حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-25-2024, 11:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-27-2012, 08:32 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الخامس
    مرجعية الستينيات والتسعينيات
    يخلّط بين قمر وقّاد
    وأب قرشين
    عشان اشتركو في الدوران
    يقول تومين
    لقد بينا في هذا الكتاب سلسلة الأعمال التي قامت بها الجماعة المنسلخة عن الحزب. بقي إلقاء ضوء على المنطق الذي حكمها في تصرفاتها تلك لتبيان مدى خطل قراءتها للواقع السياسي عامة وللبناء الداخلي لحزب الأمة. لقد تحركت هذه الجماعة في رأيي وحسب ما يبدو من تصريحاتها عبر قراءتها لموقفين تاريخيين هما: الأول خاص بالحزب وهو الانشقاق الذي حدث في الستينيات. والثاني: حدث داخل حزب آخر هو المؤتمر الوطني وقد حدث عام 1999-2000.
    ضلال التشبه بانشقاق 1966 داخل الحزب:
    أولا ما هي حقيقة الانشقاق في الستينيات؟
    عانى حزب الأمة تاريخيا ومنذ إنشائه في 1945 من ثلاثة مشاكل في صفوفه أدت إلى تفرقة بين العضوية. اثنان منهما كانا اختراقا من جهات أجنبية: الأولى في 1951م مع تكوين الحزب الاشتراكي الجمهوري، الذي لم يكن -على حد تعبير الدكتور الفاتح عبد الله عبد السلام- لم يكن جمهوريا ولا اشتراكيا ولكنه كان نوع من محاولة البريطانيين "تأديب" حزب الأمة على ما رأوه الخروج عن الطوع والمطالبة بالحكم الذاتي . أما الاختراق الثاني فقد كان في عام 1957 بدعم مصري تحت اسم حزب التحرر الوطني الذي سماه بعض منسوبيه "حزب الأمة الحق" . أما الإشكال الثالث فقد كان في الستينيات ووجد بوادره إبان الاختلافات داخل الحزب حول درجة التصدي لنظام عبود . بعد قيام ثورة أكتوبر 1964، أقام حزب الأمة هيئة تأسيسية مكونة من الهيئة القديمة يستبعد منها من اشترك في تدبير انقلاب نوفمبر 1958م ومن تعاون مع النظام العسكري ويضاف إليها من يمثل الدماء الجديدة وما يجعل التكوين ممثلا للواقع. اجتمعت تلك الهيئة في نوفمبر 1964م لانتخاب رئيس الحزب وأمينه العام والمكتب السياسي، وفي منصب الرئاسة ترشح السيد الصادق المهدي ينافسه السيد محمد أحمد محجوب، ونسبة لدور السيد الصادق في ثورة أكتوبر فقد فاز بأغلبية ساحقة بالرئاسة، وانتخبت الهيئة التأسيسية أيضا الأمير عبد الله نقد الله أمينا عاما للحزب، وانتخبت المكتب السياسي، وبارك خطواتها الإمام. ثم خاض الحزب انتخابات عام 1965 حيث فاز بأكثرية المقاعد وكون حكومة ائتلافية وانتخب السيد محمد أحمد محجوب رئيسا للوزراء عنه.. أول محطات التصعيد للخلاف الذي حدث في الستينيات كان وقوع اختلاف بين رئيس الوزراء، وبين طاقم الوزراء الحاكم معه ، ثم خلافه مع الهيئة البرلمانية لحزب الأمة. كونت الهيئة البرلمانية للحزب لجنة برئاسة السيد أمين التوم لبحث أداء الحكومة واتصلت اللجنة برئيس الوزراء وحققت في الأمر ثم كتبت تقريرا بمثابة إدانة قاطعة لرئيس الوزراء. ولكن رئيس الوزراء بدلا من التفاهم مع الهيئة التي انتخبته، رد بأنه غير مسئول أمام الهيئة بل أنه مسئول فقط أمام الإمام الذي عينه وهو الذي يحاسبه، وصار يرفع شعار "سقوط محجوب سقوط الإمام" . وحتى تلك اللحظة لم يكن رئيس الحزب (الصادق المهدي) ولا الإمام (الهادي المهدي) طرفين في النزاع داخل الأجهزة. ولكن رئيس الحزب تدخل مؤيدا الهيئة البرلمانية في حقها في محاسبة رئيس الوزراء، وحق الحزب في متابعة أداء حكومته والتنسيق بين أجهزته وبينها. والإمام وافق على أن الهيئة البرلمانية وأجهزة الحزب القيادية لا تملك الحق في محاسبة رئيس الحكومة، فوقع استقطاب حول هذه القضية في الحزب أدى للانشقاق في عام 1966م . انشقت الهيئة البرلمانية للحزب إلى ثلث وثلثين. وقف الثلثان مع أجهزة الحزب وحقها في مساءلة حكومتها بينما وقف الثلث يؤيد خط أحقية الإمام وحده في ذلك. وقد صوت الثلثان ضد حكومة رئيس الوزراء داخل البرلمان فأسقطت وتم انتخاب حكومة جديدة أتت بائتلاف جديد وانتخبت الصادق المهدي رئيسا للوزراء.
    ثانيا ما هي حقيقة ما حدث في سوبا يوليو 2002م:
    حزب الأمة يخوض منذ عام 1989م حربا وجودية وتحررية. وقيادة الحزب تقوم على شرعية البلاء والانتخاب. قيادة الحزب هي التي قادت المواجهة للنظام ثم الحوار معه، وكان موقفها في الحالين صائبا ومزكيا لها ولصحة مواقفها. كما قادت تكوين نظام مرحلي للحزب في مرحلة العلنية بعد تجاوز المرحلة الاستثنائية. سياسات الحزب ونظمه المرحلية كلاهما تأسس على إجماع قيادات الحزب بلا استثناء بما فيهم جوقة سوبا. هذه الجوقة شاركت في كل القرارات التنظيمية والسياسية التأسيسية. ابتداء بمؤتمرات الحزب بالخارج، واجتماعاته التاريخية في فبراير وأغسطس 2000 –آلية التراضي- وحتى قرار 18 فبراير الذي أجمعوا حوله مع الآخرين. إن مقترحات تلك الفئة قد نوقشت بصراحة ووضوح –على عكس ما يدعون- ولو كان عندهم حججا أخرى فإنه لم يكمم أفواههم أحد- لقد رفع رئيس الحزب اللوائح عن الاجتماعات حتى يدلي كل بدلوه- والتزم الصمت حتى لا يتأثر أحد بكاريزميته. ثم قرر الحزب بالإجماع تلك القرارات. ثم وفي مرحلة لاحقة بدا لتلك الجماعة أن تلك القرارات لم تفسر كما تبتغي أو أنها أقل مما ترتضي، فرأت أن تلوي ذراع الحزب لإحداث سياسات وتنظيمات إقصائية لإبعاد من لا ترغب فيهم، وسيادة الخط السياسي الذي تراه "حميرا أشربي ولا أكسر قريناتك". أما حزب الأمة فقد أصر على موقفه المتمسك بقراءته السياسية المبدئية لأطر الاتفاق مع النظام، والمتمسك بالمؤسسية وقراراتها ولسان حاله يقول لجماعة سوبا 2002م قول الشاعر العربي:
    وإن كنت تبغي للظلامة مركبا ذلولا فإني ليس عندي بعيرها
    لقد رفعت هذه الفئة بين ما رفعت شعار "الإصلاح والتجديد" كلمة حق أريد بها باطل المشاركة بغير قيود. لقد كان واضحا أن الإصلاح والتجديد في الحزب سيتم عبر المؤتمر العام وورش العمل. ولجنة المؤتمر العام كان رئيسها (أحمد بابكر نهار) ومقررتها (أميرة أبو طويلة) من الفئة المنسلخة.. تلك الفئة لم تكن أبدا مهمشة بل كانت ممثلة بأكبر من حجمها الذي اتضح الآن.
    عندما همت هذه الفئة الاعتداء على الشرعية عقدت جمعية مباغتة خارج إطار الشرعية التي تستمد وجودها منها، ودعت الناس على أساس عشوائي "مكلفت" في أسبوعين دون أية من ضوابط المؤتمرات المعهودة. كما برز تماما أن الاجتماع تحت حضانة المؤتمر الوطني وبإمكانيات خارجية.
    مقارنة بين الحدثين: إن القراءة المتعمقة والعارفة بأسباب الانشقاق وظروفه ومآلاته في الستينيات، ثم العالمة بمسببات وإجراءات الاختراق الحالي تظهر التالي:
    - في الستينيات لم يكن الانشقاق بخروج بعض الناس وتكوين حزب جديد على غرار ما حدث في الحزب الاشتراكي أو التحرر الوطني أو كما فعلت جماعة سوبا، بل أن الهيئة البرلمانية انشقت إلى قسمين من داخل البرلمان. صحيح أن شعار الإصلاح الحزبي كان قد رفع منذ مؤتمر أبا في أغسطس 1964م وإبان حكم عبود ولكنه لم يكن سبب الانشقاق فقد اجتمع كل المؤتمرين على ذلك الشعار. لاحقا - وبعد حدوث الخلاف الذي أججه السيد محمد أحمد محجوب وبعض الذين أخفقوا في انتخابات المكتب السياسي والذين شاركوا في نظام عبود وأبعدهم التنظيم الجديد - لاحقا خاض الجناح الذي يقوده رئيس الحزب الانتخابات ببرنامج "إصلاح وتجديد"، والجناح الآخر من الحزب لم يكن يستند على شرعية انتخاب الهيئة التأسيسية بل على الولاء للإمام. وكان ذلك الشعار يهدف إلى اتخاذ المؤسسية والمؤتمرات وسائل لفك الإسار التقليدي عن حزب نشأ مجددا ولم يدع إلى الانقلاب على المؤسسات. والسيد الصادق المهدي كان قد انتخب رئيسا للحزب عبر مؤسساته. الخلاف إذن لم يكن بين أجهزة الحزب، وإن كان اتخذ شكل خلاف بين الحزب والكيان. أما المؤتمر الحالي فقد كان تزويرا باسم الحزب. والرئيس سمع به من تقارير سرية تسربت عن الجماعة المنظمة للمؤتمر (الرئيس وصلته تقارير عن تحركاتهم وحتى أرقام السيارات التي يستخدمونها للدعوة له ولكنه فضل مراقبة تصرفاتهم حتى نهايتها بدل الأخذ بالشبهات، وقد اعتقدوا أن صمته ذلك جهل منه بما يدور). وقد دعا تجمع سوبا للانقلاب على المؤسسة، وإقامة بنيان من الرمال مكانها.. "نبني فتهدمها الرياح"، وهذا هو مصير هذا التكوين الهش.
    - في الستينيات لم يكن الحزب في حالة كفاح ضد الدكتاتورية أو استنفار لتحقيق التحول الديمقراطي مصادرة أمواله ومكبل إعلاميا كما هو الحال الآن. أما الآن فالحزب في حالة مواجهة لعدة أجندات. وهو مستهدف من أصحاب الأجندة الشمولية، كما هو مستعدى من قبل أصحاب الأجندة الحربية. هذه النقطة مهمة، ففي تاريخ الحزب تكررت مثل هذه الخطوات في عهد مايو عدة مرات، وفي عهد الإنقاذ عدة مرات أيضا، بلاعبين مختلفين كل مرة (كما استهدف كيان الأنصار عدة مرات أيضا) والذين كانوا يرفعون الشعارات المختلفة داخل الحزب أو داخل الهيئة كانوا في كل مرة يتلاعبون بشعارات الإصلاح، ويصل لمغزى ذلك التلاعب كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
    - لقد كان الحزب حين تفجر الخلاف حاكما لا ملاحقا كما بينا، ولكنه تفجر لسببين: الأول ضرورة أن يوجد تنسيق بين رئاسة الحكومة وبين الهيئة البرلمانية والحزب الذي تحكم باسمه، فقد لوحظ غياب تام للتنسيق وتضارب بين موقف الحزب وبين طاقمه الحاكم، بل لقد رفض رئيس الحكومة الانصياع لهيئته البرلمانية ورفض اعتبار الأجهزة الحزبية. هذا التناقض بين الحزب وبين حكومته فاقمه السبب الثاني وهو: غياب إطار يؤسس العلاقة بين الحزب وبين كيان الأنصار وقيادته –أي الإمام. فقد مرت العلاقة بين الحزب والكيان بعدة محطات برزت فيها ضرورة ضبط العلاقة بصورة مؤسسية، وقد كان البيان الصادر من الإمام عبد الرحمن المهدي عام 1950م هو أحد المرجعيات لضرورة الفصل بين الكيانين وتحديد صلاحيات الإمام، ولكن ذلك البيان لم يطور في شكل دستور أو وثيقة تحكم العلاقة، وظلت تلك العلاقة عرضة لاختلاف التفسيرات. ولقد استغل الغاضبون من تكوينات الحزب وأجهزته المشار لهم آنفا على رأسهم السيد محمد أحمد محجوب- هذه الضبابية كوسيلة لمواجهة الضغط من أجهزة الحزب عليه لضرورة تنسيقه معها وانقياده للقرارات الحزبية. وكلا السببين: ضبط العلاقة بين الحزب وحكومته، وضبط العلاقة بين الحزب والكيان الأنصاري نابعين من تناقضات ذاتية في البناء الحزبي. والآن لا يوجد التناقض الأول ببساطة لأن الحزب ليس حاكما، أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الحزب والهيئة فقد تكونت لجنة عام 2001م من قيادات في الحزب وفي الهيئة لضبط العلاقة والتمييز بين الحزب والهيئة بصورة مؤسسية. التناقض الذي حدث داخل الحزب لا يتعلق بأمور ذاتية فالدعوة للإصلاح والتجديد تنتظم كل القيادات والكوادر ولا يوجد قيادي واحد –محافظ- يدعو لاستمرارية الحزب بشكله الحالي، والدعوة للإصلاح تم الاتفاق والتنظير لها أن تكون عبر مؤتمر الحزب العام وكونت لجنة له –رئاستها بيد أحد أفراد الجماعة المنسلخة وكذلك مقرريتها. بل لقد ظلت قيادة الانسلاخ تقول أن الحزب لن يعقد مؤتمره العام –وبيدها رئاسة ومقررية لجنة إعداد تصور المؤتمر. ثم أنها لم تعقد تجمعها إلا بعد أن سارت المسيرة وابتدأت المؤتمرات القاعدية بمؤتمر محلية الحوش بتاريخ 9 يونيو 2002م، تلاها مؤتمر المناقل في 10 يوليو 2002م.. نعم لقد بدأت القطرة أول الغيث، لكن المنسلخين تجاهلوها وسارعوا بمؤتمرهم "المكلفت" فقد صارت المسألة سبقين "سبق أول لاستباق أي اتفاق بين الحكومة وقرنق تسقط إثره قسمة الكيكة، وسبق ثاني لاستباق عقد المؤتمر العام للحزب وسقوط كل دعاوي الإصلاح بشرعية ثورية تبرر الحديث عن المشاركة من خارج الأجهزة، لقد أدركت جماعة سوبا أن المؤتمر العام سيقبر كل ادعاءاتهم ويلحق بشعاراتهم البوار".. إن التناقض داخل الحزب الآن تم حول مدى العلاقة مع النظام، فالجماعة المنسلخة ترى الخير كل الخير في المشاركة بأسرع فرصة لأنها تتيح للحزب البناء الذاتي وخدمة جماهيره وبناء إمبراطوريته الاقتصادية ثم المشاركة في صياغة مستقبل البلاد. الغالبية العظمى من قيادات الحزب وجماهيره لا ترى هذه الرؤية، وقد سبق إيرادنا للردود المنطقية على هذه الادعاءات. التناقض الأخير هو بسبب العلاقة مع طرف "خارجي" وقد انحازت فيه الجماعة للطرف الخارجي، تماما كما حدث بالنسبة للحزب الجمهوري الاشتراكي في أوائل الخمسينيات، حيث رأت الحكومة البريطانية أن خط الحزب نحو الاستقلال يضر بمصالحها، فصنعت الحزب الذي استقطب من عضوية حزب الأمة من يخدم خطها، ويعتبر هذا اختراقا للحزب، لا انشقاقا بسبب تناقضات ذاتية. ولقد سبق ذكرنا لأن محاولات الاختراق تمت أيضا في عهد مايو وفي عهد "الإنقاذ" مرتين غير هذه الأخيرة، وغالبا ما كان الاختراق يتم عبر أشخاص عرفوا بانتمائهم للحزب أو للكيان، ولكن الاختراق هذه المرة كان بإمكانيات اكبر وبتخطيط أكبر قدرة على الخداع والتمويه.
    - إن شعارات الإصلاح والتجديد شعارات تجد قبولا عند غالبية قاعدة حزب الأمة فقد انبنى على عقلية تدعو للتجديد. وحينما جرى الاختلاف في الستينيات فإن ثلثي الهيئة البرلمانية وقفت إلى جانب شعارات "الإصلاح". وبعد إجراء انتخابات عام 1968م حاز جناح الإمام على ثلاثين مقعدا وجناح الصادق على ستة وثلاثين مقعدا، بينما فاز ستة من المرشحين الذين أعلنوا أنهم حزب الأمة بدون تمييز موقفهم من الانشقاق . مما يدل على أن الشعارات المرفوعة كانت نابعة من اختلافات داخلية وتناقضات ذاتية. والآن فإن القواعد قد أدركت أن الشعارات التي ترفعها جماعة سوبا 2002م زائفة وناتجة عن اختراق لمصالح الشمولية، فعزلتها وكذلك أغلب القيادات.
    - الانشقاق في الستينيات لم يكن نتيجة مؤامرة على الحزب (ورئيسه) من الكيان ولا هو مؤامرة على الكيان (وإمامه) من الحزب، وأبلغ دليل على ذلك أنه لما حدث الخلاف الموضوعي حول سلطة الحزب على الحكومة ومدى صلاحيات الإمام داخل الحزب، لم يكن أي طرف يعرف من سيقف معه أم مع الطرف الآخر، فقد كان تحديد الموقف من الانشقاق راجع للأفراد أهل الشأن والذين كانت تحركهم مواقفهم الأيديولوجية وولاءاتهم المختلفة التقليدية والفكرية والمصلحية. ولم يدرك أي من الطرفين حجم التأييد الشعبي له في المناطق المختلفة إلا بعد إجراء انتخابات عام 1968م. هذه الضبابية في الموقف الشعبي كان سببها أن الانشقاق لم يكن مقصد أحد دعا له أو خطط. رئيس الحزب –مثلا- مع أن جناحه نال في مجمله أصوات أكثر من تلك التي نالها جناح الإمام، وعدد مقاعد أكبر من مقاعد جناح الإمام، إلا أن عدم المعرفة المسبقة أو الدعاية المسبقة تسبب في ترشيحه في دائرة غالبية عضويتها اتبعت جناح الإمام فلم يفز بها –دائرة الجبلين، واضطر الحزب لترشيحه في دائرة أخرى. الموقف في انسلاخ سوبا مختلف، فالدعوة للتجمع أتت لجهات محددة وبصورة سرية، فالجماعة طافت البقاع وزرعت لنفسها بعض الحشائش هنا وهناك، ثم حجبت "غابات الأمة" عن الاجتماع، لأنها تدرك مسبقا أن الغابات لن ترضى باتباع الحشائش.
    - لأن الخلاف في الستينيات كان بأسباب موضوعية ذاتية فقد أمكن تداركه في الوقت المناسب وإجراء التوحيد بعد تعديل تصورات العلاقة بين الحزب وحكومته، والعلاقة بين الحزب وكيان الأنصار. أما الآن فقد كانت جماهير الحزب حتى وقت قريب تظن الأمر اختلافا في وجهات النظر وظنه البعض ضيقا بسبب بطء خطوات الإصلاح، وكان بعضهم يسعى لرأب الصدع ولإسراع الخطى في حسم الخلافات. ولكن تجمع سوبا كشف الدافع الحقيقي لكل تلك الزوبعة الفنجانية في الماضي، وهو المشاركة في السلطة بدون شروط، ولذلك فقد وقفت قاعدة الحزب بصورة ماردة مع حزبها تلعق أحزان فقدان بعض قياداتها الذين أحسنوا البلاء في الماضي. التعامل الآن ليس مع اختلاف في وجهات النظر بل مع الخروج على الشرعية لصالح الآخرين ولمصالح ذاتية للمنسلخين. وبالرغم من ذلك فالحزب لم يغلق في وجوه المنسلخين الباب.. والطريق ما زال ممهدا للتوبة عن ذلك الإجراء الانسلاخي، واللحاق بالشرعية في مؤتمر 2003م، والمشاركون في سوبا لم يفقدوا عضوية الحزب ولكنهم فقدوا –بعدوانهم على الشرعية- مناصبهم السياسية والتنفيذية.
    ضلال التشبه بانقسام المؤتمر الوطني: لقد أوردنا حين حديثنا في الفصل الأول عن المذكرة الأربعينية، مدى فتنة السيد مبارك بتجربة الانشقاق في المؤتمر الوطني، واعتبار ما يقوم به تكرارا لما قامت به جماعة العشرة في تخلصها من قيادتها "التاريخية" لصالح "التجديد" باعتباره سنة الكون!. فقد قامت جماعة العشرة بتقديم مذكرتها الشهيرة للأمين العام للمؤتمر الوطني حينها. ثم كان ما كان من حشد الأمين للتأييد في مؤتمر 6 أكتوبر 1999م، ثم قرارات 4 رمضان، وإجراءات صفر، والانقسام في المؤتمر الوطني. إننا نجري المقارنة التالية بين الملابسات والظروف التي صاحبت كل من مذكرة العشرة والمذكرة الأربعينية، ثم نجري مقارنة بين ما تبعهما من فرقة:
    مقارنة بين انقسام المؤتمر الوطني وانسلاخ حزب الأمة: لقد شكا العشرة الذين قدموا المذكرة من غياب الشورى داخل المؤتمر وتحكم الأمين العام. ووجود صراع على السلطة استخدم فيه الأمين العام مؤتمر الحزب العام بتاريخ 6 أكتوبر 1999م لصالحه بالحشود الولائية واللوبيات بين المؤتمرين، كما استخدم المجلس الوطني في الصراع.. استخدم خصوم الأمين العام الدولة وأقصوه بأجهزتها، فوقع الانقسام. وحينها اتخذ المؤتمر الشعبي التفاهم مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي –حامل السلاح- كوسيلة في الصراع، مما اعتبره النظام مبررا لاتخاذ مواقف أمنية ضد المؤتمر الشعبي.
    لقد ذكرنا أن ذلك الانشقاق كان بسبب انعدام الديمقراطية داخل المؤتمر، والجماعة التي قدرت أنها مغبونة لجأت لأسلوب الضغط ثم للسلطة لحسم "غباينها". كما كان في ذلك الانشقاق عامل تناقض ذاتي في ضرورة ضبط العلاقة بين الحزب وحكومته. لقد استفاد خصوم الشعبي في المؤتمر الوطني من الانشقاق جزئيا لأن قيادة الشعبي قد نجحت في عقد الإنقاذ الأول في جذب عداوة الرأي العام السوداني باعتبارها مهندسة الانقلاب، وتكوين مشاكل مع دول الجوار ومع الأسرة الدولية في فترة المؤتمر الشعبي الإسلامي والعربي العالمي. ولكن ليس صحيحا أن ذلك الانشقاق عاد بكل الخير على القائمين به حتى يصير مثالا للاقتداء، والمراسلات بين الدكتورين غازي والترابي مؤخرا تؤيد أن الجماعة بدأت تستشعر سلبيات الانقلاب على القيادة الحزبية. ومهما يكن من أمر، فهو لم يكن لصالح تجديد القيادات أو الانتقال من الشيوخ للشباب كما تكرر ذلك الجماعة المنسلخة، ولقد اعترف الدكتور غازي صلاح الدين صراحة في خطابه للشيخ الترابي أن المؤتمر الوطني فقد قاعدته الشبابية والطلابية والنسائية بعد الانشقاق. هذا الانقسام الذي حدث في صفوف أخوة الأمس –بحيث فشلت في التوسط بينهم كل القوى والشخصيات الصديقة، وشمتت بهم الأعداء، وأذاعت سرهم وجعلتهم يتلمسون مساقط بعضهم الآخر- هذا الاقتداء بئس الاقتداء للأسباب الآتية: الاختلاف لم يبحث ويحسم ديمقراطيا بل حسم بأجهزة السلطة وتعطيل أجهزة الحزب- الحسم عن طريق السلطة لم يكن شافيا مما أدى لانقسام شامل- الانقسام نفسه لم يحسم التأزم لأن المؤتمر الوطني ما زال يعاني من آثار الاختلاف- محاولة حسم الخلاف عن طرق أجهزة الدولة أدت لإدخال عوامل أخرى في الصراع، وهي عوامل ما زالت تشكل هاجسا لا يهدأ.. هل هذا السيناريو المنفر قدوة لأحد؟.. اللهم إلا المتنبي بعد أن يئس من سيف الدولة أمير دولة بني حمدان فخرج عن دولته مخذولا وأنشد يقول:
    كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
    والمتنبي في حالة "تمني المنايا" قصد كافورا الإخشيدي "بالفسطاط" يقول "ومن قصد البحر استقل السواقيا!"، وما كانت نهايته إلا "منايا في منايا" حيث هرب من مصر مخذولا خذلانا أشد، وعلم أين البحر وأين الجفاف والظمأ.. فهل هي حالة "جماعة سوبا" في برمهم بأخوتهم داخل الحزب وارتمائهم في "فسطاطهم" الجديد؟.
    ولنتساءل ما هو الموقف الذي أدى للمذكرة الأربعينية؟:
    - السيد مبارك وجماعته ينظرون لكثير من قيادات الحزب وكوادره بصورة إقصائية ولا يرون مكانا لهم بينهم، ويعتقدون بضرورة إجراء حملات ثورية وقد دعوا لشرعية ثورية، وهم يعتقدون أن رئيس الحزب بجماهيريته قادر على القيام بهذا الإجراء الجراحي، لذلك رأوا مخاطبته والضغط عليه لذلك.
    - ونسبة لهذا المزاج الإقصائي فهذه الجماعة لا تعترف بالأجهزة التي تجمعهم مع الآخرين.
    - هذه الجماعة تشكو من أنها متيقنة تماما من أن ثوابت الإنقاذ صارت ثوابت وطنية، ولكن الحزب به "حالمين" يظنون أن الإنقاذ يمكن أن تصل معهم لاتفاق أفضل مما تحصلوا عليه بالحوار، اتفاق يكون فيه تحول ديمقراطي وغير ذلك من الأحلام. والشخص الوحيد القادر على إقناع الجماهير بأن هذه مجرد أحلام هو الرئيس، ويجب الضغط عليه أيضا، ومن خارج الأجهزة ليستجيب.
    - السيد مبارك ينظر لدوره الحزبي والقيادي بتضخيم كبير. صحيح أن الكوادر ونسبة كبيرة من القواعد يدركون للسيد مبارك دوره في المعارضة الخارجية ويقدرون نضاله، ولكن ذلك لا يتناسب مع الدور الخرافي الذي ينسبه لنفسه. ولذلك فلا بد أن يضغط لإعطائه الحجم الذي يرى أنه يستحقه في القيادة وأن يكون ذلك كمنحة من الرئيس لا من الأجهزة التي يكفر بها.
    - والسيد مبارك من ضمن تضخيمه لدوره يضخم أيضا قدراته، ويظن أنه الوحيد في حزب الأمة القادر على حساب السياسة حسابا دقيقا. رئيس الحزب في رأيه يتحرك بأكاديمية ولا يعي أساليب السياسة ويغرق في مثاليته ولا يعلم كيف تؤكل الكتف.. هذا الرئيس له مقدرات معينة جماهيرية وتعبوية ينبغي أن يضعها في خدمة سياسة السيد مبارك المحسوبة.. وبذلك ينبغي الضغط عليه.
    - ورئيس الحزب هذا تقاعس عن الدفع نحو المشاركة (مما يعني أنه لا يرغبها).. هذه مشكلة كبيرة فلولا ذلك لخرج القرار في صالح المشاركة، إنه يحمل مفاتيح الجماهير، ولكنه متقاعس! عن المشاركة!.
    - والسيد مبارك بناء على قراءات خاطئة للتاريخ جاهلة بسيره يعتقد أن السيد الصادق قد مكن لنفسه داخل الحزب والكيان عبر الانشقاق في الستينيات بحيث "احتل" المكان الثاني كتعويض عن تراجعه. وهو يريد أن يضغط أيضا الآن ليحتل المكان الثاني.. كأن الحزب إقطاعية للسيد الصادق يسترضي بها الآخرين.. وكأن مشوار المؤسسية الذي يجعل الفصل في المناصب للجماهير لم يتم السير فيه. لقد بينا آنفا أن زعامة السيد الصادق للحزب لم تكن محل تنازع فقد فاز بانتخابات رئاسة الحزب بأغلبية ساحقة، وأنه لم ينازع الإمام في منصبه بالكيان، فقد أورد الفاتح عبد السلام أن البعض من قيادات الحزب والكيان كانوا يرون الصادق هو الأنسب للإمامة، ولكنه قال "إنصافا للصادق فإنه لم يذكر أبدا تلك المسألة كأحد عوامل خلافه مع عمه الإمام الهادي" . ولكن السيد مبارك يستبطن عقلية "حجز المقاعد" بأسلوب بعيد عن نهج الحزب. إن مقام السيد الصادق في الحزب والكيان مبني على مواقف لو خالفها هو نفسه لانقلبت عليه جماهير الحزب كما قال بلسانه في إحدى لقاءات "بين الصحافة والسياسة" وقد قال شاعر الحزب مصداقا لذلك مخاطبا رئيس الحزب:
    صفنا ديمة ثابت ونحن شادين أزرك وإن قصّرت في سوداننا ما بنعذرك!
    الشاهد.. يمكنني أن أكتب مليون جملة من الجمل التي يفكر بها أهل سوبا: نرجسية مفرطة! (بتضخيم الذات). ودكتاتورية عجيبة! (تفرض على الرئيس آراء ورؤى معينة) وإقصائية لا حد لها!! (ترى إزاحة كل من لا يعجبهم). قال لي أحد الأحباب أنه استفسر السيد مبارك حول تصريحاته الشهيرة، فقال له: "قلت للصادق، يا أخي المسألة دي حساباتها كدة وكدة وكدة، وأنا أشطر منك".. وهذه الجملة تفسر لماذا كل هذا الغضب، فالسيد مبارك يعتقد بحق أن مقدراته في السياسة وفي قراءتها وفي تحليلها هي الأكبر من جميع زملائه بدون فرز، وليست هذه هي الجناية، إنما المشكلة أن تعتقد أن على الجميع أيضا اعتناق هذا الرأي، والأكثر من ذلك، أن يعاقبوا على عدم اعتناقهم إياه، أولا بمذكرة استعلائية المنطق، وثانيا بهجمة صحافية لا ترعى إلا ولا ذمة، ثم أخيرا بمحاولة حلهم وقبرهم أحياء في سوبا!!. وكل تلك الأفاعيل أظهرت أن السيد مبارك وباعه في السياسة يقارن بالشيخ جعفر الذي قيل فيه: "وسفنجة جاءت لشرب بحر، وشمعة ضاءت لشمس ظهر، والشيخ جعفر في مجال الفكر.. ثلاثة مضحكة لعمري!
    لم يرض المتنبي لأن سيف الدولة لم يقدره كما يستحق في ظنه، ولم يرض السيد مبارك لأن حزب الأمة لم يعطه قياده كما ينبغي في رأيه.. ولأنه كان في حالة تمني المنايا، فقد أشار -السيد مبارك - في "كافوريته" لحزب المؤتمر الوطني وتجربته بفتون شديد في لقائه الصحفي المعلوم..أما كان المثل الأفضل له أن يشير للأحزاب الديمقراطية أمثال حزب المحافظين في بريطانيا، وللنقلات الحضارية أمثال ما حدث مع حزب المؤتمر في جنوب إفريقيا؟ إن الإصلاح والتجديد في تلك الكيانات أتى بصور ديمقراطية وبتماسك في الجسم السياسي المعني.. وغاية حزب الأمة أن يخط مسيرته على نهج الديمقراطية لا نهج الاستئصال.
    حساب الانسلاخيين: لقد بينا أن مثال انقسام المؤتمر الوطني ليس نموذجا يحتذي بأي حال، ولو استطاع أهله تفاديه لما تمنوه، ثم بينا اختلاف الظروف والملابسات في الحالين، ولكن الأهم أن قياس انقسام المؤتمر الوطني بانسلاخ حزب الأمة سيخرج الجماعة المنسلخة بحساب خاسر:
    إن جوقة سوبا لم تعاني من تهميش ولا تحكم، بل لقد كانت ممثلة ومشاركة في شئون الحزب بأكبر من حجمها. لقد حاولت تلك الجوقة إقصاء الآخرين باسم الشرعية من قبل، فقد كان السيد مبارك أثناء إدارة العمل من الخارج يعتبر الشرعية مرادفة للانفراد وإقصاء الآخرين. وقد حاولوا إقصاء الآخرين إبان اجتماعات فبراير ثم أغسطس 2000، ثم فيما أسموه "الشرعية الثورية" في مذكرتهم الأربعينية، حيث كان التنظير لإقصاء جميع قيادات الحزب ما عدا رئيسه والأمين العام لصالح جوقتهم. وقد حاول الحزب الحفاظ على تماسكه الداخلي والاحتفاظ بهم ما أمكن حتى المؤتمر العام الذي يبني الشرعية الجديدة المتفق عليها، ولم يتحرك الحزب ضدهم ويعزلهم عن مناصبهم حتى اعتدوا على الشرعية وحلوا الحزب بدون وجه حق. بل لقد مد لهم الحزب مدا رغم التجاوزات وحاول البناء على الإيجابي من تحركاتهم مهما صبت في قالب عدائي- أبرز دليل على ذلك لقاء مبارك قرنق بلندن يوم الأحد 3 مارس 2002 والذي تم من وراء ظهر المؤسسة وبالتنسيق مع النظام، مع هذا التجاوز الظاهر لم يلتفت الحزب للناحية الإجرائية وبنى على إيجابية اللقاء بالحركة. كما أن حزب الأمة ملتزم بالجهاد المدني ونبذ العنف وعدم التحالف مع القوى التي تحمل السلاح. وهو حزب صديق لدول الجوار وله صورة إيجابية في الأسرة الدولية من حيث تمثيل الشرعية ومراعاة حقوق الإنسان، فلن يربح من يبتعد عنه في هذه المجالات بل يخسر (وقد حدث فعلا في لقائهم بالحكومة المصرية الوارد ذكره في الخاتمة).
    محصلة المقارنة هي: جماعة المؤتمر الوطني استفادت من الانشقاق بالقضاء على التناقض بين الحزب والحكومة نهائيا لصالح الحكومة بسلطة الدولة، واستفادت من التخلص من لغة تصدير التشدد الإسلامي بعلاقات دبلوماسية أفضل - وأشباه هذه الفائدة سيجنيها حزب الأمة لأن السيد مبارك وجماعته سمموا العمل الحزبي وجعلوا الاجتماعات أماكن للمبارزة بدلا عن التداول الحر، والاستقطاب بدلا عن التعاون، إن الارتياح في وسط صفوف الحزب الآن مرده إلى أن المناخ الذي كانت تشيعه تلك الجماعة داخل الحزب خرج من خانة التنافس لخانة الإقصاء- والسيد مبارك هو الأكثر عداوة وتطرفا في الخصومة للآخرين خارج الحزب بشكل لم يحتمل فيه اختلاف الآراء أو تنسيق العمل من قبل. لقد كان العمل المضاد لحزب الأمة في مؤتمر هيئة قيادة التجمع الشهير في مارس 2000 في إرتريا والذي خرج إثره حزب الأمة من التجمع، كان ذلك العمل المقصود الأول منه هو أمين عام التجمع حينها (السيد مبارك المهدي) فقد ضاق به زملاؤه وضاقوا بانفراده بالرأي واستخفافه بالآخرين، ولكن الحزب رأى أن تلك الأمور ما كان يجب أن تبلغ ما بلغته من زملائنا في التجمع لأن الشأن العام أبدى من الخاص، واعتبر أن ذلك العمل العدائي لم يراع دور حزب الأمة ولا دور السيد مبارك في التجمع، هذا علاوة على أن الأخوة في التجمع كانوا يصمون آذانهم على المستجدات، فقرر الحزب الانسحاب.
    وفي الرأي العام السوداني أفلح السيد مبارك في اصطياد الانتقادات ولم يشغل نفسه بما يتداوله الشارع يوما في عماء سياسي بالغ، بل لم يرعو أن يربط اسمه واسم حركته "الإصلاحية" بصحف ارتبطت في المخيلة السودانية بالطلاح. ولذلك، فقد انهال التعاطف الآن على الحزب من جميع القوى السياسية الداخلية بل والدبلوماسية.. وأذكر أنه في لقاء اجتماعي مطلع هذا العام جلست إلى جوار العم مبارك وتبادلنا وجهات النظر حول أسلوب القيادة في حزب الأمة وقضية المشاركة، فتطرقت لأهمية الرأي العام داخل الحزب وخارجه وكيف أنه لا يهضم مسألة المشاركة في سلطة "الإنقاذ"، قال لي السيد مبارك حينها: كم توزع أكثر الجرائد توزيعا عشرة ألف نسخة؟ ومن يقرأها؟ إنهم شريحة محدودة لم ترض عنا يوما ولن ترضى ولا يجب أن نشغل أنفسنا بهؤلاء.. وقد تعجبت لهذا المنطق ولا زلت، إن السيد مبارك صار يتبع الأسلوب الشمولي في طرح وجمع البشر. الأسلوب الشمولي ينكر أن يكون القادة في المجتمع يمثلون قواعدهم، وينكر أن تكون الصفوة المثقفة لها أي علاقة بنبض الشارع.. والأسلوب الشمولي يستسهل التعامل مع الرأي العام الذي تعكسه الصحافة باختزاله إلى أعداد المواطنين الذين يتابعون الصحف ويتأثرون بالتالي بما يدور على صفحاتها. ولكن هذا الأسلوب ينسى تماما الحقائق الآتية: أن مصائر الشعوب لا تسطره الجماهير (الصامتة) التي يتحدثون عنها بل القلة المتحدثة التي تحمل الهم وتعبر عنه. وأن أي عملية تستهدف التغيير بالوسائل السلمية أو حتى الثورية لا يمكن أن تمر بدون إشراك فعال لهذه القلة (المتحدثة) التي تقود الرأي العام، وهذا ما يجعل حزب الأمة يعتبر أنه يكتب التاريخ من موقع الجماهير (المتحدثة) لا موقع الوزارات التي تخصم من ميزانيات الشعب أكثر مما تتقلده من مهام، شهد بذلك الأستاذ تاج السر شبو أن تصريحات حزب الأمة وتعليقاته التي تقود الرأي تفوق كل القوى المعارضة. الشاهد أن هذا الأسلوب "الكمي" في تقييم جهات الفعل يغيب عليه أيضا أن أية مفاوضات ستجري ستكون تحت سيطرة السلطة الرابعة (الإعلام) الذي يكون حاضرا حتى ولو غيبت شخوصه، فالمفاوضون أنفسهم يهابون تلك السلطة الآمرة الناهية، وحقيقة أخيرة أن الصحافة برغم تخلفها البائن فهي أكثر الجوانب السودانية تقدما، وهي تفوق غالب الأحزاب (في الحكومة والمعارضة) في تعبيرها عن جماهير السودانيين بمختلف مشاربهم من خلال هامش الحرية المتاح ورغم القيود.
    وقد كان من خسائر جماعة المؤتمر الوطني –حسب اعترافاتهم السرية التي أذيعت- تناقص قاعدتهم خاصة عند الشباب والطلاب والمرأة. كما كان من خسائرهم افتقادهم لرمزهم الكاريزمي الأول، ولبعض الثقل الفكري، مع وجود كوادر فكرية مؤهلة وقفت مع المؤتمر الوطني، وهذه هي خسائر ثلة سوبا مضخمة إذ يقفون في صحراء فكرية لا واحة لها وخواء مميت، تشهد بذلك أوراقهم المقدمة، وكلماتهم التي ذبحوا فيها العربية ذبحا كما ذبحوا العقل والمنطق، مما يدل على ذلك السقوط الفكري والتنظيري المريع، وهم لم يخفوا ذلك إذ قالوا: لا تنظير بل تطوير- وقد ساق لهم ذلك الشعار السخرية، فعلى حد تعبير الأستاذ الحاج وراق –الأمين العام لحركة حق والمدير العام لصحيفة الحرية- في عموده "مسارب الضي" والذي كتبه بعنوان "مباركُ الوقوع" إثر أحداث سوبا أن التطوير نفسه يحتاج إلى تنظير وأن الشيء الوحيد الذي لا يحتاج لتنظير هو "الهبر" الذي يحتاج فقط لتبرير!. وفي الفصل السادس من هذا الكتاب (الرد على حجج سوبا) نتطرق لضرورة التنظير للكيانات السياسية بشيء من التفصيل.
    أما بالنسبة للفقد البشري، فإن كل من استطاعت استمالتهم الجماعة هم من القيادات والكوادر الوسيطة، أما القاعدة فوقفت بصلابتها المعهودة عازلة لهذه الجماعة. والجماعة المنسلخة من حزب الأمة فقدت قياداتها الشرعية بقوة أجهزة الحزب وصلابة موقفه..
    إن حسابات الجماعة المنسلخة إذا قيست بتجربة المؤتمر الوطني فستنتج عن خسائر جماعة المؤتمر الوطني (ناقصا فوائده)، مضافا إليها استدرار السخط الشعبي. والربح الوحيد هو المشاركة في السلطة مع جماعة أخرى لم تطق المشاركة من قبل مع أحد، اللهم إلا بعض القيادات الحزبية التي انبتت عن أحزابها الأصل وأطروحاتها الفكرية!. لقد قال قائلهم: "نشارك بل نشارك بل نشارك دون جهجهة ######رية".. وإني أخاف أن تجر لهم تلك المشاركة "الجهجهة" كما جرت لهم "السخرية".. بعد أن أهرقوا عليها تواريخ النضال والزمالة دما مسترخصا..
    حسابات حزب الأمة: أما حزب الأمة فإنه فقد بعض قياداته الذين أبلوا في الماضي- وهو فقد أليم مهما قلت أعداده، ولكن الحزب متعود على ذلك الفقدان مع الاختراقات المستمرة إبان الديكتاتوريات والتي يتعرض لها بحسبانه الرقم الشعبي الأول. والحزب سيؤثر على صورته سلبا أن يخرج من داخله قيادات يجعلون همهم الإساءة له ولتنظيماته ولسياساته ولقياداته كما درجت الجماعة المنسلخة ووظفت لذلك صحفا ساندتها فلم تدخر ذخرا في نشر الأكاذيب وتمويه الحقائق وإشاعة الشائعات ونثر المغالطات حول كل صغيرة أو كبيرة في الحزب. بل وبعض أفراد الجماعة المنسلخة أخذ من وسائل الأوتقراطيين في الخوض في الأمور الشخصية واستهداف اغتيال شخصية المخالفين فلم يراعو إلا ولا ذمة، وذلك في مجالسهم الخاصة، وشائعاتهم المسربة، وعلى حد تعبير الحبيبة رشا عوض فإن "مجالس الغيبة والنميمة المذكورة هي جزء أصيل من المشروع الإصلاحي التجديدي المزعوم" . هذا النهج مع أنه يحط من الممارسة السياسية ويشيع الفاحشة بين الذين آمنوا، إلا أنه لا يدل إلا على قول المسيح عليه السلام "كل إناء بما فيه ينضح". ولذلك فهو يخصم من صاحبه ويضيف لغريمه. لقد حاولت كل الأوتقراطيات نزال حزبنا باغتيال الشخصية فما أفلحت وأفلحنا، وخسرت وربحنا، هكذا قال الإمام المهدي عليه السلام: "المنن في طي المحن والمزايا في طي البلايا"، وقال: "ناري هذه أوقدها الله وأعدائي حولها كالفراش، كلما اقتربوا منها أحرقوا بها وصار أمري فاشي".. إنه ليسؤنا أن يذهب أخوة الأمس مذهبا يمس عهدنا الذي تعاهدناه، وقضيتنا التي تآزرنا من أجلها ولكنك لا تهدي من أحببت.
    وحزب الأمة –الذي كان يعول كثيرا على تطوير نداء الوطن نحو إطار يسمح بالحل السلمي والتحول الديمقراطي الحقيقي- أصاب حواره مع النظام نكسة جراء ضبابية الموقف الحكومي تجاه الاتفاق مع الحزب. وأورد هنا نصا شفاهي الأصل صدر عن السيد الصادق المهدي في تعقيبه على ندوة الأربعاء بتاريخ 14 أغسطس 2002م حول هذا الموضوع، قال: " لقد ساهمت تجربة النظام معنا في حزب الأمة في توسيع فجوة الثقة. لقد أرسلنا لهم موفدين للتفاوض معهم نيابة عن حزب الأمة، فاختاروا اعتبار الموفدين هم حزب الأمة وأن يتفقوا معهم، هذا الإجراء يجعلنا لا نقبل التفاوض معهم إلا بحضرة شهود.. إننا نقول بوضوح تام: أنهم يمكن أن يتفقوا مع من شاءوا ما شاءوا من الاتفاقات، ويمكن أن يطلقوا عليهم ما شاءوا من الأسماء: مجموعة الإصلاح- حزب الأمة الحق- حزب التحرير- أمل السودان.. فلا حجر على الأسماء، ولكن خطل وخطأ ومرفوض أن يعتبروهم حزب الأمة لأن حزب الأمة ليس شيئا هلاميا غير معروف. وللحزب مؤتمرات تأسيسية آخرها المؤتمر العام سنة 1986م، وله مبادئ وقيادة منتخبة وله كفاح ونضال وله تمثيل في الهيئة البرلمانية.. أي محاولة لاعتبار هذه المجموعة المنسلخة من حزب الأمة أنها هي حزب الأمة مغالطة للأعراف السياسية ومخالفة للقانون الذي أصدره النظام نفسه. لأن النظام الآن –حسب طلبنا- اعترف بالقوى السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية، وهذه القوى معلوم من الذي يمثلها الآن، ففي الوقت الذي جرت فيه انتخابات الجمعية التأسيسية جرى مؤتمر الحزب العام وانتخبت رئاسة الحزب وأمانته العامة وأجهزته، هذه الأجهزة معلوم أين تقف الآن.. نحن لا مانع لدينا أن تضم الحكومة من أرادت وأن تعطيه ما شاءت من الألقاب والمواقع وتصفه بما أحبت من النعوت، لكن المهم ألا يكون هذا باسم حزب الأمة لأنهم إذا فعلوا ذلك يكون هذا تدليس وتطفيف و(ويل للمطففين) ولا مانع لدينا أن يضموهم حذوك النعل بالنعل- وقع الحافر بالحافر- الحجل بالرجل (حسب الفلكلور السوداني)، وأن يدقوا لهم الطبول وينذروا لهم النذور ويحرقوا لهم البخور.. هذا كله لا يعكر صفونا ولا يعكر من إيجابية موقفنا لأننا نضع الهدف الأساسي خدمة السودان ومصلحته، فلن تعكر مزاجنا هذه الطبول! بل إننا نتوقع شكوى متبادلة من هذا "الحجل" بالذات وهذه "الرجل" بالذات، سيشكو كل منهما من ضيم شديد. نحن أعرف بالحجل الذي مشى لهم بشوكه وسمه "حجل صعب جدا"!! على كل حال "بخيت عليهم":
    لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمره
    بالنسبة لنا نحن ما حاولوه وما فعلوه في صفوفنا نشكرهم عليه وإن كان الإنسان لا يشكر على عمل خارج نواياه، نشكرهم لأنهم فعلوا لنا ما نسميه الضارة النافعة. ففي السلطة من يريد أن يثبت أن الأحزاب ضعيفة ومفككة ولا تصلح وأن الديمقراطية نفسها لا تصلح وهذا أسلوب غير مباشر لإبطال الديمقراطية كبديل. ونحن نقول أن هذا منطق غير صحيح ومهزوم وهو تحد لنا لنثبت أننا نستطيع أن نرد على هذه المحاولات وأن نحمي صفوفنا وأن نبرز تكوينا سياسيا ديمقراطيا محكما جامعا قويا خاليا من الأوشاب التي غادرته. إخواننا في النظام أمام طريقين: طريق النهج القومي الذي يرقى لمستويات دولية ويستصحب روح العصر وتطلعات الشعب السوداني وفي هذا يستطيعون أن يلعبوا عبر ماشاكوس دورا قوميا تاريخيا، أو أن يحاولوا خلق مخلوق مشوه ناقص ملفوظ شعبيا ودوليا بتفويت الفرصة على أنفسهم..
    أمامك فاختر أي نهجيك تنهج طريقان شتى مستقيم وأعوج!"
    فالحزب إذن ماض في مخاطبته للنظام وغيره من قوى المعارضة والقوى الإقليمية والدولية المعنية بمسألة السلام والتحول الديمقراطي السوداني، لا تعكر جهوده لتحقيق الأجندة الوطنية هذه التصرفات..
    أما فيما يتعلق بقاعدة حزب الأمة، فإنه لم يهزها كثيرا وجود اختلافات وجهات النظر داخل الحزب مهما علا صوتها وخرج لأجهزة الإعلام، بل عدته أمرا طبيعيا في تمثيل الرأي والرأي الآخر. لكنها تحركت بحماسة منقطعة النظير لإدانة الهجوم على الشرعية وظاهرة الاختراق ومحاولة فرض وصاية على حزب الأمة. هذا هو الذي أثار جماهير حزب الأمة في ما يشبه انتفاضة ترفض الاختراق. لقد تتالت الوفود –رغم الخريف وطوارئ الزراعة- والحماس يكاد يرفعها عن الأرض رفعا.. وانشغل حداتنا في أهزوجات الحماسة ورفع الروح المعنوية، إنه موكب الأعرج الذي يحمله الأعمى، والمبتعد الذي يسن سيفه الصدئ، والمتباطئ الذي يمد ساقه.. إنه نفير تدافعت أجزاؤه للذود عن مؤسسية الحزب وشرعيته. بعضهم حزين لفقد أخوة أعزاء يبدءون بالآية "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"، وبعضهم استفزه الدعم الحكومي للاختراق، وبعضهم يريد تجديد عهده للقيادة، وكلهم يعزمون على إكمال البناء الحزبي في يناير 2003م. قال شاعرنا إبان زيارة وفد الحزب لمنطقته في الشمالية:
    كان النيــل غرف بالكوب عليه يأسر مثلا ينطبق فيــــــــــــك للحكيم وبفسر
    إن أجهزة الحزب الشرعية جنت وسوف تجني خيرا كثيرا وتماسكا عظيما من هذه الانتفاضة. كما أن جماهير الشعب السوداني وقياداته الفكرية والسياسية هبت لمؤازرة حزب الأمة في الصراع بين الديمقراطية التي تمثلها مطالب الحزب، والشمولية التي ترفض تلك المطالب.
    صحيح أن سيناريو إخراج انسلاخ سوبا قد أخذ كثيرا من سيناريو انقسام المؤتمر الوطني، ولكن هذا لا يعني بحال أنه تكرار له، قال المتنبي في رائعته عن "شعب بوان":
    وقد يتشابه الوصفان جدا وموصوفاهما متباعدان
    خلاصة إن السيد مبارك ومجموعته لا يكررون تجربة حزب الأمة في الستينيات، ولا تجربة المؤتمر الوطني في التسعينيات.. إنهم يكررون تجارب الانخراط السياسي التي مر بها من قبل مستوزرو الأحزاب في العهود الديكتاتورية. وبالنسبة لتواريخ الخلاف في حزب الأمة، فإنهم لا يرجعون لتاريخ الانشقاق في الستينيات، بل إلى تاريخ الحزب الاشتراكي وحزب التحرر الوطني "الأمة الحق" في الخمسينيات.

                  

العنوان الكاتب Date
حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:17 PM
  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:19 PM
    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:21 PM
      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:22 PM
        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:24 PM
          Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:26 PM
            Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:30 PM
              Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:32 PM
                Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:34 PM
                  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:37 PM
                    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:41 PM
                      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-28-12, 07:19 AM
                        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي ahmed haneen08-28-12, 08:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de