دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 12:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-25-2013, 07:13 PM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية



    دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية

    د. عبد العزيز بن فوزان بن صالح الفوزان

  • [email protected]
    [/B/]




    أولاً : الشبهات العامة :
    * الشبهة الأولى : أن العقوبات الشرعية قديمة وجامدة :
    قد عفّى عليها الزمان ، وتجاوزتها الحضارة ، ولم تعد ملائمة لهذا العصر :
    عصر التقدم والمدنية ، والتحضر التقني والصناعي . فالأخذ بها تقهقر بالإنسانية
    الراقية ، ورجعة بها إلى عهود الظلام الدامس ، والقرون الوسطى . ولئن كانت هذه
    العقوبات صالحة للبيئة البدوية التي نزل فيها القرآن ، ومناسبة لأولئك الحفاة الجفاة
    من الأعراب قبل ألف وأربعمائة عام ؛ فإنها لا تصلح للعالم المتحضر الحديث ، ولا
    تناسب المتحضرين المتمدينين في القرن العشرين ، وكيف يليق بهم أن يخضعوا
    لقانون نشأ بين جبال مكة و المدينة ، وجلاميد الصحراء ، وأحراش الجزيرة [1] .
    - دحض هذه الشبهة :
    كل ما في هذه الشبهة أن العقوبات الشرعية قديمة ، شُرعت لمجتمعات بدائية ،
    تختلف بطبيعتها وعاداتها عن المجتمعات العصرية المتحضرة ، وهذا دليل على
    عدم صلاحيتها للتطبيق في هذا العصر الذي بلغت فيه المدنية ذروتها .
    وهذا قول متهافت ساقط من وجوه :
    1 - أن العاقل المنصف لا يزن الأحكام والتشريعات بالزمان الذي صدرت
    فيه أو نُقلت منه ، ولا بالبقعة التي جاءت منها أو كانت فيها . ولكن الميزان الذي
    تُقَوّم به هو مدى صلاحيتها ، وتحقيقها للغاية المبتغاة منها . فالعاقل نصير الحق ،
    وناشد الحكمة أنى وجدها ، ومن أي شخص جاء بها ، وفي أي زمان أو مكان
    وقعت فيه . وهو عدو الباطل ، بصرف النظر عن مصدره وعن زمانه ومكانه ،
    ومن دعا إليه وعمل به .
    وعليه ؛ فليس كل قديم مردوداً ، ولا كل جديد مقبولاً ، ولا كل ما نشأ في
    البادية فاسداً ، ولا كل ما نشأ في الحضر صالحاً [2] .
    2 - أن مصدر هذا التشريع ليس بقعة من بقاع الأرض ، ولا اجتهاداً بشرياً
    قاصراً ، وإنما هو شريعة الله التي أنزلها هدى ورحمة للعالمين : عربهم وعجمهم ،
    باديهم وحاضرهم ، أولهم وآخرهم ، ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [ ( الأنبياء :
    107 ) ، ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [ ( سبأ : 28 ) ، ] قُلْ يَا
    أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [ ( الأعراف : 158 ) [3] ، فهو لم ينبع من
    أرض عربية أو أعجمية ، ولا اخترعته أدمغة بشرية ، وإنما هو حكم الله الذي
    أوحى به إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه للناس ، وليحملهم تبعة
    تطبيقه والعمل به ، ] فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا
    وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ [ ( يونس : 108 ) [4] .
    3 - أن تعلق هؤلاء بالجديد ونبذهم للقديم ؛ ليس مبنياً على منطق عقلي سليم ،
    وإنما هو استجابة لوهم من الأوهام النفسية التي تتعلق بالجديد أياً كان نوعه ، ظناً
    منها بأنه لا يزال يحتفظ بذخره ومكنون خيراته ، وتعاف القديم مهما كان نوعه
    أيضاً لتبرمها به وتوهمها بأن الزمن قد استحلب خيراته ، وقضى على فوائده ، وأن
    العقل البشري لا بد أن يكون قد تجاوزه إلى ما هو أجدى وأنفع .
    ولا يجوز لعاقل يحترم عقله أن يستجيب لهذه الإيحاءات النفسية الخاطئة ،
    ويلغي ما يقتضيه العقل السليم ، والمنطق الصحيح .
    ولئن كانت النفس البشرية تخيل لصاحبها أن القديم قد زال نفعه ، وجنيت
    ثماره ، فإن العقل السديد يقرر أن قيمة كل قديم وجديد بجدواه وآثاره ، وتحقيقه
    للثمرة المرجوة منه . وربّ جديد كان مبعث شقاء ودمار على الإنسان ، ورب قديم
    شهد له العقلاء ، والتاريخ الغابر ، والواقع المعاصر ، على أنه كان ولا يزال
    مصدر خير وسعادة لكل من ظفر به .
    ولقد علم كل إنسان أن مقومات الحياة في هذه الدنيا ، من شمس وهواء ،
    وأرض وماء ، وزرع وضرع ؛ لم يُخْلِقْها تعاقب الزمان ، وكَرُّ الليالي والأيام !
    فهل قاطع أصحاب النفوس التي تشمئز من القديم هذه المقومات الأساسية
    لقدمها ؟ وهل تحولوا ساعة عن التعامل معها ؟
    والعقوبات المقدرة في الشريعة ؛ إنما هي عقوبات على جرائم ثابتة لا يتبدل
    وجه المفسدة فيها مهما اختلفت الأزمان والأماكن ، وتطورت الحياة والنظم . ولهذا
    فإنها لا تزال صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان [5] .
    4 - أن هذه الشبهة جاءت من قياس العقوبات الشرعية على العقوبات
    الوضعية التي تتطور مع الزمن ، ويحصل فيها التغيير والتبديل بين الحين والحين ،
    تلافياً لما فيها من الأخطاء ، وتحقيقاً لما هو أجدى وأكمل .
    وما دامت القوانين تُلغى أو تُعدل ؛ فلم لا نفعل مثل ذلك في العقوبات الشرعية ؟
    وهذه نظرة خاطئة إلى الشريعة الإسلامية ، ومكمن الخطأ فيها قياس شريعة
    الله عز وجل العادلة المحكمة ، على الاجتهادات البشرية القاصرة التي تتأثر بما
    حولها من مؤثرات شخصية أو اجتماعية أو بيئية ، أو غيرها [6] .
    ولو سلمنا جدلاً : أنه ينبغي مسايرة التشريع للعصر ؛ فما مقياس ذلك ؟
    إنْ كان يرجع إلى انتشار الفساد ، وكثرة الإجرام ، وتفشي الظلم والعدوان ؛
    فإن العقوبات في هذا الزمن يجب أن تزيد قسوة وشدة . وما كان يصلح لأولئك
    الأعراب البسطاء ذوي الإمكانات المحدودة ؛ فإنه لا يصلح لمجرمي العصر ، حيث
    الإجرام المنظم ، وتوظيف التقنية الحديثة لخدمة محترفي الإجرام ، والساعين في
    الأرض بالفساد والظلم .
    وإنْ كان المقياس هو التقدم العلمي والتقني ، والتطور الصناعي والمدني ؛
    فإن الذي سنّ هذه العقوبات الشرعية هو الذي منح البشرية ما وصلت إليه من العلم
    والتقدم ، فلا يمكن أن تكون هذه العقول المخلوقة أعلم ممن خلقها ، وأكثر منه إدراكاً
    لمصالح البشرية وأسباب سعادتها وأمنها !! قال الله تعالى : ] وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ
    إِلاَّ قَلِيلاً [ ( الإسراء : 85 ) ، وقال تعالى : ] قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه [ ( البقرة :
    140 ) .
    وإنْ كان المقياس ضَعْفَ النفوس ورخاوتها ، والرغبة في إطلاق العنان لها
    للتمادي في الظلم والإجرام ، من غير رادع ولا زاجر ؛ فليس هذا بمقياس .
    5 - أن تحقيق هذه العقوبات الشرعية للأمن ، وحمايتها لمصالح الناس ،
    ومكافحتها للجرائم ، على مدى القرون الماضية التي طبقت فيها ، مع اختلاف
    البيئات والثقافات والأجناس ؛ دليل على أنها تشريع من حكيم خبير ، وأنه لا يمكن
    أن يقوم غيرها مقامها ، ولا أن يحقق الثمرة التي تتحقق من خلالها .
    * الشبهة الثانية : أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على
    الاشمئزاز :
    ولا تتناسب وروح هذا العصر ، وإنسانيته ، وحمايته لحقوق الإنسان
    وكرامته [7] .
    - دحض هذه الشبهة :
    وهذه شبهة داحضة من وجوه :
    أولاً : أن العقوبة ليست مكافأة على عمل مبرور ، وإنما هي جزاء مقرر على
    ارتكاب جريمة ، يقصد به الإيلام والردع :
    وإذا لم تكن العقوبة مؤلمة ؛ فليس لتطبيقها أي أثر في الزجر والردع . حتى
    تأديب الرجل ولده ؛ لا بد أن يكون فيه شيء من الإيلام والقسوة ، ليتأتى تأديبه
    وإصلاحه [8] .
    وقديماً قال الشاعر الحكيم [9] :
    فقسا ليزدجروا ، ومَنْ يَكُ حازماً فليَقْسُ أحياناً على مَنْ يرحمُ
    ولا شك أن الإنسان يتمنى ألا توجد في المجتمع جريمة أبداً ، حتى لا توجد
    عقوبات أصلاً ؛ بحيث يفهم كل فرد ما له فيقتصر عليه ، وما عليه فيؤديه عن
    طواعية واختيار . ولكن هذا حلم لا يمكن أن يتحقق ، ورغبة خيالية تصطدم بالواقع
    المعاش . فهناك نفوس جاهلة حمقاء لا تلتزم بما لها وما عليها ، ونفوس شريرة
    ظالمة قد تأصّل فيها الإجرام والإفساد ، وسعت للإضرار بالآخرين وبخسهم حقوقهم .
    والحياة لا يمكن أن تستقيم وتنتظم إلا بالالتزام ، واحترام حقوق الآخرين ،
    وعدم المضارة بهم . فمن خرج عن هذا الالتزام ، وسعى للإضرار بنفسه وبغيره ،
    كان ردعه واجباً عقلاً وشرعاً ، ولا ردع إلا بقسوة وإيلام . واسم العقوبة مشتق من
    العقاب ، ولا يكون العقاب عقاباً إذا كان موسوماً بالرخاوة والضعف .
    فعنصر القسوة - إذاً - يمثل الركن الأساسي لمعنى العقوبة ، فلو فُقدت القسوة
    فُقدت معها العقوبة بدون شك .
    ولكن ما هي الدرجة التي يجب أن تقف عندها قسوة العقوبة على جريمة ما ؟
    إن الذي يحدد هذه الدرجة هو تصور مدى خطورة الجريمة التي استلزمتها ؛
    أي أن القسوة يجب أن تكون ملائمة للجريمة ، فتزيد بزيادة خطورتها وشدة آثارها ،
    وتنقص بنقص ذلك .
    وهذه الحقيقة محل وفاق عند جميع المشتغلين بالتشريع والتقنين ، مهما
    اختلفوا في تحليل فلسفة العقاب . وإن اختلاف القوانين العقابية الوضعية أكبر شاهد
    على ذلك .
    فإذا كان في الناس من يصف العقوبات الشرعية بقسوة زائدة على مقتضى
    هذه القاعدة التي لا خلاف فيها ؛ فسبب ذلك أنهم يخطئون في تقويم خطورة الجرائم
    التي رتبت عليها هذه العقوبات ، دون أن يعتبروا في ذلك نظرة المشرِّع لها ،
    وتقويمه لخطورتها .
    والعجيب أن خصوم الشريعة الإسلامية يدركون هذه الحقيقة ، ويفقهون هذا
    المعنى ، عندما يكون البحث متعلقاً بقانون من القوانين الوضعية .
    فرُبَّ كلمة لا نرى بها بأساً ، يتفوه بها فرد من رعايا دولة تطبق قانوناً
    وضعياً ؛ تواجهه بسببها عقوبة الإعدام .
    ورُبَّ فاحشة عظمى يجب مكافحتها ، تشيع بين رعايا تلك الدولة ؛ فلا يؤبه
    بها ، ولا يلتفت إليها بأي نقد أو استنكار !!
    وليس أيسر على خصوم الشريعة الإسلامية من أن يدافعوا عن كلا المذهبين ؛
    بأن كل أمة إنما تسن قوانينها حسب مبادئها وفلسفتها التي تنظر بها إلى الإنسان
    والكون والحياة .
    أفيحق لكل أمة أن تسن ما تشاء من قوانين الردع والزجر ، حسب نظرتها
    إلى الكون والإنسان والحياة - خطأً كانت النظرة أم صواباً - ، ثم لا يحق لخالق
    الكون والإنسان والحياة أن يشرع هو الآخر قوانين الردع والزجر بما يتفق مع
    مقاصد شريعته ، ويتسق مع نظام كونه ، ويحقق مصالح عباده ؟!! [10]
    والحكمة في تغليظ العقوبات الشرعية التي توصف بالوحشية والهمجية ، من
    قتل القاتل ، ورجم الزاني ، وقطع السارق ، وغيرها من العقوبات المقدرة ؛ ظاهرة
    جلية ، فإن هذه الجرائم هي أمهات المفاسد ، وكل واحدة منها تتضمن اعتداء على
    واحدة أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى ، والتي أجمعت الشرائع والعقلاء في
    كل زمان على وجوب حفظها وصيانتها ؛ لأنها لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها .
    ولأجل هذا كان المرتكب لشيء منها جديراً بأن تغلّظ عليه العقوبة ، حتى
    تكون زاجرة له ، ورادعة لغيره .
    وها هي ذي الجرائم الكبرى تعصف بكثير من الدول التي لا تطبق الشريعة
    الإسلامية ، مع كل ما توفر لها من إمكانيات وقدرات ، وتقدم مادي وتقني ، وأجهزة
    أمنية وإدارية واستخبارية .
    ثانياً : أن هؤلاء الطاعنين في هذه العقوبات قد اعتبروا مصلحة المجرم ،
    ونسوا مصلحة المجتمع ، وأشفقوا على الجاني ، وأهملوا الضحية ، واستكثروا
    العقوبة ، وغفلوا عن قسوة الجريمة :
    ولو أنهم قرنوا العقوبة بالجريمة ، ولاحظوا الاثنتين معاً ، لخرجوا موقنين
    بالعدالة في العقوبات الشرعية ، ومساواتها لجرائمها .
    فإذا استحضرنا مثلاً فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام متخفياً ، ينقب
    الجدار ، ويكسر القفل ، ويُشهر السلاح ، ويروّع الآمنين ، هاتكاً حرمة البيوت ،
    وعازماً على قتل من يقاومه ، وكثيراً ما تقع جريمة القتل كوسيلة يتذرع بها السارق
    إلى إتمام سرقته ، أو الفرار من تبعاتها فيقتل من غير تمييز .
    وإذا تصورنا حالة النساء والأطفال في البيت وهم يستيقظون ويفتحون أعينهم
    على وجه السارق المرعب الشرس ، وهو شاهر سلاحه يهدد من يواجهه .
    وتصورنا ما يُحدثه فعل السارق من قلق عند الناس جميعاً ، وتعطيل لحركتهم ،
    وبث للرعب في نفوسهم ، وإذهاب لطاقاتهم في حماية أموالهم ، وتأمينها بالمغاليق
    والأقفال ؛ لأن السارق يبغي المال ، وهو موجود عندهم جميعاً ، فهم معرضون
    لإجرامه دون تمييز .
    لو تصورنا هذا أو بعضه مما يحدثه فعل السارق ، ثم قارناه بقطع يده الآثمة
    الظالمة ؛ لما قلنا عن عقوبته : إنها قاسية ظالمة .
    وهكذا الشأن في بقية العقوبات ، علينا أن نستحضر جرائمها ، وما فيها من
    أخطار وأضرار ، وظلم واعتداء ، حتى نستيقن أن الله تعالى قد شرع لكل جريمة
    ما يناسبها ، وجعل الجزاء من جنس العمل ، وما ربك بظلام للعبيد [11] .
    ثالثاً : أن الله تعالى أراد للناس أن يعيشوا آمنين مطمئنين ، ولن يتيسر لهم
    ذلك إلا ببتر الفاسدين وقطع دابرهم . وهذه سنة الله في خلقه :
    فإن الإنسان إذا كان فيه عضو فاسد ، لا علاج له إلا بقطعه كله أو بعضه ،
    فلا مناص من الإقدام على ذلك . وهذا الطبيب الذي يستأصل بمبضعه المرهف هذا
    العضو الفاسد من جسم أخيه ؛ أليس ضربه المبضع في لحمه ، وقطعه الجزء الفاسد
    من جسمه مظهراً من مظاهر القسوة ؟!
    ولكنها قسوة هي عين الحكمة والرحمة والمصلحة ، وبخاصة إذا قيست بما
    يترتب على تركها من هلاك وتلف ، وما ينشأ عنها من آلام وأوجاع تفوق مصلحة
    بقائها . والمجتمع هو الجسم كله ، وما الفرد الفاسد إلا عضو من أعضائه [12] .
    فهي تحفظ للمجتمع حقه ، ولا تضحي به في سبيل الأفراد الخارجين عليه .
    والعقوبة التي تحابي هؤلاء الأفراد على حساب الجماعة ؛ إنما تضيع مصلحة الفرد
    والجماعة معاً ؛ لأنها تؤدي إلى ازدياد الجرائم واختلال الأمن ، وانحلال المجتمع ،
    وإذا دبَّ الانحلال في مجتمع ، فقل على الأفراد وعلى المجتمع العفاء [13] .
    قال عز الدين بن عبد السلام : « وربما كانت أسباب المصالح مفاسد ، فيؤمر
    بها أو تباح ؛ لا لكونها مفاسد ، بل لكونها مؤدية إلى المصالح ، وذلك كقطع الأيدي
    المتآكلة ، حفظاً للأرواح ، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد . وكذلك العقوبات
    الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد ، بل لأدائها إلى المصالح المقصودة من
    شرعها ، كقطع السارق ، وقطّاع الطريق ، وقتل الجناة ، ورجم الزناة وجلدهم
    وتغريبهم ، وكذلك التعزيرات ، كل هذه مفاسد أوجبها الشرع لتحصيل ما رتب
    عليها من المصالح الحقيقية » [14] .
    رابعاً : أن الإسلام قبل أن يستأصل هؤلاء المجرمين ، ويقرر عليهم العقوبات
    الرادعة ؛ قد أعذر إليهم :
    حيث قدم لهم من وسائل التربية والوقاية ما كان يكفي لإبعادهم عن الجريمة
    التي اقترفوها ؛ لو كانت لهم قلوب تعقل ، أو نفوس ترحم .
    ثم إنه لا يطبقها أبداً حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها
    دون مسوّغ ولا شبهة اضطرار . فوقوعه فيها بعد كل هذا دليل على فساده وشذوذه ،
    واستحقاقه للعقوبات الرادعة المؤلمة .
    فهو مثلاً لا يقطع يد السارق إلا بعد توفير الوسائل التي تمنع من السرقة ، فقد
    عمل على توزيع الثروة توزيعاً عادلاً ، وجعل في أموال الأغنياء حقاً معلوماً للفقراء ،
    وأوجب النفقة على الزوج والأقارب ، وأمر بإكرام الضيف والإحسان إلى الجار ،
    وجعل الدولة مسؤولة عن كفالة أفرادها بتوفير تمام الكفاية لهم في الحاجات
    الضرورية من مطعم وملبس ومسكن وغيرها ، بحيث يعيشون حياة لائقة كريمة .
    كما أنها تكفل أفرادها بفتح أبواب العمل الكريم لمن يستطيعه ، وتمكين كل قادر من
    أن يعمل بمقدار طاقته ، وتهيئة الفرص المتساوية للجميع .
    وبذلك يمنع الإسلام الدوافع المعقولة للسرقة ، فإن وقعت بعد ذلك ؛ فإنه
    يتحقق من ثبوتها ، وانتفاء موانعها ، وعدم وجود شبهة تسقطها ، كأن يرتكبها بدافع
    الحاجة والاضطرار [15] .
    وهو يعترف بقوة الدافع الجنسي ، وعنف إلحاحه على البشر ، ولكنه يعمل
    على إشباع هذا الدافع بالطريق المشروع : طريق الزواج ، فيدعو إلى الزواج
    المبكر ، ويعين العاجز عن تكاليفه المادية بوسائل كثيرة ، من الزكاة والصدقات ،
    والنفقة ، وبيت المال .
    كما أنه يحرص على تنظيف المجتمع من كل وسائل الإغراء والإثارة التي
    تؤجج الغريزة ، وتحرك كوامن الشهوة .
    كما أنه يأمر بغض البصر ، وحفظ الفرج ، والاستعفاف ، ومجاهدة النفس
    والتسامي بها .
    ويحرص كذلك على شغل أوقات الفراغ ، واستنفاد الطاقة الحيوية الفائضة
    بالتقرب إلى الله ، والمسارعة إلى الخير ، وفعل كل ما من شأنه أن يحقق لصاحبه
    النفع في الدنيا والآخرة .
    وبذلك كله يمنع الدوافع التي تسوِّغ الجريمة .
    ثم إذا وقعت فإنه يحتاط احتياطاً شديداً في إثباتها ، فلا يقيمها إلا على من أقر
    بها إقراراً صريحاً أربع مرات ، وطلب تطهيره بالحد ، ولم يتراجع عن إقراره
    حتى تنفيذ الحد عليه ، أو يكون قد تبجح بارتكابها ، حتى ليراه أربعة شهود وهو
    على هذه الحال .
    وهكذا شأن الإسلام في بقية العقوبات ، يعمل على وقاية المجتمع أولاً من
    دوافع الجريمة ، ثم يدرأ الحدود بالشبهات زيادة في الاحتياط .
    فليست العقوبة هي الوسيلة الأولى أو الوحيدة للإصلاح والتقويم ، ولكن حين
    يأتي دورها في التطبيق ، فإنها تمثل مواجهة حاسمة للظاهرة الإجرامية .
    فهل يبقى بعد ذلك مجال للطعن في عدالة هذه العقوبات ومناسبتها ؟!! [16] .
    خامساً : أن الغاية الكبرى من هذه العقوبات هو التخويف والردع الذي يمنع
    وقوعها ابتداء ، ولا يُحوِج إلى اللجوء إليها إلا في أضيق الحدود :
    فإن هؤلاء الذين يشنعون بهذه العقوبات يتصورون خطأً أنها كالعقوبات
    الوضعية ، ستطبق كل يوم ، وعلى أعداد غفيرة من الناس ، فيتصورون في
    المجتمع الإسلامي مجزرة هائلة : هذا يُجلد ، وهذا يُقطع ، وهذا يُرجم .
    ولكن الواقع أن هذه العقوبات الرادعة ؛ لا تكاد تنفذ إلا في نطاق محدود ،
    وعلى أعداد يسيرة غارقة في الفساد ، ومتأصلة في الشر والإفساد ، وفي إيذاء الأمة ،
    وزعزعة أمنها واستقرارها [17] .
    وللدكتور محمد سعيد البوطي كلام قيم في هذا المعنى ، أنقله مع طوله ، حيث
    يقول : « إن ادعاء القسوة والشدة في حدود الشريعة الإسلامية ؛ مظهر من مظاهر
    السطحية في فهمها ، بل الجهل العجيب بطبيعتها وأنظمتها وقيودها . وإن كل دارس
    للشريعة الإسلامية يدرك أن ما قد يبدو في حدودها من القسوة لا يعدو أن يكون
    قسوة تلويح وتهديد . فهو أسلوب تربوي وقائي أكثر من أن يكون عملاً انتقامياً أو
    علاجاً بعد الوقوع . وهي بهذا تنطلق من أدق الأسس التربوية السليمة للمجتمع .
    وتبرز هذه الحقيقة إذا لاحظنا الأمور التالية :
    أولاً : لقد أعلنت الشريعة أن عقوبة الزاني المحصن هي الرجم . وهو إعلان
    مخيف ، وتلويح بسلاح رهيب ولا شك . ولكنها شرطت لإيقاع هذه العقوبة أحد
    الشرطين : الاعتراف القاطع الصريح ، أو شهادة أربعة شهود برؤية الفعل على
    حقيقته .
    فأما الإقرار : فشيء نادر لا يقام عليه أي اعتبار . وعندما يقع هذا الشيء
    النادر ؛ فإن على القاضي أن يبادر فيقطع سبيل الإقرار على الزاني قبل أن يتفوه
    بالاعتراف القاطع الصريح ، وأن ينصحه بالتوبة والستر .. وكلنا يذكر هدي رسول
    الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
    وأما الشهادة : فإن علينا أن نلاحظ أن ثلاثة أرباع الشهادة التامة فيها ؛ تنقلب
    ردعاً للشاهد وزجراً له عن التفوه بالشهادة ؛ كي يظل المتهم في حماية من الستر
    ونجوة من العقاب .
    وحسبك أن تعلم أن عدد الشهود ما لم يتكاملوا أربعة ؛ يعدّون آثمين متلبسين
    بجريمة القذف ، وتغدو شهاداتهم سبباً لإنزال العقوبة عليهم بدلاً من أن تكون موجباً
    لأخذ المتهم بجريمة الزنا .
    فإذا ما تكامل الشهود أربعة ؛ فإن العقوبة تتحول عندئذ إلى المشهود عليه ،
    حيث يستحق عقوبة الزنا ... فإنه لم يقترف جريمته هذه بحيث رآه متلبساً بها
    أربعة من الرجال الثقات العدول ، إلا وهو مستعلنٌ بعمله في الناس ، مستهينٌ
    بكرامة الأمة وسمعة المجتمع . وتصرف من هذا القبيل من شأنه أن ينشر وباء
    الفاحشة فيه كما تنتشر النار في الهشيم .
    لا جَرَمَ أن فاحشة تُرتكب بهذا الشكل تستدعي عقوبة صارمة ، تحقق الغاية
    المرجوّة منها ، وهي العبرة والردع .
    [/Blue/]

    (عدل بواسطة احمد سيد احمد on 01-25-2013, 07:15 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد01-25-13, 07:13 PM
  Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد01-25-13, 07:18 PM
    Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد01-25-13, 07:19 PM
      Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد01-25-13, 07:40 PM
        Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية الشفيع وراق عبد الرحمن01-25-13, 08:47 PM
          Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد01-25-13, 09:47 PM
            Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية الشفيع وراق عبد الرحمن01-27-13, 11:11 AM
  Re: دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية احمد سيد احمد02-03-13, 01:22 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de