الجمـــــعـــــة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 01:56 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-16-2011, 11:21 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    السلام عليكم
    توقفنا فترة بسبب الرحول عائدين لمدينة فرانكفورت بعد ثلاث اعوام قضيناها في مدينة صغيرة على الحدود مع فرنسا
                  

09-16-2011, 11:26 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الخطبة الأولى

    أمّا بعد: فاتّقوا الله ـ معشر المسلمين ـ حقَّ التقوى، فتقوى الله الجليل عدّة لكلّ شدّة، وحصنٌ أمين لمَن دخله، وجُنّة من عذاب الله.

    واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنَّ ربَّكم خلق بني آدم معرَّضًا للخطيئات، ومعرَّضًا للتقصير في الواجبات، فضاعف له الحسناتِ، ولم يضاعِف عليه السيِّئات، قال الله تعالى: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنّ الله كتب الحسناتِ والسيّئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبَها الله عندَه حسنةً كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عندَه عشرَ حسنات، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيّئة فلم يعملْها كتبَها الله حسَنة كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عنده سيِّئة واحدة)) رواه البخاري[1].

    فشرَع الله لكسبِ الحَسَنات طرُقًا للخيرَات وفرائضَ مكفِّراتٍ للسيِّئات رافعةً للدّرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: ((الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِب الكبائر)) رواه مسلم[2]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أربعون خَصلةً أعلاها مَنيحَة العَنز، ما مِن عاملٍ يعمَل بخصلةٍ منها رَجاءَ ثوابِها وتَصديقَ مَوعودِها إلاّ أدخله الله بها الجنّة)) رواه البخاري[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((الإيمان بضعٌ وسبعون ـ أو بضعٌ وستون ـ شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريق، والحياءُ شعبَة من الإيمان)) رواه البخاري ومسلم[4]، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ العمل أفضَل؟ قال: ((الإيمانُ بالله والجِهاد في سبيلِه))، قلتُ: أيُّ الرِّقاب أفضل؟ قال: ((أنفسُها عندَ أهلها وأكثرُها ثمَنًا))، قلتُ: فإن لم أفعل؟! قال: ((تُعين صانعًا أو تصنَع لأخرَق))، قلت: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن ضعفتُ عن بعضِ العمَل؟! قال: ((تكفُّ شرَّك عن النّاس، فإنّها صدقةٌ مِنك على نفسِك)) رواه البخاري ومسلم[5]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)) رواه مسلم[6]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ اللهَ ليرضَى عن العبدِ أن يأكُل الأكلةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربة فيحمَده عليها)) رواه مسلم[7].

    وكما شرع اللهُ كثرةَ أبوابِ الخير وأسباب الحسنات سدَّ أبوابَ الشرِّ والمحرَّمات، وحرَّم وسائلَ المَعاصي والسيِّئات، ليثقلَ ميزانُ البرِّ والخير، ويخِفَّ ميزانُ الإثمِ والشرِّ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله يقول: ((ما نهيتُكم عنه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري ومسلم[8].

    وجِماع الخير ومِلاك الأمر وسببُ السعادة التوبةُ إلى الله تعالى، قال عزّ وجلّ: وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    ومعنى التوبةِ هي الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه مِن فعلِ المحرّم والإثم، أو مِن ترك واجبٍ أو تقصير فيه، بصدقِ قلبٍ ونَدمٍ على ما كان.

    والتوبة النّصوحُ يحفَظ الله بها الأعمالَ الصّالحة التي فعَلها العبد، ويكفِّر الله تبارك وتعالى بها المعاصيَ التي وقعت، ويدفعُ الله بها العقوباتِ النّازلةَ والآتيَة، قال الله تعالى: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ [يونس:98]. روى ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية عن قتادة قال: "لم ينفَع قرية كفرت ثمّ آمنت حينَ حضرها العذاب فتُرِكت إلاّ قوم يونس، لمّا فقدوا نبيَّهم وظنّوا أنّ العذابَ قد دنا منهم قذَف الله في قلوبِهم التّوبةَ، ولبِسوا المسوح، وألهَوا بين كلّ بهيمة وولدها ـ أي: فرّقوا بينهما ـ، ثمّ عجّوا إلى الله أربعين ليلة، فلمّا عرَف الله الصّدقَ من قلوبِهم والتّوبة والنّدامةَ على ما مضى منهم كشفَ الله عنهم العذابَ بَعد أن تدلَّى عليهم" انتهى[9].

    وقال تعالى: وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].

    والتوبةُ واجبَة على كلِّ أحدٍ مِن المسلمين، فالواقعُ فِي كبيرة تجِب عليه التّوبة لئلاّ يبغتَه الموتُ وهو على معصية، فيندم حين لا ينفع الندم، والواقعُ في صغيرةٍ تجِب عليه التّوبة لأنّ الإصرارَ على الصغيرة يكون من كبائر الذّنوب، والمؤدِّي للواجباتِ التاركُ للمحرّمات تجِب عليه التّوبة أيضًا لما يلحَق العملَ مِن الشّروط وانتفاء موانع قبوله، وما يُخشَى على العمَل من الشّوائب المحذَّر منها كالرّياء، عن الأغرّ بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرّة)) رواه مسلم[10].

    والتّوبة بابٌ عظيم تتحقّق بهِ الحسنات الكبيرةُ العظيمة التي يحبّها الله؛ لأنّ العبدَ إذا أحدَث لكلّ ذنبٍ يقَع فيه توبةً كثُرت حسناتُه ونقصَت سيّئاتُه، قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحًا فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان:68-70].

    أيّها المسلمون، تذكَّروا سعَةَ رحمةِ الله وعظيمَ فضلِه وحِلمِه وجودِه وكرمِه، حيثُ قبِل توبةَ التائبين، وأقال عثرةَ المذنبين، ورحِم ضعفَ هذا الإنسان المسكين، وأثابَه على التّوبة، وفتحَ له أبوابَ الطّهارة والخيرات، عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((إنَّ الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النّهار، ويبسط يدَه بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل)) رواه مسلم[11].

    والتّوبة من أعظمِ العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتّصفَ بها تحقَّق فلاحُه وظهَر في الأمور نجاحُه، قال تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ [القصص:67].

    وكفى بفضلِ التّوبة شرفًا فرحُ الرّبِّ بها فرحًا شديدًا، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من أحدِكم سقَط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم[12].

    والتّوبة من صفاتِ النبيّين عليهم الصلاة والسلام ومن صفات المؤمنين، قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:117]، وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، وقال تعالى عن داود عليه الصلاة والسلام: وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17]، وقال عزّ وجلّ: ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ ٱلْحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰئِحُونَ ٱلركِعُونَ ٱلسَّـٰجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112]. ألا ما أجلّ صفةَ التّوبة التي بدَأ الله بِها هذه الصفاتِ المُثلى من صفاتِ الإيمان.

    والتّوبة عبادةٌ للهِ بالجوارِح والقلب، واليومُ الذي يتوبُ الله فيه على العبدِ خيرُ أيّام العُمُر، والسّاعة التي يفتَح الله فيها لعبدِه بابَ التّوبة ويرحمُه بها هي أفضلُ ساعاتٍ في الدّهر؛ لأنّه قد سعِد سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصّة توبَة الله عليه في تخلّفه عن غزوة تبوك أنّه قال: فلمّا سلّمتُ على رسول الله قال وهو يبرُق وجهُه من السّرور: ((أبشِر بخيرِ يومٍ مرّ عليك منذ ولدَتك أمّك)) رواه البخاريّ ومسلم[13].

    معشرَ المسلمين، إنّها تُحيطُ بِكم أخطارٌ عظيمة، وتنذِركم خطوبٌ جَسيمة، وقد نزَل مِن أعداء الإسلام بالمسلمين نوازلُ وزلازل، وأصابتهُم الفتَن والمِحن، وإنّه لا مخرَجَ لهم من هذه المضايِق وهذه الكربَات إلاّ بالتّوبة إلى الله والإنابَة إليه، فالتّوبة واجبةٌ على كلّ مسلِم على وجهِ الأرض من الذّنوب صغارِها وكبارها؛ ليرحمَنا الله في الدّنيا والآخرة، ويكشِف الشرورَ والكرُبات، ويقيَنا عذابَه الأليم وبطشَه الشّديد.

    قال أهلُ العِلم: إذا كانتِ المعصيةُ بينَ العبد وبين ربّه لا حقّ لآدميٍّ فيها فشروطُها أن يقلِعَ عن المعصيةِ وأن يندَمَ على فعلها وأن يعزمَ أن لا يعودَ إليها أبدًا، وإن كانتِ المعصيةُ تتعلّق بحقّ آدميٍّ فلا بدَّ مع هذه الشّروط أن يؤدّيَ إليه حقَّه أو يستحلّه منه بالعفو.

    والتّوبة من جميع الذّنوب واجبَة، وإن تابَ من بعضِ الذّنوب صحّت توبتُه من ذلك الذّنب، وبقيَ عليه ما لم يتُب منه.

    فتوبوا إلى الله أيّها المسلمون، وأقبِلوا إلى ربٍّ كريم، أسبَغَ عليكم نعمَه الظاهرةَ والباطنَة، وآتاكم من كلِّ ما سألتموه، ومدّ في آجالِكم، وتذكّروا قصصَ التائِبين المنيبين الذين مَنّ الله عليهم بالتّوبة النّصوح بعد أن غرقوا في بحارِ الشهوات والشّبهات، فانجَلت غشاوةُ بصائِرهم، وحيِِيَت قلوبُهم، واستنارت نفوسُهم، وأيقظهم اللهُ من موتِ الغفلةِ، وبَصّرَهم مِن عمَى الغَيّ وظلماتِ المعاصي، وأسعدَهم من شقاءِ الموبِقات، فصاروا مَولودِين من جَديد، مستبشرين بنعمةٍ من الله وفضل، لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].

    بسم الله الرحمن الرحيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التحريم:8].

    بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهَديِ سيّد المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستَغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.



    * منقولة
    نسأل الله لكاتبها ولقارئها الأجر الوافي
                  

09-30-2011, 05:39 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الخطبة الأولى

    أما بعد: فيا أيها المؤمنون، إن المعاصيَ التي يقترفها الناس آناء الليل وأطراف النهار لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع والحياة كلها، وذلك أنّ قوام الحياة وصلاحها إنما هو في الطاعة والاستقامة على أمر الله والتقيد بشرعه الحنيف، وكلّ انحراف عن أمره، وكل اتباع لنزغات الشيطان, وكل تفلُّت من دينه إنما هو ركض وراء السراب، وضرب في تيه الشقاء، ولا بد أن يلمس الإنسان آثارها النكرة في نفسه وحياته ثم في أخراه يوم لقاء ربه.

    والمقصود من الحديث عن آثار المعاصي هو التحذير من مغبة الاسترسال فيها وإطلاق العنان للخوض في حدود الله، وهو من باب قول القائل قديماً:

    عرفــتُ الشـر لا للشـر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشرّ من الخير يقـع فيـه

    أيها المؤمنون الكرام، هذه بعض تلك الثمار المرة التي يجنيها العصاة الآثمون من وراء المعاصي.

    أولاً: نسيان العلم وذهاب الحفظ، ويا لها من عقوبة ما أقساها على أهل العلم وطلبته، وذلك أن العلم نور يقذفه الله في القلوب العامرة بطاعته المنيبة إليه سبحانه، والمعصية ظلمة قد علاها قُتار الشهوات الهوجاء، وأنّى للنور أن يأنس بالظلام؟!

    ولذلك روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

    والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس:

    شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

    وقـال اعلم بـأن العلـم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصـي

    وقد يتساءل إنسان فيقول: إن فلاناً من الناس قد أُعطيَ حفظا واستحضاراً على فجوره الذي عُرف به في الناس فكيف ذلك؟!

    فنقول: اقرأ كتابَ الله تعالى تجد الجواب واضحاً، يقول الله عز وجل:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءاتَيْنَـاهُ ءايَـاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَـانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَـــلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث )[الأعراف:175، 176].

    يقول الإمام ابن القيم رحمه الله معلقاً: "ففي الآية دليل على أنه ليس كل من آتاه الله العلم فقد رفعه به، إنما الرفعة بالعلم درجة فوق مجرد إتيانه".

    كم من فاجر كان حظه من العلم قيل وقالوا، ليكون ذلك حجةً عليه عند الله، دون حقيقة العلم التي تورث الخشية والإنابة.

    فيا معشر طلبة العلم، لنتقِ الله في أعز أيام العمر التي صُرفت في الحفظ والركض وراء عرائس العلم، أن تذهب بها غوائل المعاصي الجامحة، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن سوط العقاب بالمرصاد.

    ثانياً: ومن أعظم آثار المعاصي وأخطرها على العبد الوحشةُ التي تحدثها المعاصي بين العبد وربه، واستثقال الطاعات، واستمراء الفواحش، واعتيادٍ لها، ويا لها من سكرة ما أشد عماها على القلب إن لم يُمدّ صاحبها بنفحة من نفحات الرحمة والهداية، فإنه واقع في حُفرة من حفر الشقاء والعذاب الواصِب لا محالة.

    أيها المؤمنون، إن حياة المرء الحقيقية إنما هي حياة الطاعة، وشعور العبد أنه خلع عنه ربقة العبودية للخلق، وآوى إلى ظلال العبودية الحقة التي ترفعه عن الطين وجواذبه، ليحط رحال القلب في ساحات العبودية لله رب العالمين. ولهذا جعل الله الكافر ميتاً غير حي فقال: (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء) [النحل:21]، وتأملوا بالمقابل في قول بعض الصالحين المخبتين الذين وجدوا برد الطاعة والإنابة إذ يقول: "إنه لتمرّ بالقلب لحظات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم". إنّ في الدنيا جنة لا يدخل جنة الآخرة من لم يدخلها، إنها جنة الطاعة والعبودية التي يُحرم منها العصاة الفجرة.

    ثالثاً: من آثار المعاصي النكرة الحيرة والشقاء وتمزّق القلب في شعاب الدنيا، واللهث وراء السراب، واتباع الشياطين المتربصة على أفواه السبل المنحرفة عن السبيل الحق.

    روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله خطا مستقيما في الأرض ثم خطَّ خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: ((هذا سبيل الله، وهذه السبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليها))، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَـذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) الآية [الأنعام:153].

    وذلك أن الله تعالى هو المتفرد بالهداية وحده، (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا) [الكهف:17]، وكل انحراف عن منهجه سبحانه الذي وضعه طريقاً للهداية إنما هو خبط في بيداء التيه، وجنيٌ للشقاء المر الذي هوت فيه الشعوب الكافرة التي ولّت ظهرها للحق المنزّل.

    يقول العلماء: إن هناك أربعة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح على الإنسان بمقتضى فطرته وهي: من أين جئت؟ وإلى أين المصير؟ ولماذا؟ وكيف؟ وكل خلل في الإجابة عن واحد من هذه الأسئلة الخالدة يعني الشقاء والدمار في حياة الإنسان، ولا وجود للإجابات الصحيحة إلا في الدين الحق.

    وإن نظرةً واحدة على واقع الغرب الكافر وما يعيشه من ضياع فكري وتفسّخ أخلاقي، بل ونزول بالإنسان إلى دركات الحيوانية الهابطة تنبئك بالحقيقة، لأن بعض فلاسفتهم المشهورين أطلق مقولته الفاجرة: أنْ لا هدف ولا غاية من وجود الإنسان، فظهرت في أوربا جماعات تسمى بالخنافس تتسافد في الطرقات تسافد الحمر، وتعيش عيشة البهائم البكماء، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَى) الآية [طه:124].
    أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


    الخطبة الثانية


    الحمد لله ولي الصالحين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    وبعد
    ومن أعظم آثار المعاصي وأخطرها على الأمةهو تسليط الأعداء وذهاب القوة منها ونزع الهيبة من قلوب الأعداء.

    روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر أن النبي قال: ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة من الصغار على من خالف أمري, من تشبه بقوم فهو منهم)).

    أيها المؤمنون، إن صحائف التاريخ خير شاهد على عجيب تأثير المعاصي في الأمم، لقد كانت أمة الإسلام في سالف دهرها أمة موفورة الكرامة، عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصت شريعته من حياتها، وراجت أسواق الشرك في أصقاع كثيرة في العالم الإسلامي ـ وهذه الأمة أمة التوحيد ـ فصار أمرها إلى إدبار وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها ليل طويل من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخاً دابراً تحكيه الأجيال. وليس الذي حل بنا ويحل ظلماً من ربنا، كلا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي الصحيح: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا))، وإنما هي السنن الربانية النافذة التي لا تحابي أحداً، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53].

    روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعاً: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة منا يومئذٍ؟ قال: ((أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهة الموت)).

    إننا ـ معاشر المسلمين ـ اليوم نئن تحت وطأة الذلّ المسلّط علينا، وكثير من المسلمين لا يزالون غافلين عن سبب البلاء الذي بيّنه رسولنا في غير ما حديث صحيح، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلاً لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم)) رواه أبو داود وأحمد.

    ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إننا كنا قوماً أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

    من هنا ـ أيها المؤمنون ـ كانت البداية، ومن هنا يكون البدء، ومن تركِنا لديننا كانت بدايةُ رحلة الذلِّ والضياع في تاريخ أمة الإسلام، ومن الرجوع إلى ديننا وتوبتنا إلى ربنا يكون البدء إذا أردنا العودة إلى العزة القعساء والشرف المفقود.

    إن كلَّ تائب منّا من معاصيه عليه أن يعلم أنه يكتب بذلك سطراً في سِفْر مجد أمة التوحيد.

    خامساً: ومن شؤم المعاصي ـ معاشر الإخوة الكرام ـ ظهور الأوجاع الفتاكة وارتفاع البركة من الأقوات والأرزاق.

    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) رواه ابن ماجه وهو صحيح. [السلسلة الصحيحة (106)].

    معاشر المؤمنين، هذه بعض آثار المعاصي المدمرة، وهذه بعض ثمارها النكدة، فهل من مشمِّر تائب منيب، (قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
    عباد الله إن الله أمر بأمر إبتدر فيه نفسه وثنى بملائكته فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسلبما) اللهم صلي وسلم وبارك على حبيبناونبييناوقائدنا وقدوتنا المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار بهديهم إلى يوم الدين
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
                  

11-11-2011, 01:12 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله علام الغيوب. الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز مطلوب وأشرف مرغوب. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا. صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه وأتبع سبيله إلى يوم الدين…….أما بعد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخواني في الله: إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان.
    ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر.
    ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل، فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى. ما انتزعه داعي الشيطان إلا وأنكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى. ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه وتعالى.
    القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق.القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق. ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟ ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟ من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟ من هو ؟ سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلب، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه. حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب. فلا إله إلا الله، من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة بعد أن كان فظا جافيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه. إذا بذلك القلب الذي كان جريئا على حدود الله عز وجل وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره.
    أحبتي في الله:
    إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى. وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله، قال سبحانه:
    (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله).
    ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى. لذلك – أخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟
    كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟
    فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى، لأنه يعلم أنه لن يُحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئا كثيرا. ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف واللحظات يحتاجون فيها إلى من يرقق قلوبهم فالقلوب شأنها عجيب وحالها غريب. تارة تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل وداعي الله. لو سُئلت أن تنفق أموالها جميعا لمحبة الله لبذلت، ولو سئلت أن تبذل النفس في سبيل الله لضّحت.
    إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته.
    وهناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله.
    وللرقة أسباب، وللقسوة أسباب :
    الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب. فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى. ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله. لا تأتيه الآية من كتاب الله، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال:
    (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
    فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام. فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه. أن يعرفه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب. يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم. وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم. ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى.
    فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
    والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله. حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله.
    فلما جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلا ونهارا وفسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله.
    لذلك – أحبتي في الله – المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى.
    السبب الثاني:
    الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب، النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب. النظر في كتاب وصفه الله بقوله:
    (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير).
    ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قرأته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
    ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قرأتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى:
    (كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد). هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة.
    هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه:
    (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
    هل هناك من يريد الذكرى ؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة والموعظة السامية ؟… هذا كتابنا.
    ولذلك – أحبتي في الله- ما أدمن قلب، ولا أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظا يتلوه آناء الليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
    السبب الثالث:
    ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر. أن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فان وأنها غرور حائل دعاه – والله – ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه. ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله. ولذلك لن تجد إنسان يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الأباء والأمهات والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان. يرى منازلهم ويتذكر أنه قريب سيكون بينهم وأنه جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة.
    وأنهم قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيما وجحيما. ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها إلا رق قلبها من خشية الله تبارك وتعالى. ولا وقف على شفير قبر فراءه محفورا فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرى صاحبه يدلى فيه فسأل نفسه إلى ماذا يغلق ؟
    وعى من يُغلق ؟
    وعلى أي شيء يُغلق؟
    أيغلق على مطيع أم عاصي ؟
    أيغلق على جحيم أم على نعيم ؟
    فلا إله إلا الله هو العالم بأحوالهم وهو الحكم العدل الذي يفصل بينهم.
    ما نظر عبد هذه النظرات ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا اهتز القلب من خشية الله وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله إلى الله تبارك وتعالى إقبال صدق وإنابة وإخبات.
    أسأل الله العلي القدير أن يرقق قلوبنا ويجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه
    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على طريقه إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    أحبتي في الله:
    أعظم داء يصيب القلب داء القسوة والعياذ بالله، ومن أعظم أسباب القسوة بعد الجهل بالله تبارك وتعالى:
    الركون إلى الدنيا والغرور بأهلها، وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب والعياذ بالله تبارك وتعالى.
    إذ اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل أيضا بهذه الفتن الزائلة والمحن الحائلة، سرعان ما يقسو قلبه لأنه بعيد عن من يذكره بالله تبارك وتعالى.
    فلذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال سبحانه وتعالى، ولم يحل بيننا وبين الطيبات.
    ولكن رويداً رويدا فأقدار قد سبق بها القلم، وأرزاق قد قضيت يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر.
    يأخذها برفق ورضاء عن الله تبارك وتعالى في يسير يأتيه وحمد وشكر لباريه سرعان ما توضع له البركة، ويكفى فتنة القسوة، نسأل الله العافية منها.
    فلذلك من أعظم الأسباب التي تستوجب قسوة القلب الركون إلى الدنيا، وتجد أهل القسوة غالبا عندهم عناية بالدنيا، يضحون بكل شيء، يضحون بأوقاتهم.
    يضحون بالصلوات، يضحون بارتكاب الفواحش والموبقات.
    ولكن لا تأخذ هذه الدنيا عليهم، لا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو درهم منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب.
    والدنيا شُعب، الدنيا شُعب ولو عرف العبد حقيقة هذه الشُعب لأصبح وأمسى ولسانه ينهج إلى ربه:
    ربي نجني من فتنة هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعب ما مال القلب إلى واحد منها إلا استهواه لما بعده ثم إلى ما بعده حتى يبعد عن الله عز وجل، وعنده تسقط مكانته عند الله ولا يبالي الله به في واد من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله.
    هذا العبد الذي نسي ربه، وأقبل على هذه الدنيا مجلا لها مكرما، فعظّم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم سبحانه وتعالى، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوء العواقب.
    ومن أسباب قسوة القلوب، بل ومن أعظم أسباب قسوة القلوب، الجلوس مع الفساق ومعاشرة من لا خير في معاشرته.
    ولذلك ما ألف الإنسان صحبة لا خير في صحبتها إلا قسي قلبه من ذكر الله تبارك وتعالى، ولا طلب الأخيار إلا رققوا قلبه لله الواحد القهار، ولا حرص على مجالسهم إلا جاءته الرقة شاء أم أبى، جاءته لكي تسكن سويداء قلبه فتخرجه عبدا صالحا مفلحا قد جعل الآخرة نصب عينيه.
    لذلك ينبغي للإنسان إذا عاشر الأشرار أن يعاشرهم بحذر، وأن يكون ذلك على قدر الحاجة حتى يسلم له دينه، فرأس المال في هذه الدنيا هو الدين.
    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تهب لنا قلوبا لينة تخشع لذكرك وشكرك.
    اللهم إنا نسألك قلوبا تطمئن لذكرك.
    اللهم إنا نسألك اللسنة تلهج بذكرك.
    اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا مقبولا عندك يا كريم.
    اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين.

    * منقولة
                  

11-11-2011, 06:11 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الاخ كمال حسن

    تحية طيبة

    جمعتك سعيدة وصلاة مقبولة

    بالله مقروض في تلفون نصار بتاع بلجيكا

    سلام لك وللاسرة
                  

11-11-2011, 11:52 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: Sabri Elshareef)

    الأخ صبري
    لك من التحايا أطيبها، وتقبل تحيات الجميع هنا
    اليومين ديل نصار معانا هنا في فرانكفورت بس راجع بكره بلجيكا، وهو لغاية بكره يمكن تتصل عليهو في الرقم 004917676449943
                  

12-16-2011, 12:54 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمدُ للهِ الذي استخلصَ الحمدَ لنفسِهِ ، واستوجبَ الثناء على جميعِ خلقِهِ ، ناصيةُ كلِّ شيءٍ بيديهِ ، ومصيرُ كلِّ شيءٍ إليهِ ، وتُكلانُ كلُّ أمرٍ عليهِ ، وأشهد أنه لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، وصفوتُهُ من خلقِهِ ، وأمينُهُ على وحيهِ ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) أما بعد أيُّها المُسلِمون : فإِنَّهُ ما مِن شيءٍ يَنفعُكُم إلاَّ أبَاحَهُ اللهُ لَكُم فضلاً مِنْهُ وإحْسَاناً ، وما مِن شيءٍ يضرُّكم إلاَّ حرَّمَهُ عليكُم رَحمةً منه وامتِنَاناً ، قال تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) فكَما أنَّ للهِ النِّعمةُ عليكُم ، - بِمَا أبَاحَهُ لَكُم مِن الطَّيبَاتِ،فلَهُ النِّعمَةَ أيضَاً ، بِمَا حَرَّمهُ عليكُم من الخَبَائِثِ والمُضِراتِ ، فعَليكُم أيها المُؤمِنونَ أن تَشكُروا نِعمَةَ اللهِ في الحَالَتين ، أيها النَّاس : مما هو معلوم ضرره ، ومجمع على تصنيفه في زمرة الخبائث ، تفشى في مجتمعات المسلمين ، حتى استمرأ الناس مرارته ، واستعرف الخلق نكارته ، فلا تجد بيتا إلا ما ندر ممن رحم رب البشر، يخلوا من رائحته الكريهة ، ولا تجد بقالة ولا تموينات ، إلا وهو يتصدر رفوفها ، ولا تمر في طريق إلا وترى أعقابه يمنة ويسره ، إنه الدخان ياعباد الله ، إنه العادة المدمرة ، والآفة المشمرة ، إنه الآفة التي بدأ العالم جميعا بمحاربته ، فكم تَعَالَتِ الأصوَاتُ في إِنكَارِ شُربِ الدُّخَانِ ، وكم صَدَرَتْ التَّحذِيراتُ الطِّبِيةُ عن إضرارِه و أضرَارِهِ ، وكم صَدَرَ من الفَتاوى الشَّرعِيَّةِ بِتَحرِيمِهِ ، وكمْ أُلِّفَ من الكُتُبِ والرَّسَائِلِ .. بِبيانِ مَفَاسِدِهِ ، ومع هَذا كُلِّهِ فشَارِبُوهُ لا يُجِيبُونَ داعِياً ، ولا يُصغُونَ لِناصِحٍ ، فأسألُك بربِّكَ يامنِ ابُتليتَ بهذا الداءِ الوبيلِ ، والشرِّ المستطيرِ ، هل سألتَ نفسْكَ ، الأنًانَةَ تحتَ وطأةِ هذا الخبيث ، هل قُلتَ لها يوماً ماَ ، إلى متى وأنا أدخنُ ؟ إلى متى وأنا أُجَاذِبُ الأذى ، وأمتصُّ الدَّاءَ ، وأَسُفُّ الوبَاءَ ، نعمْ ، إلى متى وأنتَ تُدخنُ ؟ إنْ كانَ لايهُّمُكَ المالُ فلتُهِِمُّكَ الصحةُ ، وإن كانتْ لاتَهُمُّكَ الصحةُ ، فليُهمُّكَ الدينُ ، وإنَ كانَ لايَهُمُّك شيءٌ من ذلكَ ، فليْهِمُّكَ مَنْ حولُكَ مِنَ المسلمينَ ، فإِنَّكَ تُُسيءُ إلى كُلِّ من يُجَالِسُك ، حيثُ أنَّكَ تَنْفَخُ في وجُوهِ النَّاسِ ، وتُؤذي بِه الأبرِياءَ فتَخنُقَ أنفَاسَهُم ، وتُضَايُقَهُم بِرائِحَتِهِ الكرِيهةِ ، بل تُضايقُ به حتى الملائكةَ ، لأن الملائكةَ ، تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدمَ ، ففي الحدصحيح مسلم من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أن النبيَّ r قالَ { من أكلَ من هذه البقلةِ الثومِ وقال مرةً من أكل َالبصلَ ، والثومَ والكراثَ فلا يقربنَّ مسجدَنا ، فإن الملائكةَ تتأذى مما يتأذى منهُ بنو آدمَ } لقد امتَدَّ أذى التدخينِ ، فصَارَ يُلاَحِقُ النَّاسَ ، في المكَاتِبِ والمتَاجِرِ ، والمراكبِ ، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ، { مَن آذى مُسلٍماً فَقَد أذَاني وَمَن آذَاني فَقَد آذى اللهَ } رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ حسنٍ ، فما عادَ الدُّخاَنُ كما كانَ في الماضي ، يباعُ خِفْيَةً ، ويُشْرَبُ خِلْسَةً ، إنما جِهَارًا نَهاراً ، وقد قالَ النبيُ r {كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرينَ}أيها الأباء والإخوة العقلاء : إنَّ هُناكَ أُناساً يتأسونَ بكم ، وشباباً يَقتدونَ بتصرفاتكم ، فاتقوا الله فيهم ، حتى الأطفالَ الصغارُ ، يتلقفونَ أعقابَ ما يرمى من السَجائرِ ، ظنا منهم ، أنها رمز للرجولة ، ومؤشر للنضج ، يفعلون كما أنت تفعل ،ثمَّ يَألَفَونَ شُربَها ..وَيقَعَونَ في فَخِّهَا .. وبعد ذلك ، ينْضَمَّونَ إلى صُفُوفِ المُدَخِنِينَ ، فتنهَدِمُ أجِسامُهُم ، وتفَسُدُ أخَلاقُهم ، ولربما سلكوا سبلا معوجة ، ليحصلوا على هذا الأذى ، ولربما كان هذا الأذى ، وهذا الدخان ، هو البوابة الأولى لعالم المخدرات ، فاتقوا الله ، واستتروا حتى يعصمَكم الله ،

    وأنتَ أيُّها المغتربُ ، يامنِ اغتربتَ عن أهلِكَ وعيالِكَ ، تبحثُ عن لقمةِ العيشِ ، وتعافرُ الترابَ ، وترامِضُ الشمسَ ، وتكابدُ العنتَ والمشقَّةَ ، لماذا تمدُ هذه الأيادي المنهكةُ ، وتستلُّ مِنْ بينِ مقاطرِ عرقِ جبينِكَ ، مبلغاً مِنَ المالِ ، حَرَمَتَ مِنْهُ أمَّكَ وأباكَ ، وولدَكُ وبنتَكَ وزوجتَكَ وأقرباءَك ، تدفعه ثمناً لهذا الخبيثِ ، إسألْ نفسَكَ ، قل لها ، إلى متى وأنا أدخنُ ؟ واللهِ ، إنَّ المسلمَ الحصيفَ ، ليتألَّمُ أشدَّ الألمِ من حالِ المسلمينَ ، إني لأعلَمُ أنَّ المسلمَ المبتلى بالتدخينِ ، غيرُ راضٍ عِنْ نفسِهِ ، ومتأففٌ غايةَ التأفُفِ من وضعِهِ ، فهو في حرجٍ مِنْ ربِّهِ ، وفي حرجٍ من نفسِهِ ، وفي حرجٍ من الناسِ ، لكنَّ هذهِ العادةَ السيئةَ ، صارتْ كالنَّفَسِ الذي يسلُكُ رئتَيْه ، وكالنظرِ الذي يمخرُ حاجبيْه ، فيا أخي المسلمُ ، ليس عيباً أنْ يكونَ الإنسانُ مدخناً ، فالكثيرُ الكثيرُ من الناس ، دخَّنَ زمناً طويلاً ، ثمَّ أقلعَ عنهُ ، بل الكثيرُ الكثير ، مَنْ ارتكبَ أشدَّ من التدخينِ ، ثم قفلَ إلى ربِّ العالمينَ ،

    ف{ كلُّ بني آدمَ خطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابونَ } وما اتصفَ اللهُ بصفاتِ التوابِ الغفورِ الرحيمِ ، إلا لوجودِ الذنوبِ والمذنبينَ ، والعصاةِ والعاصينَ ، يقولُ سبحانه وتعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)

    بارك الله لي ولكم في القران العظيم




    الخطبة الثانية

    الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)

    وأما أنت أيها المسلم المصون ، الذي حفظك الله من شره ومصيبته ، إجعل شكرك لله في نصحك للآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأول ما نسأل الله به في هذا اليوم المبارك ، أن يهدي المسئولين في البلدية وغير البلدية ، من المراقبين الميدانيين ، على تركهم له يباع في البقالات والتموينات في كل حي ، وفي متناول أبنائنا وأطفالنا ، وبإمكانهم أن يعملوا على منع هذه المحلات من بيعه ، وأن يراجعوا تراخيص هذه المحلات ، لأن هذه المحلات رخصت لبيع المواد الغذائية فقط ، فهل الدخان من المواد الغذائية ، الدخان ليس من المواد الغذائية ، فما الذي جاء به إلى هذه البقالات والتموينات ، فهم مسؤولون أمام الله سبحانه ، ومن كلفهم بهذه الأمانة ، على تتبع الأوامر وتطبيقها ، ونسأل الله أن يهدي أصحابَ المحلاتِ ، التي تتعاملُ به وتبيعُهُ ، أن تتركَ بيعَهُ لوجه الله ، لأن صاحب المحل سيسأل أمام الله عن كل ما سببه للمسلمين من مفاسد ، وعلى المجتمع أن يتظافر في الوقوف في وجه من يبيعه على أبناءنا ، لأنني سمعت أن من العمالة التي تعمل في هذه البقالات والتموينات ، من يبيع على الصغار بالسجارة ، وهذا الأمر خطير جدا ، وأسأل الله أن يأخذَ بيدِ ولاةِ الأمرِ إلى محارَبتِهِ ونبذِهْ ومنع بيعه ،

    أيها الأحبةُ في الله ، يامن بليتم بهذه الآفة : اليومُ يوُمُ الجمعةِ ، وفي آخرِ اليومِ ساعةٌ من أوقاتِ استجابةِ الدعوةِ ، فاصْدُقِ العزيمةَ من هذا المكانِ ، واسألَ اللهَ في هذه الساعةِ ، أن يعْصِمَكَ من التدخينِ ، العادةُ السيئةُ أبدلْهاَ بعادةٍ حسنةٍ ، أذكرُ أنَّ شحصًا تركَ الدخانَ بالصلاةِ ، يقولُ كلما خطَرَ لي الدخان ، قمتُ وتوضأتُ وصليتُ ، حتى تذهبَ عني رغبَتُه ، يقولُ حتى تركتُهُ ، ولاتصاحبْ مدخنينَ ، لأنهُمْ لايساعدونكَ على تركِهِ ، ويُوقِعونَكَ به ثانيةً ، واستترْ ثم استتر ثم استتر يستُرُكَ اللهُ ، ويعينُكَ على تركِهِ ،

    ألا وصلّوا وسلّموا على من أمرتم بالصلاة والسلامِ عليه


    *منقولة ببعض التصرف
                  

01-06-2012, 07:48 AM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    جمعة طيبة مباركة بإذن الله
    اليوم ختمــة القران فى مسجدنـا
    ومما زادنا حبوراً الصبيان الذين زاحمونا فى المسجد
    ثم اهداء ثواب ما قراناهو الى روح سيدنا وحبيبنا رسول الله عليه افضل الصلاة واتم التسليم
    شهدت ختمتنــا موضوع المقابلات القرانيــة
    وردت كلمة الدنيا 88 والاخرة 88
    وردت كلمة العسر 12 مرة وكلمة اليسر 24 وبإذن الله لن يغلب عسر يسرين الى يوم القيامة
    الشيطان .. الملائكة
    الظلمات .. النور
    ثم الدعاء والتضرع الى الوهاب سبحانه وتعالى
    خير المسلمين
    خير بناتنا واولادنا
    خير الدنيا والاخرة
                  

01-06-2012, 06:18 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الأخ بدر الدين بارك الله فيك وفي أهلك وجميع من تحب
    أسعدك الله بمشاركتنا هذه الأخبار الجميلة، نسأل الله أن يتقبل ختمتكم هذه ويجعلها صادقة لله، ويثوبكم بها جنات عرضها السموات والأرض
    اللهم ببركة هذا اليوم المبارك أن تكون عونا للمسلمين في بقاع الأرض وعون للمستضعفين أجمعين على كل الظالمين إلى يوم الدين
    أما جمعتنا اليوم تحدث فيها إمامنا عن الوقف
    هذه العبادة التي أهملت
    يقول الرسول صلوات ربي وسلامه عليه
    (إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)
    والصدقة الجارية هي الوقف في كل مجالاته
    تخيل معي لو أن كل غني عمل ليوم موته بأن أوقف سبيلا لله في المستشفيات، المدارس، الطرق وتمهيدها للناس، تزويج الشباب الذين لا يملكون ما يزوجهم، بناء المساكن والدور للفقراء الذين لا يجدون مسكنا، إطعام الطلاب المساكين في مراحل الدراسة المختلفة
    السلف الصالح طرقوا أبوابا مختلفة في الوقف
    ويجب أن نندهش حين نعلم أنهم أوقفوا اوقافا في المجالات التالية
    البحث العلمي (أي والله البحث العلمي) بأن جعلوا مالا للذين يبحثون في العلوم المختلفة دينية أوعلمية طبية وغيرها
    وأوقفوا للكلاب الضالة فأطعموها وسقوها لحين أن يمتلكها شخص (بأسباب شرعية) أو حتى مماتها
    وأوقفوا كذلك للآنية التي تنكسر من الخدم أو الأطفال حين يرسلون من قبل آبائهم أو مخدميهم حتى يزيلوا أسباب خوفهم
    وأوقف بعضهم في بلاد المغرب العربي لأنواع من الطيور المهاجرة التي تأتي لمنطقتهم في موسم محدد يسهلون لها المطعم والمشرب حتى ترتحل مجددا عن تلك المنطقة
    هذه الأمور وغيرها يفعلها الآن أهل الغرب غير المسلمين بالرغم من أنهم غالبيتهم يفعلونها ليس عبادة وتقربا لله مثل ما ينبغي علينا أن نفعله، ولذلك ينصرهم الله ويفتح عليهم أبواب الدنيا جميعها
    والله إن عبادة الوقف لو فُعِّلت الآن وفي هذا العهد لساهمت في خلق مناخات طيبة وعاشت شعوب عالمنا الثالث في سلام ولقلت الحروب والجرائم والدمار
                  

02-17-2012, 11:25 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله حق حمده والصلاة على من لا نبي بعده ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه .
    أما بعد : أيها الناس : اتقوا الله واعلموا أن المؤمن لا يكون مؤمنًا حقًا حتى يخضع لأوامر الله وينقاد لها ، وقد فرض الله عليكم فرائض بإقامتها سعادتكم ، فرض عليكم الزكاة ، وفرض على كل مسلم قادر مالك للنصاب ، مستوف للشروط القيام بها في كل عام .
    وللزكاة فوائد كبيرة لا تخفى ، فمنها : تأليف قلوب الأغنياء للفقراء ، وسد حاجتهم وخلتهم ، والحيلولة بينهم وبين الانحراف وارتكاب الجرائم أو أن تمتد أيديهم إلى أموال الناس أو إلى أنفسهم .
    إن الزكاة تزكية وتطهير للمال وللمزكي نفسه ، ولمن يقبل الزكاة ويأخذها من الفقراء وتزكية للمجتمع الذي يؤدي أغنياؤه زكاة أموالهم .
    أما تزكيتها للمال : فهي تنميه وتربيه وتطهره وتؤدي إلى البركة فيه ، وأما تزكيتها وتطهيرها لنفس المزكي فإنها تطهرها من البخل والشح وعبادة المال التي هي إشراك بالله سبحانه وتعالى .
    وأما تزكيتها لنفس الفقير ، فهي تطهرها من الحقد والغل والحسد والتطلع إلى ما في أيدي الآخرين وتحول بينها وبين الوقوع في حبائل الشيطان وارتكاب الجرائم .

    وهي بالتالي طهارة للمجتمع كله . . .
    فيا صاحب المال : لا تبخل بمالك فإن الذي أعطاك إياه ، لو شاء لنزعه منك . يا صاحب المال : إن الله هو الغني الحميد ، وقد من عليك بأن جعل يدك العليا ، ويد غيرك السفلى ، فاشكر نعمة الله عليك لتدوم لك ، ولتظل يدك العليا .
    أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالًا ، فإن الله وعد المنفق بالخلف ، ووعد الله لا يُخلَف .
    يا صاحب المال : إن المال نعمة من الله عليك ، إن شكرتها زادت ، وإن كفرتها هلكت وبادت .
    يا صاحب المال : إن رحمة الله قريب من المحسنين ، فاحفظ مالك بأداء حق الفقراء فيه ، فإن الفقير إذا لم يدفع له حقه : اندفع إلى الشر ، وإن المجتمع الذي تظهر فيه الجريمة ، ويفشو فيه المنكر ، ويفقد فيه الأمن والاستقرار : لا يمكن أن يُنمى فيه مال ، ولا يمكن أن يزاد فيه رزق ، بل إنه يسير من حياة ضنك إلى حياة أشد ضنكًا منها .
    يا صاحب المال : لقد جرت سنة الله في خلقه أنهم إذا جادوا جاد عليهم وإذا بخلوا فمنعوا الزكاة حبس عنهم الأمطار ، وأغلى عليهم الأسعار ، فاستنزلوا رحمة الله بالجود والكرم ، فإن الله جواد كريم يحب الجواد الكريم ، وأنه بكم رؤوف رحيم .


    لقد جاءت السنة النبوية المطهرة تحذر مانع الزكاة ، وتنذر بالعذاب الأليم ، يقول عليه الصلاة والسلام : « ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة » ، إن مانع الزكاة يوم القيامة في النار .
    إنه يعذب بما كنز من مال الله الذي أعطاه ومنع حقه . . .
    ففي الصحيحين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « والذي نفسي بيده ما من رجل يموت ويترك غنمًا أو إبلًا أو بقرًا لم يؤد زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه ، حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها حتى يقضى بين الناس ، كلما نفدت أخراها عاد عليه أولاها » .
    مانع الزكاة يصور له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع ، أي ثعبانًا كبيرًا يطوقه ، ففي الحديث الشريف : « ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله ، إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع يطوق به عنقه » . . " .
    قال الله تعالى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .


    مانع الزكاة يصفح ماله يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }{ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } .
    مانع الزكاة معدود في المنافقين ، لحديث البزار : « ظهرت لهم الصلاة فقبلوها وخفيت لهم الزكاة فأكلوها ، أولئك هم المنافقون » .
    مانع الزكاة ملعون لحديث الأصبهاني : « لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشلة والمستوشمة ، ومانع الصدقة والمحلل والمحلل له » . . " .
    مانع الزكاة ليس بمسلم بالمعنى الذي يريده الله تعالى وإن زعم أنه مسلم لحديث مسلم في صحيحه « من أقام الصلاة ، ولم يؤت الزكاة فليس بمسلم ينفعه عمله » .


    مانع الزكاة يخشى عليه أن يعد في المشركين يلحقه الويل كما لحقهم . . قال تعالى : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ }{ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } .
    مانع الزكاة لا يشفع له محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة لحديث الصحيحين « لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول يا رسول الله : أغثني ، فأقول لا أملك لك شيئًا ، قد أبلغتك » .
    { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى }{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى }{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى }{ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى }{ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى }{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }{ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى }{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى }{ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى }{ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى }{ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى }{ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى }{ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى }{ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى }{ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى }{ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى }{ وَلَسَوْفَ يَرْضَى } .


    { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }{ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }{ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ }{ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ }{ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ }{ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } .
    أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
    أما بعد:
    أيها المسلمون!
    إن خير الهدي هدي محمد ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    عباد الله!
    إن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
    اللهم صلي على محمد في الأولين وصلي عليه في الآخرين
    اللهم صلي عليه صلاة تكون سببا في دخولنا جنانك العليا يا رب العالمين
    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
    أذكروا الله العظيم يذكركم وأشكروه على جزيل نعمائه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون
                  

02-18-2012, 01:14 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    فاتني الإشارة في الخطبة الأخيرة إلى أنها منقولة بتصرف محدود جدا
                  

03-09-2012, 12:24 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    أما بَعدُ: فأُوصِيكُم ـ أيها الناسُ ـ ونفسي بتقوى اللهِ جل وعلا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجعَل لَّكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.

    أيها المسلمون، ومِن فَضلِ اللهِ جل وعلا ورحمتِهِ بِعِبادِهِ أَنْ بَعَثَ إِلَيهِم رُسُلَهُ يخُرجِونهم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وكان تمام هذِهِ النِّعمَةِ وكَمَالها وتَاجهَا وَوِسَام فَخرِها خَاتمَ الأَنبِيَاءِ وَأَشرَفَ المُرسَلِينَ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ نَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا محمدًا ، الذي امتنَّ اللهُ عَلَينَا بِبِعثَتِهِ، وَأَنعَمَ عَلَينَا بِرِسَالَتِهِ، قال سبحانَه: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِم يَتْلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، وقال تعالى: لَقَدْ جَاءكُم رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ، وقال : ((إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنبِيَاءِ مِن قَبلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بنى بَيتًا فَأَحسَنَهُ وَأَجمَلَهُ إِلا مَوضِعَ لَبِنَةٍ مِن زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطوفُونَ بِهِ وَيَعجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وَضَعْتَ هذِهِ اللَّبِنَةَ))، قال: ((فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنا خَاتمُ النَّبِيِّينَ)).

    نَعَمْ أيها المسلمون، لقد بَعَثَ اللهُ محمدًا(صلى الله عليه وسلم) والناسُ في جاهليةٍ جَهلاءَ، يَتِيهُونَ في الضَّلالِ وَالشَّقَاءِ، يَعبُدُونَ الأَصنَامَ ويَستَقسِمُونَ بِالأَزلامِ، قَدِ استَحَلُّوا المَيسِرَ وَالرِّبا، وَعَاقَرُوا الخَمرَ وَالزِّنا، يَئِدُونَ البَنَاتَ وَلا يُوَرِّثُونَ الزَّوجَاتِ، فَفَتَحَ اللهُ بِبِعثَتِهِ أَعينًا عُميًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلفًا، وَهَدَى بِهِ مِنَ العَمَى وَبَصَّرَ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ، فَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِ رَبِّها وَصَلَحَت حَالُها، وَعَرَفَ النَّبيَّ(صلى الله عليه وسلم) وَاتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ مَن أَنَارَ اللهُ بَصِيرَتَهُ وَوَفَّقَهُ وَشَرَحَ صَدرَهُ، بل حتى البَهَائِمُ وَالعَجمَاوَاتُ وَالجَمَادَاتُ أَقَرَّت بِخَيرِ البرِيَّةِ واعترفت بأزكى البَشَرِيَّةِ، فَهَابَتْهُ وَوَقَّرَتْهُ وَتَأَدَّبَتْ لَه، وَسَلَّمَتْ عَلَيهِ وَحَنَّتْ إِلَيهِ، وَخَضَعَتْ لَه وَبَكَتْ بَينَ يَدَيهِ، وَانقَادَت لَه وَأَطَاعَت أَمرَهُ، فَعَن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنه قال: أَقبَلْنَا مَعَ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) حتى دَفَعْنَا إلى حائِطٍ في بني النَّجَّارِ، فَإِذَا فِيهِ جملٌ لا يَدخُلُ الحائِطَ أَحَدٌ إِلا شَدَّ عَلَيهِ، فَذَكَرُوا ذلك للنبيِّ(صلى الله عليه وسلم) فَأَتَاهُ فَدَعَاهُ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشفَرَهُ عَلَى الأَرضِ حتى بَرَكَ بَينَ يَدَيهِ، فقال(صلى الله عليه وسلم): ((هاتُوا خِطَامًا))، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إلى صَاحبِهِ، ثم التَفَتَ فقال: ((ما بَينَ السَّمَاءِ إِلى الأَرضِ أَحَدٌ إِلا يَعلَمُ أَني رَسولُ اللهِ إِلا عاصِي الجِنِّ وَالإِنسِ))، وعن عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ رضي اللهُ عنه قال: أَردَفَني رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) خَلفَهُ ذَاتَ يَومٍ، فَأَسَرَّ إِليَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحدًا مِنَ النَّاسِ، وَكانَ أَحَبُّ ما استَتَرَ بِهِ رَسولُ اللهِ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَو حَائِشَ نخلٍ، قال: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنصَارِ، فَإِذَا جملٌ، فَلَمَّا رَأَى النبيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَينَاهُ، فَأَتَاهُ النبيُّ(صلى الله عليه وسلم) فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتْ، فقال: ((مَن رَبُّ هذا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟)) فجاء فتى مِنَ الأَنصَارِ فقال: لي يا رَسولَ اللهِ، فقال(صلى الله عليه وسلم): ((أَفلا تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))، وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: كان لآلِ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسولُ اللهِ لَعِبَ وَاشتَدَّ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسولِ اللهِ قَد دَخَلَ رَبَضَ، فَلَم يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) في البيتِ كَرَاهِيَةَ أَن يُؤْذِيَهُ. وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنه قال: سِرْنا مَعَ رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) حتى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفيَحَ، فَذَهَبَ رَسولُ اللهِ يَقضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِأَدَاوَةٍ مِن مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسولُ اللهِ فَلَم يَرَ شَيئًا يَستَتِرُ بِهِ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الوَادِي، فَانطَلَقَ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) إِلى إِحدَاهما فَأَخَذَ بِغُصنٍ مِن أَغصَانِها فقال: ((انقَادِي عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ))، فَانقَادَت مَعَهُ كَالبَعِيرِ المَخشُوشِ الذي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حتى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخرَى، فَأَخَذَ بِغُصنٍ مِن أَغصَانِها فقال: ((انقَادِي عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ))، فَانقَادَت مَعَهُ كذلك، حتى إِذَا كان بِالمَنصَفِ ممَّا بَينَهُمَا لأَمَ بَينَهُمَا ـ يَعني جمعَهُمَا ـ فقال: ((اِلتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ)) فَالتَأَمَتَا. قال جابرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ ـ أَيْ: أَعدُو وَأَسعَى سَعيًا شَدِيدًا ـ مَخَافَةَ أَن يُحِسَّ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) بِقُربي فَيَبتَعِدَ، فَجَلَستُ أُحَدِّثُ نَفسِي، فَحَانَت مِنِّي لَفتَةٌ، فَإِذَا أَنا بِرَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) مُقبِلا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افتَرَقَتَا، فَقَامَت كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا عَلَى سَاقٍ. وعنه رضي اللهُ عنه قال: كان النبيُّ(صلى الله عليه وسلم) يَقُومُ إلى جِذْعٍ قَبلَ أَن يُجعَلَ لَهُ المِنبَرُ، فَلَمَّا جُعِلَ المِنبَرُ حَنَّ الجِذعُ حتى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، فَمَسَحَ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) يَدَهُ عَلَيهِ فَسَكَنَ. وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) : ((إِنِّي لأَعرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كان يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبلَ أَن أُبعَثَ، إِنِّي لأَعرِفُهُ الآنَ)). وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه قال: كُنتُ مَعَ النبيِّ(صلى الله عليه وسلم) بمكةَ، فَخَرَجْنَا في بَعضِ نَوَاحِيها، فَمَا استَقبَلَهُ جَبَلٌ ولا شَجَرٌ إلا هو يَقُولُ: السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسولَ اللهِ.

    ولمَّا هَاجَرَ إلى المدينةِ، وكانت مِن أَوبَأِ أَرضِ اللهِ، فَصَحَّحَهَا اللهُ بِبَرَكَةِ حُلُولِهِ بها وَدُعائِهِ لأَهلِهَا، حَيثُ دَعَا عليه السلامُ رَبَّهُ أَن يُذهِبَ حُمَّاهَا إِلى الجُحفَةِ، فَاستَجَابَ اللهُ له ذلك. وعن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال: لمَّا كان اليَومُ الذي دَخَلَ النبيُّ(صلى الله عليه وسلم) فِيهِ المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنها كُلُّ شَيءٍ، فَلَمَّا كان اليَومُ الذي مَاتَ فِيهِ أَظلَمَ منها كُلُّ شَيءٍ.

    اللهُ أَكبرُ أيها المسلمون، كُلُّ شَيءٍ يَعرِفُ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ وَيُحِبُّهُ، كُلُّ شَيءٍ يُؤمِنُ بِنُبُوَّتِهِ وَيُقِرُّ بِرِسالتِهِ، إِلا مَن أَرَادَ اللهُ ضَلالَتَهُم مِن أَشقِيَاءِ بَني الإِنسانِ، فَلَم يَزَالُوا مُنذُ مَبعَثِهِ عليه الصلاةُ والسلامُ ضَائِقَةً بِهِ صُدُورُهُم، غَاصَّةً بِهِ نُحُورُهُم، يَكِيدُونَ لَهُ وَيَمكُرونَ بِهِ، وَيُدَبِّرُونَ المُؤَامَرَاتِ ضِدَّهُ وَيُؤذُونَهُ، سَخِرُوا مِنهُ وَاستَهزَؤُوا بما جاء به، واتَّهَمُوهُ بِالجُنُونِ والكَهَانَةِ، وَقَالُوا عَنه: إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وَوَضَعُوا سَلا الجَزُورِ على ظَهرِهِ وهو سَاجِدٌ يُصَلِّي، وَرَمَوهُ بِالحِجارَةِ حَتى أَدمَوا عَقِبَيهِ، وَحَاصَرُوهُ في الشِّعبِ وَتَآمَرُوا لِقَتلِهِ، بَل لم يَزَالُوا به حتى أَخرجُوهُ مِن أَحَبِّ البِقَاعِ إِلَيهِ وَأَبعَدُوهُ عنها، وَمَنَعُوهُ مِن دُخُولِها لِعِبادَةِ رَبِّهِ وَزَيَارَةِ بَيتِهِ، ثم جَيَّشُوا الجُيُوشَ لِحَربِهِ وَجَابَهُوهُ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ وَشَجُّوا وجنَتَهُ وَأَدمَوا وَجهَهُ، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.

    وَتِلكَ سُنَّةُ اللهِ في إِخوانِهِ الذين خَلَوا مِن قَبلِهِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، وَلَن تجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلا، وَلَن تجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورًا وَلَو شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفتَرُونَ، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا.

    واليَومَ وفي ظِلِّ حَضَارَةِ تَتَغَنَّى بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّمَدُّنِ عَوَاصِمُهُ، وَيَتَشَدَّقُ بِالمَعَاني الإِنسَانِيَّةِ مُثَقَّفُوهُ، وَيَدَّعِي الحُرِّيَّةَ وَالتَّسَامُحَ كُبَرَاؤُهُ، تَأَبى الحَقَائِقُ إِلا أَن تَتَكَشَّفَ يَومًا بَعدَ يَومٍ، لِتُظهِرَ مَا تُكِنُّهُ صُدُورُ كثيرون منهم مِن كُرهٍ وَبَغضَاءَ، وَتُظهِرُ مَا يَنطَوُونَ عَلَيهِ مِن حِقدٍ وَشَحنَاءَ، فَتَتَمَادَى وَسَائِلُ إِعلامِهِم وَيَتَنَاوَبُ مِنهُم أَشخَاصٌ مَوتُورُونَ على الاستِهزَاءِ بِرَسولِ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ، وَتَتَكَرَّرُ مِنهُم محاولاتُ الإِسَاءَةِ إِلَيهِ بِأَلفَاظٍ نَابِيَةٍ وَرُسُومٍ بَغِيضَةٍ كَاذِبَةٍ، مُعلِنِينَ ذلك على المَلأِ في صُحُفِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم، ضَارِبِينَ بِعُرضِ الحَائِطِ مَشَاعِرَ أَكثَرَ مِن أَلفِ مِليونِ مُسلِمٍ هُم أَتبَاعُهُ وَأَحبَابُهُ، وَلَئِنْ سَاءَ المُسلِمِينَ وَقَطَّعَ قُلُوبَهُم وَأَغَاظَهُم وَقَرَّحَ أَكبَادَهُم ذلك فَإِنَّ مِن عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ أَنَّ اللهَ لم يَخْلُقْ شَرًّا مَحْضًا، بل كما قال سبحانَه: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
    ألا إِنَّ الحقِيقَةَ قَد تجلَّتْ وَانكَشَفَتْ، فَلْيَصمُتْ مَن إِذَا تَكَلَّمَ صَادِقٌ نَصَبُوا لَهُ العِدَاءَ، وَإِنْ تَبَجَّحَ كَافِرٌ سَكَتُوا وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِيهِم. هَا هُو الكَافِرُ الذي سمَّوهُ "الآخَرَ" في مُحاوَلَةٍ لِتَميِيعِ المُصطَلَحَاتِ الشَّرعِيَّةِ وَإِضعَافِ عقيدة البَرَاءِ في نُفُوسِ المُسلِمِينَ. هَا هُوَ ذلكم "الآخَرُ" يَتَطَاوَلُ على دِينِ اللهِ وَيَستَهزِئُ بِرَسولِ اللهِ ، فماذا عَسَاهُم فَاعِلِينَ؟! إِنَّ هذا "الآخَرَ" الذي تَوَدَّدَ لَهُ بَعضُ سُفَهَاءِ المُسلِمِينَ وَطَلَبُوا رِضَاهُ لم يَقبَلْهُم مِن قَبلُ، وَلَن يَقبَلَهُم بَعدُ، لَن يُحِبَّهُم وَلَن يُقَدِّرَهُم، وَلَن يَذهَبَ ما في صَدرِهِ عَلَيهِم حتى يجتَمِعَ الماءُ والنَّارُ، وَحتى يَلتَقِيَ الضَّبُّ وَالحُوتُ، ولا يُقَالُ هذا رَجمًا بِالغَيبِ وَلا ادِّعَاءً كَاذِبًا، بل هُوَ مَا أَخبرَ اللهُ بِهِ في مُحكَمِ كِتَابِهِ إِذْ قَالَ سبحانَه: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. إنها عَدَاوَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ وَإِحَنٌ مُنعَقِدَةٌ، لا يُذهِبُها زَمَانٌ ولا يُعالِجُها دَوَاءٌ، وَلا تَهدَأُ مَهمَا قَدَّمَ المسلمون مِن تَنَازُلاتٍ عَن دِينِهِم أَو مَيَّعُوا أَحكَامَ عَقِيدَتِهِم.

    وَممَّا يُستَفَادُ مِن هَذِهِ الأَحدَاثِ ـ أيها المسلمون ـ تميُّزُ الطَّيِّبِ مِنَ الخَبِيثِ وَظُهُورُ الصَّادِقِ مِنَ الكَاذِبِ، قال سبحانَه: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. ثم إِنَّ في الغَربِ مُنصِفِينَ، فَقَد تُثِيرُهُم تِلكَ الحَملاتُ الشَّعوَاءُ وَتَحمِلُهُم على طَلَبِ الحَقَائِقِ، فَيَهدِي اللهُ مِنهُم رِجالاً وَنِسَاءً، فَيَحمِلُونَ الإِسلامَ في بِلادِهِم، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ، وَمَا قِصَّةُ إِسلامِ حمزَةَ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ رضي اللهُ عنه عنَّا بِبَعِيدٍ، فقد كان سَبَبُ إِسلامِهِ استِخفَافَ أبي جَهلٍ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)؛ إِذْ مَرَّ بِرَسولٍ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) يَومًا عِندَ الصَّفَا فَآذَاهُ وَنَالَ مِنهُ وَرَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) سَاكِتٌ وَلا يُكَلِّمُهُ، ثم ضَرَبَهُ أَبُو جَهلٍ بِحَجَرٍ في رَأسِهِ فَشَجَّهُ حتى نَزَفَ مِنهُ الدَّمُ، ثم انصَرَفَ عنه إلى نادِي قُرَيشٍ عِندَ الكَعبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُم، وَكَانَت مَولاةٌ لِعَبدِ اللهِ بنِ جدعانَ في مَسكَنٍ لها على الصَّفَا تَرَى ذلك، وَأَقبَلَ حمزَةُ مِنَ القَنصِ مُتَوَشِّحًا قَوسَهُ، فَأخَبرتْهُ المَولاةُ بما رَأَت مِن أَبي جَهلٍ، فَغَضِبَ وَخَرَجَ يَسعَى، لم يَقِفْ لأَحَدٍ حتى دَخَلَ المَسجِدَ وَفِيهِ أَبو جَهلٍ، فَقَامَ على رَأسِهِ، وقال له: يَا مُصفِرَ استِهِ، تَشتُمُ ابنَ أَخِي وَأَنَا على دِينِهِ؟! ثم ضَرَبَهُ بِالقَوسِ فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنكَرَةً، فَثَارَ رِجَالٌ مِن بني مخزُومٍ، وَثَارَ بَنُو هاشِمٍ، فَقَالَ أَبو جَهلٍ: دَعُوا أَبَا عِمَارَةَ، فَإِني سَبَبْتُ ابنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا. ثم شَرَحَ اللهُ صَدرَ حمزَةَ للإِسلامِ، فَاستَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى، واعتَزَّ بِهِ المسلمون أَيَّمَا اعتِزَازٍ، وكان إِسلامُهُ نَصرًا عَظِيمًا للإِسلامِ، وَكَانَت تِلكَ المَسَبَّةُ وذلك الاستخفافُ مِن أبي جَهلٍ سَبَبًا في النَّكبَةِ وَالخِزيِ وَالذُّلِّ لِلطُّغَاةِ المُعتَدِينَ.
    إِنَّ مَا يُقالُ أَو يُثَارُ ضِدَّ الإِسلامِ أَو ضِدَّ نَبيِّهِ(صلى الله عليه وسلم) لَيَسُوءُ كُلَّ مُسلِمٍ وَيُحزِنُهُ ويُغضِبُهُ، إِلا أَنَّ هذَا الشَّرَّ لا يَخلُو مِن خَيرٍ، هُم يُريدُون أَمرًا وَالله يُرِيدُ أَمرًا، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ. لَقَد دَبَّرَ أَسلافُهُم مِن قَبلِهِم وَمَكرُوا، وَأعمَلُوا أَفكَارَهُم وَخَطَّطُوا، وَأَجَالُوا آرَاءَهُم وَتَآمَرُوا، وَابتَغَوُا الفِتنَةَ وَقَلَّبُوا الأُمُورَ، وَاستَهزَؤُوا وَخَاضُوا، فَأَبْطَلَ اللهُ سَعيَهُم، وَرَدَّ كَيدَهُم في نحُورِهِم، وحَاقَ بهم مَكرُهُم، وَنَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ دِينَه، قال سبحانَه: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون، وقال تعالى: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ.



    الخطبة الثانية

    أما بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ تعالى وأطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ ولا تَعصُوهُ.

    أيها المسلمون، إِنَّهُ وَإِنِ استَهزَأَ الكافرون بِالحَبِيبِ وَسَخِرَوا مِنهُ فَإِنَّ ذلك لَحَسرَةٌ عَلَيهِم مَا بَعدَهَا حَسرَةٌ، وَبُؤسٌ لهم مَا بَعدَهُ بُؤسٌ، إِنَّهُ لَمُؤذِنٌ بِخَرَابِ دِيَارِهِم وَتَمَزُّقِ مُلكِهِم وَذَهَابِ دَولَتِهِم، وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولَ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون.

    لَقَد بَعَثَ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) رَسَائِلَ إلى كِسرَى مَلِكِ الفُرسِ وَإِلى قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَكِلاهما لم يُسْلِمْ ولم يَتَّبِعِ الهُدَى، لَكِنَّ قَيصَرَ أَكرَمَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ وَأكرَمَ رَسولَهُ، فَثَبَتََ مُلكُهُ وَاستَمَرَّ في الأَجيَالِ اللاحِقَةِ، وَأَمَّا كِسرَى فَمَزَّقَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) واستَهزَأَ بِهِ، فَقَتَلَهُ اللهُ بَعدَ قَلِيلٍ، وَمَزَّقَ مُلكَهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، ولم يَبقَ للأَكَاسِرَةِ مُلكٌ ولم تَقُمْ لهم قَائِمَةٌ.

    فَأَبشِرُوا ـ أيها المسلمون ـ وَتَفَاءَلُوا، ولا تَيأَسُوا مِن نَصرِ اللهِ وَلا تَقنَطُوا، فَإِنها قَضِيَّةُ وَقتٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكثَرَ، يَقُولُ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه اللهُ: "إِنَّ اللهَ مُنتَقِمٌ لِرَسولِهِ(صلى الله عليه وسلم) ممَّن طَعَنَ عَلَيهِ وَسَبَّهُ. وفي الصحيحِ عنِ النبيِّ قال: ((يَقُولُ اللهُ تعالى: مَن عَادَى لي وَليًّا، فَقَد آذنتُهُ بِالحَربِ))، فَكيفَ بِمَن عَادَى سَيِّدَ الأَولِيَاءِ؟! كَيفَ بِمَن استهزأَ بسَيِّد الأَنبِيَاء الذي أَمَرَ اللهُ تعالى بِتَعظِيمِهِ وَتَوقِيرِهِ، وَعَلَّقَ الفَلاحَ على نُصرتِهِ، وَأخبرَ أَنَّ مَن لم يَنصُرْهُ فَلَيس مِنَ المُفلِحِينَ، وَأَنَّ مَن آذَاهُ وَشَاقَّهُ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأَنَّهُ سبحانَه كافِيهِ وَنَاصِرُهُ وَعَاصِمُهُ؟! فقال تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ، وقال سبحانَه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا، وقال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ، وقال تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وقال تعالى: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ.

    وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه قال: كان رَجُلٌ نَصرَانيٌّ فَأَسلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمرَانَ، وكان يَكتُبُ لِلنَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) فَعَادَ نَصرَانِيًّا، وكان يَقُولُ: لا يَدرِي محمدٌ إلا ما كَتَبتُ له، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفنُوهُ، فَأَصبَحَ وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ، فقالوا: هذا فِعلُ محمدٍ وأَصحابِهِ لمَّا هَرَبَ مِنهُم، نَبَشُوا عن صاحبِنا فَأَلقَوهُ، فَحَفَرُوا له فَأَعمَقُوا له في الأَرضِ ما استَطَاعُوا، فَأَصبَحُوا وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلقَوه.

    أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أيها المسلمون، وانصُرُوا رَسولَكُم(صلى الله عليه وسلم) وَذُبُّوا عَن عِرضِهِ بما تَستَطِيعُون،اِقرَؤُوا سَيرَتَهُ، وَانشُرُوها مِن خِلالِ الوَسَائِلِ المُتَاحَةِ، بِالمَقَالَةِ وَالمَطوِيَّةِ، وَالنَّشرَةِ وَالكِتَابِ، وَالبَرَامِجِ المَرئِيَّةِ وَالمَسمُوعَةِ، مِن خِلالِ المَدَارِسِ وَالمَسَاجِدِ، في البُيُوتِ وَالمَحَافِلِ، قِفُوا على تَفَاصِيلِ سَيرتِهِ، وَتَأَمَّلُوا دَقَائِقَ سُنَّتِهِ، فَهُوَ أَعظَمُ رَجُلٍ في التاريخِ، وَهُوَ مِنَّا وَنحنُ مِنهُ، وَقَد فُزنَا بِهِ وَشَرُفنَا بِالنَّسبَةِ إِلَيهِ، فَلا يَلِيقُ بِنَا أَن نجهَلَ تَاريخَهُ وَسِيرتَهُ وَسُنَّتَهُ،وَارفَعُوا إِلى اللهِ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ أَن يُعِزَّ دِينَهُ وَيُعلِيَ كَلِمَتَهُ، وَأَجزِلُوا الدُّعَاءَ وَأَخلِصُوهُ.

    * منقولة ببعض التصرف
                  

03-23-2012, 07:34 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي قضى بالفناء على هذه الدار، وأمر بأخذ العدة لدار القرار، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أزهد الناس في الدنيا، وأكثرهم للموت ذكراً وللآخرة استعداداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقى، والتابعين ومن تبعهم بخيرٍ وإحسانٍ واقتفى.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى.

    عباد الله: حقيقةٌ قاسيةٌ لا محيد عنها، وقضيةٌ رهيبةٌ مسلمةٌ لا مفر منها تواجه أهل الدنيا، فلا يستطيعون لها رداً، ولا يملكون لها دفعاً، حقيقةٌ تتكرر كل لحظة، ونعايشها مرة بعد مرة، والناس سواءٌ أمام هذه الحقيقة المُسَلَمة، والمصير المحتوم، يواجهها الآباء والأبناء، والأغنياء والفقراء، والضعفاء والأقوياء، والرجال والنساء، والمرءوسون والرؤساء، والعامة والعلماء، والمغمورون والوجهاء، وأهل الشجاعة والجبناء، يقفون منها موقفاً موحداً، لا يستطيعون لها حيلة، ولا يملكون لردها وسيلة، ولا يقدرون تجاهها دفعاً ولا تأجيلاً، إنها حقيقة النهاية والفناء والموت، الموت الذي لا مفر ولا محيد من الاستسلام له، ولا يملك البشر حياله شيئاً.
    إخوة الإسلام: إن كل حيٍ يسلم بهذه الحقيقة عقيدة ونظراً، لكن الذين يتذكرونها ويعملون لما وراءها قليل، فالقلوب عن هذه الحقيقة غافلة، والنفوس شاردة، والعقول منصرفة، والهمم مشغولة، ومشاغل الحياة وزخرفها من الأموال والقصور، والأولاد والدور، والمراكب والمراتب، والأعمال والمناصب، كل ذلك وغيره أطال أمل الناس فيها، وإلا فالله عز وجل يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:57] ويقول جل وعلا: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

    ونبيكم صلى الله عليه وسلم، يقول لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل } وكان ابن عمر يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ]] رواه البخاري .

    وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا من ذكر هادم اللذات } أي: الموت، وكان عليه الصلاة والسلام، إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: {يا أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعه الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه } خرّجه الترمذي من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، فالكل مرجعهم إلى الله، والجميع محشورون إليه، الموت في الموعد المحتوم، والأجل المقسوم: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً [آل عمران:145]، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11] وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

    أمة الإسلام: إنه لابد أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس الناس استقراراً واستشعاراً؛ حتى يكون له أثرٌ عمليٌ في حياة المسلم، بالإقبال على الطاعات وترك المعاصي والمحرمات، والمبادرة إلى التوبة وترك التسويف، فاستشعار قصر الأمل، يتطلب الجد في العمل، يجب أن نتذكر هذه الحقيقة دائماً وأبداً، حقيقة أن الدنيا مدبرةٌ فانية: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] وأن المرد إلى الله، وأن الحياة موقوتة، والآجال محدودة، والأنفاس معدودة، ثم تأتي النهاية الحتمية، ويحل هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ثم بعد ذلك يكون الناس فريقين فإما إلى جنة عالية، قطوفها دانية، وإما إلى نار حامية، نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه، فكأس الموت تتذوقه كل النفوس، وجرعته يتحساها كل حيٍ في هذه الحياة، لا فرق بين إنسانٍ وآخر، إنما الشأن كل الشأن ما بعد هذه اللحظة الحاسمة، من المصير الذي يستحق أن يعمل من أجله العاملون.

    فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي

    ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء

    فيا أيها المسلمون: تذكروا هذه الحقيقة: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

    أين الاتعاظ والاعتبار؟ عشرات الجنائز نصلي عليها في اليوم والليلة، وعشرات الموتى نشيعهم إلى القبور، حيث ضيق اللحود ومراتع الدود، أما نعتبر بكثرة الموتى من حوادث السيارات، ومن موتى الفجأة والسكتات؟!

    كم من إنسان أمسى ولم يصبح، وأصبح فلم يمسِ، وخرج من بيته فلم يعد، وكم من صحيحٍ سليم يأتيك خبره، ويبلغك موته:

    تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

    فكم من سليمٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر

    وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

    فتذكروا -يا عباد الله- هجوم هادم اللذات، وتصوروا نزول ملك الموت بكم، في هذه اللحظات يندم المفرطون ويتحسر المقصرون: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

    تذكروا الموت وسكراته، يا من تلهون وتعبثون في دنياكم، وأنتم عن الآخرة غافلون! تذكروا هذا الموقف العصيب يا من تتثاقلون عن أداء الصلاة، وتبخلون بإخراج الزكاة! تذكروا ساعة الاحتضار يا من تظلمون عباد الله، وتقعون في أعراضهم، وتبخسونهم أشياءهم، وتغشونهم وتماطلونهم حقوقهم! فلله يومٌ يجمع فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء بينهم، وكتابٌ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، هل تظنون أنكم مخلدون في هذه الحياة؟!

    روى الترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك } فماذا قدم كل واحدٍ منا لهذه اللحظات الحاسمة، والمواقف العصيبة: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37].

    كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، إذا ذكر عنده الموت انتفض انتفاض الطير، وقال الحسن البصري رحمه الله: [[ فضح الموت الدنيا، فلن يترك لذي لبٍ بها فرحاً ]] هكذا كان سلف هذه الأمة، من قوة الإيمان وشدة الخوف من عذاب الله، مع اجتهادهم في طاعة الله، فغريب حالنا اليوم، كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له من مستعد! وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً! وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفاً! فعلام الفرح مع التفريط في جنب الله! إنه لا ينبغي لمن آمن بالله واليوم الآخر، ولا يليق بمن عرف مصير الأوائل والأواخر، ويرى أن الموت يأخذ الأصاغر والأكابر، أن يركن إلى هذه الدنيا وقد امتلأت المقابر.

    فيا من يفاخرون بأموالهم وأولادهم وأعمالهم: كيف بكم إذا واراكم الثرى وسرى بكم البلى! حقاً كفى بالموت واعظاً.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه


    الخطبة الثانية

    الحمد لله الباقي فلا يفنى ولا يبيد، وأشهد أن لا إله إلا الله المبدئ المعيد، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء وأكرم العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:-

    فاتقوا الله -عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، واتقوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً.

    عباد الله: إذا أيقنا أن مرور الأعوام وانقراض الأزمان إنما هو من أعمارنا، وأن الأيام مراحل تقربنا إلى الآخرة، فإن علينا أن نستعد للموت وما بعده؛ وذلك بالتوبة الصادقة والإقلاع من الذنوب والتخفف من الدنيا، وكثرة ذكر الموت وزيارة القبور، والاعتبار والاتعاظ بما نرى ونسمع من أحوال الراحلين، فالموت الذي تخطانا إليهم سيتخطى غيرنا إلينا، وإن علينا أن نقف وقفة تأملٍ ومحاسبةٍ للنفوس، فإلى متى الغفلة يا عباد الله؟!

    إن مرور عامٍ في حياة الفرد المسلم والأمة المسلمة حدثٌ يستحق التأمل والمحاسبة، فهل نقوم بهذا الأمر، وهل نعي حقيقة الحياة ونهايتها، وهل نستقبل كل عام جديد بالتوبة والإنابة، والعودة الصادقة إلى ديننا، هذا ما نأمله ونرجوه، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وإني لأرجو أن يتعهد كلٌ مناعهداً يأخذه على نفسه وميثاقاً يعمل بمقتضاه فيما بقي من حياته، ليتحقق له الخير والفلاح في العاجل والآجل.

    هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النبي المصطفى والرسول المجتبى كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
                  

03-30-2012, 09:42 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، وَ[تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ] {الملك:1-2}، نَحْمَدُهُ فِي الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَلَا يُقَدِّرُ عَلَى عِبَادِهِ إِلَّا مَا تَكُونُ عَاقِبَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السُّخْطُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ خَلْقَهُ شَاهِدًا عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ، ونَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَابْتَلَى عِبَادَهُ بِدِينِهِ وَطَاعَتِهِ، [وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا] {هود:7}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْحَقِّ، وَجَعَلَهُ ابْتِلَاءً لِلْخَلْقِ، وَخَاطَبَهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
    أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهَا زِينَةٌ فِي الرَّخَاءِ، وَنَجَاةٌ فِي الْبَلَاءِ، وَعُدَّةٌ لِلشِّدَّةِ، وَذُخْرٌ لِلْكُرْبَةِ؛ [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا] {الطَّلاق:2}.
    أَيُّهَا النَّاسُ: الابْتِلَاءُ سُنَّةٌ للهِ تَعَالَى مَاضِيَةٌ، وَحِكْمَةٌ مِنْ حِكَمِهِ بَاهِرَةٌ، وَمِحْنَةٌ لِلْعِبَادِ قَاطِعَةٌ، يُقْطَعُ بِهَا صِدْقُ الْعِبَادِ أَوْ كَذِبُهُمْ، وَيُمَيَّزُ بِهَا الْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ، وَبِهَا يُعْلَمُ الشَّكُورُ وَالْكَفُورُ، وَالصَّبُورُ وَالْجَزُوعُ.
    يَدَّعِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قُوَّةَ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ، وَيُظْهِرُونَ تَحَلِّيَهُمْ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، وَيَظُنُّونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ شُكْرًا عَلَى نِعَمٍ تُسْبَغُ عَلَيْهِمْ، وَرِضًا بِمَصَائِبَ تَحُلُّ بِهِمْ؛ فَإِذَا نَزَلَ الْبَلَاءُ تَمَايَزَ النَّاسُ، وَظَهَرُوا عَلَى حِقِيقَتِهِمْ، وَانْكَشَفَ غِطَاءُ قُلُوبِهِمْ، فَعُرِفَ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ صَلَابَةِ الْإِيمَانِ، وَقُوَّةِ الْيَقِينِ.
    وَفِي الْقُرْآنِ قُرِنَ ذِكْرُ الابْتِلَاءِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ؛ لِيَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ مُنْذُ وُجِدَ وَهُوَ فِي ابْتِلَاءٍ إِلَى أَنْ يَمُوتَ، وَأَنَّ تَكْلِيفَهُ بِالدِّينِ ابْتِلَاءٌ، وَأَنَّهُ فِي سَيْرِهِ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ يَعِيشُ مَرْحَلَةَ ابْتِلَاءٍ؛ [إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] {الإنسان:2-3}.
    إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا مَيْدَانُ الْبَلَاءِ؛ لِتَكُونَ الْآخِرَةُ جَزَاءً عَلَى الابْتِلَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْحَيَاةَ لِلابْتِلَاءِ، وَخَلَقَ الْمَوْتَ لِلْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ؛ [إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا] {الكهف:7}، وَلَوْلَا مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ زِينَةِ الشَّهَوَاتِ وَمَا فِي النُّفُوسِ مِنْ مَيْلٍ لَهَا لَمَا كَانَتِ ابْتِلَاءً لِلْعِبَادِ؛ [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ] {آل عمران:14}، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:((إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ؟ قَالَ: زَهْرَةُ الدُّنْيَا))؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
    وَهَذَا ابْتِلَاءُ السَّرَّاءِ الَّذِي قَلَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَشْكُرُهُ؛ [وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ] {سبأ:13}، وَكَانَ سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِمَّنْ بُلِيَ بِهِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ ابْتِلَاءٌ فَشَكَرَ، وَقَالَ: [هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ] {النمل:40}، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ! وَهَذَا مِنْ تَوَاضُعِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَإِزْرَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَزِيدًا مِنَ الشُّكْرِ، وَلَا نَحْسَبُهُ إِلَّا مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَهُوَ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
    وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ بِثِقْلِ الطَّاعَةِ وَمَشَقَّتِهَا؛ كَمَا ابْتُلِيَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَثْقَلِ شَيْءٍ عَلَى النُّفُوسِ، وَهُوَ ذَبْحُ ابْنِهِ عَلَى كِبَرٍ؛ فَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَاسْتَجَابَ؛ [وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ] {الصَّفات:104-106}، فَكَانَتْ حِكْمَةُ التَّكْلِيفِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الابْتِلَاءِ وَالامْتِثَالِ.
    وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ بِالْمَعْصِيَةِ لِتُسْتَخْرَجَ مِنْهُ التَّوْبَةُ؛ كَمَا اسْتُخْرِجَتْ مِنْ أَبِينَا آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِذَنْبِهِ؛ [وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى] {طه:121-122}، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ، لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَيْهِ؛ فَالتَّوْبَةُ هِيَ غَايَةُ كَمَالِ كُلِّ آدَمِيٍّ، كَمَا كَانَ كَمَالُ آدَمَ بِهَا.
    وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ بِالضَّرَّاءِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ وَلَدِهِ؛ [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ] {آل عمران:186}، فَأَرْشَدَ سُبْحَانَهُ إِلَى مُقَابَلَةِ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى؛ فَبِالصَّبْرِ يَتَجَرَّعُ أَلَمَ الْمُصِيبَةِ، وَبِالتَّقْوَى يَثْبُتُ عَلَى الْإِيمَانِ؛ [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {آل عمران:186}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] {البقرة:155}، وَبِهَذَا الابْتِلَاءِ يُسْتَخْرَجُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ الْإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَيَزْدَادُ إِيمَانُهُ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ؛ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ صَاحِبِهِ الدُّعَاءُ وَالاسْتِكَانَةُ وَالْخُشُوعُ، وَيُكْسَرُ مَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعُلُوِّ وَالْغُرُورِ؛ [فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ] {الأنعام:42}، فَيَا لَهُ مِنَ ابْتِلَاءٍ! مَا أَعْظَمَهُ! وَمَا أَكْثَرَ أَجْرَهُ! [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ] {التغابن:11}.
    وَقدْ يَكُونُ هَذَا الابْتِلَاءُ عُقُوبَةً عَلَى ذُنُوبٍ؛ [كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ] {الأعراف:163}، وَبِسَبَبِ هَذَا الْبَلَاءِ قَدْ يَرْجِعُ الْمُذْنِبُونَ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَمْحُو أَثَرَ ذُنُوبِهِمْ، وَيُزِيلُ دَرَنَهَا مِنْ قُلُوبِهِمْ، إِلَّا مَنْ جَهِلَ مِنْهُمْ حِكْمَةَ الابْتِلَاءِ، وَاسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ مَوْلَاهُ، فَلَا يَزِيدُهُمُ الابْتِلَاءُ إِلَّا صُدُودًا عَنِ الْحَقِّ، وَاسْتِكْبَارًا عَلَى الْخَلْقِ؛ [وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ] {المؤمنون:76}.
    وَلَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الابْتِلَاءَ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِهِ فِي عِبَادِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: [وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {الأعراف:168}، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] {الأنبياء:35}
    وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ بِمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ؛ [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ] {الأنفال:28}، وَابْتِلَاؤُهُ بِهِمْ يَكُونُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ لَهُمْ، وَقَدْ يُقَصِّرُ فِيهِ فَيَأْثَمُ، وَفِي حِرْصِهِ الزَّائِدِ عَلَيْهِمْ، فَيُضَيِّعُ حَقُّ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِهِمْ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي النَّاسِ، وَصُورَتُهُ وَاضِحَةٌ فِيمَنْ يَجْمَعُونَ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَحَرَامِهِ؛ لِيُؤَمِّنُوا مُسْتَقْبَلَ أَهْلِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِهَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ وَعَذَابِهِمْ، وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَكُونُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ أَعْدَاءً لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ] {التغابن:14}.
    وَأَصْحَابُ الْولَايَاتِ فِي ابْتِلَاءٍ عَظِيمٍ بِإِقَامَةِ شَرْعِ اللهِ تَعَالَى فِي وِلَايَاتِهِمْ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ فِي رَعَايَاهُمْ، كَمَا أَنَّ رَعَايَاهُمْ مُبْتَلُونَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ أَقَامَ حُكْمَ الشَّرِيعَةِ فِيهِمْ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا حَكَمَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ بِذَلِكَ؛ [وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ] {ص:24-25}.
    وَالنَّاسُ يُبْتَلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فِي تَفَاوُتِ أَرْزَاقِهِمْ، وَرِفْعَةِ دَرَجَاتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْضَى وَيَقْنَعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْخَطُ وَيَطْمَعُ؛ [وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ] {الأنعام:165}، وَهَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمُ اعْتَلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الابْتِلَاءِ، حَتَّى صَارَ فِتْنَةً لِلنَّاسِ، فَأَكْثَرُ مَا يُسْفَكُ مِنَ الدِّمَاءِ، وَيُسْتَحَلُّ مِنَ الْحُرُمَاتِ بِسَبَبِهِ.
    وَيُبْتَلَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي أَدْيَانِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ؛ [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ] {المائدة:48}، فَأَهْلُ الْحَقِّ يَدْعُونَ غَيْرَهُمْ لِمَا عَنْدَهُمْ مِنَ الْحَقِّ، وَأَهْلُ الْبَاطِلِ يَفْتِنُونَ النَّاسَ عَنِ الْحَقِّ بِبَاطِلِهِمْ، وَهَذَا أَعْظَمُ ابْتِلَاءٍ فِي الْأَرْضِ؛ لِمَا يُسَبِّبُهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقُلُوبِ وَزَيْغِهَا، إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْحَقِّ؛ [وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ] {الأنعام:53} ، [وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ] {الفرقان:20}.
    وَفِتْنَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ لِأَهْلِ الْحَقِّ تَصِلُ إِلَى حَدِّ اسْتِحْلَالِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَانْتِهَاكِ أَعْرَاضِهِمْ، وَأَذِيَّتِهِمْ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ؛ [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت:2-3}.
    وَهَذَا الْبَلَاءُ الَّذِي يُصِيبُ أَوْلِيَاءَ اللهِ تَعَالَى بِأَيْدِي أَعْدَائِهِ مُرَادٌ للهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَفِيهِ بُرْهَانُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، حِينَ يَجُودُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ للهِ تَعَالَى؛ [وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ] {محمد:4}، وَهُوَ ابْتِلَاءٌ تُكَفَّرُ بِهِ الذُّنُوبُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُنَالُ الْجَنَّةُ؛ [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:142}.
    نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَنَا مِنْ شَرِّ الْبَلَاءِ، وَمُرِّ الْقَضَاءِ، وَأَلاَّ يَبْلُوَنَا إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا إِذَا ابْتَلَانَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ..
    وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَاوأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

    الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
    أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ] {البقرة:123}.
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سُنَّةُ الابْتِلَاءِ هِيَ سُلَّمُ التَّمْكِينِ، يَشْتَدُّ الْبَلَاءُ بِمَنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى لَهُمُ التَّمْكِينَ حَتَّى يَبْلُغُوهُ، فَلَا تَمْكِينَ بِلَا ابْتِلَاءٍ. وَأَتْبَاعُ مُوسَى -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مَا مُكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَفُضِّلُوا عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ، إِلَّا لَمَّا ابْتُلُوا ابْتِلَاءً شَدِيدًا، وَعُذِّبُوا بِيَدِ فِرْعَوْنَ وَجُنُدِهِ عَذَابًا أَلِيمًا، فَصَبَرُوا َمَعَ مُوسَى عَلَى الْحَقِّ، فَمَكَّنَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي الْأَرْضِ؛ [وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا] {الأعراف:137}، وَفِي مُقَامٍ آخَرَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ] {القصص:5-6}.
    وَفِي آيَةِ التَّمْكِينِ: [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا] {النور:55}، فَدَلَّتِ الآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ قَبْلَ التَّمْكِينِ كَانُوا خَائِفِينَ بِسَبَبِ دِينِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُضْطَهَدُونَ بِسَبَبِهِ، وَهَذَا هُوَ الابْتِلَاءُ.
    وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ: أَنْ يُمَكَّنَ؟ أَوْ يُبْتَلَى؟ فَقَالَ: لَا يُمَكَّنُ حَتَّى يُبْتَلَى، وَاللهُ تَعَالى ابْتَلَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ؛ فَلَمَّا صَبَرُوا مَكَّنَهُمْ.
    وَمَنْ تَأَمَّلَ حَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرْضِ، يَجِدُ أَنَّهُمْ مُنْذُ عُقُودٍ قَدِ ابْتُلُوا فِي دِينِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيمًا، وَأُوذُوا بِسَبَبِهِ أَذًى شَدِيدًا، فاَلْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ يُؤْذُونَهُمْ بِالسُّخْرِيَةِ مِنْ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمِنْ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَيَهْزَؤُونَ بِشَعِائِرِ دِينِهِمْ، وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنْ إِقَامَةِ فَرَائِضِهِمُ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمِ، وَيَجُرُّونَهُمْ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَنْشُرُونَ فِيهِمُ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُؤْذُونَ مَنْ يَحْتَسِبُ للهِ تَعَالَى، فَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ، وَيَضْطَهِدُونَهُ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى، وَيُكَافِئُونَ مَنْ يَتَفَلَّتُ مِنْ دِينِهِ، وَيُبَدِّلُ شَرِيعَةَ رَبِّهِ، وَيُحِلُّ حَرَامَهَا، وَيُسْقِطُ وَاجِبَهَا؛ مِمَّنْ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ تَعَالَى وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا.
    فَمِنَ النُّفُوسِ نُفُوسٌ ضَعِيفَةٌ خَوَّارَةٌ فِي الْحَقِّ، سَرِيعَةٌ إِلَى الْإِثْمِ، سَبَّاقَةٌ إِلَى لعَاعَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، تَبْتَغِي الْجَاهَ وَالْمَالَ بِالْإِثْمِ، وَتَبْتَاعُ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ أَهْلُهَا أَهْلَ تَمْكِينٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَا جَاوَزَوا الابْتِلَاءَ بِحُسْنِ الاخْتِيَارِ.
    وَمِنَ النُّفُوسِ نُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، لَا تَذِلُّ إِلَّا للهِ تَعَالَى، وَلَا تَخْنَعُ لِسِوَاهُ، وَلَا تَتَنَازَلُ عَنِ الْحَقِّ مَهْمَا كَلَّفَهَا الْأَمْرُ، فَتَصْبِرُ وَإِنِ اشْتَدَّ بِهَا الابْتِلَاءُ، وَتَتَابَعَ عَلَيْهَا الْأَذَى؛ فَعَاقِبَةُ صَبْرِهَا تَمْكِينٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَوْزٌ بِرِضَا الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا- وَإِنَّ فِي أَرْضِ الشَّامِ الْمُبَارَكَةِ لَمَشَاهِدَ لِلْإِيمَانِ وَمَتاَنَةِ الدِّينِ، وَمُقَابَلَةِ شِدَّةِ الْبَلَاءِ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ؛ مَشَاهِدُ تَأْخُذُ بِالْأَلْبَابِ، وَتَدْعُو لِلْإِكْبَارِ وَالْإِعْجَابِ.
    قَوْمٌ عُزَّلٌ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَبَدَةُ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، فَفَتَنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَاسْتَبَاحُوا دِمَاءَهُمْ، وَآذُوهُمْ فِي أَوْلَادِهِمْ، وَسَطَوْا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَانْتَهَكُوا أَعْرَاضَهُمْ، وَشَرَّدُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَنَكَّلُوا بِهِمْ أَشَدَّ تَنْكِيلٍ، فَقَابَلُوا ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّسْلِيمِ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّكْبِيرِ، يُعْلِنُونَ أَنَّهُمْ لَنْ يَذِلُّوا إِلَّا للهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتاللهِ لَنْ يُضَيِّعَ اللهُ تَعَالَى أَجْرَهُمْ، وَلَنْ تَذْهَبَ دِمَاءُ الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ، وَسَيُمَكَّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا مُكِّنَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، إِنَّهُ ابْتِلَاءٌ لَهُمْ وَلَكُمْ، وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُونِهِمْ، وَلِلْعَالَمِ بِأَجْمَعِهِ، ابْتِلَاءٌ يُؤْجَرُ فِيهِ مَنْ يُؤْجَرُ، وَيَأْثَمُ فِيهِ مَنْ يَأْثَمُ؛ فَمَنْ أَنْكَرَ جَرَائِمَ النُّصَيْرِيِّينَ وَالْبَعْثِيِّينَ، وَنَصْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَدَ سَلِمَ، وَمَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ أَثِمَ، فَالدُّعَاءَ الدُّعَاءَ لِإِخْوَانِكِمْ؛ فَإِنَّهُمْ مَبْتَلُونَ بِكِمْ، كَمَا أَنَّكُمْ مُبْتَلُونَ بِهِمْ، فَجَاوِزُوا الابْتِلَاءَ بِمَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، وَلَا تَلْتَفِتُوا لِرِضَا الْبَشَرِ، فَإِنَّ مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ.
    وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ(صلوات ربي وسلامه عليه).

    * منقولة

                  

06-15-2012, 11:34 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا أما بعد:
    اتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين
    أما بعد:

    أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دينكم واعرفوا حدود ما أنزل الله على رسوله فإن من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، واعلموا أن من أهم ما يجب عليكم معرفته أحكام الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وعمود الدين.

    ومن أكثر ما يقع الخلل فيها سجود السهو في الصلاة حيث كان يجهله كثير من المصلين، فسجود السهو له أسباب وأحكام ومواضع ينبغي على كل مسلم معرفتها حتى يكون على بصيرة من أمره إذا وقع له ذلك.

    فأسباب سجود السهو إجمالا ثلاثة : الزيادة والنقص والشك.

    فأما الزيادة فمتى زاد المصلي في صلاته ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا أو ركعة كاملة فأكثر وجب عليه سجود السهو، ومحله بعد السلام كما وقع ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) قال ابن مسعود : (صلى النبي الظهر خمسا فقيل له: أزيد في الصلاة ؟ قال: وما ذلك قالوا: صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم) رواه الجماعة .

    ومتى علم المصلي بالزيادة وهو في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عن الزيادة وسجود السهو، وإذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة ناسيا فذكر قبل أن تمضي مدة طويلة وجب عليه أن يتمم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى بهم الظهر أو العصر ركعتين ثم سلم، فأخبروه بأنه نسي فتقدم وصلى ما بقي من صلاته ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم، وأما إذا طال الفصل أو أحدث المصلي قبل أن يذكر نقص الصلاة فإنه يعيد الصلاة من أولها، لأنه لا يمكن أن يبنى آخر الصلاة على أولها مع طول الفصل أو انتقاض الطهارة .

    وأما النقص فمتى نقص المصلي شيئا من واجبات الصلاة ناسيا وجب عليه سجود السهو جبرا لما نقص من صلاته ويكون قبل السلام، فإذا نسي التشهد الأول وقام إلى الركعة الثالثة و استتم قائما فليمض في صلاته ولا يرجع ثم يسجد سجدتين للسهو قبل السلام، فعن عبد الله بن بحينه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى في صلاته فلما كان في آخر الصلاة سجد قبل أن يسلم ثم سلم متفق عليه ، ومثل ذلك إذا نسي أن يقول سبحان ربي الأعلى في السجود أو نسي شيئا من التكبير غير تكبيرة الإحرام .

    وأما الشك فإذا شك المصلي كم صلى ثلاثا أم أربعا ولم يترجح عنده شيء فليطرح الشك وليبن على ما استيقن وهو الأقل، فليتم عليه ثم يسجد سجدتين قبل السلام، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدِْركم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن صلاته وإن كان صلى إتماما كانتا ترغيما للشيطان)) رواه أحمد ومسلم ، وإذا شك المصلي هل صلى ثلاثا أو أربعا وترجح عنده أحد الأمرين بنى عليه وأتم الصلاة على ما ترجح عنده ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ((إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين )) .

    هذه أيها المسلمون هي الأصول في سجود السهو، وقد تبين منها أن سجود السهو له موضعان: موضع قبل السلام، وموضع بعده.

    فمواضع سجود السهو بعد السلام ثلاثة، الأول: إذا زاد في صلاته ، الثاني: إذا سلم قبل إتمامها وهو من الزيادة في الواقع ، الثالث: إذا شك فلم يدركم صلى وترجح عنده أحد الأمرين، وما عدا ذلك فمحله قبل السلام .
    أيها الناس إن كثيرا من المصلين ينكرون سجود السهو بعد السلام ويستغربونه، وذلك لأنهم يجهلون هذا الحكم الشرعي الذي يرى بعض العلماء أن ما كان من سجود السهو قبل السلام فهو واجب قبل السلام وما كان بعده فواجب أن يكون بعده، وسبب جهلهم عدم تعلمهم لذلك وعدم العمل به من أئمة المساجد، وأئمة المساجد منهم من لا يدري بذلك ويحسب أن سجود السهو قبل السلام في كل حال، ومنهم من يدري ولكن لا يعمل يقول: أخشى من التشويش، وهذا ليس بعذر في ترك ما أمر به النبي ،بل الحق الذي يكون به براءة الذمة ونشر السنة أن يسجد بعد السلام إذا كان موضع السجود بعد السلام حتى يعرف الناس ذلك ويفهموه ويعملوا به ويزول عنهم التشويش ويكون لفاعله أجر من أحيا سنة.


    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

    الخطبة الثانية

    الحمد لله فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا وجعلها صلة بينهم وبينه ليزداد بذلك إيمانا وكررها كل يوم حتى لا يحصل الجفاء ويسرها عليهم حتى لا يحصل التعب والعناء وأجزل لهم ثوابها فكانت بالفعل خمسا وبالثواب خمسين فضلا منه وامتنانا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ومولانا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخشى الناس لربه سرا وإعلانا.
    أما بعد:
    ألا نعجب من رجلين صلى أحدهما إلى جوار الآخر، ركع كما ركع وسجد كما سجد، فلما انصرفا من صلاتهما كتب أحدهما في عليين، ورُدت صلاة الآخر في وجهه؟

    ثم ألا نعجب من أنفسنا نقف بين يدي ربنا وخالقنا نتلو كتابه ونكثر دعاءه حتى إذا جاوزنا باب المسجد رجعنا إلى لهونا وغفلتنا، ولربما رأيت الرجل ينفتل من صلاته فما يجاوز باب مسجد حتى يشعل دخانه أو يطلق بالغيبة والنميمة لسانه؟

    أوليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ فما لبعضنا لا تصده صلاته عما هو فيه؟

    أي شيء فقدناه ففقدت صلاتنا أثرها؟

    لقد فقدت صلاتنا روحها! أتدرون ما روحها؟ إنه الخشوع والخضوع والتذلل بين يدي رب كريم، قال المقدسي: واعلم أن للصلاة أركاناً وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب. [مختصر المنهاج].

    إن الخشوع في الصلاة هو آية قبولها، ومقياس حسنها، وميزان جودتها، وفي الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط بسند فيه عباد بن كثير - وقد ضعف - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((من صلى الصلوات لوقتها وأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول: حفظك الله كما حفظتني، ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه))!! [الترغيب:572]. فانظر أي حسرة أعظم من أن ترد صلاتك في وجهك.

    وأشد من هذا وقعاً في القلب ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع))!! [رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب بسند رجاله ثقات]. [الترغيب:739].

    فتوهم نفسك هذا الرجل، تصلي ستين عاماً ثم لا تلقى في ميزانك شيئاً!!

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً [النساء:26-28].
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان و إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، أذكروا الله العظيم يذكركم وأشكروه على جزيل نعمائه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de