|
Re: السودان علماء التكفير - كمال الجزولي (Re: علي محمد الفكي)
|
(2)
يلزمنا، قبل أن نمضي قدماً في فحص صلاحيَّة ذلك الإسناد، وما إن كان هو مؤدَّى الآية الكريمة، أن نلاحظ أن تلك ليست غير واحدة من آلاف حالات التَّكفير عبر تاريخ الدَّولة العربيَّة الإسلاميَّة، قديماً وحديثاً، فضلاً عن الدَّولة السُّودانيَّة؛ كما وأنها، بالقطع، ليست حالة نادرة تؤدي فيها "الهيئة" هذا الدور الذي يبدو مرسوماً، ضمن تقسيم عمل ما فتئ يتكرر بينها، هي ومثيلاتها، من جهة، وبين السلطة السياسية من جهة أخرى!
فإذا بدأنا بالملاحظة الثانية، فقد اقتصر النِّظام، دائماً، على "كلام السِّياسة"، تاركاً "كلام الدِّين" لهذه "الهيئة" ومثيلاتها، ويمكن التثبُّت من ذلك بمحض مقارنة عجلى بين بياناتها وبين تصريحات الرَّسميين من رموز السُّلطة، سواءً في الحالة الرَّاهنة، أو في حالات سابقة.
أما أسطع نماذج التَّكفير، حدَّ القتل، فيتبدَّى، قديماً، في مصائر أغلب الخلفاء الرَّاشدين، حيث طال الأمر عمر بن الخطاب عام 23هـ، وعثمان بن عفان عام35هـ، وعلى بن أبي طالب الذي قتله، عام 40 هـ، القارئ الخوارجي عبد الرحمن بن ملجم، كون الخوارج اعتبروا قبوله التحكيم "السِّياسي!" مع معاوية كفراً بواحاً، فطالبوه بالتَّوبة، فلمَّا لم يستجب قتلوه! ومن ذلك، أيضاً، تكفير البخاري، بشهادة ثلاثة ألف عالم، قبل أن يموت منفيَّاً؛ وكذا تكفير ابن حنبل، وسجنه، وتكبيله بالجَّنازير، وإجباره على السَّير على قدميه من طرسوس إلى بغداد، وضربه بالسِّياط تحت وهج الشَّمس، وهو صائم، في أواخر رمضان؛ وتكفير الغزالي وحرق كتبه؛ وتكفير ابن حزم ونفيه إلى أحراش أسبانيا؛ وتكفير السَّهروردي، وسجنه، وقتله خنقاً؛ وتكفير ابن تيمية، وسجنه، وتعذيبه حتَّى الموت؛ وتكفير التبريزى وسلخ جلده حيَّاً؛ وتكفير ابن القيِّم وحرقه؛ وتكفير الحلاج وصلبه.
وأمَّا في التَّاريخ الحديث فقد جرى تكفير أبي ماضي، وجبران، والشَّابي، والحكيم، وسلامة موسى، وطه حسين، ونجيب محفوظ الذي كاد يقتل، ونوال السَّعداوي، ونزار، ودرويش، وأدونيس، وسميح، وإحسان، والغيطاني، والعروي، والجَّابري، والقمني، وسلمان رشدي الذي أهدر الخميني دمه، وفرج فودة الذي اغتيل، ويوسف إدريس، وفؤاد زكريَّا، وجابر عصفور، وعادل إمام، وخليل عبد الكريم، وعبد الرحمن منيف، وأسامه أنور عكاشة، ونصر حامد ابو زيد الذي صدر حكم بالتَّفريق بينه وزوجته.
وأمَّا في السُّودان فقد كفَّر الأزهريُّون المهدي؛ وكفَّر المهدى الأتراك وسائر من لم يؤمن بدعوته؛ وجرى تكفير التِّجاني وفصله من المعهد العلمي؛ وتكفير محمود محمَّد طه وإعدامه؛ وتكفير جماعة أنصار السُّنة المحمَّديَّة، واستهدافهم بمجازر المساجد أثناء تأديتهم صلواتهم؛ وتكفير واستتابة النيَّل أبو قرون الذي شارك في تكفير وإعدام محمود محمد طه؛ كما جرى تكفير الطيِّب صالح؛ ومحمَّد طه محمَّد احمد؛ والصَّادق المهدي، وأعضاء الحزب الشِّيوعي، والجَّبهة الدِّيموقراطيَّة، وأحزاب ومعتنقي الدِّيموقراطيَّة، والاشتراكيَّة، والموالين للنَّصارى، على حدِّ تعبير إحدى هاتيك الفتاوى؛ وكفَّرت جماعة تدَّعي العلم المرحوم كدودة، وورَّاق، والدَّسيس، وحيدر إبراهيم، وكاتب هذه السُّطور، وأهدرت دمهم مقابل عشرة مليون جنيه للرأس! كما كفَّر التُّرابي علي عثمان؛ ثم ما لبث أن أبرم مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية، في جنيف، عام 2001م، شملت تعبيراً غامضاً عن علاقة الدِّين والدَّولة، مِمَّا جلب عليه تكفير أقوام مختلفين، فقد كفَّرته، مثلاً، "الرَّابطة الشَّرعيَّة للعلماء والدُّعاة"، قائلة إنه "مرتدٌّ يجب أن .. يعلن توبته على الملأ" (أنظر كتابنا "عتود الدَّولة"، دار مدارك 2010م، ص 112 ـ 117).
|
|
|
|
|
|
|
|
|