مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-04-2024, 02:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبدالله عثمان(عبدالله عثمان)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-06-2008, 08:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه (Re: عبدالله عثمان)


    في ندوة (الخرطوم الجديدة) حول إحتمالات وحظوظ الجمهوريين في العودة
    نسخة للحفظ نسخة للطباعة أخبر صديق اضف تعليقك

    د. طارق محمد عثمان: تَعارُض الفكرة الجمهورية مع أصل الدين هو ما دعا المجتمع لرفضهم وهو حائط صد أمام عودتهم من جديد
    د.الباقر العفيف: عودة الجمهوريين ليست (معجزة) لكنهم مكبَّلون بقوانين غير دستورية
    د. صبري محمد خليل: مستقبل الفكر الجمهوري محدد بموقفهم من مصادرة الأصلية وتطويرها أو الإبقاء عليها
    طارق محجوب: رحيل محمود هو غياب الأصيل الأوحد الذي لن يَخْلِفه أحد لتتطوَّر الفكرة

    أكثر من عشرين عاماً مرت على ر حيل المفكر والزعيم. وحركة الإخوان الجمهوريين اسمٌ على صفحات ساحات النشاط الفكري والسياسي في السودان؛ فرحيل القائد والمعلم الأول محمود محمد طه، بعد محاكمة مثيرة للجدل في أواخر سنوات الرئيس السابق جعفر نميري، كان حدثاً مجلجلاً لا تزال آثاره واضحة على مسيرة العمل الفكري والسياسي في بلادنا عموماً وعلى مسيرة حركة الإخوان الجمهوريين التي تراجع نشاطها واقتصر على جوانبه الاجتماعية والثقافية، يقابله تراجع واضح على مستوى الفعل والتأثير السياسي جراء هجرة العديد من كوادر الحركة وابتعادهم.
    بيد أن السنوات الأخيرة شهدت ما يشبه عودة الجمهوريين من جديد إلى واجهة العمل السياسي من خلال عودة عدد من الكوادر التي هاجرت، هذا فضلاً عن بعض الأنشطة التي تدعم فكرة العودة.
    هل يفكر الإخوان الجمهوريون، الذين يصرون على أنهم لم يغيبوا، في عودة أكثر قوة؟.
    ما هي حظوظهم في العودة والتأثير في واقع البلاد السياسي الراهن؟.
    هل يمتلك الجمهوريون ما يؤهلهم فكرياً وسياسياً لإعادة إنتاج صوتهم الذي كان ملء السمع والبصر قبل رحيل مؤسس الحركة ومفكرها والذي لا تزال حادثة الحكم بإعدامه بسبب أفكاره حدثاً يثير الجدل والاستفهام؟.
    كل هذه الأسئلة والمحاور كانت مثار الندوة الصحفية التي نظمتها مجلة (الخرطوم الجديدة)، بمشاركة د.الباقر العفيف؛ مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية بالخرطوم، والمهندس طارق محجوب، ود.صبري محمد خليل؛ أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم، ود.طارق أحمد عثمان؛ أستاذ التاريخ بجامعة إفريقيا العالمية، بحضور مدير التحرير وسكرتير التحرير والمحرر العام بالمجلة. نتابع أهم الإفادات التي تناولها المشاركون بالحوار.

    أعدها للنشر: مجدي علي ـ بكري المدني

    • د.الباقر العفيف: العودة طبيعيَّة

    إن الفكرة الجمهورية في حد ذاتها، ثم اغتيال مؤسِّسها، ليمثلان حدثين متَّصلين من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ السودان الحديث على الإطلاق. وذلك بسبب من أن الإقدام على قتل إنسان مسالم بسبب آرائه، وأن يكون القتل مسبَّباً بذرائع قانونية، لهُوَ شيء كبير بكل المقاييس، كانت البشرية تحسب أنها خلَّفته وراءها، غير أننا، للأسف، استعَدْناه بفكر القرون الوسطى، هذا، بالإضافة إلى أن هناك مؤامرة صمت كبيرة على الراحل محمود وعلى فكرته، وذلك جزء من المؤامرة التي استهدفَتْه شخصياً وأوصلَتْه أخيراً إلى حبل المشنقة. أما عن النظر إلى عودة الجمهوريين كـ(معجزة)، على حَدِّ الوصف، فهي على أية حال، ليست بالنظرة الغريبة على الفكرة الجمهورية (وهل ينظرون إلا أن يأتهم الله في ظُلَل من الغمام)، (ولو شئنا لأنزلنا عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين)، كما إن الآيات القرآنية التي تتحدث عن المعجزات موجودة، ولذلك عوملت (المعجزة) كشيء خارق لا يملك الإنسان إزاءه إلا التسليم. وأنا أعتقد أن هذه الثقافة موجودة وسط الجمهوريين ومرتبطة بما استقرَّ في الوجدان الديني عن مجيء (المسيح)، مع أن فكرة الجمهوريين؛ وفكرة المسلمين بعامَّة، عن عودة المسيح، تختلف عن فكرة أصحاب الأديان الأخرى حول هذا الأمر، أما عن الجانب الآخر، والمتمثل في عودة النشاط الجمهوري، فهو مفصول عن ذلك في اعتقادي؛ فأنا لا أرى معجزةً في عودة ذلك النشاط إلى الساحة السودانية، وإن حدث فهو شيء طبيعي أفْضَت إليه تطورات الحياة الطبيعية. أعتقد أن عودة الجمهوريين إلى الساحة بفاعلية مرهونة بمسألتين أساسيتين؛ الأولى خارجية، وهي مجمل المحيط الذي يعمل فيه الجمهوريون، وعلى نحو أخص؛ البلد ككل، بقوانينها ونظامها الحاكم ومآلات الفكر فيها من ما يتعلق بظواهر الهوس الديني كنتيجة لسياسات الإنقاذ، والتي خلقت مجموعات يمكن أن تقتل شخصاً بسبب عدم اتفاقها مع آرائه، وأصبح هناك أئمة مساجد يحرِّضون على القتل، ومعروف عنهم علاقاتهم بتنظيم القاعدة، وهناك انتشار للسَّلَفية مع ما يترافق معها من ظواهر كارتداءالنِّقاب في أوساط البنات وهو ما يسمى الحجاب، ضِفْ إلى ذلك بوليس الآداب وكل الآليَّات التي تعمل على ضبط المجتمع وتسييره وفرض رؤى الساسة المتحكمين في أمر الدولة. مع ضرورة الإشارة إلى مادَّة في القانون الجنائي (1999م) تتحدث عن حكم الردَّة، والتي، عندما تقرأها، تجدها مفصلة على قدر الجمهوريين تماماً، وهي مادَّة دستورية، والردِّة إحدى المسائل التي خلَّفتها البشرية منذ قرون وراءها، لكنها بعثت في الحاضر إغفالاً للحق الإلهي الذي يكفل حرية الفكر والدين والمعتقد بموجب قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و«الحق في الكفر بالله» حق من حقوق الإنسان التي منحها إياه الله، ولا يمكن أن يَسْلُبك هذا الحقَّ إمام جامع مهووس تحت ظل حكم دستوري وقانون صحيح، وحتى وجود المادة في الماضي كان مرتبطاً بالحكم على الإنسان الذي يعلن خروجه عن الإسلام أمام محكمة، وهذا مَن يجب ـ إذا تجاوزنا عدم دستورية قانون الرِّدة ـ أن ينطبق عليه فعل الردة، لكن المادة مصمَّمة على أساس أن كل إنسان يفكر خارج إطار معين، وهو الإطار الذي وضعته الجبهة الإسلامية، بمسمياتها المختلفة، في القانون، يعتبر مرتداً، ويمكن أن يأتيك من يقول لك إنك تفرِّق بين القرآن المكي والمدني مثل الجمهوريين ويحكم عليك بأنك كافر!، وذلك بدعوى أنك تلغي نصف القرآن وتنكر ما هو معلوم بالضرورة؛ كما كان يقول المكاشفي طه الكباشي قبلاً، وعليه فأنت كافر!. وهذا القانون الآن موجود، وهو مفصَّل على قدر الجمهوريين، وما دام موجوداً فإن الجمهوريين، قانونياً، مكبَّلون عن النزول إلى الشارع وممارسة نشاطهم كما كانوا، وصحيح أن هنالك أفكاراً حول إسقاط المادة عملياً بتحديها وإسقاطها بالدعوة والضغط، باعتبارها مادة غير دستورية ويجب أن تذهب. هذا هو المحيط الخارجي الذي يحول دون عودة الجمهوريين. ثانياً، هنالك ما يتعلق بالجمهوريين كمجموعة؛ فهُم، وعقب اغتيال محمود محمد طه، قد دخلوا في إشكالات فكرية وتنظيمية، وهي من العوائق القائمة، كما إنهم لم يستطيعوا إيجاد تفسير فكري وديني وروحي لاغتيال محمود لينزل بشكل متَّسق مع الفكرة الجمهورية، وما يزال الاغتيال يفرز تناقضاً داخل الفكرة والجماعة، وهناك اجتهادات كثيرة جداً في هذا الشأن تحاول أن تشرح اغتيال محمود وذهابه بالشكل الذي ذهب به، ولكن ما من إجماع على شيء محدد، ومن خلال إلمامي بطبيعة النشاط والمبادئ الجمهورية، اعتبر هذا عائقاً يقف أمام العودة، ولا مناص للجمهوريين من أن يجدون لهذا الإشكال صيغة حلّ قبل أن يتحركوا.
    إن المؤامرة قائمة وحقيقية، اشتركت فيها الحركة الإسلامية العالمية، واشتركت فيها الدولة السعودية، والمؤسسات الدينية العالمية؛ كالأزهر والرَّابطة العالمية الإسلامية، والمؤسسات الدينية السودانية المرتبطة بهاتين المؤسستين؛ كجامعة أم درمان الإسلامية، ووزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة الشؤون الدينية، كما اشتركت في هذه المؤامرة الحركة الإسلامية (جماعة الترابي)، والوهابيون، والطائفية؛ كالأنصار، بدليل أن محكمة الردَّة الأولى 1968م للراحل محمود كتب عنها الجمهوريون الكثير من الكتيبات وأماطوا النقاب عن المتآمرين؛ كأمين داؤود، وحسين زكي، واللَّذَين رفعا دعوة على محمود، وقبلها تشاورا مع القاضي الذي من المفترض أن يحكم فيها، وتشاورا مع عضو عن حزب الأمة في البرلمان، وهو من عائلة المهدي، وتشاورا مع الأزهري، وقالوا أخذنا من هؤلاء الضوء الأخضر لرفع الدعوة!، ورفعوها في ثلث ساعة، وجيء بشهود رأي على ارتداد محمود!. محاكمة مهزلة؛ كان الغرض منها اغتيالاً معنوياً لمحمود محمد طه، وهو ما سبق الاغتيال الحقيقي في العام 1985م. إنها مؤامرة ظاهرة جداً، وإننا؛ إذ نتحدث عن (مؤامرة)، فلأننا نعلم أن هناك محاولات سابقة جرت لقتل محمود ولكن الجمهوريين لم يجهروا بها؛ ففي الأبيِّض أرسل الإخوان المسلمون رجلاً للاعتداء على محمود أثناء تقديمه محاضرة هناك، وكان الرجل معروفاً كمجرم (رَبَّاطِي)!، فضَرَب الرَّاحِل بعصا وبقوة أثناء المحاضرة. وأثناء اعتقال نميري الأخير للراحل محمود جرت محاولة لتسميمه بالأكل، وكان محمود في كل سجونه يعتز بملابس السجن، وكان يقول إن تلك من أعز الثياب، وكان يأكل أكل السجن، وهذا ما أغرى بتسميمه. إن المؤامرة حقيقية، ولا يُستثنى من الإسهام فيها المثقفون السودانيون الذين لزموا الصمت، كما اشترك فيها الإعلام أيضاً؛ إذ لم يُسمع الراحل عبر الإذاعة أو التلفاز أبداً وظلت (الفكرة) منذ بدايتها وحتى وصول الراحل إلى حبل المشنقة محلَّ نزاع بين الجمهوريين وأعدائهم بسبب من أنها لم تجد المجال الرحب الذي يفي بطرحها على نحو يُتَجَنَّب معه سوء الفهم والتخمين والاعتقاد الخاطئ. بحلول الفترة الديمقراطية، اجتمع الجمهوريون لممارسة نشاطهم، ولكن سعيد الشايب، والذي كان الرجل الثاني بين الإخوان، طرح سؤالاً على المندفعين للنشاط قائلاً: (نوع الفكرة الجمهورية لا يمكن أن يعمل عليه الناس ولا أن يمضي إلا بواحد من شيئين؛ الأول حكم القانون الذي يحمي الناشط، والثاني حكم العارف). وقال سعيد: (إن السودان لم يكن به حكم قانون أصلاً، كان هناك حكم العارف، والعارف كان هو الراحل محمود، والذي كان يتحمل مسؤولية الجمهوريين، وكان يتصدَّى للدولة ويَفْدِي الجمهوريين، وعندما وقعت الواقعة قال للدولة: هؤلاء أولادي وأنا أرسلتهم وأنا المسؤول، إن حسابكم يجب أن يكون معي)، وحدث ذلك عند الحكم بالإعدام عليه وعلى الأربعة الذين معه، والذين أوْعَزَ إليهم بشكل غير مباشر بإخراج أنفسهم. وكان سعيد متوجساً بشأن مصير الديمقراطية، فقال لنا: (هل أنتم متأكدون وواثقون من استمرار الديمقراطية، أم أن الإخوان المسلمين من الممكن أن يستولوا على السلطة، وأن يحكموا البلد منفردين، فيذهبون بكم إلى المحاكم. وهل عندها ستأتون إليَّ مُسْتَتَابِينَ أم ستمضون إلى المشانق؟). ثم أضاف سعيد: (أنا أرى أن الإخوان المسلمين عندهم أقوى الفرص، والديمقراطية لن تستمر، وبالنسبة لي؛ المسرح غير مهيَّأ لاستئناف النشاط). وظل سعيد الشايب يردد هذا القول طيلة فترة الديمقراطية وحتى انقلاب الإسلاميين.
    إن الجمهوريين عند تحليلهم للأوضاع السياسية لا ينظرون فحسب تحت أقدامهم وإنما ينظرون أماماً، والسؤال الذي يواجههم باستمرار؛ هل الحالة السودانية ماضية إلى استقرار، أم أنها منتكسة؟، والوضع العام يقول بأنها منتكسة، ومن الواضح أن أسس الاستقرار غير ثابتة، وهذا ما حدا بالجمهوريين أن يَخْلُصُوا إلى أنْ ليس هناك حكم قانون، ولا يمكن للجمهوريين العمل من دون حكم قانون. والحديث عن توقف نشاط الجمهوريين على العموم حديث غير دقيق؛ فالحركة الجمهورية لم تكف عن العمل على الإطلاق، وما توقَّفَ هو النشاط السياسي، والذي يمثل بُعْداً واحداً وغير أساسٍ من أبعاد الحركة الجمهورية. وإن (الجمهورية) حركة ثقافية فكرية تعمل من أجل الإصلاح الثقافي والديني، ولها آلياتها للقيام بهذا، وهي تعمل في أقسى لحظات الكبت، وتعداد المنتمين إلى (الفكرة الجمهورية) في زيادة.

    • د.صبري محمد خليل: رهينةٌ بالمصادر

    إن مستقبل الفكر الجمهوري، بالاستناد إلى أصوله، محدد بموقف الجمهوريين أنفسهم من مصادره، والتي هي في الأصل محصورة في مصدرين أساسيين؛ الأول، مصدر إسلامي، ويتكون من نظرية وحدة الوجود لمحيي الدين بن عربي، والتصوف السُّنِّي، والفكر الجمهوري في الأساس، محاولة لتطوير فكرة وحدة الوجود لـابن عربي والتي تقول إن هناك وجوداً حقيقياً واحداً، وهو وجود الله سبحانه وتعالى، بينما وجود المخلوقات وجود وهمي. والتصوف السني، إضافة إلى القرآن والسنة، والاستناد إليهما يقوم على أساسٍ من منهج تأويلي يقول بأولوية الباطن على الظاهر، ثم هناك المصدر الثاني؛ مجمل الفكر الغربي، من فلسفة المثالية الموضوعية والوجودية ومفهوم الحرية المطلقة ووحدة الوجود والدارونية والليبرالية والماركسية بمفاهيمها المختلفة، وهذان المصدران أساسيان للفكر الجمهوري استمدهما؛ إسلامياً من ابن عربي، وغربياً من هيجل وماركس ودارون، وغيرهم، ومستقبل الجمهوريين مرتبط بتطوير هذه المصادر أو بالإبقاء عليها وترديد ذات المقولات والتي رددها بعض من أصحاب محمود محمد طه، وفي حالة التطوير بالنسبة للمصدر الغربي يتطلَّب الأمر استيعاب التحولات الفكرية في الساحة الغربية نفسها، والتي شهدت فلسفات جديدة، أما التطوير في المصدر الإسلامي، فيتطلب إعادة قراءة الفكر الإسلامي. وهناك مسارات للفكر الجمهوري محددة أيضاً بمصادره، وبما أن له مصدر غربي، فإن هناك اتجاهاً للتغريب، إذ نجد أن هناك جمهوريين اتجهوا لاعتناق الماركسية، وهناك مَن اتجه للحركات الليبرالية. وتحديد مسارات الفكر، كما سبق أن قلت، تكون وفق مصادره. والمسار الآخر، وهو المصدر الإسلامي، يقتضي مراجعة للنظريات، والتي تتناقض، دائماً وموضوعياً، مع الجمهور، وهم أهل السُّنَّة والجماعة، وتتحول؛ أي النظريات، إلى تيار تجديدي، وبعض التيارات استغلَّت هذا التناقض لأسباب سياسية وشخصية لإضعاف الجمهوريين.

    • د.طارق محمد عثمان: عودة من الخارج

    إن الذي يحدث الآن، وما نسمعه عن عودة المحموديين أو الطاهَوِيِّين، يحدث على نطاق عالمي، والمنطقة الإسلامية تشهد نوعاً من التحوُّلات والتبدُّلات في أوضاعها نتيجةً لما يمكن أن نطلق عليه مجازاً العولمة، والذي يمكن أن نردَّ إليه أيضاً أصداء البهائية الآخذة في الازدياد، وهي فرقة معروف عنها عالمياً أنها تتلقَّى دعومات ومصادر مشبوهة لضمان الاستمرار وزيادة النشاط في المجتمعات الإسلامية، والبهائية تعمل بسر وصمت، وتحصل على سند مادي كبير، ولديها مواقع إلكترونية ومؤسسات داعمة في أوروبا وفي أمريكا. وأظن أن هذا يشبه مؤشرات عودة الجمهوريين، والذين هاجروا بأعداد كبيرة إلى أمريكا وأوروبا؛ حيث يتوافر لهم جو من الحريات وأشياء أخرى.
    ويبدو لي أن عودة الجمهوريين مؤيدة أيضاً بالوسائل العولمية الجديدة، وإذا طالعت موقعهم الإلكتروني وجدته مميزاً من الناحية التقنية، وربما لا يستطيع حتى أصحاب الأفكار التي تتجذر في المجتمع إقامة مثله، مما يعطي انبطاعاً عن طبيعة العودة التي يمكن أن تحدث، وأظن أنهم مرتبطون بهذه الظروف، ولا يمكن أن تأتي العودة مثل البدايات، والتي كانوا وقتها مرتبطين وقتها بحياة الناس، فيركبون البصات، ويتنقلون بين الناس، ويعقدون حلقات النقاش، وكان ذلك في الواقع وضع زاهٍ ومظهر جعل البعض يدخل إلى الحركة الطاهوية، كانت حركة الجمهوريين الاجتماعية السابقة مؤثرة كوسائل الزواج وغيرها، والمحموديون اليوم لن يعودوا كما كانوا، وذلك لغياب المنظِّر الأساس ومؤسِّس الحركة والذي يعتبر مصدر الرفد الأساسي لها، والبقية كانوا متلقِّين لا أكثر، كما يحدث في المنظومة الدينية التقليدية (حوار وشيخ)، وليس أي شيخ؛ فمحمود كان صاحب أفكار جديدة وغريبة مأخوذة من أكثر من مصدر، والعودة إلى كل هذا ستكون مختلفة، والمحموديون أنفسهم صنعوا لهم أعداءً من خيالاتهم، وربما مقتل صاحب الفكرة قد أورثهم أضغاناً كبيرة، وربما وقفت وراء الاعدام وقتها دوافع سياسية، ولكن المؤسسات الإسلامية التي أشار إليها د.الباقر كلها مؤسسات معترف بها كذلك المشايخ والعلماء، والتأثير على المجتمع لا يمكن أن يتم بنفس الطريقة القديمة؛ فهناك اليوم صحوة إسلامية مشهودة، ولا أظن أن الإسلاميين هم الأعداء التاريخيون للجمهوريين، أو أن لديهم عداء خاص، بدليل أن عوض الكريم موسى؛ واحد من أهم الجمهوريين الذين كتبوا ودبَّجوا القصائد الطوال، تحوَّل في نهاية الأمر إلى شخص أقرب إلى المشروع الإسلامي الذي جاءت به الإنقاذ!، ثم إن آخرين أيضاً من الجمهوريين تصالحوا مع المجتمع، ومنهم عصام عبد الرحمن، ولا يمكن إحصاؤهم فرداً فرداً، ولكن هذا ما تم بشكل عام، وأؤكد أن الإسلاميين ليس لهم مصلحة في معاداة الجمهوريين، وكثير من الأفكار التي دعا إليها محمود موجودة في الفكر الإسلامي، وعند الإسلاميين عموماً، ولكن المجتمع والإسلاميين عموماً رفضوا الأفكار التي طعنت في عنق الدين كالحديث عن الحجاب مثلاً، والصحيح أن العفة ليست بهذا ولكن الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكرم وضعت شروطاً للباس المرأة وجعلت شروطاً للعلاقة بين الرجال والنساء والكثير من الأصول والثوابت التي لا يستطيع أحد أن يغيرها حتى وإن كثر أصحاب الرأي، فلا أحد يمكنه أن يغير القرآن الذي تكفل الله بحفظه ولا أن يتجاوز سنة الرسول الكريم (ص)، وهذا التعارض وهذا التضارب مع أصل المجتمع هو الذي جعل المجتمع يسارع بإبعاد الجمهوريين ولفظهم، وسيكون هذا التعارض هو الحائط والمانع لعودتهم من جديد، ومحمود عندما أراد أن يؤثر على الناس أثر عليهم عن طريق الشيء الذي يؤمنون به أصلاً كالتصوف، وليس ثمة سوداني إلا وبه محبة وميل إلى التصوف، وكان هذا مدخلاً مهماً جداً، وأغلب الجمهوريين كانوا صوفية وأذكارهم من المظاهر التي حبَّبت الناس فيهم، وكان عندهم طواف على كل بيوت الصوفية، ولكن الأفكار الغريبة على الدين والمجتمع هي التي أبعدت الصوفية عنهم، وهي التي جعلت قادة المجتمع الصوفي يطالبون بإعدام محمود؛ كالشيخ محمد الفاتح قريب الله؛ قائد الطريقة السمانية، والشيخ عبد الجبار المبارك، وليس الإخوان المسلمون فحسب هم الذين وقفوا في وجه محمود، ولقد كانت مصلحتهم في ذلك مصلحة المجتمع، وقلت إن الإعدام ربما فيه دوافع سياسية لنميري، ولكن مسألة الحكم بالردة كانت من قَبْل، نميري وكنت ميالاً لأن يكون هناك حوار أكثر من الذي تم مع محمود، ومسألة الردة ترك الله الحرية فيها للناس أن يكونوا كفاراً أو مسلمين، ولكن لدينا أيضاً من سند الأحاديث أن من يخرج عن الجماعة ويشق عصاها ويبغي حربها بقوة السلاح يمكن أن يحاكم بالردة، ولكن إن ارتد إنسان وجلس في بيته لن يطاله أحد، أما من يريد هدم أفكار المجتمع فأمره مختلف، وذلك نقلاً عن المفكرين المسلمين، وأظن أن الجمهوريين كان لهم ذلك التأثير على المجتمع، وكانوا في كل مكان يوزوعون كتاباتهم، والناس انفضوا من حولهم لتصادمهم مع ثوابت الأمة والدين، وليس أدَلَّ على ذلك من البروفيسور عبد الله الطيب والذي كان يحب محموداً في شخصه ولكنه ابتعد عنه لما رأى انحرافاً في أفكاره، والسودانيون لا يفضلون الشَّطَط في الدين.

    • طارق محجوب: رسالة ثالثة

    لقد عايشتُ وجاورتُ الرَّاحل مسكناً، كما زاملت معظم قيادات الجمهوريين بالجامعة. الحزب الجمهوري بدأ حزباً سياسياً فقط، ثم جاء البعد الفكري الباطني العرفاني لاحقاً؛ بمبادرة من الراحل محمود محمد طه ضمن الأطروحات السياسية التي قامت بالساحة قبيل وبعد الاستقلال، شأنها شأن الأطروحات الاتحادية والاستقلالية والجبهة المعادية للاستعمار والإسلاميين. ولعل محموداً لو اكتفى يوما بأطروحاته السياسية حول الجمهورية لظلت باقية حتى اليوم، ولكان تأثيرها أوسع، لكن خيار محمود كان التحول من حزب سياسي إلى حزب ذي محتوى فكري مبني على منهج عرفاني وصوفي، وهذا باعتقادي ما مثَّل البُعد الأقوى في حركة الجمهوريين.
    المعلومة المتعارف عليها أن الانتقال لهذا البعد قد تم بعد دخول محمود إلى الخلوة ليتحول الحزب الجمهوري إلى الإخوان الجمهوريينتماشياً مع ما كان سائداً يومها من طرح (إخوان)، القائم على مقولة (ألسنا إخوانك يا رسول الله؟) كأساس يخالف تعبير (إخوان) عند الإخوان المسلمين التي لم يقم اسمها على هذا البعد. الأفكار الأساسية التي طرحها محمود تقوم على أن الشريعة الإسلامية بصورتها الحالية لا تصلح للقرن العشرين وهو يطرح منهجاً تجديدياً للشريعة وللإسلام عامةً يقوم على البعد العقائدي والشرائعي والشعائري والمعاملات. لم يكن محمود متأثراً بالفلسفات الغربية كما يشاع، لكن ما طرحه جاء متطابقاً مع الأطروحات والقيم الإنسانية التي كانت سائدة في العالم يومها، وهذا هو البعد الثاني في أطروحاته، وهو أن الشريعة يجب أن تتماشى مع القرن العشرين، وقد قدَّم محمود انتقادات رفيعة للأطروحات الغربية دليلاً على عدم تأثره بها.
    على هذه الخلفية الفكرية القائمة على تصوُّرٍ يرى أن محمود محمد طه هو صاحب الفكرة بشخصه وهو الإنسان الكامل وهو الأصيل الأوحد صاحب المقام الذي لن يبلغه إلا رجل واحد، بكل هذه الترتيبات يصعب جداً أن يأتي رجل في مقام محمود يحدث له الإلهام والتلقي المباشر ويحدث تطورات داخل الفكرة من جديد، إلا إذا جاء بـ(رسالة ثالثة)؛ لأن رجل الرسالة الثانية، هو محمود، وقد رحل الأصيل الوحيد الذي يخاطبه الله كفاحاً من غير واسطة، كما يدَّعي، ويبعث المقام الأصيل، مثلما رحل النبي الكريم (ص) صاحب الرسالة الأولى الذي يبعثه الله المقام المحمود، لذلك يصبح من الاستحالة امتداد الفكرة بعد رحيل محمود، ويكفي أن الشايب؛ الرجل الثاني في الحزب بعد محمود، اعتذر عن قيادة الحزب بعد رحيله، لأنه كان على قناعة أن ذلك يتطلب تأهيلاً روحياً آخر وحينها قطعاً ستكون الرسالة مختلفة.
    أهم ما جاء به الجمهوريون فكرياً هو طرحهم التجديدي في أصول الشريعة والعقائد الإسلامية، وهذا ما قاد إلى تداخلاتهم مع كل التيارات القائمة حينها في الساحة وليس مع الإخوان المسلمين فقط، والذين كانوا، وللحقيقة، أضعف تيار يناوئ ويقابل الحركة الجمهورية، ولم يتجاوز الصراع الحوارات داخل الجامعة في أركان النقاش، على غير الحال مع تيارات أخرى مثلها علماء المعهد العلمي والجامعات الإسلامية وبعض القضاة والعلماء التقليديين الذين واجهوا محموداً وأصدروا كتباً ونظموا محاكمات، كذلك واجهه قيادات الحركات الصوفية والشيوخ، وكان أبرزها مع عبد الجبار المبارك والشيخ المجذوب والشيخ الفاتخ قريب الله، وللتاريخ، فإن د.حسن الترابي لم يتطرق للجمهوريين لا في حوار ولا كتاب ولا مخاطبة، وعندما سئل عن عدم تبنِّيه أي رأي وعدم قيادته أي حوار معهم، قال إن المجتمع عموماً يعيش اختلالاً، وأن الجمهوريين هم واحد من مظاهر هذا الاختلال وليسوا داءاً أساسياً يستحق مجهوداً مباشراً، لكن الجمهوريين تصدوا للترابي وأصدروا أكثر من كتاب؛ خاصة بعد حديثه عن حكم المرتد وعقوبة الزاني ووضعية المرأة في الإسلام. أنا أعتقد أن الخصومة بين محمود والترابي مردها إلى أنهما صاحبا منهجين تحديدين لأصول الشريعة الإسلامية، لكن منهج الترابي اجتهادي عقلاني، ومنهج محمود صوفي عرفاني لا يقوم على مناهج الاجتهاد ومبني على أصول العلوم الإسلامية القائمة على التحليل والتبرير؛ فمحمود كما يقول (يخاطبه الله كفاحاً) بالأمر وينتهي دون أية مساحة فكرية للحوار؛ لأنه منهج تلقٍّ مباشر من الله سبحانه وتعالى، لكن في بعض النتائج التي تشابهت حدث الخصام، وخاصة حول رأي د.الترابي في حكم المرتد.
    أطروحات محمود نجمت عنها خلافات سياسية بينه وبين غالب التيارات؛ خاصة المنسوبة للتيار الإسلامي، وكذلك العقائدية واليسارية الذين انتقدهم محمود، وكذلك التيارات التقليدية؛ الأمة والاتحادي، لكن لاحقاً، وفي آخر أيامه، حدث تقارب بين محمود وكل هذه التيارات التي كانت تناصبه العداء، ودخلوا في قائمة موحدة في انتخابات جامعة الخرطوم في وجه الاتجاه الإسلامي، وعندما جاءت مايو كان محمود أكبر مؤيد ومنافح عن نظامها، المفاصلة الحقيقية بينهما حدثت بعد إعلان نميري قوانين الشريعة الإسلامية، وبدتأ حملة الجمهوريين على مايو. وهذه في اعتقادي مفاصلة عادلة تتطابق مع أطروحات الجمهوريين حول عدم صلاحية الشريعة، عندما تبنى نميري المنهج الإسلامي دخلت القوى المنضوية تحت الجبهة الوطنية بما فيها الإخوان المسلمون والاتحاديون والأمة في مصالحة مع النظام بمبادرة من الصادق المهدي وأصبح الترابي نائباً عاماً، لكن النميري كان حريصاً أن لا ينسب هذا التوجه إلى الإخوان المسلمين تحديداً، وأن لا يشترك د.الترابي في صياغة قوانينه، وكذلك عمد إلى إبعاد رموز الإسلاميين عن المحاكم بعد تشكيلها، عدا واحد هو الراحل حاج نور، بعد صدور الحكم على محمود عبّر د.الترابي عن رأيه في قضية الردة التي كان له رأي سابق حولها دون الإشارة إلى محمود، وبذلك يتضح أنه لم يكن طرفاً فيها مثلما لم يكن يؤيدها فكرياً.
    المهم أن الإعدام كان حدثاً فاصلاً وسط الجمهوريين، وأذكر، ونحن في الجامعة، في الليلة السابقة للإعدام، أن الناطق الرسمي باسم الجمهوريين؛ محمد المصطفى الدالي، كان يردد أن (الأستاذ سيتجلى غداً، وأن حقيقة الفكر الجمهوري ستظهر، وأن الأصيل لن يموت حتى تقوم دعوته وتكتمل دولته)، وهكذا انتهى أصل الفكرة بعد الإعدام وهاجر أغلب كوادرها.
    على المستوى التنظيمي لم يكن للجمهوريين تنظيم بالمعنى العقائدي. الفكرة كانت رجلاً واحداً تتحوصل حوله، لكن الجمهوريين أثْرَوا ساحة العمل السياسي بأدبيات جديدة أهمها أنهم أدخلوا أدب التسامح وأحدثوا حراكاً فكرياً كبيراً وخاصة حول قضايا الثقافة الإسلامية لم يحدث بعدهم حتى اليوم، لكن أغلب المنضمين لهم، ورغم ثقافتهم الإسلامية الضعيفة، إلا أن أشواقهم كانت عالية، وهذا ما يدعو لتشبيههم بحركات البابية والبهائية، والتي انتهت إلى عمل سياسي محدود بعد أن أضمحلَّ البعد الفكري فيها، والملاحظ كذلك أن الجمهوريين أول من مارسوا الديماغوجية بعينها لاحقاً في التحرش بأعدائهم وطباعة المنشورات والحملات ضد الأشخاص بشكل لم يكن متعارفاً عليه رغم تاريخهم الأول المتسامح. طبيعة الفكرة ومحوريتها لم تكن تسمح بأي شكل تنظيمي للجمهوريين، لكن الملاحظ أن الجمهوريين تمتعوا بتماسك اجتماعي كبير وصل إلى درجة المصاهرات، وهذا ما رسخ تماسكهم اجتماعياً بعد رحيل محمود وانفراط العقد. أغلب كوادره من المبرزين أكاديمياً تركوا الدراسة وتجاوزوا طموحاتهم الفردية وتفرغوا في البداية لدعوة محمود، بل إن الكثير من الطلاب حينها تأثروا بأطروحات الجمهوريين قبل أن يصل إلى الحديث عن الباطنية، وهذا ما أدى إلى عدائهم مع الصوفيين، باعتبار أن محمود هو أفضل من طرح الفكر الباطني بوضوح وتفاصيل فاستفحل العداء، أنا لا أقول بأن لا مستقبل للحركة الجمهورية اليوم، باعتبار أن الأصيل قد ذهب، وعليه لا بد من ظهور أصيل آخر يخاطبه الله كفاحاً مثل محمود كي تتواصل الفكرة، والواضح أن لم يظهر بين الجمهوريين من يدَّعي ذلك حتى الآن، الجمهوريون يمكن أن يكون لهم تأثير كحزب سياسي؛ فأطروحات محمود الأولى حول الجمهورية أصبحت اليوم جزءاً من برامج بعض الأحزاب السياسية.

    • د.الباقر العفيف: التحول الديمقراطي

    الحقيقة أن بعض ما طرحه المشاركون يتضمن معلومات خاطئة؛ فالحديث عن أن الراحل كوَّن أفكاره نتيجة تجميع مجموعة من الأفكار لتركيب وصفه ينم عن تبسيط مُخِلّ وعدم إدراك لأفكار الرجل الذي كان ابن زمانه وعصره، والذي قال، عندما سئل عن مؤهلات الداعية العصري، أن يكون ملمَّاً بمشاكل عصره، وأن يلم إلماماً دقيقاً بحقائق القرآن ليأخذ منه حلاً للمشاكل، الراحل محمود هضم هذه المصادر وتمثلها ثم صاغها وأخرج منها فكراً أصيلاً بمعنى الكلمة، وهذا شأن الأفكار الكبيرة، وهو لا يقل عن ماركس مثلاً. فكرة تطوير التشريع الإسلامي التي جاءت بها محمود هي المدخل لعودة الفكر الجمهوري؛ لأن الزمن اليوم يثبت ذلك. أما الحديث عن انفراط العقد وذهاب كوادر الجمهوريين إلى أحزاب أخرى فغير صحيح على الإطلاق، لم يحدث ذلك؛ لأن من انتموا إلى الفكرة الجمهورية تعلقوا بها وبجوهرها، وللحقيقة فأن الفكرة الجمهورية تعصم أصحابها من يصبحوا سلفيين أو أن يصابوا بالهوس الديني.
    نعم، العلاقة بين الراحل والأعضاء كانت علاقة شيخ وحيران، لكن المطلوب أيضاً أن ننظر إليها من باب العلاقة بين أستاذ أسس مدرسة وتلاميذه، وهذا وصف أدقّ، وهي علاقة روحية ووجدانية قائمة على الاحترام. أنا رافقت محمود منذ العام 1979م وحتى رحيله، وأتحدث عن معرفة بالحقائق. كان محمود يدعو أصحابه، إن أطاعوا أن يطيعوا بفكر، وإن عصوا أن يعصوا بفكر، وأن يكونوا متحررين من حب السيطرة والخوف.
    وفي جانب آخر فإن الفكر الجمهوري لم يكن مخالفاً ولم يأت بأفكار غريبة عن المجتمع، بل كانت دعوة لصحوة إسلامية تقودها نماذج وقدوة كان يمثلها الراحل، على عكس ما نسمع اليوم عن صحوة هي في حقيقتها تراجع مريع ونماذج سيئة للقدوة باسم الدين والمظهرية والشكلانية التي يدعو لها الإسلاميون، المشكلة أن الجمهوريين لم يجدوا فرصتم للإفصاح عن آرائهم والدفاع عنها باعتبار أن الشعب السوداني متسق تماماً مع الفكر الجمهوري لأنه نابع من تصوفه ولا يراه متعارضاً إلا مع الإسلاميين التقليديين السلفيين الداعين إلى الدين الفقهي المدرسي الذي جاء مع الأتراك ومن مصر وباكستان وغيرها.
    د.الترابي كان ينظر للفكر الجمهوري، باعتباره أكبر خطر وعائق يقف دون وصوله إلى السلطة، وهذا الحديث أكده د.حسن مكي، بل زاد، إن الترابي كان يخاف إلى آخر لحظة أن يتراجع النميري عن إعدام محمود، وللتاريخ فإن حركة الإخوان المسلمين كانت من الضالعين في التآمر على الراحل هم ومعهم عدد من الأفراد الذين ينتمون إلى بيوت طائفية لكنهم في حقيقة الأمر (غَوَّاصَات) للحركة الإسلامية داخل بيوتاتهم الطائفية.
    الحديث عن أن الفكرة الجمهورية مرتبطة بشخص الراحل غير صحيح. نعم هو من أسَّس لها ووضع فكرة الإصلاح الديني، ثم أصبحت مدرسة ظهرت داخلها تيارات متعددة تشكلت كلها داخل المدرسة وذهبت في تفاصيل الفكرة الأساسية وعلى ضوئها، ويظهر ذلك في مجهودات عبد الله النعيم في الجوانب القانونية تفصيلاً لما أجمله الراحل وكذلك مجهودات د. القراي وعبد الله فضل الله وإبراهيم يوسف وغيرهم. إذن نحن لا نحتاج إلى رسالة ثالثة ورابعة وغيرها، وهذا غير موجود في فكر الجمهوريين، وليس هناك من منفذ ومحل لرسالة أخرى، على هذا الأساس، هناك عودة للجمهوريين على ساحة النشاط العام باعتبار أنهم لم يغيبوا أصلاً عن ساحة الفعل الثقافي أما عودتهم إلى النشاط السياسي وأن يكون لهم إسهامهم في كل الأوضاع السياسية، مثلما كانوا في بداية عهدهم، فإن ذلك رهين بسقوط القيود الخارجية المفروضة عليهم، وأن يتم في السودان تحول ديمقراطي وإصلاح للقوانين.

    • طارق محجوب: خلاف منهجي

    ما يقوم به د. القراي وفضل الله وإبراهيم وغيرهم هو مجرد اجتهادات وتحليل للأفكار التي طرحها الراحل محمود في أبعادها المختلفة، لكن محموداً يطرح منهج تجديد للإسلام باسم الرسالة الثانية يشتمل على تغيير اجتماعي وتشريعي وسياسي، السؤال هل يمكن أن يتواصل هذا المنهج بصورته القديمة اليوم؟، أنا أعتقد أن الخلاف مع الراحل ومع الفكر الجمهوري هو خلاف حول المنهج، بين القطعيات والظنيات في أصول الدين في كل مستوى، باعتبار أن هناك أساسيات وقطعيات لا خلاف حولها لكن الظنيات والفرعيات يمكن الخلاف حولها، وذلك وفق منهج وضوابط مبنية على الأصول الأولى، الخلاف إذن أن الفكر الجمهوري ألغي تماماً المنهج القديم بأصوله وفرعياته وفق الطريقة العرفانية التي لا يمكن التعامل عقلانياً معها، أنا أعرف التصوف تماماً وعلى يقين، برغم خلاف أي أن لهذه الطريقة آثار إيجابية، وما منع الناس عن فهم ذلك وما خلق لديهم حالة من التشويش هو عدم معرفتهم بالفكر الصوفي بوضوح. نعم هناك تأهيل فكري وروحي قد يحدث للإنسان ويجعله على معرفته بدينه، ولذلك ارتبط هذا المنهج بمن تأهل لهذا المقام، وهي قد انقطعت بإنقطاع صاحب المقام دون أن تنفذ الرسالة وذلك هو التحدي الذي واجه الفكرة وحال وسيحول دون استمرارها مستقبلاً.

    • د. صبري محمد خليل: لا فكر بلا مصادر منطقية

    التحليل لا يقلِّل من قيمة أية فكرة، حتى وإن عاد إلى مصادرها ومكوناتها الأساسية؛ لأن المعلوم أن أي مفكر إنما يعيد ترتيب وتركيب الأفكار السابقة. الفكر الجمهوري، شأنه شأن أي فكر، استناداً إلى هذا المنهج، هو محصلة إطلاع عقلاني على الفكر الإنساني السابق، ولمؤسسه الفضل في التركيب والتأليف بين هذه المصادر، لا يمكن أن نقول إن هناك فكراً قد جاء من غير أصل، أنا لا أعتقد أن هناك شخص يمكن أن يأتي بأفكار من عالم غيبي دون أن يكون لها أساس، مسارات الفكر الجمهوري إذن محددة بمصادرها ومكوناتها، وهذه قاعدة منطقية تنطبق عليه.


    http://newkhartoum.khartoummag.com/view.asp?release=51&...tion=article&id=1163
                  

العنوان الكاتب Date
مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:35 PM
  Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:39 PM
    Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:40 PM
      Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:42 PM
        Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:43 PM
          Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 08:45 PM
            Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه حيدر حسن ميرغني10-06-08, 08:57 PM
              Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:23 PM
                Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:28 PM
                  Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:30 PM
                    Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:42 PM
                      Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:46 PM
                        Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:52 PM
                          Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 09:56 PM
                            Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:08 PM
                              Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:13 PM
                                Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:18 PM
                                  Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:21 PM
                                    Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:23 PM
                                      Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:29 PM
                                        Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:32 PM
                                          Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:36 PM
                                            Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:39 PM
                                              Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:44 PM
                                                Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:46 PM
                                                  Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-06-08, 10:52 PM
                                                    Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه مامون أحمد إبراهيم10-06-08, 11:17 PM
                                                      Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:29 PM
                                                        Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:31 PM
                                                          Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:32 PM
                                                            Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:34 PM
                                                              Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:36 PM
                                                                Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 04:50 PM
                                                                  Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 09:03 PM
                                                                    Re: مجلة الخرطوم الجديدة: القائد والمعلم الأول محمود محمد طه عبدالله عثمان10-07-08, 09:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de