مهرجان أيام الخرطوم المسرحية فعل ثقافي مسرحي أم حدث إعلامي?? ميسون عبد الحميد * مهرجان أيّام الخرطوم العرض يعتبر من المهرجانات التي ظلّت تحرّك ساكن النشاط المسرحي ويلتف حوله صنّاع المسرح المشتغلون بالإبداع المسرحي بالرغم من الظروف والمعوِّقات التي لازمت( الحركة العرض( السودانية وشكّلت واقعاً ثقيل الوطئ وجعلت مسرحنا يدور حول مسائل هامشية لا تلامس قضايا المجتمع السوداني التي تؤرق الإنسان السوداني حتى فقد المسرح جمهوره ونتج عن ذلك ظهور فِرَق ومجموعات مستعيرة اسم المسرح لتقدّم تسلية مجانية بطرح مواضيع سطحية، هذا برغم الأصوات العالية التي ظلّت تنادي ببعث وإحياء مسرح يشتغل على الجذور الثقافية والفكرية في السودان، وينتبه لمناقشة القضايا المصيرية للإنسان السوداني واضعاً في الاعتبار تعدّد الثقافات وتنوعها منتبهاً لأهم المعضلات التي تجابه مصير الحياة الثقافية في السودان . ذلك الواقع جعلنا (نحن المسرحيون السودانيون) نُواجَه بالعديد من المشكلات في النسخة الأخيرة من مهرجان أيّام الخرطوم المسرحية 2012 العرض حيث قام المهرجان بعد أكثر من شهرين من موعده الرسمي، وبعد جهود مضنية من قبل أهل المسرح والعاملين على رفعة شأنه رضخت وزارة الثقافة لإقامة المهرجان الذي بدأت فعالياته بالمسرح القومي في الفترة من السادس عشر حتى الخامس والعشرين من يناير العام الحالي. وقد أشار تقرير اللجنة المنظمة للمهرجان أن "هذه الدورة – الرابعة - تحمل الكثير من الرؤى الإبداعية التي لا ينقصها الكثير من المفارقات.. فالرؤى الإبداعية لمسناها من خلال ما قُدّم من عروض تحمل موضوعات متنوعة على مستوى: الأفكار، والتناول، والمناهج، والاتجاهات الإخراجية المختلفة.. والمفارقة أن يلتقي لأول مرّة هذا التمازج والتلاحم والود الرائع بين الأجيال: رواداً، وشباباً، طلاباً للمسرح، وهواة له. وبهذا الحماس المنقطع النظير؛ هذا لوحده دليل عافية للمشتغلين بهذا الفن الجميل". ثمانية وثلاثون عرضاً مسرحياً هي جملة العروض المتقدّمة للمهرجان، لم يتخلّف منهم سوى عرضين مسرحيين: الأول من ولاية الجزيرة للمؤلف والمخرج المسرحي محمد أحمد الشاعر تحت اسم (ضوء في آخر النفق) بسبب ظرف صحي للمخرج ؛ والآخر (عجائب يا زمن) من ولاية كسلا لـ"عدم تمكنهم من الوصول"، حسب إفادة اللجنة المنظمة للمهرجان! اختارت اللجنة ثمانية عروض من جملة الستة وثلاثين عرضاً المشاهدة، بدلا عن عشرة بسبب عدم توفّر عشرة ملتزمة بجميع شروط المنافسة، والمثير أن شرط الزمن هو الفيصل الحقيقي في حسم التنافس فقد رُفض العرضان المكملان للعشرة لأن زمنهما أقل من 90 دقيقة! وبذا قدّم المهرجان العروض التالية: (الرحلة الطويلة) عرضاً افتتاحياً، خارج المنافسة كتب أمين صديق تأليف عن رواية (الحب في زمن الكوليرا) لغابريل غارسيا ماركيز وإخراج حاتم محمد علي. وداخل المنافسة: (رابورا) من تأليف وإخراج عطا شمس الدين ، و(الخرّاشين والدكتور) للكاتب محفوظ عبد الرحمن إعداد الفاتح الإمام ، و(عربة الموتى) من تأليف وإخراج سيد صوصل و(نُوْم يا مرحُوْم)، و(ديل مالِن) تأليف وإخراج حسبو محمد عبدالله ، و(النِّيْل وقف) تأليف وإخراج محمد الشيخ الماحي، و(أوديبوس)للكاتب اليوناني سوفوكليس إخراج فتح الرحمن عبد العزيز، و(التكريم)للكاتب الروسي أنطون تشيخوف إعداد وإخراج لؤي حامد ،وعرض الختام (صنّاع الضحك من تأليف مصطفي الخليفه. كما ناقش الملتقى الفكري ثلاث أوراق: "جمهور المسرح" للممثل محمد عبد الرحيم قُرني؛ و"قضايا جديدة في العرض المسرحي" للناقد المسرحي راشد مصطفى بخيت؛ و"النقد المسرحي الراهن" للناقد المسرحي جعفر نصر. هذا إلى جانب الجلسات النقدية للعروض المشاركة، التي قدّم أوراقها عدد من النقّاد هم: مصعب الصاوي، ومحمد علي مخّاوي، ومحمود حسن، والبشير سهل جمعة، والشفيع إبراهيم الضوء، ود.محمد عبد الرحمن بوب، ومحمد شريف علي، ود.أحمد الصادق، وإيهاب تاج السر، وعلي محمد سعيد. ومن ضمن فعاليات المهرجان أعلنت جائزة التألف المسرحي وهي خارج نطاق المهرجان حيث تم الإعلان عنها في وقت سابق الإً ان نتجيتها جاءت متزامنة مع المهرجان بقصد - بدون قصد ! ولكن نتاج هذه شغل الرأي العام المسرحي بحجبه الثلاثة الجوائز الأولي ومنح ثمانية نصوص مسرحيه درجة واحده في التقدير والمكافأة المالية . شخصية المهرجان.. اختار المهرجان االاستاذ عثمان احمد حمد( ابودليبة) أحد رواد المسرح السوداني كشخصية المهرجان لهذا العام تكريما له وللمسرح في السودان عبر بورترية في كتيب يحوى سيرته الذاتية ومساهماته الادارية والفنية في المسرح السوداني. ملاحظات حول العروض . أشّارت لجنة التحكيم جملة من الملاحظات على العروض هي: تأثير الثقافة الوافدة والمهاجره من الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة بصورة لافتة وفي موضعها فنياً مثل (رقص وموسيقى الراب ) وغيرها. إضافة إلى قلّة الاهتمام بصحة اللغة نطقا ونحواً للعروض التي قدمت باللغة العربية الفصحى وهذه ظاهرة ظلت تلازم الكثير من العروض في الكثير من المهرجانات.. كذلك ضعف الأداء الصوتي. كما رصدت لجنة التحكيم ظاهرة حضور الشخصية المنبوذة (المخنّث) بصورة ملفتة في الكثير من العروض وفي غير موضعها فنياً وموضوعياً. كما اعتبرت أن عدم وجود لجنة قبلية لقراءة واختيار النصوص المشاركة حمّل لجنة المشاهدة أعباءً إضافية. نلاحظ أن الحالة الإبداعية مزدوجة في شخصية المؤلف المخرج في عروض هذه الدورة مما يشير إلي غياب التفرد في الكتابة ذات المصادر بين الحالتين الإبداعيتين (الكتابة - الُمعد والمؤلف بوصفها حاله إبداعيه وكذا الإخراج) !! توصيات المهرجان. وقد خرجت لجنة التحكيم بعدد من التوصيات هي: إقامة الورش الفنية المتخصصة في المجالات المختلفة للمسرح، وضرورة تحديد المعايير الدقيقة لضبط المشاركات النوعية بحيث تفصل الحدود بين المحترفين والهواة. وأهمية التحديد المبكر والثابت لزمان المهرجان (بداية ونهاية). كما طالبت لجنة التحكيم بحضور الدوريات الفكرية المتخصصة، وهو الأمر الذي غاب عن هذه الدورة على الرغم من قدرته على المساعدة في قراءة واقع النشاط المسرحي قراءات مفتوحة. وذلك في سبيل تقديم عروض متكاملة فنياً، وتوسيع دائرة المشاركة لتشمل كافة ولاية السودان. جوائز المهرجان. فاز بجائزة التأليف المسرحي حسبو محمد عبدالله عن عرض (ديل مالِن) وكانت قيمة الجائزة ( 7500) جنيهاً سودانياً، فاز بجائزة الإخراج – مناصفة - كل من: أمين صديق عن عرضه (نُوْم يا مرحُوْم) والفاتح علي الإمام عن عرضه (الخرّاشين والدكتور)؛. وحازت المصممة ندوه حسن على جائزة السنوغرافيا عن عرض (عربة الموتى) بقيمة (5000) جنيهاً سودانياً. وفاز بجائزة التمثيل، دور أول رجال – مناصفة - كل من الطيّب الشعراوي عن دوره في عرض (نُوْم يا مرحُوْم)؛ وصديق نور الدائم عن دوره في عرض (أوديببوس) بقيمة (5000) جنيهاً سودانياً. وفاز بجائزة التمثيل، دور ثانٍ رجال، محمد السرّاج عن دوره في عرض (الخرّاشين والدكتور) بقيمة (3500) جنيهاً سودانياً. وذهبت جائزة التمثيل نساء دور أول للممثلة نايرة إسماعيل عن دورها في عرض (الخرّاشين والدكتور) بقيمة (5000) جنيهاً سودانياً. وحازت الممثلة سحر إبراهيم بجائزة التمثيل نساء دور ثاني عن دورها في (نُوْم يا مرحُوْم)، بقيمة (3500) جنيهاً سودانياً. آراء حول المهرجان . المؤلف والمخرج المسرحي سيد عبد الله صوصل في تصريحات صحفية قال: إن الفكرة "نشأت وتبلورت في ظل الحكومة وكأنها محاولة لتنشيط مواسم العرض التي كانت مستقرّة في عهد الحكومة المايوية، وكنوع من اعتراف الحكومة بأن فن المسرح له الريادة نحو تطور المسرح والمجتمع السوداني، لكن ما أصاب هذا النهر (المسرح) من انقطاعات جعلت الفكرة تلقي بظلالها على مجمل الحياة... إلا أن هذه الدورة تمثل حلقة من حلقات الجريان لهذا النهر". ويضيف المؤلف المسرحي والكاتب الصحفي صلاح يوسف في مقالة صحفيه:- " إن الوهن الحقيقي لضعف حياة العروض بدى قد بان ظاهراً، وهذا يعزى بالتأكيد لانقطاعات المواسم المسرحية كمنظومة تابعة إلى الدولة مباشرة..." وأذكر عند بداية النشاط المسرحي المنتظم أوآخر الستينات وأوائل السبعينات كانت يد العون ممدودة إلى درجة أن الممثلين يتلقون عائداً نظير البروفات الإعدادية ناهيك عن الحقوق المبنية على مستوى ودرجات الممثلين ولكن رويداً رويداً بدأ العد التنازلي المغلف بالتجاهل والتعقيد إلى أن جاء زمن صار فيه المسرح طارداً وضنيناً حتى بصالته لمن يرغبون في خوض التجارب التي سميت آنذاك بالمسرح التجاري باعتبار أن الذين سلكوا هذا الطريق، نظر لهم البعض ظلماً بعين ناقدة صنفتهم كساعين للكسب المادي قبل الارتقاء بالفن ولولا صمود البعض وتكوينهم للفرق والجماعات المنتجة ومواصلتهم المتجددة لإثبات الذات لتوقف العطاء المسرحي بانتظار ليلة قدر التبني بواسطة المسرح القومي والتي لو انتظرها المسرحيون لحرمونا من الأعمال التي فرضت نفسها ورسّخت أقدام المسرح بجهودهم ولعلها سانحة لنحيى ذكرى جميع الذين وضعوا طوبه في مدماك البناء المسرحي. قراءة في دفتر المهرجان. اكد عدد من المسرحيون ان اهداف المهرجان منذ قيامة في العام 2005 أول شروطه جاءت انه فعل مسرحي للمحترفين من الفرق والجماعات التي إنحسرت وتراجعت غيرها و علي الرغم من عدم توفر هذا الشرط بحيث لايوجد في السودان فرق ومجموعات بمفهوم المصطلح (مجموعة من الناس تمتلك منفستو ومقر لمكان تمارس فيه نشاطها المسرحي بشكل دائم) وحيث يقدم المهرجان عروض للمسرحيات ذات الطابع الجماهيري المكونة من فصلين دعما للموسم المسرحي وان تكون المسرحيات من التاليف والكتابة السودانية بحيث تقدم العروض في الموسم المسرحي أن يجئ المهرجان في نوفمبر كل عام ويذكر أن الدورة الثالثة للمهرجان خالفت شرطاً أساسياً بأن قدمت كل العروض من الفصل الواحد مابين 45-60 ق وبررت الإدارة في ذلك الوقت لضعف التمويل . ومجموعة إختلالات لازمت الأهداف الأساسية من فكرة المهرجان غياب دور الفرق في المشاركة وأستبدلت بأفراد من المخرجين . وكان إختلال أخر وأثر كثيراً علي هذه النسخة وهو التأجيل لآكثر من مرة وأضاف حالة من فقدان الثقة في قيامه ووسع هوة الركود المسرحي وإنعكس سلباً علي الشكل الفني والفكري للعرض المسرحي . ثمة أسئلة عالقة تظل بلا إجابات ل الإختلالات التي أفقدت المهرجان جميع أهدافه بلا إستثناء.علي الرغم من التأسيس الفكري لقيام المهرجان في نسختة الأولي مما يعطل حركة المسرح ويعود بها للوراء دائماً بدلاً من النمو والتطور وهذا ما يؤكد غياب الهوية والشعار والفلسفة في النسخة الأخيرة ويشكل الفعل حدثاً إعلامياً لوزارة الثقافة أكثر من كونه توجه لفعل ثقافي . * باحثه وناقدة مسرحية محرره ثقافيه لملف لوجوسيات بملف الأيام الثقافي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بدر الدين محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست