إن تجربة الوجود الإنساني والذي يوصفه هايدجر بالدازاين هو مشروع إنساني ، فرداني وليست مسئولية أي قوة خارج الإنسان المفرد... ليست صنعة الآلهة أو السلطة أو أي ظرف إحتصاري أو قمعي آخر...أليس في الأرض مراغماً كثيرة وسعة؟ فلا شيئ غير الدازاين يهبه وجوده أو يحدد حاضره و مستقبله ،هذا هو مصدر القلق عند المبدع، قلق المسئولية عن الحاضر والمستقبل، وقلق التمرد علي كل حوافزالإنسجام في ومع الهم بضم الهاء ... عندما يروح الإنسان من نفسه ، عندما يعم الإنسان جيشان من المشاعر المتلاطمة في مواجهة معاني وجوده ... عندما يشعر الإنسان بأنه ######## وأن الحياة ########ة ، وأن وجوده الحالي لا يضيف شيئاً علي أي مستوي له أو لغيره ... عندها يسكنه القلق حتي تستعصي نفسه عليه بينما هو يبحث عن ذاته التائهة عنه، عن أصالتها ووثوقيتها ، وعن قدرتها علي التميّز ...هايدجر لا يتحدث عن الفردانية هنا بدعوى أن لها دور خائن للهم الإجتماعي ، بل عن التفرد الذي يحدد تضاريسه الهُم..دور يعالج ضرورة تمرد الدازين علي الإنغماس في الوعي التقليدي والأمعية الإجتماعية..خطاب كاشف لسوءات الخطاب العام حتي لغز الموت يؤكد للإنسان أو للدازاين بأن لا شيئ في هذه الحياة قادر علي تقديم إجابات شافية للأسئلة الوجودية المهمة و العويصة ، لا شيئ قادر علي شفاء جروحنا اليومية وإنكساراتنا أم كل أنواع القهر إبتداء من القهر المعيشي ، القهر الصحي ،القهر الإجتماعي، والقهر الديني والسياسي...كل هذه الحقائق الصادمة تلهب وجدان المبدع والإنسان غير المعتاد بالقلق فيصحي علي إثر وجوده الصادم....القلق هنا هو العامل الوحيد المحفز للدازاين للبحث عن إجابات، للتمرد علي الهُم ، للحفاظ علي فردانيته وإبداعه وليس الخضوع والإنسجام شراءً لراحة البال بعودة الطيور مطمئنة إلي أعشاشها... لأن ذلك سيقضي علي المبدع فيه ويضيفه رقماً غير مميز ضمن القطيع العام .. لكن المبدع سمته القلق الدائم و للقلق مكوناه السيكولوجي والوجودي عند هايدجر ...فإما ينتصر السيكلوجي ليقضي علي القلق ويقذف بالمبدع في جب الكآبة أو الجنون ، أو ينتصر المكون الوجودي فيقاوم المبدع حوافز الإنسجام ويواصل رحلة التفرد وتطوير الذات أمام المتاح من الفرص من الماضي وإلي المستقبل..يطلق هايدجر هنا علي التميز مصطلح الإنطلاقية مقابل الإستكانية (والإنطلاقية تستجلب للخاطر التعبير الشعبي مطلوق) . يقول هايدجر بأن القلق يوجه كينونة الدازاين نحو أخص مواهبه لأن الكينونة هي التحرر.. حرية أن تختار غاية ذاتك وتلتحفها... القلق يضع المبدع وجهاً لوجه أمام حقيقة حريته وأمام تحقيق كينونته الأصيلة كإحتمال مطروح علي الدوام ...القلق الهايدجري يغمس البني آدم في حالة من الهم في مواجهة الإبهام العريض الذي يحيطه وهو في مواجهة أسئلة الوجود البلا إجابات ، في مواجهة اللا دعم أمام كل محنة تقابله، وفي مواجهة خواء القيم الإجتماعية..يري هايدجر بأن اللغة هي جذر كل خطاب .. والطريقة التي نشكّل بها أفكارنا وقيمنا تربض في أصول اللغة ..فنحن دوماً محاصرون ومحصورون في المفردات السائدة في بئتنا والتي تشكل مساحة حريتنا ما بين الحلال والحرام ( رفع الأذي من الطريق صدقة وسب الدين ردة) وقدرتنا علي الكلام هي إستحضار لشكل من الخبرة المبهمة داخل ما يعرف ب "العالم" في محاولة لإستيعابها والتوافق علي المعاني التي يتم التواصل ضمنها .. إننا جوهرياً وبسبب قابليتنا الفريدة كبشر علي التخاطب والتواصل نبدأ مع تعلمنا اللغة منذ الطفولة في إكتشاف حدود عالمنا والمشاركة في إعادة إنتاجه أو التمرد عليه.. خلال هذا التواصل اللغوي يبدأ مختلف الأفراد في تبادل الافهام والإعتقادات التي تنتخب منها تلك التي يضفي عليها أهمية قصوي في محاولة تأسيسية لوجود بعينه أو تقنينية لمكامن القوة . وهذا دور مخاتل للغة عند هايدجر تمارسه اللغة السائدة في تقنين عالمها عبر تغييب الجوهر الحقيقي للاشياء، يسعي البشر أو الدازاين ضمن هذه المحاور الوجودية إلي صياغة كينونة خاصة هي نطاق كل فرد في التواصل مع الآخرين ...في أثناء هذا التواصل يكتشف الدازين فردانيته أمام إلحاحات الوعي الجمعي ، والفردانية هي مصدر القلق (تحقيق الفردانية محاولة عسيرة تشبه محاولة الماشي وهو مربوط في حبل يحتاج لمغالبته بحنكة كما وصفه نيتشة في هكذا تكلم زرداشت) بمعني أن علي الدازاين مواجهة العالم الذي قذف فيه أولاً عبر مقاومة الحبل الذي يشده لإحداثياته الإجتماعية عبر حنكة اللغة والسلط المتعددة....أواصل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة