|
هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف!
|
(1)
طعم قبلتها مذهل. أريج أنفاسها مسكون بالعطر و الأغاني. لمسها حنين و لا يترك مجالاً لغير التوثب و الاندفاع؛ هكذا كلّم ياسر نفسه و هو يتذكرها. جاء ياسر إلي هذه البلدة بأحلام محدودة لمدرسِ مرحلةٍ ثانوية لم يكن أمامه غير قبول تجربة العمل بعيداً عن أمه، أبيه و أخواته؛ أي علي بعد ستمائة كيلومتر علي الاسفلت من هذه البلدة. في يوم قدومه وجد لنفسه سريرا بائسا في أحد لوكاندات السوق التي تندفن فيها التعاسات بلا إستئذان. الصباح في البلدة متكاسل و الشوارع قليلة الحركة. ###### هناك و قطتان يبجثون في كومة الزبالة أمام اللوكاندة عن فتات نسيَته كلابُ الليل المتنمرة. الحمام في اللوكاندة شحيحُ الماءِ و لقد أمضي ياسر ساعةً قبل أن يتجمع مقدار من الماء في الجردل يكفي بالكاد للسواك و الإغتسال. تناول ياسر الشاي و القهوة و دخّن سيجارة بائتة إلي جوار ست الشاي التي يبدو أنها تجيء بعدَتِها ، قِلّة نومها و ملامح الصبر علي وجهها لتوفر مسلتزمات الصباح لنزلاء اللوكاندة من العابرين.سألته من أين و ما اسمك؟ فقال لها المكان و اسمه. سألته و لماذا أنت هنا؟ فقال لها سأعمل مدرساً للفيزياء بمدرسة الزهراء الثانوية للبنات. ابتسمت ست شاي و قالت:" كان اسم هذه المدرسة في السابق هو مدرسة المزاد الثانوية للبنات". سألها ياسر عن مكان مكاتب إدارة المرحلة الثانوية و موقع المدرسة فأجابته بوصف دقيق و أوضحت له الطرق للوصول إلي تلك العناوين مشياً. سألها ياسر عن اسمها فاجابته و قالت: "خالتك فوزية". ذهب ياسر إلي مكاتب إدارة المرحلة الثانوية بمباني إدارة التعليم بالمحلية ثم مضي إلي مدير المدرسة ليسلمه خطاب التعيين. لم يكن المدير بالمدرسة. أخذه الخفير إلي بيت المدير الذي لم يكن بعيداً حيث استقبله بحرارة شديدة و استلم منه الخطاب ثم دعاه لمشاركته طعام الإفطار. سأله المدير إذا كان سيستطيع تدريس الرياضيات أو الكيمياء. وافق ياسر علي جدول محتشد بحصص الرياضيات و الفيزياء. قال المدير المرتب ضئيل هذا إذا وصل أصلاً لذلك سأكلم لك ممثل اتحاد المعملين ليتم إعطائك جداولاً للحصص في مدرسة الأولاد و بصفوف اتحاد المعلمين بمدرستي البنات و اأ ولاد التي ستكون نهارية.سأل ياسر المدير قائلاً: هل هنالك سكن للمدرسين فقال المدير: لا. تناول ياسر الفول المصلح، سلطة الخضار و الطحنية مع المدير و ابنه الذي يدرس بالجامعة في الخرطوم. شكرهما ياسر علي كرمهما و غادر عائدا إلي اللوكاندة و علي موعد لمقابلة المدير في أول يوم للمدرسة و هو بعد اسبوع من الآن. استقبلته فوزية بالأسئلة التي سمع إجاباتها المتجمعون جوارها من أهالي و زوار البلدة. منهم من اهتم بتحيته و اكرامه بإبتسامة و منهم من واصل صمته دون اكتراث. ذهب ياسر إلي حيث سريره في غرفة اللوكاندة، راجع محتويات حقيبته و كانت مكتملة ثم فتح ياسر كرتونة الكتب و تمّم علي مراجعه في الفيزياء العامة و بقية الروايات التي يحب قراءتها. اختلس ياسر نظرة للطريق فوجد فوزية وحدها. خرج إليها و سألها يا خالة هل تعرفين مكاناً استطيع السُكنَي فيه؟ قالت:نعم عند نهاية اليوم ستأتي كارو ترجعني إلي البيت بأغراضي و سنحمل اغراضك عليها و نذهب. وافق ياسر علي العرض. طلبت منه فوزية الذهاب إلي مكانه في اللوكاندة ليرتاح و قالت إنها سترسل في طلبه عندما تكون في طريقها إلي البيت. شكر ياسر فوزية علي مساعدتها له فردّت عليه باختصار طافح بالأمومة وقالت: " دا الواجب يا ولدي". صحي ياسر من قيلولته تلك علي إثر تبتبات خجولة علي كتفه، جفّف ياسر عرق وجهه علي كم القميص ليتبيّن ملامح الزائر الذي كان شاباً في عمر طلاب المرحلة الثانوية.قال الشاب: "أرسلتني خالتي فوزية لإيقاظك و مساعدتك في حمل اغراضك". لبس ياسر حذاءه و سحب اغراضه من تحت السرير. ساعده الشاب بحمل كرتونة الكتب فحمل بذلك ياسر الحقيبتان و غادر اللوكاندة. نادي ياسر علي المسئول عن اللوكاندة و شكره ثم سلّمه أجرة الليلة. عندما خرج ياسر كانت الحقيبتان و الكرتونة بالإضافة لأغراض فوزية علي سطح الكارو الذي يجره حمار مكادي، ابيض و عالٍ. تحركت الكارو و غادرت جهة السوق نحو أحد أطراف البلدة. عبرت الكارو بمشقة خط السكك الحديدية الذي يقسم البلدة إلي نطاقين، أعمدة التلغراف مازالت باسلاكاها القديمة المنحنية، في الناحية أعمدة كهرباء، بركتان علي الطريق دلتا ياسر علي توفر خطوط الماء. كان البيت خلف صف البيوت المواجه لخط السكك الحديدية المهجور. أمام باب حديدي بضرفتين أنزل الشاب حمولة الكارو. حمل ياسر لفوزية اغراضها ثم ترك اغراضه بالخارج هنا قالت فوزية:" أدخل اغراضك أيضاً." تردد ياسر وصرف تلك الطاقة المهتزة في محاورة صاحب الكارو حول السعر، رفض الشاب المساومة و تدخلت فوزية قائلة لياسر و الشاب صاحب الكارو: "موضوع أجرة المشوار ما عندكم بيهو شغلة يا استاذ". غادر صاحب الكارو الشاب هنا سأل ياسر قائلاً: هل سنذهب إلي البيت الذي سأستأجره اليوم؟ قالت فوزية:" عندي نصف البيت غير مشغول و اريدتك أن تستأجره." أحس ياسر بالحرج و شمل فوزية بنظرة مستعجلة فهي إمرأة في العقد السادس، سمراء، غير متزينة اطلاقاً إلا بتصفيفة شعر عادية،عيناها متعبتان، في ملامحها حزم و حزن مختلطان بنبل. أثناء تلك اللحظات المرتبكة جاءت، كانت جميلةً بشكل لا يوصف، ريّانة و بوجه يشع فيه جمال مستقر و راسخ. سلّمت علي ياسر قائلة: "حمد الله علي السلامة، اتفضل" و صافحته بيد ذكّرته أيادي أخواته و أمه. دخل ياسر ماشيا علي أرضية الحوش المضفورة بالطوب و الاسمنت متتبعا فوزية التي طلبت منه
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-10-13, 05:23 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-10-13, 05:25 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 12:05 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | محمد الطيب محمد | 07-11-13, 12:24 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | سليمان القرشي | 07-11-13, 12:37 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 12:47 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | mustafa mudathir | 07-11-13, 01:14 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-11-13, 03:11 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-12-13, 12:16 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 00:18 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | Imad Khalifa | 07-13-13, 00:39 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | عبداللطيف شريف على | 07-13-13, 01:19 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 02:41 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 02:39 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-13-13, 06:56 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-14-13, 05:08 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-15-13, 12:25 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | garjah | 07-15-13, 10:43 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-15-13, 11:13 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | Musab Osman Alhassan | 07-15-13, 11:48 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-16-13, 01:15 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-16-13, 10:01 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | أبوبكر بشير الخليفة | 07-16-13, 11:00 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-17-13, 02:20 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-17-13, 02:26 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | أبوبكر بشير الخليفة | 07-17-13, 12:03 PM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-18-13, 01:17 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | HAYDER GASIM | 07-18-13, 04:54 AM |
Re: هنادي.. فتاةٌ لا تعرف الخوف! | طه جعفر | 07-18-13, 11:46 AM |
|
|
|