تسمَّرتْ عيناي عند الكلمة .. إنه نفس لقب أبي ... رغم علمي بأنه منتشر هنا .. إلا أن القلق داهمني .. بل هو شيء أشبه بالوقوف في جزيرة معزولة وسط البحر … و قارب صغير يتهادى على البعد هو الأمل الوحيد في النجاة ... ولكن لا سبيل إلى الوصول إليه. هدَّأتُ من روعي ... فاللقب منتشر بكثرة ... و لكن على غير العادة .. ظل الذي بين القوسين يطاردني طيلة أيام غياب ( سوسن ) عن الجامعة .. يمد لسانه لي عندما أفتح كتاباً ... يتراقص أمامي من نافذة البص ... يقف متدلياً من سقف غرفتي .. يطاردني ليل نهار ... رأيتُ سوسن آتية .. تتعثر خطواتها و بقايا الحزن تجلل وجهها ... لا زالت مآقيها مترعة بالدموع .... و زخم اللقب الذي قرأته يزلزلني .. رغم أنني كنتُ أعرف أنه يخص أبي و أناس غيره.. إلا أن إعتلاج حياتي بحياة ( سوسن ) جعل له وقعاً آخر يرن في أذني كأجراس تلك الكنيسة التي كنت أذهب إليها مع أمي من حين لآخر ... لم أشأ أن أفاتحها في أمر اللقب .. فالوقت غير مناسب ... إلا أنها قالت بصوت خفيض : صابرين ... أهلي كلهم بيشكروك ... لم أجعلها تكمل حديثها بأن وضعتُ يدي على فمها : عيب يا سوسن .. نحن أخوات ... جفلتُ للكلمة .. لا أدري لماذا .. و يبدو أنها لاحظتْ ذلك .. فانطلقت كلماتي دونما وعي مني ... و كأن التي تتحدث شخص يتلبسني... أخبرتها بقصة أبي المفقود .. و لقبه ... و رحتُ أحكي و أحكي بلا انقطاع و صور حياتي كلها تتْرى أمامي ... الشريط الطويل المليْ بالآمال و الإحباطات ... أتحدث و أنا أنظر إلى لا شيء .. فقد تجمعتْ مع الدموع عشرات الصور ... و إنفعلات شتى تقبض أنفاسي و تحجب عني الرؤيا .. لم ألحظ تجمع زميلاتي حولنا و هن يحملن ( سوسن ) التي يبدو أنها فقدتْ الوعي لسبب ما .. في المستشفى كنت أجلس قربها و هي تمسك بيدي .. و كل أسرتها تقف تنقل البصر بيني و بينها .. لم تتحمل المسكينة كل هذا الكم الهائل من الأحداث و الحقائق ... ( أنا كنتَ عارفة .. قلبي كان ماكلني شديد .. عشان كدي كلما أشوف البنية دي كنت بقول سبحان الله ). قالتها جدتها و هي تسعل من بين ضحكاتها ... بقدر ما حزنتُ لمعرفتي بموت أبي و مقتل أخي شقيق ( سوسن ..) .. بقدر ما كانت سعادتي كبيرة .. أرسلتُ حزمة الأخبار هذه إلى أمي في رسالة طويلة ،،، أسْهبْتُ فيها عن أختي ( سوسن ) و أهلها ... و خالي ( ألبينو ) ... و أبي الذي مات بعيداً عنا و عن أسرته هنا في طريقه إلى ليبيا عبر الصحراء. ختمتُ رسالتي : ( أرجو أن تحضري في أقرب وقت ... سأكون أنا و خالي (ألبينو) و ( سوسن ) في انتظارك ... أبنتك المشتاقة : سابرينا .. أو ... صابرين ) ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة