|
بوستــــات بأثر رجعي !
|
رفع المواطن بالكَسْرَة !! شاذلي جعفر شقَّاق
الكسرة التي أعنيها في العنوان أعلاه بفتح(الكاف) ، لأن (الكِسْرة ) بكسر الكاف ستقودنا مباشرةً إلى تردي الأحوال الاقتصادية في بلادنا والغلاء الطاحن الذي أصبح بُعْبُعاً يُكشِّر عن أنيابه في وجه المواطن ذوداً عن حِياض كلِّ سلعةٍ مهما صغُر شأنُها ، الأمر الذي جعل التصدِّي له على مستوى رئاسة الجمهورية محاولةً لإدراكِ ما يُمكن إدراكه من خلال تخفيض أعداد الدستوريين وزيادة الضرائب ورفع يد الدولة عن دعم المحروقات .. ولكن السيد وزير المالية الذي طلب إلى المواطن ذات يومٍ أنْ يجنح إلى الكِسْرة مُنتبذاً من الخبز مكاناً قصيَّاً كنوع من أنواع التقشُّف وشدَّ المئزر لمجابهة جنون الغلاء ؛ قد حار به الدليل – لاحقاً – فلم يجد مناصاً من أن يصف الدولة بـ (المفلِّسة ) ، بل ويبشِّرنا في مؤتمره الأخير بالمزيد من رفع الدعم عن المحروقات وتحرير سعر الصرف ، إذ أنَّ ما تمَّ من رفع للدعم يمثِّل نسبة 30% فقط وأنَّ الدولة لا زالت تدعم الوقود بنسبة 70% ، يعني أبشر بطول معاناة أيها المواطن الفقير .. فقد أطلَّ سعادته في ثيابِ الواعظين ليردَّ ذلك كله إلى القدريَّات ، مذكِّراً محمد أحمد المغلوب على أمره بالإيمان بالقضاء والقدر خيرِه وشرِّه ..! ولأني لا أودَّ الخوض في تلك الأوحال البيزنطيَّة ؛ فقد قرَّرتُ أنْ أرفع المواطن بالكَسْرَة كنوع من أنواع التداوي بالتمرُّد اللُّغوي ، أو قُل شجب وإدانة لقرار رفع الدعم الحكومي عن المحروقات وارتفاع أسعار السلع الضروريَّة الجنوني ..! فما دُمنا لا نستطيع أن نجرَّ الحكومة بالكَسْرَة – وهي في موضع الرَّفْع – كان لا بدَّ لنا من رَفع المواطن من وهْدةِ محْنتِه بالكَسرة .. لا لشئ ، فقط لتفريغ شحنات الغضب في (النحو ) المسكين ..فقد روى لنا أستاذنا الجليل ذات ثانويَّات عن مُزاح الأساتذة ؛ أساتذة اللغة العربية تحديداً ومُلَحِهم وتندُّرهم البرئ فيما بينهم ، وكيف أنَّ أحدهم كَسَر الآخر – وقد كان في موضع رفع – داخل بيت شِعْر في الهجاء .. وعندما انتفض الآخر مُعيِّراً صاحبه بجهله بقواعد النحو ؛ ضحك هذا حتى سقطتْ عمامتُه ثم ارتجل على الفور بيتاً جديداً يقول: لقد كسرْتُكَ يا عبَّاسُ عمْداً *** لأنَّ مِثْلكَ يا عبَّاسُ لا يُرْفَعُ وإذا تجاوزنا الكسرة كعلامة نحويَّة لضبط شكل الكلمة ، إلى معنى آخر في سودانيَّتنا أو عاميَّتنا أو السوقي منها (الراندوك) الذي أخذ يتسرَّب إلى الكثير من ألسنة المجتمع ؛ نجد أنَّ الكَسْرة تعني المنحة أو العطيَّة ..فإذا قال لك أحدُهم أنَّ فلاناً كسر لي عشرة جنيهات ؛ يعني أعطاني ..وفي هذا المقام يُمكن للحكومة أيضاً أن ترفع المواطن بالكَسرة أي المنحة مثل منحة الرئيس الأولى الـ مائة جنيه والثانية المُنتَظرَة مع الاحتفاظ بالفرق الكبير جداً جداً بين الزيادة هنا وجنون الأسعار ..غير أنَّنا نرى أنَّ حكومتنا – هداها الله – شرعتْ مباشرةً في رفع الدعم والسياسات التقشفية الأخرى ولم تعجِّل بزيادة الأجور للعاملين بالدولة كما هو مقترح من لدنِّ الحكومة نفسها ..فلا غرو في ذلك فهم دائما ما يعجِّلون بالألم ويؤجِّلون الأمل !! أمَّا إذا انتقلنا مع الكسرة في سوقيَّتها أيضاً إلى أخطر معانيها فالأمر يستوجب الحماية بالعِصي والخوذات وطلب حقَّ اللجوء والاستجارة ..إذا قال لك أحدهم مثلاً : كَسَر عمرو زيداً ، فاعلم – يا هداك الله – أنَّه أوسعه ضرباً ! إنَّما وفق هذا المعنى لا يُمكن للحكومة أن ترفع المواطن بالكسرة ..لأن المواطن أصلاً مُقعداً بالجوع والنصَب والوصَب ،فلا يُمكن بأية حال من الأحوال أن تُقيمه العصا لأنه من الناس الذين وصفهم الشاعر الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد بقوله :(ناساً عيشا دين.. مجرورة وتجُر ) ! ومع ذلك كيف تستطيع الحكومة – إنْ حاولت- أن ترفع المواطن وفي الوقتِ ذاته ترفع الدعم عن الوقود ؟! فمثل هذا العبءِ الثقيل يُمكن أن يسبِّب للحكومة (فليته ) أو (قطيعة ) أو (غضروف) فيُعيق حركة رقصها على ايقاع أغنية (التقشُّف) الشعبية ذات الكَسْرة المنتشية والتي يردِّدها كورَس الحكومة مثل :( هوى آ ليلى هوووى) عند فنَّاني الحقيبة .. حيث تردِّد ألسنة الحكومة – اعترافاً – أنَّ السياسات الاقتصادية التي أقرَّتها تزيد من حجم معاناة المواطن ، ولكن لا بُدَّ منها إذ أنها علاج ، وبعضُ الدواء مرٌّ كالعلقم ! ولكنهم لم يفطنوا إلى الآثار الجانبية التي تطرأ على المريض (المواطن) فمن المعروف أنَّ جنون الأسعار يسبِّب جنون البشر ! والمجنون من بين ثلاثة رُفع عنهم القلم .. وهذا ما يُشير إلى موجة الاحتجاجات من قبل المواطنين ضدَّ القرارات ..فإذا تحمَّل المريض الدواء المر فينبغي على الطبيب أيضاً تحمُّل ردود أفعال المريض ! ولكن المصيبة هى أنَ الحكومة ترى شعبها يرقص طرَباً مع تبريرها هــذا ، بينما الحقيقة هى أنَّ الشعب يرقص فعلاً ولكن مذبوحاً من الألمِ !! على أية حالٍ إذا لم تستطع الحكومة رفع المواطن بأي معنى من معاني الكسرة المذكورة آنفاً ؛ فإنَّ المواطن لا محالة سيرفع الحكومة بإحدى الكسرات !
** نُشر بالوفاق الخميس 28/6/2012م
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-26-12, 02:33 PM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-26-12, 02:39 PM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-26-12, 02:51 PM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-26-12, 02:56 PM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 08:59 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 09:11 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 10:09 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 10:13 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 10:17 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 10:25 AM |
Re: بوستــــات بأثر رجعي ! | shazaly gafar | 09-27-12, 10:29 AM |
|
|
|