|
Re: علي بن ابي طالب إن لم يكن شجاعاً ولا معصوماً فلم تُزور العقائد؟ (Re: Adrob abubakr)
|
Quote: يا أستاذ عمار التاريخ ينقل لنا الكثير من القصص والخرافات اللامنطقية وفيها الكثير من التهويل والمبالغة لبيع الناس الوهم, حتي أصبحت مخزونا ثقافيا تتناقله الشعوب من جيل إلي جيل دون أن نعرف لها مصدرا. وأساليب التدليس والتزييف وفن الكذب ليست وليدة اليوم, بل ظلت تمارس من قبل المغرضين علي مدي التاريخ بفنية وإحترافية كبيرة, تحدث عنها رب العالمين في محكم تنزيله "قل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله, ليشتروا به ثمنا قليلا, فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون!", " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون!" والمعروف أن صناعة المعلومة وترويجها للتأثير علي توجهات الشعوب, تعد من أهم ميكانيزمات التأطير والسيطرة علي العقول, من أجل تحويل هذه الشعوب إلي متلقين للمعلومات لا صانعين لها, ومن أجل تغبيش الوعي وذر الرماد في العيون, وأهم وسائطها المرجعيات الدينية والثقافية, التي تقوم بقوة تأثيرها ووصايتها علي المجتمع بصناعة الحدث من لا شئ, وتزييف الحقائق, ولوي عنق الحقيقة, وتلبيس الحق بالباطل, ودس السم في الدسم, وتحوير المعلومة ببترها من سياقها أو حزف أو زيادة أجزاء لها, أو جعلها مقنعة تظهر حقا وتخفي باطلا, والتضليل بتضخيم أو تهوين الحدث أو حجبه أحيانا, أو التضليل بالتأثير علي العاطفة وإستغلال النفوذ وجهل وسذاجة المخاطب, وأسليب حرف الموضوع وصرف الإنتباه إلي مواضيع جانبية, والتلاعب بالألفاظ وتعمد التعقيد والغموض وإخفاء المصدر, وكلما كانت الأمور ضبابية وملتبسة, كلما كان الجو مهيئا لغبيش الوعي, كل ذلك وفق مقتضيات مصلحة النخبة. هناك قصور كبير إعتري منهجي السنة والشيعة علي حد سواء, الأول إعتمد علي جرح وتعديل الرواة من خلال التقصي عن سيرتهم الذاتية وإستاندا إلي بينة الأخلاق بالدرجة الأولي, وقلما يكون التعويل علي مضمون النص, من حيث موافقته للقرآن, والثاني يقوم علي إعتماد الثقاة من أهل المذهب الناقلين عن الأئمة المعصومين أو من خلال الفيض الإلهي (!), كل هذا حدث في ظل إحتراب طائفي محتدم "كل حزب بما لديهم فرحون!", فلا يقبل أهل السنة رواية "رافضي", ولا الشيعة رواية "الناصبي" (!), وتماري الطرفان لتخطئة كل طرف للآخر, فلم يعد البحث من أجل إستقصاء الحقيقة وإستجلائها, بقدر ما هو إنتصار للمذهب, إلي أن وصل الأمر لإختلاق أحاديث تدعم ما يتبناه كل منهما مذهبه وتبطل مذهب الآخر (!) وكلا الطرفين فارقا المنطق والموضوعية وتجاهلا القرآن والتاريخ كشاهد علي الوقائع, ثم جاء دور السلطان ليستغل براغماتيا هذه الخلافات ويعمقها, يستضعف طائفة منهم, ويقوي أخري, تارة بشراء الذمم وتارة بالإبتذاذ, حتي أصبح الدين مطية للحكم, وأداة للنفوذ, وأحيانا تكون المنفعة تبادلية, بأن يمنح أهل المذهب الشرعية للسلطان, مقابل أن يفسح لها السلطان للإنتشار علي حساب المذاهب الأخري, وكثر رواة الحديث والتاريخ وعجائب القصص وأصبحوا يتقاضون مقابلا لها وثمن مقبوضا, حيث أمنوا من تحري مصداقيتهم بموت شهود العيان من الصحابة والتابعين. لم يكن الأمر هكذا في أيام الخلافة الأولي, فالصحابة بطبعهم لم يكونوا كثيري الأسئلة, وكان هناك نوع من ديموقراطية المعرفة, فلم يكن هناك خواص وعوام, وكان الحديث عندهم مرسل, ولم يسألوا عن الإسناد, للثقة التي كانت بينهم, ولقرب عهدهم من رسول الله, كشهود عيان, ولم تظهر شبهة الوضع والإختلاق, ومع ذلك كان أبوبكر وعمر يطلبان شاهدين لمن يروي حديثا عن رسول الله, وكان علي بن أبي طالب يقوم بتحليف من يأتي بحديث, وابن عباس كان يقول " إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله إبتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعب والذلول, لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف!", وقال سفيان الثوري " لما إستعمل الرواة الكذب, إستعملنا لهم التاريخ!", وابو حنيفة أيضا لم يعتمد علي الأخبار والنقل, بقدر إعتماده علي العقل والرأي. الدلائل التحليلية تشير إلي أن السلالات الأرستقراطية الفارسية التي فقدت إمتيازاتها بالفتح الإسلامي, هي كانت وراء ترويج الفكر الباطني الإشراقي, لإختلاق الدليل بوسائط الفيض الرباني, وتأويل النصوص علي خلاف ظاهرها من غير قرينة أو برهان, ولجأوا إلي هذا الأسلوب عندما حار بهم الدليل, لدعم الثورة المضادة من قبل الشعوبيين, والإنتقام من بني أمية, وإستغلوا الخلاف الأموي العلوي, وليمتطوا موجة العلويين لتحقيق لأهدافهم, وكانت بداية ظهور هذه الحركة علي يد الكيساني مولي الخليفة علي بن أبي طالب, الذي نادي بعد مقتل الحسين بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب وأمه خولة بنت جعفر الحنفية, ثم تبني دعواه في العراق المختار بن أبي عبيد الذي كان يدعي العلم اللدني والفيض ويخاطب الناس بكلام كسجع الكهان وينسبه لمحمد بن الحنفية, وبعد موت محمد الحنفية إدعي أتباع الكيساني والمختار أن محمد بن الحنفية يقيم في جبل من جبال تهامة بين أسد ونمر يحفظانه, وأنه سيعود بعد الغيبة, فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. ويروي الشهرستاني أن محمد بن الحنفية تبرأ من المختار, عندما علم أنه إدعي أنه من دعاته. من هذا يتبين أن الحكم علي ثقة الراوي كمعيار للجرح والتعديل ليس ثابتا, بل نسبيا, لأن من يكون ثقة عند قوم, فهو ليس بالضرورة موثوقا عند الآخرين, وجامع الرواة لا يجمع منها إلا ما يوافق آراءه, ويعبر عن وجهة نظره ومذهبه, والملاحظ أيضا الزيادة المضطردة للأحاديث بمتوالية هندسية, كلما إبتعدنا عن عصر الصحابة, فضلا عن شفاهية وعملية الإحتقان السياسي والإستقطاب المذهبي والطائفي الحاد, كل ذلك يجعل أمر إعتماد معايير أخري في غاية الأهمية. ووفقا لقانون الإثبات فإن الشهادة بنقل البينة أو الشهادة السماعية غير مقبولة كقاعدة عامة أمام المحكمة, لأن المحكمة أمام إفتراضين ليس بوسعها التحقق منهما, أولا عليها أن تفترض أن الشاهد السماعي قد نقل الرواية صحيحة علي وجه الدقة كما سمعها, وثانيا أن صاحب الرواية المنقول عنه الرواة قد أدلي بالحقيقة, والصعوبة بالنسبة للمحكمة تكمن في الإفتراض الثاني, حيث لا يمكن إستجواب صاحب الرواية الغائب ولا أخذ أقواله علي اليمين للتأكد من صدق ما نسب إليه. وليس في مقدور الشاهد السماعي أيضا التأكد من صدقية الرواية ولا مصداقية راويها, وشهادته تقوم علي تطابق أقواله مع ما سمعه, لا علي صدقية محتواها, علي أساس أنها واقعة, بغض النظر عن صحتها أو خطئها, أما تقييمه لها ورأيه في راويها فهذه امور تحليلية لا إخبارية, ويمكن فقط الإستفادة منها في بينة الأخلاق التي تصلح كدليلا مستقلا. فإذا أدي شخص بأقوال علي اليمين تفيد أن (س) من الناس أخبره بأن (ص) قد قال أن (ع) أخبره بأنه رأي (و) يسطو علي بيت (ن) فليس من المحتمل في هذه أن المحكمة تقرر إثبات واقعة السطو بناء علي الشهادة النقلية عن النقلية. في كل الأحوال لا تصلح الشهادة السماعية ولا الشهادة بالتسامع ولا بينة الأخلاق كدليل مستقل لإثبات واقعة مادية, إلا في حدود ضيقة جدا وإستثنائية, ولتقييم وزن البينة من بعد تقدر المحكمة الظروف الملابسة لها ومدي حاجتها إلي ما يعضدها من البينات. وبناء علي ذلك أعتمد شخصيا لصحة الروايات موافقة القرآن, دليل الواقعة أثرها (التاريخ), الممارسة المتواترة دليل السنة الفعلية, الأحاديث المروية في عصر الخلفاء والصحابة, الأحاديث المتواترة (السلسلة الذهبية!), وإستبعاد من له مصلحة أو غرض أو ياخذ مقابلا لقول الحديث, وإستبعاد رواية المقربين من الحكام والسلاطين, وإستبعاد من فيهم مظنة الإنتصار للإنتماء المذهبي أو الطائفي, وإستبعاد المرويات في ظل الإستقطاب والإحتراب السياسي بين الطوائف والعصبيات, والتفرقة بين الخبر والرأي والتحليل. وفي حالة وجود عدة روايات متوترة من مصادر مختلفة, يتم تجميعها والتدقيق فيها سندا ومتنا وواقعة, وفي حال تعذر الدليل المباشر, نلجأ إلي البينة الظرفية وهي وهو دليل منطقي يقوم علي إستنباط قرينة لها نفس دلالة البينة من الوقائع والظروف الملابسة والمتزامنة معها. |
تشكر يا دكتور ادروب ابوبكر على هذه المداخلة المميزة.. اعجبتني واحببت ان تكون بهذه الصفحة ايضاً لمتعة القراءة.. تحياتي
|
|
|
|
|
|