لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 07:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-31-2012, 04:26 AM

رؤوف جميل

تاريخ التسجيل: 08-08-2005
مجموع المشاركات: 1870

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية (Re: رؤوف جميل)

    (3/1) لكن ، ولئن كان ضرباً من المكابرة الغليظة الادعاء بأن موقف الشيوعيين السودانيين من الديموقراطية الليبرالية ظل قائماً باتساق لا يتغير طوال الوقت ، فإن من فساد النظر اللاتاريخى ، الذى لا يرتب درساً ولا يخلف عبرة ، عدم استصحاب المسببات والعوامل التى دفعت بالحزب ، فى بعض معارج تاريخنا السياسى المعاصر ، إلى حال التراجع عن استمساكه القديم بتلك الديموقراطية. إن من بين مقاصد هذا المقال الحضَّ على الاعتبار بدروس هذه (المسببات والعوامل) ، ليس من جانب الشيوعيين وحدهم ، بل ومن جانب كافة أطراف الحركة الوطنية فى بلادنا ، إذا كنا نروم ، حقاً وفعلاً ، فتح طريق سالكة لتحقيق أهداف هذه الحركة ، بتجاوز أخطاء الماضى التى ، وإن وجب تحميل الشـيوعيين نصيبهم فيها ، فإنه لا يجوز أن يعفى الآخرون أنفسهم من أى قسط منها ، اللهم إلا بالمصادمة لحقائق التاريخ الباردة ومنطقه الصارم. ومن بداهات الوجدان السليم انتفاء الحكمة عن تصوُّر الدوح حراماً على بلابله ، حلالاً على الطير من كل جنس (!) رغم أن عبرة التاريخ التى لا بد قد (تجرعها) الجميع ، الآن ، حتى الثمالة هى أن (الاعتداء) على الديموقراطية ليس (دوحة) يمكن لعاقل أن يتفيَّأ ظلها ، بل هى (حمارة القيظ) ذاتها!!

    نعم ، لقد حدث أن تراجع الشيوعيون ، بالفعل ، فى فترات من هذا التاريخ ، عن لغة ذلك الخطاب (الديموقراطى الليبرالى) القديم ، المتوطن فى مبادئ الحريات العامة والحقوق الأساسية ، وانقلبوا يبحثون عن (ديموقراطية أخرى) تتمتع بها فقط الجماهير الشعبية الوطنية والديموقراطية بينما تحرم منها الفئات المعادية للثورة الديموقراطية (الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، ص 132) ، وأطلقوا على ذلك مصطلحات (الديموقراطية الثورية) و(الديموقراطية الجديدة) وما إلى ذلك من الطروحات التى لطالما سحبت أقدامهم ، فى فترات معلومة من تاريخهم ، للتورط فى تدبير انقلابات ، ودعم انقلابات ، والتعاطف مع انقلابات ، مما كان ينسجم ورؤيتهم التى تبلورت ، وقتها ، حول إشكالية الصراع السياسى ، وسلطة الحزب الواحد ، والشمولية ، وذلك بفعل تلك (المسببات والعوامل) التى يتوجب على الجميع التمكُّث فى تأملها بتجرُّد ودراستها برويَّة.

    (3/2) فمع أن تلك الرؤية لم تكن مفتقرة أصلاً إلى التأسيس النظرى فى قلب التربة الفكرية للماركسية اللينينية ، وتحديداً لطبعتها الروسية التى سعت لتعميم هجائيات الديموقراطية الليبرالية من واقع خبرة الثورة العظيمة فى ذلك البلد البعيد بظروفه الخاصة ، بالاضافة إلى تأثيرات الحركة الشيوعية العالمية وحركة اليسار ، عموماً ، فى العالم وفى المنطقة ، بمحدِّداتها الموضوعية والذاتية ، وأشراطها التاريخية المعلومة ، إلا أنه يقع صحيحاً أيضاً القول بأنها ، وبرغم كل ما أبداه الحزب من مقاومة لإغواء الانكفاء على النصوص ، تسربت إلى فكر الحزب ، بخاصة ، من بين ملابسات الاعتداءات والمخاشنات المتواترة والمحبطة ، باسم ذات الليبرالية فى الممارسة الديموقراطية البرلمانية السودانية ، ضده وضد الحركة الجماهيرية المستقلة كلها ، على يد ذات القوى التقليدية التى سبق ، للمفارقة ، أن أعلنت ارتضائها بها منهجاً للحكم وللحياة السياسية فى البلاد:

    أ/ فمنذ مطالع الاستقلال عمدت تلك القوى لاختزال كل قيمة له ، وأى معنى يمكن أن ينطوى عليه ، فى محض (عَلـَم) يُرفع ، و(سلام جمهورى) يُعزف ، وربما (عملة وطنية) يجرى تداولها بين الأغنياء بخاصة! ولم يكن شعار (تحرير لا تعمير) ، فى تلك الفترة ، غير صياغة شديدة الإحكام لتلك الرؤية الخرقاء.

    ولقد توَّجت تلك القوى ، كما ذكرنا ، مسلسل خروجها المتكرر على أسس الديموقراطية البرلمانية الليبرالية ، خلال الأشهر القلائل التى أعقبت الاستقلال ، وفى سياق صراعاتها الكيدية فيما بينها حول كراسى الحكم ، وبَرَمِها بمطلب توسيع رقعة الحريات والحقوق السياسية ، كقضية لا تنفصل عن النضال ضد تغلغل الاستعمار الحديث ، وذلك بإقدامها على وضع السلطة ذاتها ، فى 17 نوفمبر 1958م ، فى أيدى كبار الجنرالات بـ (تعليمات) من المرحوم عبد الله بك خليل ، الذى لم يسجل تاريخ حزب الأمة ، حتى الآن ، على ضخامة التغييرات الفكرية والسياسية والتنظيمية التى شهدها عبر مسيرة تطوره ، أية محاسبة سياسية له ، أو مراجعة تتسم بالمباشرة والشفافية لتلك (الكارثة) التى ورط حزبه والبلاد بأسرها فيها، فكبدت الشعب ست سنوات من الحكم الشمولى ، باستثناء ما سلف إيراده من إشارة السيد الصادق المهدى عالية القيمة ، وغير المسبوقة ، على ما شابها من مسحة التبرير (الصحافة ، 10/4/2001م).

    ب/ وفى أعقاب ثورة أكتوبر 1964م لم يهدأ للقوى التقليدية بال حتى قطعت أمرها فيما بينها للاجهاز على حكومة الثورة الأولى. ثم سرعان ما أعدت كامل عدتها للانقضاض على الحزب ، وتدبير حله ، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية ، بالاستناد إلى أصوات الأغلبية الميكانيكية داخلها ، والمشاعر البدائية المنفعلة بالتحريض الغوغائى خارجها ، مما أسماه عبد الخالق (عنف البادية) الذى أطلقته القوى التقليدية من عقاله ، مدججاً بكل ما أوتى من همجية وأسلحة بيضاء ، لمهاجمة الشيوعيين ودور حزبهم ، بهدف قطع الطريق نهائياً أمام الاندياح الملحوظ آنذاك لنفوذه بين الجماهير ، مستغلة فى ذلك حادثة معهد المعلمين العالى الشهيرة ، والمشكوك فى أمرها ، عام 1965م ، والتى أريد لها أن تفجر الفتنة بحديث مجترىء على الدين لطالب مجهول الهوية ، جرت نسبته إلى الحزب فى هستيريا من الغوغائية ، والعجلة ، واللهوجة ، وعدم الرغبة فى التثبت. بل إن نائب حزب الأمة محمد ابراهيم خليل ، لم يجد فى نفسه حرجاً كى يعلن على رءوس الأشهاد ، وفى لحظة صدق نادرة فضحت المسكوت عنه فى مهرجان التباكى على الدين الذى تم نصبه فى جلسة البرلمان بتاريخ 15/11/1965م ، أنه "ليس من المهم إن كان (ذلك) الطالب شيوعياً أم غير شيوعى"!! (ضمن القدال، معالم .. ، ص 155). ومن عجب أن يقال ذلك تحت عنوان (الدفاع عن الديموقراطية)!! فبعد أن تقدم محمد احمد محجوب ، زعيم الجمعية ورئيس الوزراء ، فى تلك الجلسة ، بطلب إلى رئيس الجمعية برفع المادة (25/8) من اللائحة الداخلية لمناقشة أمر (عاجل) ، تلى الرئيس اقتراحاً تقدم به ستة أعضاء يقول: "إنه من رأى هذه الجمعية التأسيسية .. ولتجربة الحكم الديموقراطى فى البلاد (!) وفقدانه للحماية اللازمة لنموه وتطوره (!) .. أن تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعى السودانى" .. الخ!! (نفسه ، ص 154).

    وإذاً ، فكل معضلات ما بعد ثورة أكتوبر ، وكل مصاعب إعادة بناء ما خربته الديكتاتورية العسكرية على كافة الأصعدة الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، وجبهة الحرب فى الجنوب ، وجبهة العلاقات الخارجية ، كان سببه ، ببساطة .. الحزب الشيوعى! وبحله وطرد نوابه من البرلمان سوف تستقيم الأمور كلها! وسوف تتوطد تجربة الحكم (الديموقراطى)! وتكتسب المناعة المفقودة ، واللازمة لنموها وتطورها!

    وما أن فتح باب (الخطب) ، حتى انبرى (خطباء) المؤسسة التقليدية ، يهرفون بما لا يعرفون ، ويكيلون للحزب تهماً إنشائية لم يستشعر أى واحد منهم وازعاً من ضمير كى يكلف نفسه بالوقوف على شئ من حقيقتها ، ولو بالحد الأدنى من قيم القسط والعدل مما يحض عليه الاسلام الذى راحوا يتحشدون باسمه ، دع عنك أى مستوى من المسئولية تجاه الشعب والوطن. فالدكتور الترابى ، مثلاً ، لم يكن أقل صراحة من السيد محمد ابراهيم خليل فى الاعتراف بالنية المبيتة لحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان ، بصرف النظر عن حديث الطالب الغِر. ووجه زعيم جبهة الميثاق الاسلامى ، آنذاك ، خمس تهم للحزب هى: الإيمان ، الأخلاق ، الديموقراطية ، الوحدة الوطنية ، الاخلاص للوطن !! (نفسه ، ص 155). أما المرحوم نصر الدين السيد فقد جحد الشيوعيين حتى نضالهم ضد ديكتاتورية عبود ، ومشاركتهم فى استعادة النظام الديموقراطى البرلمانى الليبرالى (!) قائلاً: "إن الحزب الوطنى الاتحادى هو الحزب الوحيد الذى وقف ضد الحكم العسكرى من ميلاده إلى مصرعه"!! ولم يفته ، بالطبع ، أن يدلى بدلوه فى مهرجان (التكفير) المنصوب تحت قبة (البرلمان الديموقراطى) فراح يتهم الشيوعيين بأنهم ".. يلقنون أبناءنا بأن الله لا وجود له وأن هذا الدين خرافة!!" وعندما ألفى نفسه مضطراً لإثبات ما يقول ، لم يتردد البتة ، غفر الله له ، فى إبلاغ نواب الشعب ، وهم يتهيَّأون لإصدار أحد أهم وأخطر القرارات فى تاريخ البرلمانية السودانية: "هذا ما قاله لى أخ قادم من موسكو ، قل أعوذ بالله من هذا .. وأطلب من الله عز وجل أن يحيينا مسلمين ويميتنا مسلمين إن شاء الله !!" (نفسه ، ص 156)

    صوت واحد ارتفع من وسط كل (زفة) التهريج التى شهدتها تلك الجلسة ، مشحوناً بكل دلالات الحكمة ، والشجاعة ، وصدق المواجهة مع النفس ، وأمانة النيابة عن الشعب. فلقد أتيح للسيد حسن بابكر الحاج ، نائب الدائرة (3) عن الوطنى الاتحادى ، أن يلمح وراء تلك التعبيرات الملتبسة المخاتلة بشاعة الاتجار بالدين ، والمنطق المقلوب على رأسه ، فنهض ينبه الأذهان الغافلة ، ويسدى النصح لكل من ألقى السمع وهو شهيد: "إن هناك طالباً سفيهاً يقال إنه أساء للرسول الكريم والدين الاسلامى ، فقامت مظاهرات .. تطالب بحل الحزب الشيوعى. ولنفترض أن أحد أعضاء الحزب الوطنى الاتحادى تفوه بمثل ما تفوه به الطالب السفيه ، فماذا يكون موقف الوطنى الاتحادى"؟ ثم خاطب النواب قائلاً: "رجائى أن تتركوا الحماس جانباً وتحموا الديموقراطية التى عادت إلينا بعد تضحيات .. فتأكدوا أنها ستنزع برمتها منكم كما انتزعت فى الماضى .. ولا أريد أن أسجل حرباً على الديموقراطية. فخير لأبنائى أن يدفنونى شهيداً من شهداء الديموقراطية بدلاً من أن أعيش فى عهد توأد فيه الديموقراطية" (نفسه).

    ولكن الديموقراطية وئدت ، وما من سميع ، ولا من مجيب! وئدت برغم الرأى العام الغاضب خارج البرلمان ، وبرغم كلمات الحق التى جلجلت فى حديث السيد نائب الوطنى الاتحادى ، وبرغم الكلمات الحارة لنواب الحزب الشيوعى فى دحض التهم التى ما انفكت تتطاير فى أرجاء القاعة ، ومن ذلك تأكيد نائب الخريجين ، آنذاك ، محمد ابراهيم نقد على أن الحزب الشيوعى برئ من تهمة الالحاد التى يحاولون إلصاقها به ، وأن موقف الحزب من الدين واضح فى دستوره ، وفى تاريخه الطويل ، وتاريخ أعضائه ، وتأكيده أيضاً على انهم لا يقولون ذلك عن خوف ".. وإننا لا نخاف ، فلم نتعود الخوف فى الماضى ولن نتعوده اليوم" (نفسه ، ص 157).

    ومع أن الحزب أصر على التمسك بالديموقراطية ، والسير فى طريقها حتى نهاية الشوط، فطرق أبواب القضاء ، ونجح ، بالفعل ، فى استصدار حكم ببطلان تلك القرارات ، إلا أن القوى التقليدية ، إمعاناً منها فى مصادمة البداهة الديموقراطية ، أعلنت ، جهاراً نهاراً ، رفضها الانصياع لكلمة القضاء المستقل ، واصفة حكمه بأنه (تقريرى) لا إلزام فيه. وأصدر د. حسن الترابى ، أحد أبرز وأنشط المنظرين لذلك الموقف كراسة كاملة سعى من خلالها حثيثاً لنفى أية قيمة لقضاء المحكمة العليا ، الصادر فى 22/12/1966م ، ببطلان مجمل (الاجراءات) التى اتخذتها الجمعية التأسيسية بتعديل الدستور ، فى 22/11/1965م ، لحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان، باقتراح من د. الترابى نفسه، فى جلسة 16/ 11/ 1965م، وكذلك لإثبات قيومية قرارات الجمعية التأسيسية على أحكام القضاء ، حتى لو قفزت تلك القرارات من فوق نصوص الدستور ، أو صدرت بالمصادمة لضمانات الحريات العامة والحقوق الأساسية فيه (د. حسن الترابى ؛ أضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانونى مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعى ، يناير 1967م).

    وكم كانت لاذعة ، فى هذا الشأن ، كلمة الاستاذ محمود محمد طه ، رغم خلافه الفكرى هو نفسه مع الماركسية ، فى كتابه الذى أصدره ، بالمقابل ، وفى معرض الرد على د. الترابى تحت عنوان (زعيم جبهة الميثاق الاسلامى فى ميزان: الثقافة الغربية ـ الإسلام ، أضواء على المشكلة الدستورية) حيث وصف كتاب د. الترابى بأنه: "لا قيمة له ولا خطر ، لأنه متهافت، ولأنه سطحى ، ولأنه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطرى" (ضمن القدال، معالم .. ، ص 161).

    (3/3) ولئن كانت المنطلقات الفكرية للدكتور الترابى ، ودوافعه السياسية ، معلومة بدرجة لا يعود معها ثمة سبب للدهشة بإزاء ما يصدر عنه فى هذا الشأن ، فإن المرء ليحتار كثيراً فى موقف زعيم سياسى آخر ، يختزل نموذجه مواقف كل الديموقراطيين الليبراليين إبان تلك الأزمة ، لكونه أبرز من ارتبط اسمه بالديموقراطية البرلمانية الليبرالية فى السودان ، طوال حياته ، بل وبعد رحيله ، وهو المرحوم إسماعيل الأزهرى. فعندما اتجهت المظاهرات الهستيرية التى دبرها (الأخوان المسلمون) إلى منزله ، عقب صلاة الجمعة 13/11/1965م ، داعية إياه ، بوصفه رئيساً لمجلس السيادة آنذاك ، للانضمام إلى (جردة) الاعتداء على الحريات والحقوق الدستورية ، لم يستنكر رافع العَلـَم ، وواضع كتاب (الطريق إلى البرلمان)، ورئيس أول حكومة وطنية تشكلت عبر صناديق الاقتراع ، أن تدعوه الهتافات الغوغائية للقفز من فوق كل المبادئ والأسس الديموقراطية ، ولم يستنكف أن يبدى ، على عكس المتوقع ، إستجابة مدهشة ، وحماسة محيرة ، حين وقف يخاطب حشود (الهتيفة) من شرفة المنزل ، مؤكداً لهم أنه معهم (!) ومعلناً ، بالاستباق لكل ما يمكن أن تتمخض عنه المداولات المؤسسية من قرارات ، أن الحكومة والجمعية التأسيسية "سوف تضعان" حداً لهذا الفساد (!) بل ومهدداً ، فوق ذلك ، وبكل وزنه السياسى وثقله التاريخى وجاذبيته الشعبية ، بأن الحكومة والجمعية التأسيسية إن لم تفعلا ذلك ، فإنه سوف "ينزل بنفسه" مع تلك الحشود إلى الشارع لتطهير البلد (!) (المصدر ، ص 153).

    فضُّ الحيرة بإزاء هذا الموقف المتناقض نلتمسه فى إحالة الأمر برمته إلى أزمة الشكلانية فى فهم وممارسة الديموقراطية لدى الأحزاب التقليدية ، وقادتها من السياسيين السودانيين المؤثرين ، والزعيم الأزهرى فى مقدمتهم بلا ريب. ونجد أنفسنا متفقين تماماً ، فى هذا الاتجاه ، مع تحليلات د. حيدر أبراهيم على الصائبة ، والتى تنطلق من فرضية موفقة مؤداها أن ".. الديموقراطية الشكلية ، التى تنسى جوهر ومبادئ الديموقراطية ، قد غلبت طوال تاريخ السودان السياسى. فقد انصب الاهتمام على الحزبية البرلمانية ، وقوانين الانتخابات ، والدستور ، وإجراءات النقاش ، وفصل السلطات .. الخ. و .. إسماعيل الأزهرى .. دشن هذا الاتجاه بكتابه (الطريق إلى البرلمان) ، وامتد هذا التصور حتى الديموقراطية الثالثة .. (و) تظهر شكلانية الأزهرى فى فهمه للديموقراطية من خلال غياب تعريف وتحليل ومحاورة لفلسفة الديموقراطية ومحتواها .. فهو يفتتح الكتاب بالحديث عن قواعد النظام البرلمانى ، وليس عن أسسه وخلفيته الفكرية أو الاقتصادية ـ الاجتماعية التى أوجدته فى التاريخ الإنسانى. وكأنه يرى أن تقليد .. القواعد .. كفيل بخلق نظام برلمانى ديموقراطى". ويمضى د. حيدر فى تحليلاته قائلاً: "فى تلك الفترة من تاريخ الحركة الوطنية السودانية كان من المفترض أن تطرح القضايا الأساسية التى تواجهنا اليوم ، مثل الهوية ، العلاقة بين الدين والدولة ، التنمية المتوازنة ، الثورة الثقافية والتعليمية .. (خاصة وأن) الحركة الوطنية كانت تحت قيادة الخريجين .. و .. كانت أندية الخريجين .. منابر نقاش وحوار ، ولكن مع اقتراب الاستقلال تغلب السياسوى والحزبى على .. الفكرى والتنظيرى". ويقارن د. حيدر بين حالتنا وحالة بلدان أخرى فى نفس تلك الفترة ، حيث ".. عرف العالم زعماء مفكرين .. مثل نهرو .. ونكروما .. كانوا رجال دولة .. لهم إسهامات فى الكتابة السياسية. من هنا يأتى التوقع الذى لم يتحقق بضرورة أن يرتكز كتاب مثل (الطريق إلى البرلمان) على تنظير ما ، وتفكير تأسيسى لصورة سودان المستقبل". ثم يخلص الكاتب إلى أنه و ".. رغم أهمية الكتاب فى توصيل قواعد النظام البرلمانى لعامة الناس .. ولكن غاياته متواضعة ، وتقل عن واجبات الزعامة الحقيقية فى تربية شعبها ، وإيقاظ وعيه ، وتعميق هذا الوعى" (د. حيدر أبراهيم على ؛ ورقة فى ندوة تقييم التجارب الديموقراطية .. ، مرجع سابق، ص 33 ـ 35).

    (3/4) بإجهاز القوى التقليدية ، إذاً ، على حكومة ثورة أكتوبر الأولى ، وفشلها فى النهوض بالمهام التى طرحتها الثورة ، وإدارتها الظهر لقضايا التنمية ، وعجزها عن إيقاف الحرب الأهلية فى الجنوب ، وانصرافها عن مهام تعميق الديموقراطية إلى شن حربها (المقدسة) ضد الحزب الشيوعى وقوى الدفاع عن هذه الديموقراطية تارة ، وللانشغال بصراعاتها الداخلية ، وانشقاقات أجنحتها المختلفة ، تارة أخرى ، ثم انغماسها فى ترتيبات ما أسمته بـ (الدستور الاسلامى) ، متوهمة فيه حلاً لجميع مشكلاتها ، بل وتأبيداً لسلطتها فى وجه حركة جماهيرية أضحت تتهددها بالتجاوز ، تكون قد أتمت عملية إجهاض الثورة ، بزاوية انحراف كاملة ، وارتكست بالبلاد كلها فى حمأة تعانف عبثى انتهى بها جدلياً إلى إنقلاب البكباشى جعفر نميرى صبيحة 25 مايو 1969م.

    نتريث هنا لنقرأ للسيد الصادق المهدى عن بعض وقائع تلك الفترة أن تحالف الجبهة الوطنية المتحدة ضد عبود إستمر حتى ثورة أكتوبر ".. ولكن بعد ثورة أكتوبر ظهرت قوى يسارية تريد أن تتجاوز التركيبة السياسية الموجودة ، وكونت جبهة الهيئات ، وتم تكوينها خارج الجبهة الوطنية المتحدة" (صحيفة الرأى العام ، 31/3/2001م). السياق الوارد فيه هذا الحديث يستتبع فهماً محدداً يفيد أولاً: أن الأحزاب التقليدية المتحالفة فى إطار الجبهة الوطنية المتحدة هى وحدها التى تمثل "التركيبة السياسية الموجودة" (!) وثانياً: أن صفة وجود هذه التركيبة السياسية هى الديمومة والثبات الأزليين (!) وثالثاً: أن هذه التركيبة وحدها هى التى يحِلُّ لها تشكيل التحالفات ، فليس ثمة خيار أمام اليسار سوى الالتحاق بها إن أراد أو .. الانتحار (!) ورابعاً: أنه ، فيما عدا ذلك ، يُحرَّم على اليسار عقد أى تحالفات أخرى يسعى من خلالها إلى تجاوز هذه التركيبة الموجودة (!)

    فإذا أضفنا إلى كل ذلك أن هذه المعادلة ، التى لطالما تسببت فى الإضرار بمسيرة التطور الديموقراطى فى البلاد ، بقيت قائمة بثبات لا يتزحزح ضمن شروط القوى التقليدية لممارسة (الشراكة) الديموقراطية ، سواء بمصطلح (التركيبة السياسية الموجودة) ، أم بمصطلح (الأحزاب الكبيرة) ، الذى يتردد الآن كثيراً فى ملابسات التفكيك الجارى فى جبهة القوى الساعية ، افتراضاً ، لاسترداد الديموقراطية ، فإننا لا نستطيع ، والأمر كذلك ، مقاومة إلحاح السؤال عن جدوى أية حركة سياسية ، أصلاً ، طالما كان محكوماً عليها بأن "تعيش أبد الدهر بين الحفر" ، ومكتوباً عليها ، حتى قبل ولادتها ، بألا تطمح للانطلاق ، أو التخطى ، أو (التجاوز)؟! وإذا كان النهج الديموقراطى ، إجرائياً ، هو جماع أشراط وقواعد يتم التواثق على (الشراكة) فى صونها ، والتحاكم إليها ، بين أطراف مختلفين ، فمن ذا الذى يمكن أن يقبل التواثق ، مع كائن من كان ، على صون أشراط مستحيلة كهذى ، أو التحاكم إليها؟! أية هِمَّة يمكن أن ترتفع تحت قبضة هذا الشرط الخانق بأن يبقى الكبير كبيراً والصغير صغيراً إلى الأبد ؟! من ذا الذى يضع الأنشوطة بيديه حول عنقه ؟! وأى عاقل ذاك الذى يقنع بأن "يذود الطير عن شجر وهو يبلو المر من ثمره" ؟!

    إن اختلاف الرؤى السياسية ليس مدعاة لجحد السيد الصادق جهوده الفكرية الرفيعة ، وبخاصة أطروحاته الفقهية المجدِّدة فى حقل الاسلام السياسى المعاصر ، ومنها سعيه الجرئ لتوطين حقوق الانسان والديموقراطية نفسها فى تربة الإسلام ، وكذا استقامته الشجاعة فى الاعتراف بالخطأ فى حل الحزب الشيوعى، والاعتذار عنه ، ولو بعد عشرين عاماً ]]]] ، بقوله إن "ما حدث كان انفعالاً .. إن الذى حدث فى موضوع حل الحزب الشيوعى كان موقفاً سياسياً غير محسوب نتج عن موقف انفعالى" (حديث لمجلة طلاب جامعة الخرطوم عام 1985م ـ ضمن القدال ، معالم ..، ص 162). ولكن الحيرة تبرز مع كل ذلك ، بل ولكل ذلك ، بإزاء المجتزأ المنقول أعلاه من حديث الرجل لصحيفة (الرأى العام) عن (اليسار والتركيبة السياسية الموجودة) كأحدث إفاداته (31/3/2001م) حول قضية الديموقراطية والحريات الليبرالية. ومن ثمَّ وجب استيضاحه حول هذا الموقف المتناقض فى شأن مسألة كانت ، وما تزال ، وسوف تظل ذات أثر وخطر عظيمين بالنسبة لمستقبل تطوُّرنا السياسى بأسره: هل الديموقراطية مطلوبة ، حقاً وفعلاً ، لإحسان تدافعنا (بالمصطلح القرآنى) ، طالما أنه لا مناص من هذا التدافع ، ولا فكاك ، ولا مهرب ، وذلك بإدارته فى أرفع مستويات السلم والتحضر والعدالة وحكم القسط ، أم هى مطلوبة ، فحسب ، لتجميل استقواء (التركيبة الموجودة) على (التركيبة الطامحة) ، مع اتخاذ كافة التدابير الأخرى اللازمة لتأبيد سطوة الأولى على الأخرى ، حتى لو اقتضى الأمر المخاطرة بتجميد الدم فى شرايين الحياة الديموقراطية ذاتها ، وكتم أنفاسها ، كما جرى فى نوفمبر 1958م ، ومايو 1969م ، ويونيو 1989م ؟!

    هنا ، وبسبب مثل هذه النماذج على وجه التحديد ، ولكيلا تهوى نقيصة (الالتباس) بفضيلة (الاعتراف) ، خصوصاً عندما يصدر من رجل فى قامة الصادق المهدى الفكرية والسياسية ، تتبدى ساطعة جدوى المطالبة بتطوير إيماءة (الاعتذار) ، على بهائها ، إلى موقف (نقد الذات) قطعى الورود والدلالة.

    (3/5) مهما يكن من أمر ، فالمؤكد أن تلك الأحداث ، التى لم تحظ عبرتها ، فيما يبدو حتى الآن ، بما يكفى من الاعتبار ، سوف تبقى راسخة فى ذاكـرة التجربة الديموقراطية فى بلادنا ، كعلامة بارزة على أزمتها العميقة المتوطنة فى طابعها الشكلانى ، وارتهانها لشيوع مفاهيم القطاع التقليدى ، فى أفق الفكر السياسى للأحزاب والقوى التى ما انفكت تفرط فى هذه الديموقراطية ، المرة تلو المرة ، بأعجل ما تيسر ، كى تعود ، المرة تلو المرة ، بأبطأ ما تيسر ، لتسلخ أعماراً بأكملها فى مناجزة الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية ، بأفدح التضحيات وأبهظ الأثمان ، ما بين صقيع المهاجر والمنافى ، ووحشة السجون والمعتقلات ، وقطع الأرزاق ، بل وقطع .. الأعناق فى أقبية التعذيب ، وساحات الاعدام ، وطقوس الطمر الليلى فى المقابر الجماعية المجهولة!

    إن القوى السياسية التقليدية ـ باندفاعها فى أعقاب ثورة أكتوبر على طريق الاستهداف لوجود الحزب الشيوعى ، شلاًّ لنشاطه ، ومحاولة للحدِّ من تأثيره ، وتحجيم دائرة نفوذه ، وباستخدامها (الديموقراطية البرلمانية الليبرالية) ذاتها ، للمفارقة ، معولاً لحله ، ولطرد نوابه من الجمعية التأسيسية ، وللانتقاص من سلطان القضاء المستقل ـ إنما كانت تسدِّد ، فى الواقع ، طعنة نجلاء ، لا لصدر الحزب وحده ، بأرواحه التسعين ، أو لصدر الديموقراطية الليبرالية فقط ، بالمصادمة لكونها استقرت كقانون ثابت للتطور فى بلادنا ، بل ، فوق ذلك كله وقبل ذلك كله ، لصدرها هى نفسها ، ولمستقبل تبحبحها فى أكناف مقاصدها ، حيث ضيَّقت واسعاً أمام حركتها لما ضيقت واسعاً أمام حركة الحزب ، وأحبطت (ملاذاتها الآمنة) حين أحبطت قبوله القديم بمبدأ (الشراكة) وفق أشراط الديموقراطية الليبرالية وقواعدها ، وأتمت شرط وقفتها على شفا جرف هار يوم حددت (وصفه الوظيفى) المستحيل فى كونه محض (ديدبان) يذود الطير عن ثمر ديموقراطيتها المر ، وفى كونه يندب ليوم الكريهة ، فحسب ، يوم تتلبد سماء الوطن بسحب القمع السوداء ، وينوء ليل البطش الباطش بكلكله على صدره ، "يدعى إلى الحرب ولا يدعى إلى المنادمة"!!

    وهكذا ما لبث أن ارتفع فى أوساطه ، وفى أوساط الحركة الجماهيرية عموماً ـ وبخاصة بين جماهير الحضر وقواها الحديثة ـ السؤال المنطقى الوحيد وقتها ، للأسف ، والمحتقن بكل (علقم) تلك التجربة ، حول جدوى (الديموقراطية الليبرالية) أصلاً!!
                  

العنوان الكاتب Date
لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-30-12, 10:11 PM
  Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-30-12, 10:13 PM
    Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية محمد البشرى الخضر03-30-12, 10:37 PM
      Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية معاوية عبيد الصائم03-30-12, 10:43 PM
        Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية بدر الدين احمد موسى03-30-12, 11:02 PM
          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-30-12, 11:44 PM
        Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-30-12, 11:36 PM
      Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-30-12, 11:34 PM
        Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية أمير عثمان03-30-12, 11:56 PM
          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية د.نجاة محمود03-31-12, 02:55 AM
            Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية تبارك شيخ الدين جبريل03-31-12, 03:09 AM
              Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 03:28 AM
                Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 03:34 AM
                  Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 03:40 AM
                    Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 03:54 AM
                      Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:09 AM
                        Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:13 AM
                          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:18 AM
                  Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:26 AM
                Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية تبارك شيخ الدين جبريل03-31-12, 03:39 AM
                  Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية بدر الدين احمد موسى03-31-12, 04:10 AM
                    Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:32 AM
                      Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:40 AM
                        Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية رؤوف جميل03-31-12, 04:52 AM
                          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية نادر03-31-12, 07:17 AM
                          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري04-01-12, 10:07 PM
              Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري04-01-12, 09:51 PM
            Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري04-01-12, 09:15 PM
          Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-31-12, 07:23 AM
            Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية تبارك شيخ الدين جبريل03-31-12, 07:57 AM
            Re: لماذا يكره الشيوعيين الانظمة الشمولية الامين موسى البشاري03-31-12, 08:12 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de