|
|
إن أحسنت فمنك وإن أسأت فمني ..(إلى روح بت البي 1930-2010 ) ..!!
|
(*)

الساعة الواحدة بعد الظهر ,.. أنتصف النهار.. أفاقت جدتي (بت البي) لتكشف عن ساق مبتورة تحت ملاءة المستشفى البيضاء التي أختلطت بدماء سيدة طالما كانت أمان الخائف وظهر من لا ظهر له .. (بت البي) إمرأة صارعت الموت وماصرعها لكنه ماكر أراد أن يأخذها جزءاً فجزءاً , لم يستطع هزيمة (بت البي) كلها فأخذ يصارعها عضواً فعضواً ... يبدو أنها تعلم أن العالم بعدها لن يكون ذات العالم الذي عرفته ,.. ف(بت البي) ليست (حبوبة) قد أخذت نصيبها من الحياة وأنحصر دورها في الأحاجي والحكايا والعناية بالأحفاد والإنزواء بإنتظار ميتة هادئة , ... جدتي ذات زند قوي ومكانة دستورية مرسومها صادر بأمر خفي بقلبي يقول : جدتي هناك لاتزال تعتني بشجيراتها وتعوس كسرتها بيدها وتصرخ في ذي الشارب فيرعوي وتنهزم شعيرات شاربه وتتدلى على شدقيه كعضو ذكري خامل .. جدتي تعني أن الأمان لازال هناك وأن القيلولة باقية تحت ظل شجرة (تمر هندي)فارهة غرسها إنجليزي منذ 90 عاماً ,... أقتلعته عواصف جيل وغضبته ورمت به من حيث أتى لكنها بقيت تتشرب رائحة بن قيلولة (بت البي) وصاحباتها اللائي مضين إلى الدار الأخرى وتركنها تهب نارها تحت ظلال ذات الشجيرة وتتذكرهم دون أن تدمع عيناها والموت يتربص بها لكنها تهشه بهبابتها تلك وتنظر بوجهه في تحدي ... ساقي اليمنى الآن أصابها خدر غريب .. وكدت أن أفقد الإحساس بها بعد أن أخذ الموت جزءاً من (بت البي) إلى الآخرة , .. ساقي من ساقها ولكنني لا أخشى على نفسي ف(بت البي) لازالت هناك ولا يستطيع الموت أن يحوم حولي فقد عركته وعركها .. ولطالما وقفت أمامه تحول بيني وبينه تهشه في حزم .. (بت البي) ستصمد لأنها تعرف أن غيابها , إستسلامها , موتها , يعني (موت دنياي) .. ستصارعه وإن إقتطع كل يوم من جسدها جزءاً ثم ركض في خبث حتى يتحين فرصة أخرى لأخذها إلى العدم جزءاً فجزءاً ..
(بت البي) تستطيع أن تنبت بإرادتها ساقاً أخرى بديلة التي أخذها الموت في إغارته الأخيرة في جبن ومضى ... (بت البي) لن تترك هذا العالم إلا بعد معركة مع الموت يصبح بعدها الموت أكثر وهناً وأضعف عزيمة وأقل مقدرة على إخافتي .. ستحاول الإجهاز عليه... تلك المرأة ذات الساق الواحدة ستمضي في تحدى الموت من أجلي .. أنا حفيدها الذي ربت وأنشأت وأحبت وأعطت .. فهي تعلم أنها لا تعني لي الكثير .. بل تعني لي .. كل شئ ..
جدتي لا تحفل ببتر عضوً من أعضاءهاءها .. ف(بت البي) تعلم أن لا أحد يستطيع بتر قلبها الشجاع الحنون .. أنا أكثر حزن على ساقها منها ... فهي إن رأيتها فكأنما بتروا منها ظفراً وليس ساقاً ..
(*)
ستقاتل .. لن تستلم للموت هكذا دون أن تحذو حذو أبيها وأخواتها .. أبيهاو اخواتها لم يقوى الموت على إقتلاعهم إلا بعد أن تجاوزوا المأئة عام .. وأرخوا للموت أكنافهم وقالوا له هلم .. هلم فقد آن أوان الرحيل والراحة .. دون إستسلام قدموا دعوة إلى طائر الموت : تعال وأنشب ظفرك بأجنابنا فقد هدنا العيش .. تعال فخذنا بأمرنا فقد قررنا الرحيل.. وسنتخذك مطية إلى تلك الديار ..
10/12/2012 يومان قبل الرحيل ..
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 07-27-2012, 06:59 PM)
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
Re: إن أحسنت فمنك وإن أسأت فمني ..(إلى روح بت البي 1930-2010 ) ..!! (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
29-02-2008
(حبوبتي بت البي) حفيدة (نظار الخرطوم ) ,.. كفلتني صغيراً , رغم أنني لم أعاني يتماً عاشت لناوعشنا بها مرة (ضكرانة ) , و(مابتخاف إلا من الخلقا)...
وقعت (بت البي )
كسرت( مخروقتا)
رغم أنني لا أعرف معنى كلمة (مخروقة)
إلا أن مخروقة( بت البي) قديمة بعض الشئ
ربما تعود إلى ثمانين عاماً تزيدأو تنقص قليلاً
حملت هذه (المخروقة) زهاء الأربعين حفيداً
الآن كسرت مخروقة , طالما كانت متكأ لناجميعاً ..
لم نكن بجانبها في ضعفها..
لم نحافظ على مخروقتها الثمينة ..
ترى كم مرةً تعثرت في غيابي ولم تجد يداي ؟؟
ترى كم مرة خرجت (للسوق) أو (البقالة) أو (المستشفى )
دون أن نرد لها مافي أعناقنا من دين ؟؟
(مخروقة بت البي) عار في جبين أبناء وأحفاد
يتوزعون بين (الدوحة وفلادلفيا ودبي وألمانيا وهولندا وبولتون )
مات خالي (إبنها البكر)
(كل نفس ٍ ذائقة الموت )
لكنه ليس كأي خال يموت
إنه من وهبنا كل شئ
وغادر تاركاً لنا كل شئ
وطفلة يتيمة ..
خالتي (آمال) التي تعيش بالإمارات منذ السبعينيات
لم تستطع وداعه ..
لم تتمكن من أن تقول له : شكراً
ليلتها وبعد أن هاجرنا كعادتنا بجثمانه لدفنه مع جده ( الشيخ جادالله أبشرة)
رغم بعد المسافة , إلا أنها سطوة الموروث
عدنا لينبهنا جيراننا لسماع الراديو
لنستمع إلى خالتي (أمال) وهي ترسل أضعف ايمانها ومحبتها
أغنية مهداة عبر إذاعة(أمدرمان)
: (ناس معزتنا مابنريد غيرهم رحلوا خلونا حليلهم )
كثيرون رحلوا عن دنياي
دون أن أذرف دمعاً قرب نعشهم
ودون أن أصب ماءً على قبورهم
ودون أن أقول لهم عن قرب :
أحبكم وأحزنني فراقكم ..!!
دلف ذلك الطفل إلى موقع الحفل بالدوحة ..
كان ختاماً لمهرجان كنا نقيمه بمجمع (حياة بلازا ) بالدوحة
راقبتهم عن بعد , هو وأطفال أخرين ..
أراهم كأنهم (شتيلات ) من الجهنمية زرعت على أصايص بلاستيكية لم تضرب جذورها بعد في الأرض ..
جاءه أحدهم أظنه شامي , لن أتطوع بالبحث ,
هل هو (لبناني) ,( سوري) ,( فلسطيني) ,( أردني) ؟؟؟
كلهم عند العرب ( شوام ) خاطب طفلنا قائلاً وفي صوته حدة واستصغار :
تعال يازول ..!!!
رد صديقي (الزول الصغير ) :
(الزول سيدك وتاج راسك) ..
قالها هكذا بسرعة في تحد ودون أدني تفكير ..
لذلك أحببته ..!!
وذلك (الزول الصغير) يفحم (الزلمة الشامي) بقوله :
(الزول سيدك وتاج راسك)
كدت أن أسأله :
يازول إنتا ربتك (بت البي ) ولا شنو؟
ما أدهشني أنني بعد أن سألته :
ياود إنتا ود منو ؟
أخبرني عن أهله ..
وأكتشفت أنهم يمتون لها بصلة قرابة ..
علمت أن (دمها حار أين ماجرى) ..
________________________
قبل الرحيل بأعوام
(عدل بواسطة كمال علي الزين on 07-27-2012, 07:02 PM)
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
Re: إن أحسنت فمنك وإن أسأت فمني ..(إلى روح بت البي 1930-2010 ) ..!! (Re: سيف اليزل برعي البدوي)
|
Quote: نجوب العالم بساق ###### وسرعة النعام ولكننا في الاخر نعود لنموت خلف قبة شيخنا وجدنا ابشرا
|
صدقت ياسيف .. كنت أتساءل دائماً عن سر إصرار أهلنا جميعاً على أن لا يدفن أحدنا بعيداً عن ضريح جدنا الشيخ أب شرا وأن مات بالنروج أو الدنمرك أو أستراليا أو حتى داخل الخرطوم يقابلون الأمر بتعصب غريب ..
وقد كانت وصية بت البي أيضاً أن لاتدفن إلا أمام قبة جدها أبشرة وبالقرب من أخواتها وأخوتها ولا تتسامح في الأمر .. عدت وزرت قبرها فعرفت السر حين وجدت نفسي اكلم قبرها دون وعي ..
اهلك الفتاياب ديل حكاية براها ...
محبتي وامتناني ...
| |
 
|
|
|
|
|
|
|