|
محمود محمد طه.. المتبتِّل في محراب الفكر - أسامة حسن
|
برفايل الثلاثاء 24 يناير 2013 م محمود محمد طه.. المتبتِّل في محراب الفكر
رسمه: أسامة حسن
(لم نسمع قط بأن أحداً كدَّ رجله حتى مات من أجل وجبة شهية يأكلها أو عقار يبنيه أو مال يقتنيه إنما سمعنا بأناس تقدموا للموت راضين ووهبوا حياتهم من أجل فكر آمنوا به أو اختراع جديد تفتقت فيه عبقريتهم) سلامة موسي. ربما كان سلامة موسي هنا يقصد في آخر عبارة في هذه المقولة محمود محمد طه أو الأستاذ كما يحل لمحبيه تسميته ولد محمود محمد طه برفاعة في عام 1909 أي بعد عام من إعدام قائد ثورة الجزيرة عبد القادر ود حبوبة تعود أصول والده للولاية الشمالية من قبيلة الركابية الذين هاجروا إلى الجزيرة. توفيت عنه والدته وهو ما زال طفلاً وسرعان ما لحق بها والدهم لينتقلوا للعيش مع عمهم والذي أحسن تربيته كما ظهر من بعد في كثير من جوانب شخصية الأستاذ . درس مراحله الأولية برفاعة قبل أن ينتقل للخرطوم للدراسة بكلية غردون التذكارية ؛ وتخرج في قسم المساحة ليلحق عاملا بالسكة حديد ، وانتقل للعمل في عطبرة مهد النضال ومدينة الحديد والنار . هناك أثار حفيظة الانجليز بانحيازه للكادحين والبسطاء وهو من كبار الموظفين . كما وقد ساهم في إثراء الحركة الثقافية والسياسية في مؤتمر الخريجين هناك وهو ما ألب عليه السلطة الاستعمارية. تمرد محمود محمد طه وترك العمل الحكومي وعمل مهندساً ومقاولاً وواصل تمرده وترك كل أعماله أو تفرغ للكتابة والتبشير بفكرته: الفكرة الجمهورية، وتوالت كتبه بدأ بـ(هذا سبيلي) مرورا بـ (الرسالة الثانية) و(طريق محمد) و(مشكلة الشرق الأوسط) و(زعيم جبهة الميثاق في الميزان) وغيرها الكثير من الكتب والدراسات والمحاضرات. أنشأ في يوم الجمعة 26 أكتوبر 1946 الحزب الجمهوري مع عدد من رفاقه، وألف كتاباً أسماه دستور السودان قبل الاستقلال ، نادي فيه بقيام جمهورية رئاسية فدرالية ديمقراطية واشتراكية. يعد الأستاذ أول سجين سياسي حيث سجن في العام 1946 وتم تقديمه للمحاكمة ليكون أول سجين في تاريخ الحركة الوطنية السودانية . وقاوم التعليمات داخل السجن كما قاوم إتباعها خارج السجن . يذكر أن الأستاذ قد سجن أيضا في رفاعة عندما قاوم قانون استنته السلطة الاستعمارية حول ختان الإناث. واجه الأستاذ عداوات من جهات عدة أشهرها جماعة " الأخوان المسلمون ، والجبهة الإسلامية القومية " والتي عملت علي تشويه شخصيته ؛ حتى و قد استطاعت إقناع النميري بإعدامه . لكنه كان يواجه عداء الأخوان بالسماح الذي عرف عنه . حكي أحد أصدقائه أن محمودا كان عندما يذهب إلي الأبيض يجد شخصا يسبه ويحرض الناس ضده وقد كان هذا الشخص من جبهة الميثاق وفي ذات مرة كان محمود جالسا مع أصحابه همس في أذنه احد أصدقائه أن الشخص الذي يسبك ويلعنك مات فما كان من الأستاذ إلا ووقف وقال ارفعوا أيديكم للفاتحة وادعوا له بالرحمة إنه بين يدي مليك مقتدر وهو أحوج ما يكون لدعواتنا ؛ هذا السماح الذي عرف به . بإعلان النميري لقوانين سبتمبر كان الأخوان الجمهوريون قد أصدروا بيانا تحت عنوان هذا أو الطوفان ضد قوانين سبتمبر 1983 سرعان ما أثار غضب النميري والأخوان فأعتقل علي أثره الأستاذ وبعض من تلامذته و قدم الأستاذ لمحكمة ؛ قدم مرافعة في هذه المحكمة تصلح لأن تدرس في أعظم كليات القانون ، حيث قال فيها ( لقد أعلنت رأيي مراراً وتكراراً في قوانين سبتمبر ، وبأنها مخالفة للشريعة الإسلامية وللإسلام وأكثر من ذلك أنها شوهت الشريعة الإسلامية وشوهت الإسلام ونفرت عنه يضاف إلي ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلي الاستكانة عن طريق إذلاله . ثم أنها هددت وحدة البلاد ، هذا من حيث التنظير؛ أما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً ؛ وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية والتى تستغلهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب و إهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين ومن اجل ذلك فإنني إذن غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين) . مرافعته أمام محكمة الردة 1985م. يري فيها أن الإسلام ليس ثوباً يلبس عند مقام الوعظ ويضع على الرف إذا اقتضي الأمر وأن الحديث عنه أمر مدني ؛ وإنما هو صبغة فكرية لا تنفصل عمن اصطبغ بها أبداً. حكمت عليه محكمة السلطان الجائرة بالإعدام ونفذ الإعدام صباح الجمعة 18يناير 1985م وتدلي جسده الطاهر مسجياً في ساحة الإعدام مبتسماً ابتسامة أخافت وأرهبت جلاديه فمضي ولحق بسقراط وأرسطوطاليس وابن رشد وغيرهم من ضحايا محاكم التفتيش.. “ما حطموك وبك حُطموا . . ومن ذا يحطم رفرف الجوزاء”.. مضي أبو أسماء وخلف وراءه الكثير من الدرر النوادر . كيف يموت أمثاله وقد تركوا ما يعجز عن تركه آخرون وان لبثوا في الأرض ألف عام.
|
|
|
|
|
|
|
|
|