه للسُكنَي معه ثم عدّل رأيه بعد أن تمكن من البوح بمشاعره المتدفقة لهنادي. تناوبت علي الصالون مجموعات الطلاب فكسب مزيداً من المال ليساعد والداه في مصاريف أخواته و ليدفع لفوزية أجرة المنزل في أول كل شهر. تمكّن منه الحبُ و لانت علي يديه صلابة حزنها فزينت هنادي بجمالها أيامه. عبّ من انفاسها و ذاق حلو تقبيلها و كساه لمسها بالجسارة و العزم علي حسم الصعاب. ذات صباح ناداها و ضمها إلي حضنه فكانت وادعةً كنجمة أو زهرة ناعمة الخدود حمل ياسر تلفونه و قال لأمه بتركيز: " سأتزوج........ نعم! سأتزوج " ثم دفن وجهه في صدرها الذي يختزن له الوعود. أنارت ابتسامتها جوانحه و بانت معالم الدرب و اتضح المسار.
طه جعفر
تورنتو 10 يوليو2013
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-10-13, 05:23 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-10-13, 05:25 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 12:05 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | محمد الطيب محمد | 07-11-13, 12:24 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | سليمان القرشي | 07-11-13, 12:37 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 12:47 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | mustafa mudathir | 07-11-13, 01:14 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 03:11 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-12-13, 12:16 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 00:18 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | Imad Khalifa | 07-13-13, 00:39 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | عبداللطيف شريف على | 07-13-13, 01:19 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 02:41 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 02:39 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 06:56 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-14-13, 05:08 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-15-13, 12:25 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | garjah | 07-15-13, 10:43 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-15-13, 11:13 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | Musab Osman Alhassan | 07-15-13, 11:48 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-16-13, 01:15 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-16-13, 10:01 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | أبوبكر بشير الخليفة | 07-16-13, 11:00 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-17-13, 02:20 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-17-13, 02:26 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | أبوبكر بشير الخليفة | 07-17-13, 12:03 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-18-13, 01:17 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | HAYDER GASIM | 07-18-13, 04:54 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-18-13, 11:46 AM |
|
|
|