|
Re: ميرلوبونتي ....وزيف عالمنا الإفتراضي (Re: Sinnary)
|
إعتصمت البيرونية من قبل الميلاد مبدأ الشك قبل أن تمنهجه الديكارتية عندما أنكرت وجود الحقيقة لكن البيرونية كانت قد وجهت سهامها نحو العقل بينما إرتأت الديكارتية أن توجه سهامها نحو الإدراك حتي تمهد السبيل أمام العقل لوظيفة أخري تتوسل بها إلي يقين الله ...خلطت البيرونية بين العقلي والحسي لكن ديكارت إنتصر للعقلي علي الحسي... ورغم أن لوك أتي مصوراً عقل المولود في شكل صفحة بيضاء عندما يولد ثم يبتدئ الكتابة فيها مع إدراكاته اليومية ومن ثم طبعات هذه الإدراكات التي تخلفها علي الصفحة البيضاء ... ثم أتي من خلفوه ليرهنوا جهودهم إلي النسخ المنطبعة علي الصفحة قبل شروع الوعي في التأليف ... كل ذلك دون توسيع البحث عن معني لوجودنا ولحياتنا قبل الصفحة البيضاء والطباعة عليها... وهو شأن ليس من شئون التصور بقدر ما هو من شئون الإدراك الذي لا يحتفي أبداً بالآراء المسبقة..هكذا ينجاز بونتي إلي الشيء نفسه وليس صورته... أن أمسك هذا الكوب وأتفحصه يغنيني عن كل الأوصاف التي أطلقت عليه من قبل ...أتأمله زاوية زاوية، أقلّبه، أسلط عليه الضوء، أجرب فيه الماء والزيت وأتحول منه إلي ما حوله ..قل لي مهما قرأت عن أوصاف الكوب والمواد التي دخلت في صنعه والوظائف التي صنع من أجلها هل ستعطيني فكرة عنه مثل هذه الفكرة التي حصلت عليها مستعيناً بحواسي ؟ إن بين ومضة عيني وغمدتها يومض معي كل العالم حولي كأنما تتحولي أجفاني إلي ستار علي مسرح الحياة ينفتحان ومعهما تنفتح أمامي مشاهد لا تحصي ومع تحركي من مكان إلي آخر أتحول إلي مسرح آخر من مسارح الحياة بمشاهد أخري كل في ومضة عين في جزء من الثانية وعندما أستعمل عيني الإثنين أستطيع أن أوضح من الرؤية بعين واحدة أي أن الإدراك درجات فإذا وقفت علي بعد مئات الأمتار من مبني علي طراز معماري فريد لن أراه بنفس الوضوح مثلما أقف علي عدة أمتار منه ..بل يمكنني أن أراه بوضوح أكثر وأنا أدور حوله من كل الإتجاهات ومن سطح مبني آخر أعلي منه ومجاور له..فالإدراك الحسي درجات وكلما إقتربنا من الشيئ المدرك كلما تمكننا من إمتلاك إدراك أفضل له ولا يمكن أن تنافس الصورة التي نكونها في ذاكرتنا أو خيالنا عن أي شيء حقيقته لأنها ستظل دوماً أقل كثافة من كثافة المدرك بالرؤية المادية حيث هنالك ما لا يمكن الحصول عليه خارج الإدراك الحقيقي ..دعنا نتخيل صورة شخص قريب إلينا لم نلتقيه من مدة ونحن في طريقنا إلي مقابلته..في حضوره نتمكن من رؤيته بوضوح يفوق كل الصور التي كانت ترنوا علي الخاطر ونحن علي بعد لحظات من اللقاء حيث تغيب الصورة وتحضر الحقيقة
|
|
|
|
|
|
|
|
|