تداعيات حول فوز السيدة وداد بابكر بجائزة السيدة العربية الأولى ..
في الحقيقة, دهمتني حالة من القنوط واليأس العميق حال سماعي هذا الخبر الصادم. لا أعلم لماذا بالتحديد ولكن, دهمتني هذه الأحاسيس السالبة مصحوبة بالكثير من الدهشة في زمن كادت أن تنقرض فيه المدهشات. طفقت أفكر وأنا أقرأ حيثيات هذا التكريم في تفاصيل كثيرة تخص الوطن والمواطن السوداني أني كان وكيفما هو الآن يعاني الأمرين والأمر منهما من سوء الحال وتفشي الأمراض وسيادة الجهل وتردي الإقتصاد وغياب الأمن وانتهاك الحريات وانتشار الجريمة وتعاظم الفساد واندلاع الحروب الأهلية وتنامي الفقر وحتى كدنا أن نصبح وجميعا شعبا من الفقراء والمساكين وابناء السبيل والعاملين "علينا " والغارمين وفي الرقاب والمهاجرين والمغتربين والمنفيين في شتى اصقاع الدنيا.. قفز لبالي وأنا أتفكر في هذا التكريم العربي لسيدة السودان الأولى السيدة المحترمة وداد بابكر آخر التقارير الأممية والتي أعلنت على العالمين أن تفاقم سوء تغذية الأطفال قد تجاوز ال 16% من مجموع أطفال السودان, مما حدا بالأمم المتحدة إعلان السودان منطقة طوارئ..
ثم أرجعت البصر كرتين نحو ذلك الوطن وبعيدا عن سوء تغذية أطفالنا, فوجدت أن ذلك أقل قليل المآسي في وطن كنا نفاخر بكونه سلة غذاء للعالمين. تذكرت تقريرا آخر قدمته قناة أخري بعنوان ( السودان .. أيام الرعب ) .. وتدور مآسيه حول ضحايا الحرب في جبال النوبة من الأطفال .. نعم الأطفال !! الأطفالُ الذين تحصدهم آليات الموت الحكومي من طائرات الانتينوف وقذائفها المحمومة ولا يملكون إزائها الا الإختباء أو الاحتماء بالصخور.. الأطفال الذين يلوذون الآن بالجبال وكهوفها يساكنون فيها دواب الأرض والأفاعي والعتمة والظلام .. الأطفال الذي يقتاتون الآن من أوراق الشجر وأقل قليل ما تمنحه لهم الطبيعة .. الأطفال الذين لا يملكون من طفولتهم شيئا الا الحرب وذاكرة الموت والجوع والمرض.. وموت الأطفال جراء الحروب أكبر جريمة في التأريخ !!
تدبرت أمر دهشتي قليلا وأنا أمعن الفكر في حال النساء في بلادي .. طافت بي مشاهد متفرقات ليس أفدحها مشهد تلك الفتاة وهي تئن تحت سياط جلادها الشهير قدو قدو .. ثم وكانت صفية حاضرة, صفية اسحق محمد البنت السودانية الجميلة خريجة كلية الفنون الجميلة ..وكانت كلماتها أكثر حضورا في الذاكرة ( عشان الحاجات تبقي كويسه) .. صفية التي إغتصبونا جميعا باغتصابها في مكاتب الأمن التابعة للنظام الحاكم في السودان ..
وكن ثم كن نساء دارفور حاضرات في تمام النزيف .. وكن شاهدات عصر على أكبر مأساة تشهدها إنسانية القرن الواحد والعشرين, النساء الشريفات الكريمات المسلمات القتلى والنازحات والمغتصبات والمركوبات شرفا للجلاد .. النساء الضحايا لحروبات التطهير العرقي والابادة الجماعية في دولة النظام الحاكم في السودان ..
ثم توالت المشاهدات تنبيء عن انحطاط انساني عظيم, وتلك هي مشاهدات سيء السمعة قانون النظام العام وغيره من القوانين التي تُعمل سيفها في نحور بناتنا وتحاكمهن وتجلدهن وتسجنهن وتعتقلهن وتضربنهن بما لبسن وما كتبن وما حملن من هموم وطنية ومن أقلام ومن كاميرات للوعي والحلم والثورة ..
ثم لم تتوقف المشاهدات الحزينة .. ثم لن تتوقف المشاهدات الحزينة.. هذا والله عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.. يقيني ان هذا الوطن العظيم سينهض من جديد, وسنطوي صفحة الذل والهوان الذي تهنا فيه ردحا من زمان لئيم .. وسنتصالح يوما ما مع أحزاننا ومآسينا لاجل أن نبتني وطنا للأطفالنا .. يكوننا ونكونه بالحب لا بالحرب .. بالمحنة لا بالكراهية .. وطوبى لكل نساء السودان .. طوبى لنساء دارفور .. طوبي لاطفال جبال النوبه .. طوبى لصفية اسحق ونجلاء سيد احمد وميادة سوار الدهب ومريم الصادق وهالة عبدالحليم وأميرة الجزولي وتراجي مصطفي و ولاء صلاح وناهد محمد الحسن واشراقه مصطفى وناهد جبرالله ومواهب "قرفنا" وكنداكات نفير وجميع نخلات وكنداكات وميارم ومهيرات وبنات وسيدات ذلك الوطن العظيم ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة