ذكرى...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 09:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-29-2011, 05:26 PM

طلال عفيفي
<aطلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ذكرى...


    "door.jpg

    إلى روح: س.ع

    كان شخصية غريبة على أية حال.. كان مثلاً بعد أن يدخن كذا أوقية من الحشيش الصافي، يسند ظهره إلى الكنبه الجالس عليها ويرفع عينيه بخشوع
    إلى السماء ويقول بتبتل: يا ربنا .. لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت رب المنزل(!)

    كانت له إعتقادات غيبية عجيبة الشأن من نوع أن الأرانب تبيض.. ولكن خلال الفترة الطويلة التي عرفناه فيها، لم يستطع أحد أن يصفه بالخبل أو الجنون،
    إذ كانت له دراية واسعة بالعلوم الطبية، فيعرف كيف يعالجك بسرعه من "كتمة النفس" التي تصيب الواحد بعد ضحك طويل مصحوب بسعال حاد إثر
    نفسين جامدين من جوزة الحشيش. أو مثلاً حالات البارانويا الشديدة التي تصيب ضعاف النفوس بعد سحب أنفاس قوية، كان يعالج مثل هذه الحالات بالجلوس
    بحنو إلى جانب المصاب ويمد له حجر الحشيش مرة أخرى ويستحلفه بان يشد نفساً عميقاً، ويقوم هو بدوره بالصلاة على النبي بتردد خافت، فلا يني المسطول
    ضعيف النفس إياه إلا واجداً نفسه يواصل القعدة بهدوء مريب.

    كا ن صاحبنا مسطولاً بالسليقة، وقد وصفه أحد رفقاء مجلسنا المعطار بأنه "مسقي حشيش خلقة ربنا".. والحق يقال أنه، فعلاً كان يتعاطى الحشيش بلا هوداه.
    الدخان يخرج من نخاشيشه بقوة وإندفاع قطار مَجَري من صنايع الستينيات.

    لم تكن هامته المنتصبة العريضة الصلبة تشي بما يحمله جسده من امراض وعلل جاوزت السبعه عشر مرضاً وعلة، بدءاً من الصداع النصفي المزمن والتراكوما وإلتهابات اللثة وضعف الشريان الأورطي والقرحة مروراً بضيق المثانة وعدة حصوات غلاظ في الكلى تتسبب في حبس موجع للبول )
    وهي الأمراض التي يسميها بأمراض المناطق الحارة(، إنتهاءاً طبعاً بالضغط العالي في الدم وبوادر مرض السكر، كل هذا مع عرج خفيف يصيبه كلما أطال الجلوس أرجعه معظم الأصدقاء لمشاكل بالغضروف وخشونة في العظام.
    روحياً، كان الرجل في أتم صحته، فكان قلبه مصحفاً لأشعار العرب وأمثال لاتحصى أو تعد من المغرب والصين وبلاد الغال في ترجمتها العربية، مع ما تيسر
    من كتاب الله الحكيم وبعض أشعار أدونيس ومعظم قصص يوسف إدريس القصيرة وأغاني وردة وحوارات أفلام يوسف شاهين الثلاثة الأخيرة!

    كان شخصاً إحتفائياً من الدرجة الأولى، يحب المهرجانات والأعياد والمناسبات السعيدة وغير السعيدة.. المهم يكون في ناس، ومهم لديه أن يهنئهم ويهاديهم: تدخل عليه أو يدخل عليك فيأخذك بالحضن، ويقبل خديك ناظراً إليك في إبتسام محبب قائلاً كل سنه وإنت طيب يا حبيبي، فتكتشف من كلامه أن اليوم عيد ميلادك، او عيد النيروز أو عيد الغطاس، أو عيد نزول الصاروخ "تشالنجر" على سطح القمر، مع العلم إن تشالنجر إنفجر بعد إنطلاقه من الأرض
    ب73 ثانية مباشرة.. وغيره من الأعياد الحقيقية والوهمية التي يفرض بها البهجة على الناس فرضاً..
    بعد الأحضان ومباركة العيد يهاديك بأحلى الهدايا، حشيش وارد المغرب ماركة "النجم الساطع"أو قطعة أفيون لدنة تأخذ منك عمراً وأنت تنيخها تحت لسانك،
    او حبوب فياجرا، أو على أقل تقدير طقم حبوب منومه عشان "إنت همومك كتير ومحتاج تنام مستريح شويه" مشيراً إلى الهالات السوداء التي تحيط بعينيك الكحيلتين.

    يحب جداً صناعة القهوة، لكنه يصنعها من اردأ أنواع البن.. يقول أن الرك على الطبخة: برودة الماء ومدة التقليب ومراقبتها وحبيبات الهاواء تبُك في قوامها قبل أن تفور ولا ينسى أن يذكرك أن "كل حاجه في الدنيا دي قايمه على المحبة.." مع إنه لا يتهاون أبداً في معايرة صنف الحشيش، يفحصه ببصره وأنفه واطراف أصابعه، ويختبر القطعة بحنو ودقة. يقول لك: الحته دي مكروفه، أو مغشوشه بصنف أدنى، أو أن أولاد الحرام خلطوها بالملوخية والحنه، أو إنها أثناء التهريب ورحلتها بين الصحارى وعبر البحار سحبت شوية هوا ! شوية هوا؟؟ أسأله، فيرد بوقار علمي شديد " أمال إيه؟ الحشيش يتنفس"!

    عمل في العشرين سنه الأخيرة من عمره في مجال الآثار والتنمية الثقافية، كان يتاجر في المكتبات القديمة والصور العتيقة ومخلفات المنازل ويسمي هذا
    بالعمل في مجال الآثار، أما التنمية الثقافية فكانت تتمثل في كونه يجلس إلى الشباب الموهوب غض الإهاب ويعلمهم أغاني البحارة والغجر.

    لا أحد منا يعرف على وجه الدقة أين نشأ، كما ان لا أحد يعرف عمره على وجه الدقة.. فبالرغم من أن مجلسنا يضم كل الأجيال من سن الثلاثين إلى سن التسعين ومن كل الفئات، إلا أن أحداً لم يصادفه خارج مجلسنا الميمون؛ أما وجهه وتقاطيع ملامحه فتملأك بالحيرة العجيبة التي لا تستطيع أن تقرر معها
    هل هو أربعيني أم ستيني أم سبعيني.
    ملامحه دائماً ملاوعه وفيها حركة وحيوية تتناوب بين كل الأعمار بحسب حالته النفسية والمزاجية.

    سلوكه الديني غريب، لم يسبق له الحج أو حتى النية في زيارة بيت الله الحرام، لكنه يحب السيدة زينب بشغف العاشق، ويقدس سيرة أحفاد الرسول بضراوة، كما أنه دائم الزيارة للموالد ومقابر الأولياء المجهولين على تخوم منطقة القاهرة القديمة.. يستطيع أن يدلك على القبر الحقيقي لأبي ذر الغفاري وسيدي الفولي ومقام أبوبكر الهواري والإمام النووي والسلطان أبو العلا وسيدنا السيخ الشربيني والإمام الصباغ ومولانا أبوبكر الطرطوشي وسيدي الشيخ السيد الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني وسيدتنا الست رقية وخطيب الجامع الأزهر صالح الجعفري.. رضي الله عنهم أجمعين..
    لكن عزيزنا برغم روحانيته المتقدة وفؤاده الملتاع المحب التواق لصحبة آل البيت من احفاد حبيبنا النبي، كان لا يتوانى ولو للحظة عن سب الدين طائعاً مختاراً لأي سبب يغضبه: "الدين حاجه، والناس دول حاجه".. على رأيه.
    وتراني إلى يومي هذا لا أعرف سبب تفريقه بين الدين ورموزه، كما لا أعرف مدى إيمانه بالله، سوى أني لمست في معاشرته أسراراً صالحة، ودروساً عجيبة في معاملة الخلق.
    حين سألته مرة عن مثله الأعلى، أجاب: الكمبيوطر!
    قال لي أن الكمبيوتر مخلوق بريء " على حسب ما توديه يناولك" مفسراً ذلك بالأمانة وهي الحاجه "الخلقنا عشانها ربنا"..
    صحيح أنه لم يجلس على جهاز كمبيوتر طوال حياته، لكنه كان مهتماً بمعرفة كل صغائره، فيسأل كلما أتيحت له الفرصة عن آخر أخبار " الفيس بورد" ، قاصداً الفيس بوك، أو أفضل طريقة لتحديث "الويندوب"، قاصداً الويندوز.. أو آخر إصدارات " الآنتي فايروم" والمقصود الآنتي فايروس!

    قبل أيام مات.
    مات إلى أجل غير مسمى..

    بكيناه بشكل شديد
    لم يكن هناك أحداً لم تتورم عيناه بالدموع واللوعه.
    فبعد ان سقط صديقنا في نهبة الموت، لم يعد لدينا المقدرة الكافية للضحك ولا التدخين أو حتى إستعادة الذكريات.
    لأنه قبل أن يموت.. لملم ضحكته وعلمه وجهله وامراضه الثقيلة وحبه للحياة.. ورحل.

    ...
    طلال

    (عدل بواسطة طلال عفيفي on 12-29-2011, 05:56 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
ذكرى... طلال عفيفي12-29-11, 05:26 PM
  Re: ذكرى... Giwey12-29-11, 05:39 PM
    Re: ذكرى... طلال عفيفي12-29-11, 05:59 PM
      Re: ذكرى... hanadi yousif12-29-11, 06:11 PM
        Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 00:37 AM
      Re: ذكرى... سفيان بشير نابرى12-29-11, 06:11 PM
        Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 00:48 AM
      Re: ذكرى... ود العجمى12-29-11, 06:12 PM
        Re: ذكرى... دينا خالد12-29-11, 09:26 PM
          Re: ذكرى... عمران حسن صالح12-29-11, 09:40 PM
            Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 01:22 AM
          Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 01:06 AM
        Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 00:56 AM
          Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 01:48 AM
            Re: ذكرى... طلال عفيفي12-30-11, 02:05 AM
              Re: ذكرى... Elawad12-30-11, 02:57 AM
          Re: ذكرى... Osman Musa12-30-11, 02:41 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de