|
** ما يوهموكم بنجاح الاسلاميين في مصر**
|
الما مصدقني يرجع يقرأ المقال دا .. كتبتو قبل سنتين ونشر بسودانايل.. بعنوان : الانقاذ والحركة الاسلامية ومخلب صراع الحضارات
Quote: (1) قد يبدو العنوان غريبا أو ربما عبثيا ، ولكن.. ما الذي يحول دون إمعان النظر ، وإعادة قراءة الحال ، على ضوء المتغيرات والتحولات والانشقاقات التي طالت جسوم كافة الفعاليات السياسية ، خلال ربع قرن الا قليلا من دورات الزمن ، كانت آثارها حاضرة في التجربة الديموقراطية الرابعة. لقد ولدت الانقاذ وحبلها السُري موصول بأشواق الحكم الاسلامي السُنّي ، أشواق أطلقها المؤسسون ، من لدن الأفغاني والإمام محمد عبده في المراحل الاعدادية ، مرورا بالإمام حسن البنا ، وسيد قطب ، والماودودي ومن تبعهم في زمان محاولات التطبيق الأولى ، وانتهاءاً بعصرنا الذي غدت فيه الجماعات ، أكثر قدرة على التأثير الجماهيري والفعل التنفيذي . جاءت الجبهة القومية الاسلامية السودانية ، بقيادة الشيخ الدكتور حسن الترابي ، تسبق خطى الأخريات نحو دست الحكم ، عبر انقلاب عسكري ، قادة الرئيس الحالي عمر أحمد البشير ، في الثلاثين من يونيو 1989 . هذه المقدمة على الرغم من وضوحها كمعلومة عامة ، نادرا ما يربط العقل الجمعي بينها وبين مستحقاتها المحلية ، ومردودها على النطاقين الاقليمي و العالمي . في هذه الورقة .. لست معنيا بالحديث عن الكيفية التي أتت بها الجبهة القومية الاسلامية للحكم في السودان ، فذاك شأن كُشف النقاب عن بعضه ومازال أكثره مستترا ، غير أننى بصدد الحديث عن آليات نادراً ما يشار اليها ، على الرغم من حضورها المهيب ، وبصمتها الواضحة ، خاصة عندما يتعلق الشأن بحكومات الدول ، ولعل السؤال الابتدائي الذي يفرض نفسه هو : لماذا كان النجاح حليف الجبهة القومية الاسلامية السودانية دون غيرها ؟ وأعني بغيرها - التنظيمات المماثلة الأخرى في العالم الاسلامي ، في مصر والجزائر وتونس والأردن ، في الكويت والمملكة السعودية والباكتسان وافغانستان .. الخ ، مع إن الجبهة القومية الاسلامية السودانية ، لم تكن أعرقهن تأريخا ، ولا أفضلهن تنظيما ، ولا أغزرهن عطاء فكريا ، ولا أوسعهن عضوية ، ولا أعلاهن صوتا ، ولا أمتنهن عسكريا ،غير أنها كانت أكثرهن ثراء بلا منازع . كانت صيغ الاقتصاد الاسلامي التى سربتها ، وعملت على توطينها عقب المصالحة الوطنية في البلاد ، بمثابة مفتاحها السري لبوابة الاقتصاد الوطني . انداحت عبرها استثمارات الجماعات الاسلامية نحو البلاد من مختلف بلدان العالم الاسلامي ، ووضعت البنوك الاسلامية ، وشركات المضاربة ، والاستثمارات العقارية ، اللبنات الأولى لنظرية الاقتصاد الاسلامي على أرض الواقع . وجيّرت بتؤدة منتجات السودان ورؤس أمواله لصالحها ، لأول مرة في تاريخ عالمنا المعاصر. هذه الخلفية الاقتصادية - بقدر ما كانت ضرورية - كمهد مخملي يشبُّ في كنفه جنين تطلعها لحكم البلاد ، ويربو زنده حتى يوم تتويجه ، حملت جينته المرض الذي شلّ حركته ، وأصابه بالكساح عند بلوغه سن الحكم . بالطبع لم يكن العامل الاقتصادي وحده الدرج الذي ساعد على صعودها للحكم ، بل أيضا القوى الكبرى برفقة إقليمية ، وهذه إحدى الآليات التي يحذر الكثيرون الاقتراب منها ، بل يرفض قبولها البعض ابتداءً ، إما لعموم فهم بمجريات الأحداث ، في عالم أضحت عيونه منصوبة ومصوّبة ، لا يعجزها حتى انقاذ حيوان جريح في أقصى الأرض ، وبين أكثر أحراشها وعورة ، أو لعله حرص في اجتناب ما يسمى بنظرية المؤامرة ، على الرغم من الدراسات التي تفيد أن مفاهيم نظرية المؤامرة تم سكها في الأصل من قبَل الذين يحتكرون النفوذ و السلطة ، بهدف النيل من المزعجين الذين يطرحون الأسئلة الكشفية في القضايا الحساسة . تجاربنا السياسية بدورها عملت على ترسيخ مفاهيم خاطئة ، لا تفرق بين الدولة وشخص الحاكم وحزبه ، بحيث تكون الدولة هي الحزب ، والحزب هو الدولة ، هذا المفهوم يقود بالضرورة لتقييم خاطئ للسياسات الخارجية التى تعمل بها دول العالم الاول . إن دور القوى الكبرى وأتباعهم في الإقليم ، كان باديا منذ أن تخلّيا عن دعم التجربة الديموقراطية الثالثة ، التي خلفت حكما شموليا دام عقدا ونصف من الزمان ، ليس هذا فحسب - بل حالت دون نجاح المساعي المبذولة من قبّل نظام الحكم الديموقراطي ، لتسوية نزاع نازف مع الجيش الشعبي . لقد فتح الموقف الثالب للقوي الكبرى والاقليمية تجاه التجربة الديموقراطية الوليدة ، شهية الجبهة الاسلامية للاستيلاء على الحكم . وكان دافعها الحقيقي وراء ذلك ، مواصلة إنتفاعها بالمكتسبات الاقتصادية ، وحماية استثمارات التنظيمات الاسلامية العالمية التى استوت صكوك أرباحها داخل ادراج مكاتبهم ، ولا اظنني في حاجة لدعم مصداقية فرضية الدافع الاقتصادي ، بمصادر وثائقية ، فهي فرضية وقائعها محضورة ومشاهدة إلى اليوم ، فضلا عن ذلك - كتب العديدون من منسوبي هذا التنظيم ، معبرين عن خيبة أملهم والفشل الذي صحب تجربتهم ، منوهين لأسباب عديدة ليس منها الدافع الاقتصادي ، على الرغم من أثره الذي لا تخطئه عين ، في جرها ساعد القوى الكبرى ، للعبث بهم وبمصير وطن بأثره . هذه الفرضية التى خلصت اليها ، تدفع للأذهان .تساؤلا منطقيا مفاده : ما هي مصلحة القوى الكبرى والاقليمية ابتداءً لتمكن تنظيما اسلاميا في السودان للاستيلاء على الحكم ؟ ثم العودة لتحجيمه وتفتيته بعد تمكينه ؟ خاصةَ وأن سياساتها البادية للعيان بعد الحرب الباردة ، ظلت تبارك وتدعم اجراءات الاجهاض المبكر ، لأي محاولة يقدم عليها تنظيم اسلامي في البلدان الأخرى ، حتى وان جاءت محاولتهم بالطرق الديموقراطية . ونالت من سياستهم المتشددة تلك كل من الجزائر وتونس ومصر والأردن والباكستان وأخيرا افغانستان . ولكي لا تنزلق إجابتي عن السؤال ، وأغرق في عمومية مخلة ، دعوني ابدأ بالشق الأول المتعلق بمصلحة القوى الكبرى وهي مصلحة يصعب استشرافها وسبر غورها ، دون إعمال نظرة تاريخية للظروف والدوافع التي حوّلت هذه الحركات إلى حركات جهادية ، عقدت أهدافها بثيمة السلطة والحكم دون العناية بالتربية الايمانية وتقويم بنية المجتمع الدينية ، ولعل تلك الاستراتيجية المصوبة نحو ديوان الحكم من قِبلَهم ، هي التي دفعت خصومهم لنعتهم بحركات الاسلام السياسي ، وكان قد اصبح لبعضها ما يربطها باستراتيجيات القوى العظمى ، بعد تشكلها وانقسامها لمعسكرين عقب الحرب العالمية الثانية ، حيث دارت بين المعسكرين حروب تنافسية خفية ، طوال النصف الأخير من القرن الماضي ، اصطلح على تسميتها بالحرب الباردة . وهي حروب كانت تستصحب في تنافسها ، منجزات التفوق العلمي والعسكري والاقتصادي ، بغية الحد من قوة المعسكر الآخر ، وعرقلة مساعية في الانتشار تمهيدا لاخراجه من المنافسة ، ولعل الناظر لبؤر التنافس على الحدود بين المعسكرين ، يجدها تلامس الأطراف الجغرافية للعالم الاسلامي ، كدول الشمال الأفريقي المطلة على البحر الأبيض ، ودول الشمال في الجزيرة العربية وشبه القارة الهندية. هذه الخارطة الجغرافية لبؤر التنافس بين المعسكرين ، تبين الدافع الرئيس من وراء ظهور حركات الاسلام السياسي فيها ، وربما بصمات استغلالها من قبل المعسكر الغربي ، كترياق عقدي مضاد للحد من انتشار الفكر المادي . هذه الفزلكة الخرائطية ، ضرورية لاغراض الإجابة على الشق الأول من السؤال . حيث نمت لتلك الحركات أجنحة جهادية في نهاية المطاف ، جندت تنظيماتها أعدادا غفيرة من الشباب المجاهد ، صوّبت أهدافها نحو مقاعد الحكم في بلادها . غير أن الحرب الباردة بين القوتين العالميتين ، كانت قد وضعت أوزارها ، ولم تعد تشغل الحركات الاسلامية الجهادية ، حيزاً في استراتيجيات التنافس بين المعسكرين ، بعد تفتت الاتحاد السوفيتي وتخليه عن منهج النظم الشمولية . من الثابت أن حكومات العالم الأول ، تعمل وفق استراتيجيات مبنية على نتائج أبحاث ونظريات ، تعدها مراكز بحثية متخصصه ، يقودها علماء وفلاسفة ، لا يتوقفون عن إثراء استراتيجية الدولة وخططها ، بنظريات ودراسات حديثة تستوعب التحولات وتطور الأحداث في الزمان والمكان ، لا يحيد السياسيون عن موجهاتها ، كيفما اشتد بينهم التنافس على مقاعد الحكم ، وتلك هي مؤسسية الدولة التي يخضع لها النظام السياسي وليس العكس . لذا لم يكن مستغربا أن يطالع العالم عقب إنتهاء الحرب الباردة ، نظريات من شاكلة صراع الحضارات لصامويل هنتنجتون ، أو نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما . غير أن نظرية صراع الحضارات هي الأقرب عندي لتفسير استراتيجية العالم الأول تجاه قضايا العالم الاسلامي ، فالنظرية ذهبت بوضوح لا لبس فيه ، لتحديد بؤر الصراع الحضاري المقدّر لها مصادمة الحضارة الغربية . ولو أنك عقدت مقارنة بين دلالات تلك النظرية ، وردود الفعل العملية للحكومات الغربية ، تجاه طموحات الحركات الاسلامية لما داخلك شك في كونها غدت ضمن استراتيجيتهم ، ولا اعاظل وهما حين انسب الأحداث التى تلت الحرب الباردة ، في الشرقين الأدنى والأقصى لتقديرات تلك النظرية ، فسعي القوى الغربية وحرصها على عدم بلوغ أي حركة اسلامية لمقاعد الحكم في دول بعينها له من الأمثلة ما يعضده ، منها على سبيل الحصر الباكستان ومصر ، ذلك لما لهما من قوة عسكرية ومواقع جغرافية متميزة ، وتأثيرات فكرية على محيطيهما ، كذلك دول الطوق المطلة على البحر والمحيط في الشمال الأفريقي ، لما لها من ذكريات تاريخية من زمان دولة الأندلس ، ظلت عقدتها كامنة في العقل الأوربي. - 2 - إن استشراء الفساد والظلم وكبت الحريات في الدول الاسلامية ، أوجد الأرضية التي وقفت عليها حركات الاسلام السياسي وامست واقعا لا يمكن إغفاله . ازاء ذلك - لم يكن أمام القوى الغربية سوى إتاحة الفرصة أمام ثلاث نماذج ، تعطي أمثلة تجريبية حية للحكم الاسلامي ، يحبط أشواق هذه الجماعات ، ويحجمّ نشاطها المتزايد. كان إحداها الجماعة السودانية ، ولاخنيار جماعة السودان محفزات يمكن إيجازها في الآتي: 1 – إتساع رقعة البلاد الجغرافية وتنوعها الإثني والعقدي ، مما يسهل معه السعي لتفتيته ، وحصر تجربتة في اطار ضيق إذا ما دعت الضرورة لذلك. 2 - ضعف البنيات التحتية للاقتصاد السوداني ، الامر الذي يخلق في ظل سياسات السوق المفتوح ، طبقة طفيلية من الأثرياء ، لن تجد مجالا لتدويرعائدها النقدي ، الا من خلال أسواق االعملة السوداء والمضاربات والسمسرة ، الأمر الذي يحد من قدرة الاقتصاد الاسلامي على منافسة أسواق الاقتصاد الرأسمالي. 3 - ضعف الآلة الثقافية والاعلامية فنيا وتقنيا في السودان ، مما يجعل تأثيرها ضعيفا على المحيط الاسلامي . 4 - الحواجز الطبيعية التى يوفرها الاسلام الصوفي بميراثه الباطني ، وتطبيقاته المتقاطعة مع فقه الظاهر. 5 - الوجود المسيحي الطاغي في الجنوب. 6- الفشل الملازم لانتشار تنظيم الحركة الاسلامية بين القطاعات الشعبية والريفية ، بسبب تقوقع نشاطها حول الشرائح الطلابية ، ومجموعة من مثقفي المدن القليلة اصلا في السودان ، الامر الذى يحرمها من التأييد الشعبي الطاغي على نطاق الوطن. والجدير بالذكر أن اختيار الجماعة السودانية ، لم يأت مباشراً وعلنياً كما توحي العبارات بعالية ، فالكثير من خطط واستراتيجيات القوى الكبرى ، تأخذ طريقها للنفاذ في العالم دون أن تكون بصمتها مرئية ، الا لمن يشاء التقصي والتدقيق. المرائي الستة الآنفة على سبيل المثال لا الحصر ، عكست وجه صلاحية السودان وشعبه ، لاستقبال التجربة ونظريتها الاقتصادية ، على أن تظل خيوط التجربة ، مشدودة بيد القوى الغربية الكبرى والاقليمية ، وأن يظل الحصارالاقتصادي ووسائل الضغط الأخرى ، متوازنة بين النظام ورموزه لتخرج معطيات التجربة الاسلامية ، فطيرة عبثية فاسدة ومنفرة أمام العالم . وجاء النموذج السُني الثاني ممثلا في جماعة حماس الفلسطينية ، اذ أفسح المجال أمامها لتصعد لسدة الحكم بطريقة ديموقراطية ، غير أن التجربة قدَر لها أن تبقى محاطة ومحصورة محليا واقليميا ، بحيث لا يتجاوز مردودها إطارها الجغرافي الضيق ، حيث تقف في وجهها داخليا قيادة فتح وبيدها نفوذ رأس السلطة الفلسطينية ، واقليميا تحيطها دول لن تسمح باختراقها ، هذا اذا لم يكن قدَر لها أن تجتمع وتعمل على خنق التجربة وحبسها في قمقم المحلية لتواجه الموت البطيء . ومثلما أُفُسح المجال لحركة الاسلام السياسي السُنّي لتطبق مثالها في الحكم ، بكل من السودان وفلسطين ، سمح لحركة الاسلام الشيعي في المقابل - تطبيق أنموذجها الإيراني . على أن يشكل العراق .بتكوينه الديموغرافي الحاضن للفكرين السَني والشيعي ، بؤرة الصراع والتصفيات الدامية بين المثالين كأفضل عيّنة عصرية ، تقنع شعوب العالم الغربي بالروح الدموية للمسلمين وتبقى أذهانهم مشدودة لذكريات الصراعات الكنسية التاريخية وآثارها الدامية المدمرة بينهم . لقد صدرت طبعة تجربة الحكم الاسلامي في السودان مخفورة بالعسكر ، واصطدمت محاولة رموزها المدنية بالعسكريين عندما سعت للحد من سيطرتهم على سلطات الدولة التنفيذية ، وذلك بغية اضفاء قدر من الديموقراطية الدستورية على التجربة ، فكانت أحداث المفاصلة الشهيرة ، التي أبعدت عن الحكم قادة الحركة ودهاقنتها. لم تكن أحداث المفاصلة التي انتهت سلمية ، مجرد إبعاد لرموز مؤثرة في تنظيم الحركة الاسلامية فحسب ، بل كانت انقلابا قارب بينهم وبين القوى الاقليمية والعالمية المعنية بالشأن ، ومضى ترحيب تلك القوى بالخطوة الى حد ابداء المرونة في التعامل مع النظام ، غير أن مرونة التعامل وحدها لم تكن كافية لتحمي ظهر النظام ، وقد اتسعت قاعدة خصومه بعد المفاصلة ، وتوصل التجمع الوطني المعارض والحركة الشعبية ، لتسويات جوهرية لازمات البلاد ، خرج بها مؤتمر القضايا المصيرية باسمرا ، فتحت الباب أمام الجناح الاسلامي المعزول عن الحكم ، ليصعق شركاء الأمس في النظام ، ويتخذ خطوة جريئة غير متصورة قاربت بينه وبين الجيش الشعبي . كان لازما لبقاء الانقاذ في الحكم ، أن تسبق الآخرين في التقاط القفاز ، والعمل على اجتذاب الحركة الشعبية لمربعها بأي كيقية كانت ، ولكن كان أمامها ميراث من العنف الدموي المرير، كانت قد لجات اليه على أمل ترجيح ميزان الصراع لصالحها ولم تفلح ، غير أن ضغطها العسكري دفع الحركة الشعبية لتحتضن التجمع الوطني المعارض ، الصيغة المستحدثة التى ابتكرها المعارضون للأنظمة الشمولية ، من التكنقراط والنقابات والأحزاب السياسية ، أواخر حكم الرئيس نميري ، ورفضت الحركة الشعبية كافة عروضها لتسوية النزاع . في كل الأحوال كانت معطيات الساحة السياسية وإرثها ، لا يبشران بقدرة الانقاذ بمفرها على تفكيك الغامها وتجاوزهما ، ما لم تجد عونا جاداً من القوى الاقليمية والعالمية ، وكان عزلها وإبعادها لرموز الحركة الاسلامية وقيادتها التأريخية ، بمثابة جواز مرور لأروقة اظمة اقليمية ، مهدت أمامها طرق العبور لأنظمة وكيانات عالمية مؤثرة ، كان لها القدح المعلا في تكوين شبكة دولية بقيادة اقليمية ، عبدت طريق السلام ، وقادت طرفي النزاع لتتويج اتفاقهما بمنتجع نيفاشا الكيني. وتجدر الإشارة هنا للدور المفتاحي الذي خطه مؤتمر القضايا المصيرية، وسارت على هديه البروتوكولات اللاحقة ، وكان حري أن يشار الية في افتتاحية ديباجة اتفاق السلام الشامل ، بحسبانه أول مؤتمر تجتمع اليه الوان الطيف السوداني ، ممثلين في الحركة الشعبية ، والاحزاب السياسية ، ورموز القوات المسلحة ، والنقابات والكيانات الجهوية والشخصيات الوطنية المنضوية تحت التجمع الوطني ، ولم يتغيب عنه سوى الحزب الحاكم . في كل الأحوال - استطاع جناح البشير المنشق عن الحركة الاسلامية ، بسرعة يحسد عليها ، تامين ظهر النظام في فترة وجيزة ، قبل أن يستفيق خصومه الجدد ومعارضيه القدامى من هول صدمة المفاصلة ، ولعب الصف الثاني من رجالات الحركة الاسلامية ، الذين آثروا المضي قدما بصحبة البشير ، لعبوا دورهم بذكاء ونشاط تجاه قادة احزاب الأمة والاتحادي الديموقراطي ، لردم الفجوة السياسية التي خلفتها الأحداث ، لحين استكمال إنشاء البديل السياسي للتنظيم المنشق ، ساعدهم على ذلك استقطابهم المبكر لعدد من سدنة الاتحاد الاشتراكي السابق ، ورجالات الطرق الصوفية ، ونواب المجلس الوطني واللجان الشعبية ، فضلا عن مجموعات منشقة عن أحزابها ، شكلت في مجموعها نواة لتنظيم سياسي جديد باسم المؤتمر الوطني ، استطاع بما تحت يدية من أمكانات الدولة ، أن يستقطب جموع غفيرة من الجماهير ، وذلك قبل أن يضفي انفاق السلام الشامل ، قوة ثلاثية على النظام السياسي الجديد ، أهلته للاستحواز على نتائج الانتخابات الأخيرة ، سواء بطريقة مشروعة أم غير مشروعة ، وربما عقدت الدهشة نواصي البعض ، من كم التسهيلات التي وجدها النظام ليعبر ازماته ، بعد نجاحه في إبعاد قطاع مؤثر من أقطاب الحركة الأسلامية ، ولربما تساءل البعض عن المقابل الذي قدمه النظام ازاء استقطاباته للقوى الاقليمية والمحلية المعارضة ، وهو مقابل رشحت به أقاويل سائبة لم يثبتها دليل بعد ، ولكن ظل الفتور الذي يعالج به النظام ملفات الأزمات الحدودية ، وتعاونه الأمنى مع الفطب الامريكي عوامل ظلت تفرخ سوء الظن. فضلا عن ذلك - فالنظام مازال يعمل تحت لافتة اسلامية ، وباسم المشروع الاقتصادي الاسلامي ، على الرغم من كم التشوهات والمفاسد المصاحبة ، وهذا مقابل جيد يبتغيه الغرب والقطب الراسمالي ، كدليل عيني ناجع على ضعف وفساد التجربة الاسلامية ، وهو لا يستعجل نهايتها المبكرة ، بل يمضى لحصارها بكم من الأزمات الطرفية ، تضع حبالا دولية حول عنق رموز النظام يمكن شدها في أية لحظة ، اذا لم تتعجل القوى الشعبية كتابة بيان الخاتمة ..
|
والآن بعد أن أفسح الربيع العربي لدعاة التجربة الاسلامية تطبيق مشروعهم بكل من مصر وتونس وليبيا .. سوف ينعتق السودانيون من تجربتهم الفاشلة وليس العكس كما يظن البعض.
|
|
|
|
|
|
|
|
|