|
Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية (Re: احمد سيد احمد)
|
* الشبهة الرابعة : حول عقوبة القصاص : قالوا : إن القصاص عقوبة قاسية لا تراعي شخصية المجرم وظروفه ودوافعه ، كما أن جعل القصاص حقاً لأولياء القتيل ؛ فيه تغليب لجانب الانتقام ، واعتباره أساساً للعقاب ، وهذا من الهمجية الأولى ، ولا يتفق مع التحضر والمدنية ، واعتبار العقاب تهذيباً واستصلاحاً . - دحض هذه الشبهة : أما أن القصاص عقوبة قاسية فهذا حق ، ولكنها هي مقتضى العدل والإنصاف ؛ لأن القصاص يفعل بالجاني مثل فعله بالمجني عليه ، فهو جارٍ على سنن المساواة بين الجريمة والعقوبة مساواة دقيقة ، ولا ظلم في القصاص ، بل الظلم أن يُترك الجاني من غير قصاص . وأما إهمال شخصية المجرم ، فقد ذكرت فيما سبق أن الشريعة تراعي شخصية المجرم بالقدر الذي تستلزمه هذه الرعاية ، فلا تقيم القصاص إلا على من كان عامداً عاقلاً بالغاً . فإن كانت الجناية خطأً أو شبه عمد ، فلا قصاص ، وإن كان الجاني صغيراً أو مجنوناً ، فعمده خطأ ، ولا قصاص عليه أيضاً . أما تجاوز هذه الحدود بحجة ملاحظة نفسية المجرم وميوله وتربيته ؛ فإن ذلك من شأنه أن يوقع في متاهات الأهواء ، ويجعل أحكام القصاص مضطربة قلقة ، ويؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب ، وانتشار الجريمة وعدم السيطرة عليها . وأما اعتبار القصاص من حق المجني عليه أو أوليائه ، لا من حق المجتمع ، فإن هذا من حسنات تشريع هذه العقوبة ، لا من مثالبها ؛ لأن الجريمة تمس المجني عليه وأهله مباشرة ، فهم الذين اكتووا بنارها ، وتلوعوا بما وقع على قريبهم . أما تضرر المجتمع فيأتي بصورة غير مباشرة . فكان من العدل والحكمة شفاء غيظ المجني عليه خاصة ، وإطفاء نار الغضب في نفسه بتمكينه من القصاص إن أحب أو الدية أو العفو المطلق . ولا شك أن العناية بشفاء غيظ المجني عليه وتمكينه من الجاني عليه ، يقتل في نفسه الرغبة في الثأر والانتقام ، ويمنعه من الإسراف في القتل والاعتداء [47] . وإذا عفا المجني عليه أو وليه عن الجاني ؛ فللقاضي أن يعاقبه بعقوبة تعزيرية تتناسب مع جرمه وحاله حفظاً للنظام العام ، وحماية لحق المجتمع . ويتأكد ذلك إذا كان هذا الجاني معروفاً بالشر والفساد [48] . ________________________ (*) أستاذ الفقه المساعد ، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، بالرياض . (1) انظر : أثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 174 - 175 ، وحول تطبيق الشريعة ، ص 93 ، وعلى طريق العودة إلى الإسلام ، ص 122 ، وشبهات حول الإسلام ، ص 157 . (2) انظر : أثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 175 ، ومجموعة بحوث فقهية ، ص 413 . (3) انظر : أثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 175 ، والمحاورة : مساجلة فكرية حول قضية تطبيق الشريعة ، ص 101 . (4) انظر : على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 116 . (5) انظر : على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 95 ، 124 - 126 . (6) انظر : على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 97 - 98 ، وفي التشريع الإسلامي ، ص 89 ، والإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه ، ص 64 . (7) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 409 ، وروح الدين الإسلامي ، ص 428 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 168 ، وشبهات حول الإسلام ، ص 150 ، وفي التشريع الإسلامي ، ص 96 ، وعلى طريق العودة إلى الإسلام ، ص 123 . ( انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 409 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 168 ، والتشريع الجنائي الإسلامي ، 1/655 . (9) هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي ، انظر : من القائل ، 2/458 . (10) انظر : على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 103 - 104 ، 126 - 128 . (11) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 409 - 410 ، وروح الدين الإسلامي ، ص 429 . (12) انظر : حد السرقة بين الإعمال والتعطيل ص 209 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 169 . (13) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/644 . (14) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، ص 35 - 36 ، الطبعة القديمة ، 1/12 . (15) وذلك كالسرقة عام المجاعة ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الضرورة شبهة قوية تدرأ حد السرقة ، وهو ما فعله عمر مع غلمان حاطب بن أبي بلتعة ، حيث درأ عنهم الحد لما سرقوا في عام مجاعة ، وقال رضي الله عنه : (أما والله ! لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم ، حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه ، حلّ له ، لقطعت أيديهم) ، ولأن من شروط قطع السارق : أن يكون مختاراً ، ولا اختيار له عند الجوع الموفي على الهلاك ، ولأن له أن يأخذه ما دام مضطراً إليه ، وقد حكى الماوردي الإجماع على سقوط القطع لشبهة الضرورة ، فقال : (روي عن مروان بن الحكم أنه أتي بسارق سرق عام مجاعة ، فلم يقطعه ، وقال : أراه مضطراً ، فلم ينكر عليه أحد من الصحابة وعلماء عصره ، فكان إجماعاً) ، وعلى الرغم من أن ابن حزم لا يقول بدرء الحد بالشبهة ، إلا أنه ذهب في هذه المسألة مذهب الجمهور ، فدرأ الحد عن السارق للضرورة ، وفي ذلك يقول ابن القيم : (وهذا محض القياس ، ومقتضى قواعد الشرع ، فإن السّنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة ، غلب على الناس الحاجة والضرورة ، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه ، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له ، إما بالثمن أو مجاناً ، على الخلاف في ذلك ، والصحيح وجوب بذله مجاناً ، لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك ، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج ، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج ، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء ، لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه ، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون ، ولا يتميز المستغني منهم ، والسارق لغير حاجة من غيره ، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه ، فدري) ، انظر : إعلام الموقعين ، 3/11 - 12 ، والمغني ، 12/462 ، والمهذب ، 2/282 ، والحاوي الكبير ، 18/108 ، والمحلى 11/343 ، وأحكام السرقة في الشريعة الإسلامية والقانون ، للكبيسي ، ص 320 - 321 ، وحديث غلمان حاطب ، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، في كتاب السرقة ، باب ما جاء في تضعيف الغرامة ، 8/278 ، و عبد الرزاق في المصنف في كتاب اللقطة ، باب سرقة العبد ، 10/238 - 239 . (16) انظر : شبهات حول الإسلام ، ص 154 - 155 ، وفي التشريع الإسلامي ، ص 97 - 98 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 169 ، والمهمة المزدوجة للتشريع الجنائي الإسلامي ، مقال للدكتور : جمال الدين محمود ، في مجلة التضامن الإسلامي ، ص 47 ، ذو القعدة ، 1408هـ . (17) انظر : شبهات حول الإسلام ، ص 155 . (1 على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 129 - 134 ، مع تصرف يسير . (19) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 407 ، وشبهات حول الإسلام ، ص 150 ، وعلى طريق العودة إلى الإسلام ، ص 103 - 123 . (20) شبهات حول الإسلام ، ص 151 - 152 . (21) انظر : ص 1077 . (22) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 408 ، والتشريع الجنائي الإسلامي ، 1/720 . (23) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ، ص 27 - 28 . (24) انظر : على طريق العودة إلى الإسلام ، ص 134 . (25) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 408 - 409 . (26) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 410 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2 /294 ، وروح الدين الإسلامي ، ص 428 . (27) انظر : روح الدين الإسلامي ، ص 428 ، ومجموعة بحوث فقهية ، ص 411 - 412 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، ص 2/ 294 - 295 . (2 انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 410 ، وأثر تطبيق الشريعة الإسلامية في منع وقوع الجريمة ، ص 97 . (29) انظر : العقوبة ، لأبي زهرة ، ص 92 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 178 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2/293 ، والحدود في الشريعة الإسلامية ، ص 138 . (30) انظر : العقوبة ، لأبي زهرة ، ص 93 . (31) انظر : العقوبة ، لأبي زهرة ، ص 93 ، ومجموعة بحوث فقهية ، ص 415 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2/293 ، والعقوبات المقدرة وحكمة تشريعها ، ص 64 . (32) انظر : العقوبة ، لأبي زهرة ، ص 93 . (33) انظر : العقوبة ، لأبي زهرة ، ص 94 ، والعقوبات المقدرة وحكمة تشريعها ، ص 65 . (34) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 413 ، ومكافحة جريمة السرقة في الإسلام ، ص 270 ، وعقوبة السارق بين القطع وضمان المسروق في الفقه الإسلامي ، ص 402 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 171 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، ص 296 ، وحول تطبيق الشريعة ، ص 94 . (35) انظر : ص 998 - 1004 ، ص 1019 - 1022 . (36) انظر : أثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 171 - 172 . (37) والإحصائيات الرسمية تدل على أن الجرائم تزداد عاماً بعد عام زيادة تسترعي النظر وتبعث على التفكير الطويل ، ففي مصر مثلاً كان عدد السرقات في سنة 1891م : تسعة آلاف وثلاثمائة وستاً وخمسين ، وما زالت في تزايد مستمر ، حتى بلغت في عام 1939م : خمسة وستين ألفاً وخمسمائة وسبعاً وثمانين سرقة ، ومعنى هذا أن السرقات زادت في ثمانية وأربعين عاماً سبعة أمثال ما كانت عليه ! وهي نسبة لا تسوّغها زيادة السكان ، ولا يقوم لها أي عذر مهما اختلفت المعاذير ، فالسكان لم يتضاعف عددهم مرة واحدة ، فكيف تتضاعف السرقة سبع مرات ؟ وما يقال عن السرقات يقال عن غيرها من الجنح والجنايات ، انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/739 - 740 . (3 انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 413 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2 /297 . (39) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/ 732 - 740 ، ومكافحة جريمة السرقة في الإسلام ، ص 240 - 244 ، وحد السرقة بين الإعمال والتعطيل وأثره على المجتمع الإسلامي ، ص 211 - 212 ، ووجوب تطبيق الحدود الشرعية ، ص 33 - 40 . (40) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/652 ، وفي ظلال القرآن 2/884 ، وحد السرقة بين الإعمال والتعطيل وأثره على المجتمع الإسلامي ، ص 208 . (41) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/ 653 - 654 . (42) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي 1/653 ، ومكافحة جريمة السرقة في الإسلام ص 234 ، ومجموعة بحوث فقهية ، ص 413 - 414 . (43) انظر : الحدود في الإسلام : حكمتها وأثرها في الأفراد والجماعات والأمم ، ص 69 - 70 . (44) انظر : الحدود في الإسلام : حكمتها وأثرها في الأفراد والجماعات والأمم ، ص 70 ، وأثر تطبيق الحدود في المجتمع ، ص 172 ، والعقوبة ، لأبي زهرة ، ص 87 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2/297 . (45) ذكر الشيخ محمد قطب في كتابه : (شبهات حول الإسلام) ، ص 155 : أن حد السرقة لم ينفذ إلا ست مرات فقط خلال أربعمائة عام في صدر الإسلام ، وهذا يدل على أنها عقوبة قصد بها التخويف الذي يمنع وقوعها ابتداء ، ويغني عن اللجوء إليها . (46) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ، ص 25 - 27 . (47) انظر : مجموعة بحوث فقهية ، ص 419 ، والعقوبة ، لأبي زهرة ، ص 47 - 49 ، ومنهج القرآن في حماية المجتمع من الجريمة ، 2/300 ، وفلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون ، ص 252 ، وأثر تطبيق الشريعة الإسلامية في منع الجريمة ، ص 56 . (4 انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، 2/183 - 184 ، ومجموعة بحوث فقهية ، ص 419 ، وأحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن القيم ، ص 134 .
(( مجلة البيان ـ العدد [193] صــ 16 رمضان 1424 ـ نوفمبر 2003 ))
|
|
|
|
|
|
|
|
|