في زمن الغربة والارتحال .. تأخذنا منك, وتعدو الظلال ..
عرفت نديم عدوي في وقت مبكر .. وعرفته أكثر - رحمه الله - في الفترة الانتقالية بعد إنتفاضة ابريل المجيدة .. وكنت قد عُينت مديراً للشئون المالية والادارية في القصر الجمهوري, وفي ظل الامانة العامة الجديدة آنذاك بقيادة اللواء "ملاح" أحمد إدريس "رحمه الله ..
جئت للقصر منتشياً بالواقع الثوري وحلاوة الإنتصار العظيم على ديكتاتورية مايو .. وكنت أضمر في نفسي أن اُعمل مقاصل التطهير الثوري لإجتثاث بقايا مايو وسدنتها .. وفي معقل سدانتهم "القصر الجمهوري" ..
وفي أول الاجتماعات بالامانة العامة للقصر الجمهوري .. كنت قد طرحت وبقوة فكرة تطهير القصر من المفسدين والسدنة الفاسدين ..لكني فوجئت بالصمت الثقيل يهبط علي الجميع .. أحمد إدريس, عبدالرحمن سعيد, عبدالمنعم زين العابدين و أحمد محمود حسن .. وكان أن إحتوى أحمد إدريس الموقف وطلب مني التريث قليلا, وأن أعرف هؤلاء الذين ببالي اولاً وعن قرب وحتى يتسنى لي التقييم الصحيح للأمر .. نصيحة غالية من رجل كبير لن انساها قط ..
وهكذا .. ولم تمر ايام كثيرة قبل أن أجد نفسي أتعرف في القصر الجمهوري على مجوعة رائعة من الإختصاصيين المهرة والأذكياء وفي مختلف المجالات. في الإدارة, المراسم, القانون والعلاقات الدولية .. ولقد أبهروني حقاً بأدائهم الرفيع وإخلاصهم في عملهم وإهتمامهم بمظهرهم وبتلك الساعات الطوال التي يؤدوون فيها أعمالهم وبذلك العائد القليل الذي يحصلون عليه في نهاية المطاف.
إن أسماء مثل بابكر العبيد .. وعلي العريفي .. وعبدالقادر صالح .. ومحجوب الزبير .. ونديم عدوي .. وعزالدين خاطر .. وعاطف عبدالرحمن .. والمعز عبدالقادر .. وعبدالجليل .. ومحمد عبدالعزيز .. والسماني .. وعلي عبدالله عبدالواحد .. وحتى العمال بالقصر الجمهوري .. ستبقي وضيئة في ذهني وإلى الأبد .. فجمهورية نميري ليست كما كنت أعتقد .. فهي جمهورية مؤسسة على أرقي طرز وأنواع التعامل في المؤسسات السيادية .. فقد كتب لها منصور خالد مجلدات ومجلدات تنظم العمل بها وتؤسس له ..
رحم الله نديم عدوي رحمة واسعة .. فقد تميز بالأدب الجم والإحترام والإخلاص التام للمهنة والوطن .. لم يرتزق ولم يحصد الملايين وكانت في متناول يده .. بيد أنه إكتفى بإحترام نفسه وتكريم الناس وإحتفائهم به كما يحتفون الآن بذكراه العطرة .. تلك سيرة عطره وهذا إحتفاء مستحق ..
رحم الله نديم عدوي رحمة واسعة وألهم آله وذويه الصبر والسلوان وحسن العزاء .. والعزاء موصول لكل العاملين بالقصر الجمهوري عندما كان هنالك قصرا جمهوريا نعتز به ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة