|
الميدان 17 يناير 2013: من جديد…، "الفجر الجديد"//د. الشفيع خضر
|
الميدان 17 يناير 2013
قراءة في المشهد السياسي:
من جديد…، "الفجر الجديد" ** من أجل التعايش السلمي في هذا الوطن، ينبغي أن نتخذ من العدل معيارا أساسيا لمحاكمة علاقة متمردي الهامش مع المركز، مثلما ينبغي أن نفتح صدور بعضنا لبعض حتى تخرج الإحن والمرارات والمخاوف، وحتى نخرس صوت الخوف
د. الشفيع خضر سعيد
ما زالت الهزات الارتدادية، أو توابع زلزال مشروع "ميثاق الفجر الجديد"، تسيطر على المشهد السياسي في البلاد. ومن الواضح أن الحكومة وجدت في المشروع ضآلة منشودة لترغي وتزبد وكأنها تحكم بامتياز، وكان البلاد لا تتقاتل فيها القبائل في مرابيع الذهب بسبب التعدين السائب، قتالا يستخدم فيه أسلحة من العيار الثقيل المفترض أن يكون مملوكا للجيش النظامي فقط، أو وكأن البلاد ليس فيها من الجيوش والمليشيات، ما يضعها في خانة "اليك". وإذا كانت الهزات الارتدادية هذه تتواصل عند الحزب الحاكم وتتجلى بشكل هستيري مدهش، ومزعج في نفس الوقت، فإنها تتداعى عند بعض أطراف المعارضة وكأن توابع الزلزال تدفع بها إلى الوراء، إلى نقطة البداية، إلى المربع الأول، مربع رؤاها الفردية والأحادية حول الأزمة السودانية. أي، وكأن هذه الأطراف لم تقطع شوطا طويلا في التفاعل والتلاقي والتحالف مع رؤى الآخر، بشأن ما يجب أن يكون عليه السودان، سودان الجميع وليس سودان الرؤية الحزبية الضيقة، من حيث قضايا البديل الديمقراطي، قضايا الدين والسياسة، الفدرالية، شكل الحكم، التغيير، فترة الانتقال..الخ. لكننا، في هذا الحيز، نقتصر على فحص ثلاثة من الموجات الارتدادية المصاحبة لزلزال مشروع "الفجر الجديد:" أولا، احتكار السلطة والمعارضة: يهدد بعض قادة النظام بحظر نشاط الأحزاب السياسية التي شاركت في لقاء كمبالا، أي أنهم يهددون بإلغاء المعارضة، أو تأميمها، في الوقت الذي يخصخصون ويبيعون فيه مؤسسات القطاع العام الرابحة!. وكأن المؤتمر الوطني يعتبر مجرد النفس “الطالع نازل” حياة سياسية كاملة الحرية. فالحزب الحاكم يستكثر علينا حالة الموات السريري التي تعيشها الحياة السياسية في البلاد، حيث الندوات والليالي السياسية ممنوعة، توزيع البيان في الشارع يعرضك للمحاكمة، المظاهرة، حتى ولو بإذن، ممنوعة، الاحتجاج على الغلاء والفساد ممنوع، الأنشطة الثقافية، وفي داخل المراكز الثقافية، ممنوعة..! وكأن النظام يريدنا أن نفعل كما فعل الإعرابي الذي إلتقاه الحاكم الحجاج بن يوسف متخفيا، وسأله عن الحاكم، فأجابه الإعرابي كذا وكذا من كل أنواع الذم. فباغته الحجاج بسؤال أو تدري من أنا؟ أنا الحجاج بن يوسف. فما كان من الإعرابي إلا أن أجاب الحجاج قائلا "أو تدري من أنا؟ أنا مجنون تعاوده الصرعة". يقول قادة النظام أنهم يتابعون بدقة كل المقالات والأعمدة التي تتناول زلزال مشروع "الفجر الجديد"، فهل يا ترى أطلعوا على المقال الرصين الرائع للدكتور صديق أمبده، في موقع سودانايل الإسفيري بتاريخ 14 يناير الجاري، والذي جاء في إحدى فقراته "قبل ان ننظر الى الجزء الفارغ من كوب الفجر الجديد، وهو للأسف كفيل بطمس الكثير من الايجابيات، أرى أن انتقاد المؤتمر الوطني للوثيقة وتهديده الفظ للموقعين عليها والمعارضة كلها، لا يشير إلى انه استفاد من تجربته المتطاولة في الحكم وتنازعه مع المعارضة. وبدلا من أن يلعن ظلام المعارضة عليه ان يرى المخاطر المحدقة ليس بنظامه فقط وإنما بالدولة والسودان "فى عضمو" – نتيجة أفعاله واستهانته حتى بمن وقعوا معه الاتفاقيات، ومحاولة إذلاله للجميع وإقصائهم من المشاركة في السلطة – وأن يسعى لفتح نوافذ جديدة للتعامل مع جميع مكونات المعارضة. ولا ينبغي له ان يفهم ان ذلك ينبئ عن ضعف، وانما عن نضج سياسي يحتاجه الآن قبل أي وقت مضى”. ثانيا، الدين والدولة: مرة أخرى تتفجر مسألة علاقة الدين بالدولة، على شكل مزايدة سياسية من الحزب الحاكم الذي وجد ظهورها بتلك الصيغة غير الدقيقة في مشروع الميثاق، فرصة لذر الرماد في العيون منعا لرؤية تفاصيل عمق الأزمة التي تعيش فيها البلاد، من أهوال الحرب الأهلية وتدهور الحكم و الفساد والانهيار الاقتصادي. ورغم أن قضية الدين والسياسة وردت في مشروع ميثاق الفجر الجديد مستمدة من إعلان أسمرا التاريخي (1995) والذي وافق عليه قادة في قامة الإمام الصادق المهدي ومولانا الميرغني، وهما لا يمكن المزايدة في تمسكهما بالخيار الإسلامي، إلا أن البند الوارد في مشروع الفجر الجديد أضيفت إليه صياغات لا تراعي حساسية العمل الجبهوي الواسع والذي يضم أطرافا تتبنى الخيار الإسلامي، لكنها في نفس الوقت ترفض الدولة الدينية واستغلال الدين في السياسة. وفي الحقيقة فإن الإضافة الواردة في المشروع لا تجد قبولا حتى عند دعاة الدولة المدنية الديمقراطية من أحزاب المعارضة. لكن، سؤال الدين والدولة سيظل حاضرا ومطروحا بشدة، في إطار البحث عن حل للأزمة السودانية. والجوهري في نظرنا ليس مصدر التشريع في حد ذاته، وإنما علاقة ذلك بمراعاة مبدأ المساواة على أساس المواطنة، وبمبدأ كفالة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبحقيقة أن السودان الآمن المستقر، ولكي تتعايش فيه القبائل والأعراق بلا خوف أو عنصرية، لن يبنيه أي دستور لا يحسم هذا الجدل لصالح حق المواطنة الكاملة لأي سوداني ولصالح إرساء دعائم الدولة المدنية الديمقراطية. لقد ظلت الإنقاذ تحكم البلاد لما يقارب ربع قرن من الزمان وبإسم شرع الله، فهل منع ذلك استشراء الفساد والظلم والجور وهدر حق الناس في حياة حرة كريمة وآمنة، وبدرجة لا نجدها في معظم البلدان العلمانية؟. ثالثا، الهامش والمركز والتمرد: هذه ليست بالمسألة الطارئة أو العابرة في المشهد السياسي في السودان. بل هي توطنت واستوطنت نتيجة الخلل الكبير في التصدي لمهام بناء الدولة السودانية بعد الاستقلال. وبسبب هذا الخلل، شهدت البلاد تاريخا مرعبا من الأحداث الدامية التي انتهت بفصل الجنوب، كما وأنها، حتى اللحظة، تشهد حربا أهلية حقيقية في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. حكومة الإنقاذ تسعى للتعامل مع هذه المسألة بطرائق عادة ما تنهي مسلسل التجريم والتخوين بالكعكة على إثنين. وكلنا تابعنا مسلسل "جون قرنق الخائن المتمرد" والذي انتهى بجون قرنق النائب الأول لرئيس الجمهورية، ومشاركته الحكم مع ذات الجماعة. فالمهم بالنسبة للجماعة هو المحافظة على الكرسي وليس الوطن.. واليوم، يكرر المؤتمر الوطني ذات السيناريو الفاشل، حيث الموت اليومي في الهامش، وتشهده الأحزاب السياسية وكل الشعب السوداني في المناطق الآمنة، أو مثلث حمدي، كأي متفرج دون أن ينتزع أي فرصة للتعبير عن الرفض والاحتجاج، أو العمل من أجل إنقاذ المتضررين. وكيف ذلك، وسيف التخوين والطابور الخامس مسلط على رقبة كل من يجرؤ؟ تفاقم مسألة الهامش والمركز والتمرد تترك خيار الدولة المركزية هكذا بلا أي حظوظ، مثيرة الجدل حول شكل الحكم، وطارحة لخيار الدولة اللامركزية الفدرالية. إن الوعي بخطورة هذه القضية بالذات، وخاصة تداعياتها الناتجة من خطاب وممارسات الحكومة والمؤججة لتخوف سكان المركز والشمال من سيناريو ردة الفعل العنصرية، كان من ضمن الأسباب الرئيسة وراء قرار أحزاب تجمع قوى المعارضة لفتح أبواب الحوار والتفاعل مع تنظيمات الجبهة الثورية. من أجل التعايش السلمي في هذا الوطن، ينبغي أن نتخذ من العدل معيارا أساسيا لمحاكمة علاقة متمردي الهامش مع المركز، مثلما ينبغي أن نفتح صدور بعضنا لبعض حتى تخرج الإحن والمرارات والمخاوف، وحتى نخرس صوت الخوف. أما مسلك "المرازاة"، والذي ينتهجه النظام وآخرون، فسيجعل المسألة برمتها هكذا، لا نراوح ولا تجئ، بل تتأخر وتتأخر… إن العلاج الناجع لأزمة الهامش لا يتم إلا في مناخ ديمقراطي كامل، وأي حلول جزئية وديكورية هي محض تأجيل ومماطلة. أما أهل الإعلام وصناع الرأي، فعليهم أن يفتحوا أعينهم وأفواههم لقول كلمة الحق والجهر بما يعانيه الناس، بدلا من أن يفجعوا في شجاعتهم وهم في بلاط السلطان، فيتمتموا بقول "الفيل…، الفيل يا ملك الزمان حزين ويحتاج لمن يؤانس وحدته".
...................... المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان يقيني بان أسوار الظلم مهما علت لن تقف في طريق إرادة الشرفاء السودان لكل السودانيين Sudan for all the Sudanese
|
|
|
|
|
|