|
Re: عاطف صغيرون : - مرت أربع سنوات على رحيل القدال ومازال الجرح ناتحا (Re: wadalzain)
|
الاخ العزيز ود الزين هذه رسالة كان بعث الى بها القدال تغشاه الرحمة من النرويج وهى رسالة ما تزال طازجة رغم مرور الاعوام عليها
قبل ان انشر الرسالة ساحكى لك واحدة من طرائف القدال كنت على تواصل مع خالى رحمة الله عليه صلاح احمد ابراهيم كنا نتبادل الرسائل وفى اخر رسالة لى معه من القاهرة عادت الرسالة من باريس فكلمت القدال عن تلك العودة للرسالة فحدثنى يومها عن مرض صلاح رحمة الله عليهما وبعد عدة ايام شاء الله ان يرحل الخال صلاح فكلمنى القدال فى التلفون وقال ساخرا ـ وكت بتعرفى تكتبى الرسايل البتكتل دى رسلى واحدة للريس ياخ ..
نص الخطاب
كتب الى ّ من النرويج يومها كنت فى القاهرة وذلك فى 21ابريل 1992 يقول "عزيزتى سلمى أكتب اليك من بلاد بعيدة ـ بعيدة جدا... وما زالت قمم جبالها مغطاة بالثلوج،ولعل المتنبى الذى اندهش لجبال لبنان وقال فيها:ـ بجبال لبنان وكيف بقطعتها من الشتاء وصيفهن شتاء لعله كان سيندهش أكثر لو شاهد هذه الجبال ولافرغ بعضا من عبقريته الشعرية فى وصفها .. الطقس هنا ما زال قلبا بين المطر والجليد والشمس التى تطل علينا فى استحياء بين الفينة والفينة ... هذه المدينة من اجمل بلاد الله ، لم ار اجمل منها سوى مدينة سا ن فرانسيسكو فى امريكا ، فكلتاهما حافظتا على نمط تراثهما المعمارى القديم ولم يستبدلاه باشكال المدينة الحديثة المتشابهة التى تكاد تبعث على السأم أحيانا .. يبلغ عدد سكان النرويج كلها اربعة ملا يين ، ومدينتنا هذه ثانى مدينة ويبلغ عدد سكانها بضعة الاف أى أقل من سكان الجيزة ..! يخيم عليها هدوء شديد وسوف احتاج الى زمن طويل حتى آلفه، والناس يتحدثون همسا "وانا مع طرشى دا " أجد مشقة فى متابعة حديثهم فانصرفت عنه واستغرقت فى تأملات "واحلام لم تكتمل " أسكن فى غرفة بالنسبة لمساكن حلوان جنة الله فى ارضه ، أما بالنسبة لهذه البلاد فهى غرفة "########ة " لكن بها كل مقومات الحياة الحضارية "دولاب للملابس وحمام ، ورف للكتب ، ومكتبة ، وشمعدان وشمعدان آخر للقراءة فى السرير ـ يعنى دنيا داعكة ـ وهناك مطبخ مشترك لأربعة أشخاص وبه احدث معدات الطهى ، وأعتقد ان تكاليفه تساوى ميزانية "مجلس شعبى مدينتك امبدة وربما معه العباسية ايضا " اثنان من سكان الشقة التى انا بها عجوزتان شمطاوان ، وأخشى ان "يشربان دمى " ولذلك كلما اراهما أقرأ آية الكرسى ،وأتذكر قصيدة الشاعر المصرى على محمود طه الذى وجد نفسه فى فندق مخصص للنساء العجائز ، وطبعا وجد "روحه انسلت " فكتب يقول :ـ حديثهن صياح وضحكهن هدير ومشيهن ارتباك وتارة تقدير أفى فندق أنا ؟ أم فى جهنم محشور اين الحسان الصبايا ان كان هذا النشور ؟ لكنى لم اصل بعد الدرجة التى بلغها من الضجر، رغم أن الغربة والهدوء ورتابة الحياة امور شاقة ، ولكن احاول ان اقهرها بالانكباب على العمل وقد قطعت شوطا بعيدا فى الترجمة ، كما أقرأ الانتاج الاكاديمى الرفيع بهذه الجامعة حول السودان ، انتاج غزيرومتقن يبعث على الدهشة والاعجاب ، واعتقد ان جزءا عزيزا من عمرنا قد ضاع بين جريدة الانقاذ الوطنى والرائد يونس ، وقبلها تبددت انضر سنوات العمر فى عهد نميرى ...! أشتاق فعلا للسودان واعتقد ان الله قد ابتلانا بحب هذا الوطن ، والا كيف نفسر هذا الاشتياق ؟سوى انه بلوى او "تعذيبا للذات " التسلية الوحيدة ثلاثة شرائط كاسيت "للشفيع ، كابلى ، ابو داؤود "اسمعها باستمرار واعتقد انها سوف "تنسهك " عند انتهاء اقامتى ، والتسلية الاخرى السينما ، وهى تعرض افلاما جديدة وقيل لى انها ممتازة ، شاهدت فيلما واحدا منها وسوف اواظب على مشاهدة البقية فما باليد حيلة ، لكن البرد والمطر مشكلة ، فالبرد اشد قسوة من الذى قتل اخانا اباذر ، اشتريت "شمسية" فهى مهمة هنا ، بل انها بالنسبة لهم اهم من "الشرف " الحياة هنا غالية جدا ومستوى المعيشة مرتفع ، وتصبح الاسعار فلكية عندما أقوم بممارسة هوايتى بتحويل المبالغ الى الجنيه السودانى ، وإذا لم أقلع عن هذه العادة الرزيلة فسوف ابقى محجما عن الشراء ، فتذكرة السينما بما يعادل عشرة دولارات ـ يعنى 200 جنيه سودانى .. آخر مرة زرت فيها اوروبا كان العام 1980 ، والان انا فى دهشة ، اكثر ما يدهشنى الكومبيتر وما ادراك ما الكومبيتر تجده فى كل مكان حتى "تحت المخدة " ـ حاجة تجنن ـ وهو يجعل الامور فى اطراف الاصابع ويجعل البحث العلمى نزهة نيلية ، سألت من الآلة الكاتبة فاثار سؤالى سخريتهم ، أعتقد ان المسافة بيننا وبينهم اصبحت هوة مخيفة ، ولكن اشتاق للسودان..! عندهم حركة اخوان مسلمين قوية جدا ، وفى البرلمان ولكن بالمفهوم المسيحى ، فهم يطالبون بتخفيف كمية الكحول فى البيرة ، وحصر التدخين فى مناطق محددة ، ولكن الناس فى الصيف يستلقون فى الشاطئ عراة رجالاونساءا كما ولدتهم امهاتهم ... عجبى ..! كان يمكننى ان استمر فى هذا الخطاب أكثر من هذا ولكنى اخشى ان لاتسمح لك زحمة القاهرة بالقراءة أكثر من هذا ، ومعذرة للطول لانى مستعجل لا لحق البريد واذكر فى هذا المقال تعليقا للكاتب المسرحى برنارد شو ، فقد كتب رسالة طويلة لصديق ثم قال له فى النهاية " لو كان لدى وقت لكتبت رسالة اقصر "
|
|
|
|
|
|
|
|
|