|
|
 إبراهيم نُقد... حوار مع نَزَعات مروُّة (1-2)
|
رشيد الخيون
تاريخ النشر 18/03/2012 12:00 AM
ربَّما لم يُسمع بهذه الشَّخصية، القادرة على التَّخفي داخل السُّودان لأربعين عاماً بلا انقطاع، إلا بعد حركة تموز (يوليو) 1971 السُّودانية، وعُرفت بحركة الضابطين اليساريين: هاشم عطا وأبي بكر النُّور، فبأثر فشلها اُعدم قادة الحزب الشِّيوعي السُّوداني، وفي مقدمتهم أمينه العام عبد الخالق محجوب، وبعده تسلم قيادة الحزب محمد إبراهيم نُقد، وكان مختفياً وظل كذلك، والرَّجل إلى جانب أنه كان كائناً حزبياً يُجيد التخفي بقدرات مذهلة كان كاتباً ومثقفاً راقياً في شؤون الفكر والفلسفة، وعلى وجه الخصوص في الفلسفة الإسلامية.
أما الكتاب فهو «النَّزعات في الفلسفة العربية الإسلامية»، للعلامة حسين مروَّة (اغتيل 1987) صدر أول مرة بجزأين عن دار الفارابي، العام 1978، وأتذكره معروضاً في مكتبة «الطَّريق» في شارع السَّعدون آنذاك، محل مطعم الشَّباب سابقاً، قُبيل غلقها نهائياً بشهور.
في تلك الأثناء دخل جنود شباب وأخذوا يورقون في الكتب، مع أن الدُّخول إلى هذا المكان كان محرماً على العسكري، سواء كان يرتدي الملابس العسكرية أو المدنية، ويكفي ذلك لقوده إلى الإعدام. كنت مشغولاً بتوريق كتاب فنظر بوجهي مسؤول المكتبة آزاد، المعروف بخفة دمه وسمنته المفرطة، وأشار لي بيده مستغرباً مِن مجازفة هؤلاء الجنود.
ما زال كتاب النَّزعات مطلوباً، الذي قضى في تأليفه العلامة مروَّة نحو عشرة أعوام، وهو أطروحة أكاديمية كلفه بها الحزب الشِّيوعي اللبناني وقدمها في معهد الاستشراق السوفياتي. كُتب الكثير مع الكتاب وضده، حتى صدر كتاب لمجموعة مثقفين وباحثين يناقشونه، واعترض بعضهم على منهج الباحث، واعتماد المسألة الأساسية في الفلسفة هي البارومتر أو المقياس لعزل المادي عن المثالي، لكن ذلك لم يُقلل مِن أهمية الكتاب وانعاش ما سكن في زوايا التُّراث.
ففي مقدمة وافية درس مروَّة تاريخ مكة وظهور الإسلام فيها، ثم عرج على الصَّراعات السياسية والفكرية، وتناول الثَّورات في تاريخ الإسلام: الزُّنج، والقرامطة والبابكية وغيرها، وهو لم يبتعد كثيراً عن الحق عندما جعل المؤثر الاقتصادي والمعيشي وراء تلك الحركات. ثم عرج على المعتزلة والأشاعرة وإخوان الصفا فالفلاسفة، وأظهر فيها الجوانب المادية التَّقدمية قياساً بعصرذاك.
مِن جانبه نشرَّ الأستاذ محمد إبراهيم نقد سلسلة مقالات في جريدة الحزب الشِّيوعي السُّوداني «الميدان» ناقداً وقارظاً، في الوقت نفسه، لكتاب النَّزعات المادية، فسألت حينها الشَّاعر السُّوداني جيلي عبد الرَّحمن(ت 1990) عمَّا إذا كانت لديه نسخة مِن تلك المقالات، فردَّ عليَّ بالنَّفي، وأنه سمع بها ولكن لم يحصل عليها، وظلت أمنية في نفسي أن أقراً ماذا كتب ذلك الكائن المتخفي عن هذا الكتاب.
في معرض الشَّارقة (تشرين الثَّاني 2011) لحظت داراً سودانية، تبدو متواضعة، بلبس القائمين عليها وبمعروضاتها، اُسمها دار عزَّة للنَّشر، فأيقنت أن لها صِلة ما بترابية الحزب الشِّيوعي السُّوداني، فأخذت أفتش فيها، وسألت صاحبها: هل تعرف إبراهيم نُقد؟ قال: ومَن لا يعرفه؟ قلت هل تعرف أنه كتب ناقداً النَّزعات المادية؟ قال: نعم. وناولني كتاباً صغيراً يحتوي على 118 صفحة.
كان عنوانه: «حوار حول النَّزعات المادية مع حسين مروَّة» المؤلف محمد إبراهيم نُقد. قال: أتقصد هذا الكتاب؟ قلت ضاحكاً: لثلاثين عاماً أفتش عنه، ودخلت عليك مستخفاً بتنفيذ طلبي! فقدمت لك طلباً مستعصياً! وها أنت تنفذه لي. فاضطررت إلى دفع ضعف الثَّمن! أما ما فيه فهذا للمقال القادم.
http://www.alesbuyia.com/inp/view.asp?ID=29944
|
|
 
|
|
|
|
ادريس خليفة علم الهدي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست