|
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته (Re: عمر عبد الله فضل المولى)
|
من الفصل الثاني: السوداني التائه:
فليجذب أيّ سوداني طفله أو طفلته وليسأل: من نحن؟من أين أتينا؟ التلقين المدرسي والمجتمعي سيستعير لسان الصبي أو الصبية - بل الكهول أيضاً - ليجيب فوراً ودون أي شك "معرفي": عربيٌ أتحدر من صلب العباس رضي الله عنه. ربما تتنوع الإجابات، لكنها لن تتعدى حدود هذا البطن أو ذاك من "قريش". وسيهزُّ "السوداني التائه" أو "السودانية التائهة" رأسه أو رأسها علامة الموافقة بل والغبطة، فالصبي الصغير، التائه هو الآخر، أضحى ملماً بأصوله الجالبة للفخر. كيف لا والمغني السوداني يحصر الفطنة في "العرب" (1)، والوالدان ذاتهما، بل والمدرسة، وربما من وضع المناهج، ناهيك عن المجتمع، يعتقدون أن بيعانخي فتح مصر لأجل سوء معاملة الخيول. نعم، تمّ تلقيننا ذلك، فالملك النوبي، مفرط السذاجة، زجّ بأمته في أتون حربٍ لا تبقي ولا تذر من أجل بضعة خيول عذّبهم ملك مصري ! وبطبيعة الحال تغفل المناهج الدراسية السودانية الإشارة حتى إلى اسم ذلك الملك المصري، وهو الملك نيملوت (2) الذي كان حاصره بيعانخي في هيرموبوليس! ولنعذر المناهج السودانية، فهي لا تستغرق وقتاً طويلا في شرح تاريخ الحضارة النوبية للتلاميذ.هي مشغولةٌ بما هو أهم: تاريخ الأمويين والعباسيين، وتاريخ أوروبا، وتاريخ العالم بأسره إلا نحن، فنحن لا تاريخ ورائياً لنا، لذا علينا "استلاف" تاريخ غيرنا والمباهاة به. تاريخٌ يخلطُ تماماً بين المقدس والتاريخي، حتى لتصبح فترة كالحة كفترة حكم الخليفة العباسي الأول، أبي العبّاس "السفّاح" مقدسة في ذهن التلاميذ، لا بل ويصبح "السفّاح" نفسه معلماً بارزا يشرح لقادتنا الديكتاتوريين أصول عملهم. يُمكن للمرء أن يطرح وبجدية تامّة سؤالاً ضخماً دون أن يعنّ له أن يضحك ملء شدقيه: هل من أمةٍ في الأرض، سوانا تتجاهل تاريخها كل هذا التجاهل، وتهينه إلى هذا الحد؟ إسأل أيّ طالب جامعي عن معلوماته حول "كرمة" و"الكُرو" و"مروي". سأتفاجأ إذا لم يجب غالبيتهم بأنه لم يسمع عن "الكُرو" من قبل! تخيّل أن طالباً جامعياً في الصين لا يعرف شيئاً عن سور الصين أو تراث الحكمة والفلسفة الصينية! تخيّل طالباً جامعياً يونانياً يجهل "الأكروبول"، أو إيطاليا لا يفقه معنى "روما" ويعدّها مجرد عاصمة لبلاده! لكن ذلك يحدث في بلادنا.يحدث تحت أبصارنا، ولا أحد يحرّك ساكنا. كم من السودانيين أخذوا أطفالهم في جولة في "المُتحف القومي" ليعرفوا عظمة أسلافهم؟ إنه "الوعي الزائف" الذي تكرّس على مدى عقود بفضل التلقين المستمر.فتاريخنا وآثارنا - بفضل هذا النمط من التعليم - ترقد في تهامة ونجد، لا في جبل البركل وكرمة! في العام 2007 رحل عالمٌ سودانيٌ جليل، قضى سنواتِ حياته الأخيرة منفياً خارج السودان بسبب الديكتاتورية، ديكتاتورية الإنقاذ (1989 - ).ويعودُ إلى هذا العالم الجليل وقلة معه الفضل الأكبر في نشوء علم "السودانيّات" مستقلاً عن علم "المصريّات".قلةُ قليلةٌ جداً من السودانيين غير المشدودين - بقوة - إلى جذورهم في شبه الجزيرة العربية، يعرفون البروفسير أسامة عبدالرحمن النور.وقلةٌ قليلةٌ جدا تعي حجم ما قدمه البروفسير النور في مجال الحضارة والآثار السودانية. من يكترث؟ إن جهده كلّه أنفقه على حجارة لا تعدو أن تكون علامةً على الشرك بالله وعلى تاريخٍ لا يغني ولا يسمن من جوع. لكن أمثال البروفسير أسامة عبدالرحمن النور، هم المؤمنون حقاً بعظمة تاريخنا، وإمكان صناعة مستقبل أفضل بفضل "الثقة" التي تنقص الملايين من السودانيين وتدعهم يبحثون عن "شخصية حضارية" ينتسبون إليها. لكن، حتى جهود أمثال البروفسير أسامة عبدالرحمن النور، أو العالم السويسري، شارل بونيه، الذي أنفق أكثر من ثلاثين عاماً، هو وفريقه، في أنحاء "كرمة"، باحثاً عن الحضارة النوبية، لا تهم السواد الأعظم من السودانيين. تُرى لماذا؟ هذا سؤالٌ ينبغي أن يجد عنايةً خاصةً من الباحثين حتى يتم الكشف عن ما يمكن وصفه بخلل البنى في الوعي السوداني.
September 6, 2011Khalid Ibrahim Ewais فالوعي في هذه الحالة، ربما، أو هو على الأرجح ناتجٌ من تراكمٍ على مدى عقود يجد تمثلاته في أن السودان "خُلقُه الخفة والطيش وكثرة الطرب، فتجدهم مولعين بالرقص على كلِ ترقيع، موصوفين بالحُمق في كلِ قطر.والسببُ الصحيح في ذلك أنه تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح والسرور هي انتشارُ الروح الحيواني وتفشيه، وطبيعة الحزن بالعكس ، وهو انقباضه وتكاثّفه" على حد مزاعم عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته (3). ويبدو بن خلدون في نصّه هذا مهذبا في رد سبب وصف السودان أي السود بالخفة والحمق والطيش إلى حرارة الطقس في بلادهم، مقارنةً بيعقوب بن إسحق الكندي الذي يرده إلى ضعف أدمغتهم، الأمر الذي يعارضه ابن خلدون فيه ! تُرى هل تسرّبت مثل هذه الرؤى التي تراكمت عميقاً في الوعي العربي إلى الوعي السوداني؟ الإجابة – على الأرجح -، نعم، وإلا ما سارع الشاعر،ربما، ليكتب: "وإلى العُرب تُنسبُ الفطن"، في مقابل ماذا؟ في مقابل سود يتصفون بالطيش والحمق، إما لعلةٍ في مناخ بلادهم تبعاً لابن خلدون، أو لعلةٍ في تفكيرهم تبعاً للكندي! ويضيفُ الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي، الذي يرتقي في النسق الثقافي العربي إلى درجة "القداسة الابداعية"، إلى هذا التراث، تراث "لعنة السود" تشنيعاً سيرسّخ في الذاكرة العربية انحطاط هذا الجنس من البشر، ما يُضطر معه السودانيون إلى نفي السواد عنهم في ما يشبه المشهد العبثي: ما يقبضُ الموتُ نفساً من نفوسهمُ إلا وفي يدِه من نَتنها عودُ من كلِّ رخوٍ وكاءِ البطن منفتقٍ لا في الرجالِ ولا النسوان معدودُ إلى أن يقول - المتنبي - : العبدُ ليس لحرٍ صالحٍ بأخٍ لو أنه في ثيابِ الحرِ مولودُ لا تشترِ العبد إلا والعصا معه إن العبيدَ لأنجاسٌ مناكيدُ (4) ومثلُ هذا النسق الثقافي الذي تحفل به الثقافة العربية يصنعُ المخيّلة العربية في رؤيتها لـ"الآخر"، ويعمل بطريقة الطرد المركزي الثقافي والاجتماعي بشكلٍ متواصل. كيف لا والأجيال العربية منذ قرون طويلة وإلى يومنا هذا ترى في أمثال المتنبي "نموذجاً" للابداع، وفي ابن خلدون "نموذجا" للعقل والبحث الاجتماعي، يكسبهما ما يشبه القداسة في الثقافة، وتنسرب هذه المعاني العميقة من الحطّ من شأن الآخر، من الثقافة إلى الوعي الشعبي. وبالتراكم يضحي هذا ناموساً لا يحيد عنه إلا من ينظر إلى التراث بتشكك نقدي. ومن الوعي الشعبي العربي، تنسرب ذاتُ المعاني، بدلالاتها وتبخيسها لشأن الآخر إلى الوعي الشعبي السوداني. ولا يكون أمام السوداني، التائه أصلاً عن ماضيه، وغير القادر على التفكير بطريقة نقدية وتشككية تجاه التراث العربي، إلا أن يتخلى كُلياً عن أن يكون "آخر"، ليذوب في المحيط العربي، متشبهاً به، ومنتجاً في الوقت ذاته آليات ثقافية لتوكيد استعلائه على "الآخر"، الذي ليس هو، وإنما "آخر" آخر في داخل وطنه. هذه الهشاشة في الوعي ما كان لها أن تصبح ضمن مسلماتنا لو كان المامنا بتاريخنا الماما عميقا. ولو كان وعينا أنتج آلياته الخاصة والعلمية في تفكيك وتحليل هذا الوعي الوافد. ففي مقابل لا علمية ابن خلدون والكندي في توصيف السود بالخفة والطيش، والاختلاف حول أسبابه، هل هو ناتج عن حرارة الطقس أم لعلةٍ في الدماغ، وفي مقابل تعالي المتنبي، كان الوعي السوداني لينتبه قليلا إلى حضارته السوداء التي تقف الشواهد العلمية والتاريخية أدلةً دامغةً على عدمِ صحة ما ذهب إليه ابن خلدون والكندي، وما ذهب إليه المتنبي، بل وما ذهبت إليه الثقافة العربية، بل وحتى الغربية طيلة قرون. فالمصادر العلمية والتاريخية لدينا متعددة. وكلها تؤكد على عِظم الإنجازات الحضارية التي حققها السوداني الأسود.لكن مثل هذا الأمر لا يجد سبيله إلى مناهجنا التعليمية ولا إلى معارفنا ووعينا. هذا لأن إرثاً ثقيلا يقف حائلا دون ذلك، ولأن حرّاس الفكر والثقافة السودانية، خاصةً بين صنّاع القرار، لا يريدون للسودانيين إلا أن يتثقفوا بالثقافة العربية، وأن يرموا كلّ تاريخهم – قبل دخول العرب إلى السودان – وراءهم، وإن لم يفعلوا فعلت مياه السد العالي وسد مروي!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 05:27 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 05:31 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 05:32 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:03 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:05 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-14-12, 02:43 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:10 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:08 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:13 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 06:16 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 07:40 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 07:46 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-11-12, 07:52 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-12-12, 09:02 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-12-12, 09:11 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | نيازي مصطفى | 03-11-12, 06:50 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عاطف مكاوى | 03-11-12, 08:14 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عبدالمجيد الكونت | 03-12-12, 06:59 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | اكرام الصادق الحسن | 03-12-12, 07:08 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-12-12, 08:23 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | حمزاوي | 03-12-12, 09:18 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-13-12, 09:54 AM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-13-12, 04:43 PM |
Re: تغطية اعلامية واسعة لكتاب الاديب خالد عويس ارهاصات الوعي ونكساته | عمر عبد الله فضل المولى | 03-17-12, 05:22 PM |
|
|
|