دعاة السُّلطة ونُصحاء السُّلطان الدكتور غازي صلاح الدين نموذجاً
أحمد إبراهيم أبوشوك
قبل ست سنوات مضت كتبتُ مقالاً بعنوان "دعاة السُّلطة ونصحاء السُّلطان"، مستأنساً بمقال نشره الدكتور التجاني عبد القادر عن "أسرَّة الحُكام"، في صحيفة الأحداث (المرحومة)، العدد 79، 16/12/2007م. وكانت إشكالية أسرَّة الحكام تدور حول الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بن مروان، ومجالس حواره مع النُصحاء والحُكماء والعلماء أمثال رجاء بن حيوة الكندي، الذي اقترح عليه ترشيح عمر بن عبد العزيز للخلافة، وقد أثمر ذلك الترشيح في انجاب "خليفة راشد خامس، كاد أن يحدث انقلاباً داخلياً في الأسرة الأموية الحاكمة". ويرى التيجاني أن صاحب هذه المبادرة: "لم يكن مديراً لجهاز المخابرات، أو رئيساً لمجلس الشورى، أو أميناً لدائرة العلاقات السياسية، أو مبعوثاً خاصاً من قبل الإدارة الأمريكية"، وهنا إشارة ضمنيَّة إلى آليات صنع القرار في السُّودان. وحاولتُ في ذلك المقال أن أُذكِّر الأخ التيجاني والقارئ الكريم بأن أدبيات التراث الإسلامي، التي تدعي بعض الحركات الإسلامية الالتزام مرجعيتها لتطفيف الرأي العام، تذخر بمثل هذه الأمثلة، وذكرتُ منها موقف الصحابي الجليل أبي حازم، الذي دعاه الخليفة سليمان إلى أحد مجالس نُصحِهِ، طالباً منه أن يذكرّه في أمور الدنيا والدين، وذلك بقوله: "فما الذي تقول فيما نحن فيه؟"فردَّ أبوحازم عليه، قائلاً: "يا أمير المؤمنين أوتَعفيني من ذلك"؟ فقال الخليفة: لا، ولكن نصيحة تلقيها إليَّ. فقال أبوحازم: "إن آباءك قهروا الناس بالسيف، وأخذوا المُلك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضىً، حتى قتلوا عليه مقتلةً عظيمة، وارتحلوا عنها، فلو سمعت ما قالوا، وما قيل لهم ..." وقبل أن يكمل أبا حازم نصيحته، وقع الخليفة مغشياً عليه. فكان رد فعل أحد علماء السُّلطان: "بئس ما قلت يا أبا حازم!"، فرد عليه صاحبنا بقوله: "كذبت يا عدو الله، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننّه للناس ولا يكتمونه." وفي هذه الأثناء أفاق الخليفة سليمان وقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟". قال: "تدع الصلف، وتستمسك بالمروءة، وتقسم بالسويَّة". ويبدو أن الخليفة في قرارة نفسه قد استحسن نُصح أبي حازم، فبعث إليه بمائة دينار، وكتب إليه أن أنفقها ولك مثلها كثير. فردَّها أبو حازم عليه معاتباً: "يا أمير المؤمنين أعوذ بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً وردّي عليك باطلاً، فو الله ما أرضاها لك، فكيف أرضاها لنفسي؟ يا أمير المؤمنين إن كانت هذه المائة عِوضاً لما حدثتك، فالميتة ولحم الخنـزير في حل الاضطرار أحلُّ من هذه، وإن كان حقاً لي من بيت المال فلي فيها نظر ..." ومضى في قوله: "يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل ما داموا على الهُدى والرُشد كان أمراؤهم يأتون علماءهم رغبة فيما عندهم، فما رئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء يريدون به الدنيا، استغنت الأمراء عن العلماء، فتعسوا ونكسوا وسقطوا من عين الله عز وجل، ولو أن علماءهم زهدوا فيما عند الأمراء لرغب الأمراء في علمهم، ولكنهم رغبوا فيما عند الأمراء، فزهدوا فيهم وهانوا في أعينهم." فكان الزهري حاضراً في مجلس الخليفة فقال: لأبي حازم: إياي تعني وتعرِّض بي؟" فقال له أبوحازم: " لا والله ما تعمدتك، ولكن هو ما تسمع !" لا جدال أن هذا الحوار يذكرنا بما يدور الآن في أروقة السياسة السُّودانية بشأن ترشيح الرئيس عمر حسن أحمد البشير (1989-2013م) لولاية ثالثة في الحكم، استناداً إلى تبريرات بعض القطاعات السياسية المشغولة بسؤال "مَنْ يحكم السُّودان"، دون التفكير في سؤال "كيف يُحكم السُّودان"، وهذه واحدة من المشكلات التي يعاني منها هذا القُطر، الغني بأبنائه وموارده الطبيعية، الفقير بقياداته السياسية. لأن قضية "مَنْ يحكم السُّودان" تجعلنا ندور في فلك الأشخاص والتطلعات الذاتية، بعيداً عن القيم المعيارية للحكم، وذلك بخلاف إشكالية "كيف يُحكم السُّودان" التي تدفعنا إلى البحث عن الخيارات والآليات المناسبة. ومن القيادات السياسية التي بدأت تفكر في هذا الاتجاه، بعد أن تمرقت في تجربة الحكم بخيرها وشرها، الدكتور غازي صلاح الدين، الذي يُعدُّ من قادة مذكرة العشرة التي أبعدت الدكتور حسن الترابي عن دفة الحكم، واسهمت في نشوب صراع القصر والمنشية، الذي أفضى إلى انشقاق الحركة الإسلامية والحزب الحاكم في السُّودان. ومواقف الدكتور غازي التي تصب في هذا الاتجاه نجدها منشورة في العديد من الوسائط الصحافية، وأشهرها موقع تواصله الاجتماعي على الفيس بوك (http://www.facebook.com/ghaziatabanifans?filter=1)، ومن أقواله المشهورة التي لم تحظ باستحسان النخبة الحاكمة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة