دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس الدوحة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 11:27 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-11-2012, 08:41 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس الدوحة

    ينظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة: دولتا السودان.. فرص ومخاطر ما بعد الانفصال السبت والاحد
    14 و 15 يناير 2012
    المكان: قاعة مسرح الجزيرة بمركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير( بعد محطة البترول وقبل مدخل قناة الجزيرة) من ناحية كليب

                  

01-11-2012, 08:46 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    الدكتور صلاح الزين ، هو مدير المركز


    رفعت اسماء من الروابط المهنية للحضور والمداخلات ،وستصل الدعوة لكل فرد عبر الايميل الخميس

    نشكف بعض الاسماء
    - اقويم مسلم - رابطة القانونيين واخرين
    - المهندس كيكي
    - رابطة المراة


    تابعوا الايميلات
                  

01-11-2012, 08:51 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    اليوم الأول: السبت 14 يناير 2012

    التسجيل: من الساعة 9:00 إلى الساعة 9:30

    الافتتاح:من الساعة 9:30 إلى الساعة 9:45

    الجلسة الأولى:
    العنوان: جمهورية السودان (الشمال) وتحديات إعادة التشكل

    الورقة الأولى: المشهد السياسي السوداني بعد انفصال الجنوب: د حسن الحاج علي
    الورقة الثانية: قضايا الصراع في جمهورية السودان بعد الانفصال: د حيدر إبراهيم
    الورقة الثالثة: أزمة دارفور والانفصال: د حامد التجاني علي
    الورقة الرابعة: الاقتصاد السوداني بعد انفصال: عبد الرحيم حمدي
    تعقيبات ومناقشات
    استراحة شاي وصلاة الظهر: (نصف ساعة) من 11:45 لغاية 12:15.

    الجلسة الثانية: من الساعة 12:15 إلى الساعة 13:45.
    العنوان: جمهورية جنوب السودان وتحديات بناء الدولة

    الورقة الأولى: المشهد السياسي الجنوب سوداني د جون يوه
    الورقة الثانية: الصراعات السياسية في دولة الجنوب: د تومبي واني
    الورقة الثالثة: تحديات بناء اقتصاد جنوب السودان: نيال بول
    الورقة الرابعة: الواقع الاجتماعي والثقافي بجنوب السودان: د آرثر قبريال ياك
    تعقيبات ومناقشات

    غداء وصلاة العصر (ساعة وربع) من 13:45 إلى الساعة: 15:00.

    الجلسة الثالثة: من الساعة 15:00 إلى الساعة 17:00.
    العنوان: تعقيدات العلاقة بين دولتي السودان

    الورقة الأولى: الحدود المشتركة ومخاطر النزاع: د البخاري عبد الله الجعلي
    الورقة الثانية: منطقة أبيي.. نموذج النزاع بين الدولتين: عبد الكريم جبريل الكوني
    الورقة الثالثة: العلاقة بين الحركة الشعبية والحزب الوطني بالفترة الانتقالية وتاثيرها على
    مستقبل العلاقة بين الدولتين د. كمنجي بلال النور
    الورقة الرابعة: ملف النفط.. جدلية التقارب والتباعد: د. خالد التجاني
    تعقيبات ومناقشات


    ...

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 01-11-2012, 08:53 PM)

                  

01-12-2012, 05:47 AM

عبدالكريم الامين احمد
<aعبدالكريم الامين احمد
تاريخ التسجيل: 10-06-2005
مجموع المشاركات: 32520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    هلا يا فيصل
    واوراق مغرية للحضور وللنقة مع الناقين
    وبقدر المستطاع بنحاول نكون حضور وخاصة ورقة الدكتور بخاري الجعلي
    وورقة الخال عبد الكريم جبريل القوني حياه وحي اهل المجلد الغمام ومرحب بيهو في الدوحة...


    وياريت تشمل الدعوة الدكتور احمد عثمان حتي يحلو النقاش والحديث المستفيض المفيد
                  

01-12-2012, 09:21 AM

عماد موسى محمد

تاريخ التسجيل: 03-17-2008
مجموع المشاركات: 15955

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: عبدالكريم الامين احمد)

    فيصل
    سلام الله عليكم
    تاااني؟! ونكون آخر من يعلم؟!
    نرغب في الحضور والتعليق
    لكن دون ذلك خرط القتاد؟!
    الله لينا

    (عدل بواسطة عماد موسى محمد on 01-12-2012, 09:24 AM)

                  

01-12-2012, 09:39 AM

abdelrahim abayazid
<aabdelrahim abayazid
تاريخ التسجيل: 06-19-2003
مجموع المشاركات: 4521

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: عماد موسى محمد)

    تمام
    في ورقة نقترح للمركز ان يناقشها مستقبلا وهي اوضاع حقوق الانسان في السودان
                  

01-12-2012, 10:20 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: abdelrahim abayazid)

    Quote: وياريت تشمل الدعوة الدكتور احمد عثمان حتي يحلو النقاش والحديث المستفيض المفيد


    بكل تاكيد ياهندسة ونتمنى ان تسمح ظروفه بالمشاركة
                  

01-12-2012, 10:22 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    ياعمدة ، سلامات

    مرحب بيك
                  

01-12-2012, 10:46 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37144

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    Quote: الدكتور صلاح الزين ، هو مدير المركز



    الاخ فيصل الزبير
    تحية طيبة

    الدكتور ده مدير المركز سوداني مش كده؟!!
    ما سمع بي
    د.محمد سليمان صاحب كتاب السودان حروب الوارد والهوية
    د.فرانسيس دينق كتاب السودان وصراع الرؤى
    د.منصور خالد وكتاب النخبة السودانية وادمان الفشل
    د. عمر مصطفى شركيان
    د.التجاني عبدالقادر
    د.عمر القراي
    ....
    ونقيف لحدي هنا لحدت بعد يوم الاحد ينزل لينا كافة الاوراق الاتقدمت ونرى ماذا بعد..حلول البصيرة ام حمد ذى بتاعة دارفور الاخيرة دي...والحديث ذو شجون

    والبوست التحت ده لزوم تاكيد
    بعد اعادة سياغة العنوان
    اذا كان مركز الدراسات الجزيرة يحترم السودان السودانيين فعلا...

    اذا كانت فضائية الجزيرة فعلا تحترم السودان والسودانيين !!
                  

01-12-2012, 11:00 AM

منتصر الامين
<aمنتصر الامين
تاريخ التسجيل: 09-14-2006
مجموع المشاركات: 985

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: adil amin)

    الاستاذ فيصل الزبير
    طالعت أعلان الندوه دي قبل فتره في الصحف
    نفسي احضرها .. مافي طريقة دعوه


    وأكون شاكر
                  

01-12-2012, 12:21 PM

Omar Bob
<aOmar Bob
تاريخ التسجيل: 02-02-2005
مجموع المشاركات: 2543

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: منتصر الامين)

    شكرايا فيصل علي الدعوه التي وصلتنا عبر الايمبل من مركز الجزيره للدراسات وسنكون حضورا

    Quote: الدكتور ده مدير المركز سوداني مش كده؟!!

    الاخ عادل امين
    نعم صلاح الزين سوداني وكان رئيس اتحاد طلاب جامعه الخرطوم دورة 1986-1987 تقريبا*
    ______________________________
    * الذاكره اصبحت خربه اكثر مما نود الاعتراف به رغم انو الراجل دفعتي في كليه الهندسه والمعمار
                  

01-12-2012, 04:06 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Omar Bob)

    اليوم الثاني: الأحد 15 يناير

    الجلسة الرابعة: من الساعة 9:30 إلى الساعة 11:30.
    العنوان: انفصال جنوب السودان والتفاعلات الإقليمية والدولية

    الورقة الأولى: علاقات جمهورية السودان وجنوب السودان بالدول العربية د. أماني الطويل
    الورقة الثانية: علاقات جمهورية السودان وجنوب السودان بالدول الإفريقية: د. لوك أوبالا
    الورقة الثالثة: القوى الدولية وانفصال جنوب السودان: د. منصور خالد
    تعقيبات ومناقشات
    استراحة شاي وصلاة الظهر: (نصف ساعة) من 11:30 لغاية 12:00.

    الجلسة الخامسة والأخيرة: (ساعتان) من الساعة 12:00 إلى الساعة 14:00.
    العنوان: خلاصات وتوصيات عامة

    مبتدرو النقاش:
    د. محمد محجوب هارون
    د. بلقيس بدري
    جون يوه
    د. سيف الدين محمد أحمد
    د احمد حسن محمود هود

    مداخلات عامة
    الساعة الثانية ظهرا: غداء وصلاة العصر ثم عودة الضيوف إلى الفندق.
                  

01-12-2012, 04:11 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    منتصر ، مرحب بيك


    map-2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

01-12-2012, 04:27 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 23043

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    فيصل ياحضرة
    كيفك
    اود ان انوه للاخوة الجنوبين ولكل الناطقين بغير العربية
    ان الندوة مترجمة فوريا من العربية الى الانجليزية والعكس
                  

01-12-2012, 04:18 PM

عبدالكريم الامين احمد
<aعبدالكريم الامين احمد
تاريخ التسجيل: 10-06-2005
مجموع المشاركات: 32520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    سلام يا فيصل
    واستلمت الدعوة عبر الايميل من الجزيرة

    وساحرص علي حضور هذه الاوراق

    الورقة الأولى: الحدود المشتركة ومخاطر النزاع: د البخاري عبد الله الجعلي
    الورقة الثانية: منطقة أبيي.. نموذج النزاع بين الدولتين: عبد الكريم جبريل الكوني
    الورقة الثالثة: العلاقة بين الحركة الشعبية والحزب الوطني بالفترة الانتقالية وتاثيرها على
    مستقبل العلاقة بين الدولتين د. كمنجي بلال النور
    الورقة الرابعة: ملف النفط.. جدلية التقارب والتباعد: د. خالد التجاني


    للاهتمام ولما يتوقع بان يكون فيها من اشياء تنويرية مفيدة وخاصة امر ابيي والحدود
    واعتقد بان الدكتور بخاري الجعلي خير من يتحدث عن الحدود في السودان في كل جوانبها وله اسهامات مبذولة عن حدود السودان مع الدول الاخري تاريخيا وقانونيا وهي فرصة ان نسمع ماذا سيقول عن حدود الجنوب..

    رقم سوداني اخر مهتم بامر الحدود وجنوب السودان تحديدا وله اسهامات في منتهي التجويد والمثابرة هو الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه
    كنت اتمني ان يكون مابين المتحدثين في هذه الجلسة ولكن في النهاية خلينا ما نطمع كثير كمان

    وعموما سنتابع
                  

01-12-2012, 05:27 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: عبدالكريم الامين احمد)

    الموضوعات سياسية ولكن الندوة بالدرجة الاولى بحثية ولذا نتوقع ان تكون كل الاوراق على مستوى عال من الجودة،كما ان المداخلات تثري الحوار خاصة من المهندس كيكي في مسالة الحدود وخاصة انه كان نجما خلال الجزيرة مباشر يوم الاستفتاء العام الماضي وايضا ندوة ابيي.

    البخاري له كتاب حول النزاع الحدودي بين السودان واثيوبيا.
                  

01-12-2012, 05:29 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    مشاركة الدكتور منصور خالد مهمة جدا والرجل اذا تحدث على الجميع الانتباه.
                  

01-12-2012, 05:32 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    ود الامير ، سلامات

    برافو اوكسينت ،

    ومن الدوحة يشارك :

    - سانتوس اوريم

    - اقويم مسلم

    واخرين
                  

01-12-2012, 05:40 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    Quote: الجلسة الثالثة: من الساعة 15:00 إلى الساعة 17:00.
    العنوان: تعقيدات العلاقة بين دولتي السودان

    الورقة الأولى: الحدود المشتركة ومخاطر النزاع: د البخاري عبد الله الجعلي
    الورقة الثانية: منطقة أبيي.. نموذج النزاع بين الدولتين: عبد الكريم جبريل الكوني
    الورقة الرابعة: ملف النفط.. جدلية التقارب والتباعد: د. خالد التجاني
    تعقيبات ومناقشات



    يا كيكي : ليتك ساعدت بعرض (بوربوينت) حول اعلاه ، خلينا نعرض عليهم الامر.
                  

01-12-2012, 05:49 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 23043

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    فيصل ياحضرة
    سوف تحضر الجلسات الاخت والصديقة الظلامية د. نجاة محمود (بيان سابقا)
    هى مش من عندنا هى في زيارة للدوحة
                  

01-12-2012, 05:56 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: سوف تحضر الجلسات الاخت والصديقة الظلامية د. نجاة محمود (بيان سابقا)
    هى مش من عندنا هى في زيارة للدوحة



    الدوحة نورت ،، مرحبا ببيان
                  

01-12-2012, 05:59 PM

عبدالكريم الامين احمد
<aعبدالكريم الامين احمد
تاريخ التسجيل: 10-06-2005
مجموع المشاركات: 32520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: يا كيكي : ليتك ساعدت بعرض (بوربوينت) حول اعلاه ، خلينا نعرض عليهم الامر

    الامر ترتيبات وتجهيزات قبل زمن كافي وما بمشي الحال يا فيصل
    وكدي خلينا نمشي نقعد القرفصاء في حضرة العلماء ديل

    وخلي الترتيبات تمشي كمامبرمج سلفا واكيد بكون هنالك المفيد والاكثر فايدة
                  

01-12-2012, 06:12 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: عبدالكريم الامين احمد)

    ضوابط التنظيم للحضور تقتضي التسجيل :


    [email protected]


    لعناية ، عماد، منتصر ، نجاة.


    ....

    الدكتور صلاح الزين،واركان حربه من اللجان المتخصصة بذلوا جهدا مقدرا سيكون اثره في مستوى الندوة البحثية .وتجدر الاشادة بحسن الاختيار للموضوع.
                  

01-12-2012, 06:42 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 23043

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: عبدالكريم الامين احمد)

    فوق هذا وذاك
    التلجلة والتقدير لمركز الجزيرة للدراسات
    مع تقديرى للكثير من ندواتهم ومشاريعهم
    لكن هذه المرة قد اتو بفرس الرهان الدكتور
    منصور خالد صاحب الخوالد الفجر الكاذب (نميرى وتحريف الشريعة )
    ناهيك عن سفره العظيم (النخبة وادمان الفشل ) وسفره الاعظم عندى (قصة
    بلدين) منصور خالد يرى الذى يحدث وسوف يحدث لانه قراى وبقرأ بكل
    الاسماء .....
                  

01-12-2012, 07:54 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: فوق هذا وذاك
    التلجلة والتقدير لمركز الجزيرة للدراسات
    مع تقديرى للكثير من ندواتهم ومشاريعهم
    لكن هذه المرة قد اتو بفرس الرهان الدكتور
    منصور خالد صاحب الخوالد الفجر الكاذب (نميرى وتحريف الشريعة )
    ناهيك عن سفره العظيم (النخبة وادمان الفشل ) وسفره الاعظم عندى (قصة
    بلدين) منصور خالد يرى الذى يحدث وسوف يحدث لانه قراى وبقرأ بكل
    الاسماء .....



    ود الامير وما اروع من ذلك .. يا بخت الدوحاب
                  

01-14-2012, 03:51 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    396.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    مذيع الندوة ،عبد الرحيم حمدي، حامد التجاني ، حيدر ابراهيم ،حسن الحاج علي ، مقدم الجلسة

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 01-14-2012, 07:04 PM)

                  

01-14-2012, 03:54 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    كلمة الدكتور صلاح الزين ، مدير المركز

    بسم الله الرحمن الرحيم
    كلمة افتتاح – "دولتا السودان .... فرص ومخاطر ما بعد الانفصال"
    مسرح الجزيرة (الدوحة)14 يناير 2012

    سعادة السفير عبدالله الحاج ... عضو مجلس إدارة شبكة الجزيرة
    السادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي
    السادة الخبراء والباحثون المشاركون في هذه الندوة
    الضيوف الأفاضل .... الزملاء والزميلات

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    يسعدني ويشرفني كثيرا أن أرحب بكم جميعا في هذا الصباح وأنتم تشاركوننا افتتاح فعاليات الندوة البحثية التي ننظمها تحت عنوان "دولتا السودان .... فرص ومخاطر ما بعد الانفصال".

    و أرجو أن أعبر أصالة عن نفسي وإنابة عن زملائي في مركز الجزيرة للدراسات عن بالغ امتناننا لكم على تلبيتكم الدعوة وعلى حرصكم على المشاركة في فعاليات هذه الندوة. لكم منا كل الشكر والتقدير وأخص ضيوفنا الأفاضل الذين تكبدوا وعثاء السفر وضحوا باوقاتهم الثمينة رغم مشاغلهم الكثيرة... أقول لهم حللتم اهلا ونزلت سهلا وألف مرحبا بكم مجددا.



    السيدات والسادة
    يعنى مركز الجزيرة للدراسات بشكل رئيس برصد وتحليل التغيرات السياسية والتحولات الجيوستراتيجية في العالم العربي وجواره الأفريقي والاسيوي والأوربي. والمركز بذلك يلعب دورا مكملا لما تقوم به قنوات الجزيرة من تغطية خبرية وبرامجية لكل الأحداث المهمة.

    لانجاز هذه المهمة يقوم مركز الجزيرة للدراسات باصدار الكتب واعداد التقارير التحليلية وأوراق تقدير الموقف وتنظيم الفعاليات كالمؤتمرات والندوات البحثية والحوارية وورش العمل والمحاضرات.

    كما تعلمون فقد شكل العام الماضي – 2011 – بداية لدورة من التحولات السياسية والاستراتيجية العميقة في العالم العربي. فقد شهد العام ثورات شعبية عارمة في كثير من بلدان المنطقة اطاحت انظمة سياسية عتيدة ودفعت انظمة أخرى لابتدار خطوات اصلاحية وفتحت الباب امام قوى سياسية جديدة للوصول الى مواقع القيادة وصنع القرار. ولا شك أن الحراك السياسي غير المسبوق الذي لازم الثورات العربية سيكون له تأثيره البالغ في تشكيل مستقبل المنطقة والتوازنات الاستراتيجية فيها.

    الا أن الحدث الأكثر اهمية والابلغ أثرا في المنطقة العربية في العام 2011 كان هو استفتاء تقرير مصير جنوب السودان والذي من خلاله اختار شعب الجنوب الانفصال عن الشمال. فاذا كانت الثورات العربية قد ادت الى تغيير الخارطة السياسية في عدد من البلاد فان اعلان استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي قد غير الجغرافية السياسية للمنطقة باختفاء دولة كانت الأوسع مساحة في المنطقة لتبرز مكانه دولتان جديدتان. وهذا يعني بداية مرحلة جديدة تواجه فيها الدولتان تحديات التشكل واعادة التشكل وحلحلة القضايا العالقة بينهما وبناء منظومة علاقات جديدة مع محيطيهما الاقليمي والدولي.

    وفي هذا السياق تأتي الأحداث والتطورات التي شهدتها دولتا السودان في الستة أشهر الماضية لتؤكد حجم المخاطر التي تواجه المنطقة باسرها اذا لم يتم تداركها. فقد ازدادت وتيرة النزاعات المسلحة والتوترات السياسية والازمات الاقتصادية داخل الدواتين. كما أن المخاوف من تجدد الحرب بينهما ما تزال في حالة تصاعد مستمر.

    ومن هنا تأتي أهمية هذه الندوة البحثية والتي نطرح من خلالها على الخبراء والمحللين والمهتمين أسئلة اساسية في محاولة لتفيك وفهم الوضع:
    • ما هي أبرز الملامح والتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في دولتي السودان بعد انفصال الجنوب؟
    • هل تسير الدولتان نحو مزيدً من التوتر في علاقاتهما أم أن فرص الشراكة والتعاون ستنتصر وتدفعهما الى التصالح والتعاون؟
    • ما مستقبل علاقات الدولتين بمنظومتي الجوار العربي والأفريقي؟
    • كيف تتفاعل القوى الدولية النافذة مع حدث الانفصال وما هي ملامح علاقاتها المستقبلية مع الدولتين؟
    • كيف يمكن تعزيز الاستقرار في الدولتين والتعاون بينهما والتكامل مع محيطهما الاقليمي؟
                  

01-14-2012, 03:58 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    397.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


    جانب من الحضور ويبدو سعادة السفير عبد الله ابراهيم الحاج عضو مجلس ادارة شبكة الجزيرة الاعلامية
                  

01-14-2012, 04:01 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    Quote:
    دهاء التاريخ : قضايا الصراع في جمهورية السودان

    حيدر ابراهيم علي
    مدير مركز الدراسات السودانية

    مدخل
    تعمدت اسقاط جملة: بعد الانفصال لانها تحدد مرحلة تاريخية بعينها، بينما قضايا الصراع في السودان، هي نفسها –في جوهرها- الممتدة منذ الاستقلال، ولن تكون مختلفة بعد الانفصال ، طالما ظلت السياسات والعقلية كما هي. فهذه سيرورة تاريخية ، وسلسلة لم تنقطع من الفشل والاخفاقات سارت عكس التاريخ، وروح العصر الممثلة في الديمقراطية ، والتنمية، والعقلانية. وركنت النخب والقيادات السودانية الي التحايل علي التاريخ بمواصلة تجارب الحماقات، ولم تتوقف لتفكر، وتراجع، وتنقد، لإصلاح مسيرتها. والسؤال الحقيقي :هل يمكن أن نكتب تاريخين أي ما قبل وما بعد الانفصال؟ ورغم هول الحدث والذي كان يمكن ان يكون كالزلزال في بلدان اخري، لم يختلف اليوم التالي عن بقية الايام.
    واجه السودان، مثل سائر الكيانات السياسية حديثة الاستقلال، اشكالية بناء الدولة الوطنية، أوالدولة القومية. يعود هذا المشكل عموما ، الي كون الدولة جاءت أصلا من الخارج أي مستزرعة ، وليست نتاجا لتطور تاريخي طبيعي ذاتي. الأمر الثاني، وهذا ما تعرض له السودان بوجه خاص، لم تكن هذه الدول تجمعها قومية واحدة كالمانيا أو ايطاليا مثلا، ليس بالضرورة أن تكون اغلبية عدديا، ولكن قادرة علي التوحيد وجامعة. فقد كان السودان شديد التنوع وبالتالي معقد التطور، لأنه متنافر وقابل للنزاعات والصراع. ولذلك، فشل السودان منذ الاستقلال1956 في:إدارة التنوع الثقافي من خلال بناء الدولة الوطنية التي تقوم بانجاز تنمية مستقلة وعادلة.
    من الواضح أن هذه الندوة ذات طابع مستقبلي واستشرافي، وتهدف الي الاجابة علي سؤال: ماذا سيفعل السودانيون-شماليون وجنوبيون-بغدهم؟ وما هي خططهم للمستقبل؟ ولكن كلنا يعلم أن المستقبل يبدأ اليوم وهنا أي يبدأ من هذا المكان ، ومن الواقع، والحاضر، والتاريخ. ولا يمكن أن نقفز بهلوانيا الي سديم من الزمن أو الي يوتوبيات واحلام يقظي ونطلق عليها المستقبل. وقد قيل لنا ببساطة:وما نيل المطالب بالتمني.
    ومن البداية لابد من اقرار أن المستقبل يعني قراءة التاريخ بعيون جديدة وهذا يعني النقد الذاتي بقصد الافادة من عبر ودروس التاريخ، بدءا من طرح اسئلة مثل:لماذا فشلت التجربة السودانية في بقاء السوداني موحدا؟ ولماذ فشلت النخب الحاكمة في اقناع الاقاليم الهامشية بالدولة القائمة؟ ولماذا لم تتمكن من جذب القوى السياسية المختلفة الي صيغة حكم قومي وليس شموليا شكليا؟ يعود ذلك-في افتراضي- الي غياب الرؤية الفكرية الشاملة للكون والانسان والمجتمع أي فلسفة ونظرية تتغي التفسير والتغيير. وهذا لا يعني المطالبة بحكم الفلاسفة، ولكن المطلوب السعي نحو نظام حكم يجمع بين العقلانية والواقعية أي حكم راشد.
    أزمة الحكم في السودانيين – الشمال والجنوب- بنيوية أي في غياب الرؤية ثم تطبيق هذه الرؤية بمنهجية وعلمية علي الواقع. ومثل هذه الاعمال التي نقوم بها تقدم معالجات وظيفية أو جزئية مرتبطة باداء الوظائف وليس بكلية البناء وبالتالي لا تساعد في عملية التغيير الشامل والجذري. فالاوراق والدراسات فنية الطابع وقد تكون جيدة التخصص وحسنة الصياغة، ولكن تفتقد الأسس الفكرية ذات الصلة بالرؤية. فقد تم نقاش الأزمة السودانية أو الخطط للتنمية والتغيير في مئات الندوات والورش والسمنارات. كما انعقدت المؤتمرات منذ مؤتمر أركويت في ستينيات القرن الماضي وحتي الاستراتيجية الشاملة ( الربع قرنية!) مرورا بمؤتمرات النميري، والصادق المهدي، والجامعات، والمنظمات الدولية من هولندية والمانية ونرويجية وامريكية وافريقية. وهذه الندوة لن تكن الاخيرة، ويبقي السؤال:لماذا لم تستطع هذه الجهود الفكرية والاكاديمية ان تجنب السودان الوقوع في الكارثة الراهنة؟ لايوجد نقص في الخطط والافكار والتوصيات، ولكن بلا رؤية شاملة تصير كلها كلاما خاويا بلا معنى أو جدوى. فهذه التحديات والمشكلات مثل: الحدود، والنفط، والاصول والديون، وابيي، والمياه؛قضايا هامة ولكن تأتي بعد معرفة الاجابة علي سؤال:كيف يريد الجنوب أن يحكم دولته الوليدة –كما يقال؟ وكيف يريد الشمال ان يحكم ما تبقي من وطن بعد أن فرط في ثلثه؟ وفي هذه الحالة لا تجدي الينبغيات والنصائح بدون تحديد الرؤية. وتلازم وضوح الرؤية الإرادة الوطنية باعتبارها شرط القدرة علي احداث التغيير.

    البدايات الخاطئة

    نخطئ حين نظن أن القضايا التي يبحثها هذا اللقاء ناتجة عن التحولات التي شهدهها السودان من توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005ثم بعد ذلك تداعيات الانفصال بعد2011. إن قضايا الصراع التي تثيرها الندوة ذات جذور بعيدة، ولكن تعمد السودانيون وفي كل مرة يقفزون علي المرحلة السابقة دون تصفية حسابتهم الماضية بالنقد، والتأمل والتأسي بالعبر. وهذا يعني الاستخفاف بالتاريخ، وعدم التعامل معه بجدية. وكان التاريخ يضمر الانتقام لمن لم يتعلموا منه، أو حاولوا تكراره بطريقة اقرب الي المأساة. وهذا ما يسميه ( هيجل) دهاء التاريخ، أو مكر التاريخ؛ وهو ماكر كبير، وهو الآن يمارس صناعته هذه مع السودانيين – الشماليين والجنوبيين. والدولتان في اسوأ أحوال ممكنة، ونحن مبشرون بدولتين فاشلتين متجاورتين ستقومان بترحيل كل الاخفاقات الداخلية والأزمات الذاتية الي صراع خارجي مع الدولة الأم سابقا. وفي هذه الحالة لا يتوقف الصراع لأن هنالك – باستمرار- مؤامرة أو عدو خارجي. وهذا يعني عدم البحث عن الخطأ والقصور في الواقع والحياة، وبالتالي البعد عن الاسباب الفعلية وتوهم الاسباب. وهنا تغيب المعرفة والفكر وتسود الايديولوجيا أو الفكر الزائف. وهذه هي الاشكالية التي حكمت سياسة وفكر السودان منذ الاستقلال، وستظل مستمرة طالما ظل العقل والنهج كما هو، فلن يتغير شيئا ويتكرر التاريخ ويتكرس الركود. وحل أو اكمال الاشكالية هو الطريق السليم لتكوين الرؤية . إذ تعرف الاشكالية عند الاجتماعيين بأنها النمط النظري الذي تطرح من خلاله مشكلة واقعية، أو الطريقة التي يحول بها النظر أو الفكر، الواقع الي مشكلات أي قضايا يمكن تحديدها وتقديم اجابات وحلول لها. فهي صورة عقلية للواقع تتكون بطريقة تتدخل فيها عناصر المعرفة العلمية، والقيم الاجتماعية. ومن ناحية أخري، هناك اشكالية مصطنعة لا تعبر عن الواقع ولا التناقضات والصراعات الحقيقية، ولكن قد تخلق تناقضات أو وحدة وانسجاما غير حقيقيين باسقاط التصور علي الواقع. ( راجع برهان غليون والجابري) هذا وقد تعاملت النخب السودانية مع الواقع السودان من خلال اشكالية مصطنعة طوال الوقت. ولذلك، عاش السودان حالة الأزمة والصراع بلا انقطاع منذ الاستقلال.
    يقول أحد المسؤولين ومنظري النظام الحالي، غازي صلاح الدين، في نفس السياق السابق:-" منذ الاستقلال ظل السعي لاقامة دولة حديثة، قضية مركزية في السياسة السودانية والافريقية، علي وجه العموم. وفي السودان حدّ الصراع في الجنوب من جهود الاستقلال واقامة دولة مستقلة وقادرة علي القيام بوظائفها. الاستعمار عزل الجنوب عن الشمال مما ادي الي بروز هوية مختلفة وايضا موقف عدائي تجاه الشمال. وقد كان هذا هو العنصر الأهم في تشكيل السياسة السودانية منذ الاستقلال وحتي الانفصال. الجنوب انفصل، بينما العديد من مشكلات الماضي مازالت عالقة. ادي اختفاء الجنوب كجسم الي خلق ظروف جديدة تسمح بانتهاج اساليب حديدة في التعامل التي تواجه البلد. " ( سودان ما بعد الانفصال. . التحديات والفرص، محاضرة في مدرسة الدراسات الافريقية والشرقية-لندن، 17 ديسمبر2011 ترجمة بابكر فيصل بابكر) . هذا نص ممثل جيد للاشكالية الخاطئة التي طرحتها النخب السودانية تجاه كيفية بناء الدولة الحديثة، ولا يقتصر الأمر علي الإسلامويين السودانيين فقط. ولكنهم يجب أن يتحملوا وزر بداية الأزمة وختامها. فقد كان أول من أدخل البلاد في نفق الحل الديني لمشكلة طابعها سياسي واقتصادي-اجتماعي، وهذا ما سوف ابينه لاحقا. وفي النهاية تم الانفصال وقبله توقيع اتفاقية السلام الشامل تحت سلطة حكم الاسلامويين.
    يعطي (صلاح الدين) الأزمة السودانية بعدها التاريخي، وهذا فهم جيد للأزمة، ولكن يترك الغموض قائما حين يقف عند حد الوصف فقط ولا يلج في تحليل أعمق. وفي هذه الحالة يعطي القارئ الحق في التساؤل:هل ما حدث للسودان منذ الاستقلال كان "حتمية تاريخية" أو قضاءا وقدرا، ولا توجد اي خيارات اخري ممكنة غير ما عشناه فعلا؟ هل لم تكن هناك أي احتمالات اخري امام النخب السودانيين لافتراع تاريخ مختلف للسودان؟ أقول نعم، كان من الممكن أن يكون الخيار مختلفا لو كان عقل النخب مختلفا وطرح الاسئلة صحيحا. ولكن الإشكالية المصطنعة أو الخاطئة هي التي حددت وحكمت المسار الصراعي والمتأزم الذي انتهجه السودان. فقد واجهت الدول الافريقية جميعها- كما ذكر- نفس عواقب المرحلة الاستعمارية-ولكن لم يصل بها الأمر حد الانفصال وبعد سنوات مديدة من الاقتتال. وصار للسودان شرف صاحب أطول حرب أهلية في القارة بلا منازع. وحتي نيجيريا التي وصلت حرب بيافرا الاهلية ذروتها، استطاعت في النهاية بحكمة، تجنب الحرب الأهلية وبقيت موحدة. ومن ناحية اخري، كان آباء الاستقلال الأفارقة- في الغالب- أصحاب رؤي فكرية لقيادة بلدانهم. وقد كانوا جميعا مهمومين بتحديث أو في اسوأ الأحوال غربنة بلدانهم، بسبب تكوينهم الفكري الغربي. فقد ظهرت في ستينيات القرن الماضي أي في عصر موجة الاستقلالات شخصيات مثل :نكروما، ونايريري، وسيكوتوري، وسنغور، وغيرهم من غير المميزين فكريا. وكان تداول افكار الاشتراكية الافريقية، والزنوجة، والجماعية، والافريقانية وغيرها من المشروعات الفكرية الكبرى والرؤى الطموحة. ولكن السودان والذي سبق زمنيا كل هذه الدول، لم يتعد همه الفكري الجدل حول الاستقلال أو الوحدة مع مصر.
    نال السودان استقلاله دون أن يضع أي خطط لانجاز الوحدة الوطنية والتنمية باعتبارهما أساس أي دولة حديثة. وقد حسم تحدي التنمية بشعار:"تحرير لا تعمير". أما قضية بناء الجماعة القومية وحشدها حول برنامج أو مشروع قومي. ولم يكن من المنطقي أن تقوم الطائفتان الدينيتان بهذه المهمة، إذ كان يهمهما ابقاء مناطق النفوذ ثابتة مع صعوبة التحول من طائفة الي اخري. وحدث تغيير جديد تمثل في وسيلة اخري لاستغلال وتوظيف الدين عوضا عن الطريقة التقليدية العتيقة القائمة علي الولاء العاري من أي غطاء ايديولوجي. وهنا برز دور الجماعة أو الحركة الإسلامية ذات التعليم الحديث طارحة الشعار العاطفي الجذّاب الذي حوّل الفكر تماما عن الاهتمام المباشر بقضايا الوحدة الوطنية، والتنمية كاولويات مع المطلب الجديد الذي لا يخلو من قدسية.
    دخل السودان-لسوء الحظ- مبكرا في جدل استنفذ طاقاته، وخياله، وقدراته، حول دينية الدولة أو مدنيتها. ودخل السودان في هذا النفق بسبب استراتيجة الأخوان المسلمين السودانيين التي لم تدرك التنوع الثقافي في هذا البلد المعقد. وطغي صوت معركة الدستور الإسلامي علي كل الاصوات، ومثل هذا الوضع في بعض الاحيان ابتزازا وارهابا فكريا. فقد كان من الصعوبة الوقوف ضد هذا المطلب الا من قبل قلة صغيرة امتلكت الجرأة علي مخالفة الاجواء العامة المهيمنة. ويكتب أحد مؤرخي الحركة الإسلاموية ان المسلمين في السودان حيل بينهم وبين تطبيق شريعتهم اثناء فترة الحكم الاستعماري. وهو يري أن بارقة أمل ظهرت مع الاستقلال لتقويم هذا الاعوجاج وتنزيل أحكام الإسلام علي واقع الحياة. ويقول:-"ومن ثم وجدت الحركة الإسلامية في استقلال السودان الحرية التي تنشدها فدعت الي وضع المبادئ والأسس التي تكفل صياغة نظم الحكم في سودان المستقبل، وفقا لتعاليم الإسلام، وتجلّت مبادرتها في فكرة:الدستور الإسلامي". ( محمد الخير عبدالقادر:نشأة الحركة الإسلامية الحديثة في السودان1946-1956. الخرطوم، الدار السودانية للكتب، 1999ص110) . وهذا فقد جاء في قرارات الموتمر الأول للحركة والذي عرف بمؤتمر العيد ( اغسطس1954) في أحد البنود:-"إقامة حكومة إسلامية تنفذ تعاليم الإسلام ."
    وبدأت الحركة الاتصالات بقيادات الهيئات والطوائف الدينية والأحزاب السياسية لتأييد الفكرة في اطار تجمع شعبي شامل. وبالفعل وجّه الإخوان المسلمون، وجماعة التبشير الإسلامي والإصلاح، الدعوة الي الهيئات الإسلامية في السودان لعقد اجتماع للمظر في أمر الدستور"حتي يجئ متفقا مع إرادة الشعب السوداني المسلم ومستندا الي الكتاب والسنة". ومن الملاحظ أن الدعوة حسمت هوبة الشعب السوداني باعتباره مسلما صافيا وليس به غير المسلمين ، لذلك يستند علي القرآن والسنة. ومن هنا بدأ الصراع وبذرت غرسة الخلاف. وعقد الاجتماع في العاشر والحادي عشر من شهر ديسمبر1955. ولتأكيد دينية الاجتماع تمت دعوة اتحادات الختمية وهيئات الأنصار وليس الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة. ( نفس المصدر السابق) . ويكتب ( حامد) عن التطور الذي حدث بعد الاستقلال:-". . . حينما ظهرت الحركة الإسلامية الحديثة في السودان ظهورا سياسيا في البرلمان، كان همها الأساسي منصبا علي مسألة الدستور الإسلامي. "وتهدف هذه الخطة الي التأصيل والذي يعرّفه بأنه:-" تفكيك للدولة القومية –دولة مابعد الاستقلال- وتقطيع لعلاقات ( التبعية الكبرى) التي تربطها بالقوى الامبريالية، وتقطيع لعلاقات ( التبعية الصغرى) التي تقوم علي الهيمنة الطائفية. فلا غرو إذن، إن كان الهدف الاستراتيجي للحركة الإسلامية الحديثة من وراء مسألة الدستور الإسلامي هو أن تحرك أتباع الطائفتين بشعار، وتحرك فيهم الحس الديني الدفين، لتخلق منهم مجموعات شعبية ضاغطة، فتنفتح بذلك نافذة للتعبير الإسلامي، والتنظيم الإسلامي". ( مجلة:قراءات سياسية، السنة الثانية، العدد الثالث، صيف1992، ص43-44) . وهكذا عملت الحركة الإسلاموية علي تفكيك دولة ما بعد الاستقلال دون أن تقيم دولة بديلة حتي بعد أن استولت علي السلطة وحكمت اكثر من22عاما. كما أن الدستور الإسلامي الذي بدأ الجدل حوله منذ ذلك الحين، سيكون الصراع حول دينية الدولة مسيطرا في الدستور الذي يدور حوله النقاش هذه الأيام.
    من الملاحظ ان هذه القضية همّشت أو أزاحت القضايا الاستراتيجية والحيوية أي الدولة الوطنية الحديثة، والتنمية. ولكن يبدو أن نشأة النخبة السودانية تميزت بغلبة القانونيين وليس الاقتصاديين والمهندسين والزراعيين، وهذا جعل الدستور اولوية وليس التنمية والاقتصاد. فقد برزت في كل الوزارات والبرلمانات شخصيات مثل:محمد أحمد المحجوب، ومبارك زروق، وأحمد خير، وعلي عبدالرحمن، ومدثر البوشي، وإبراهيم المفتي، وبابكر عوض الله، ومحمد احمد المرضي، وحسن الترابي، واحمد سليمان وغيرهم. واستمرت هذه الظاهرة حتي اليوم حيث يكثر عدد القانونيين في النخبة الحاكمة. ثم اختلط موضوع الدستور بسؤال الهوية الغامض والمتافيزيقي، ليحكم قبضته علي العقل السياسي السوداني. أما النخبة الاسلاموية الكسولة فكريا، فقد وجدت المكون الديني جاهزا وشرعت في استثماره وتوظيفه، فاستمر تهميش القضايا الاساسية أو التعتيم عليها.
    لا يصح التحامل علي الاحزاب التقليدية، وذلك لأن الاحزاب المسماة :عقائدية أي الشيوعيين والاسلامويين والقوميين والبعثيين، لم تساعد كما كان متوقعا وبحكم حداثتها في اثراء قضية الدولة الوطنية الحديثة. فهذه الاحزاب –بلا تعسف-هي أقل قومية وأضعف ارتباطا بالوطن، لانها ذات تطلعات أكبر من القطر-الوطن. فقد كانت شعارات هذه القوى والاحزاب فوق-قومية أو عابرة للأوطان، فهي ذات طابع عالمي أو أممي أو قومي عربي. فهذه الاحزاب تشترك في جعل السودان-الوطن مجرد وسيلة لتطبيق الايديولوجيات الكبرى التي تؤمن بها. فالسودان-بطريقة أو اخري-يمثل:"القطر أو الدولة القاعدة"حسب مصطلح نديم البيطار. وهذا يعني أن يبدأ منها مشروع الايديولوجيا ثم ينطلق الي بقية الدول خاصة في المنطقة. فهم يجعلون من وطنهم مختبرا لتجريب افكارهم، وما التجربة الاسلامية الحالية في السودان الا خير دليل للتجربة والخطأ. فقد تحول الشعب السوداني الي ما يشبه الفئران في المعامل. فقد كان الاخوان المسلمون يهدف الي أن تنطلق الدولة الاسلامية الحديثة من السودان، وبالفعل حاول الشيخ حسن الترابي ان يجعل من الخرطوم مركزا لاممية إسلامية من خلال المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي في مطلع التسعينيات بعد حرب الخليج حيث استضاف السودان كل الحركات الإسلامية المعارضة والشخصيات الإسلامية المقاتلة. وكان للشيوعيين السودانيين مواقع مميزة في اتحادات العمال والشباب والطلاب العالمية في دول المعسكر الاشتراكي، التي تعبر عن اممية الحركة الشيوعية. واحتل البعثيون السودانيون مناصب في القيادة القومية لحزب البعث العربي. وهكذا ارتبطت الاحزاب العقائدية اكثر بالفكرة الرئيسية الكبرى للحزب الام علي حساب الانتماء الوطني الضيق حسب تصورها. وهذا لا يعني "الخيانة" ولكن يمثل الوطن في ايديولوجيتها جزءا من الكل:الأمة الإسلامية أو أمة محمد، أو أمة عربية واحدة من المحيط الي الخليج، أو الأممية العالمية المهتدية بشعار:ياعمال العالم اتحدوا مع دور قيادي للاتحاد السوفيتي العظيم. وكان من الممكن أن يكون عطاؤهم الفكري والسياسي أكثر وأقوى لو انصب علي بناء الدولة الوطنية أولا وفقط. ومازال السودانيون- رغم كوارثهم-يركزون علي ما يدعونه:"دور السودان في. . . . ". ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه!







    السلام المنقوص

    يلزم المقام بمقال لا يستطيع الاسهاب والتفصيل في تعامل السودانيين مع التاريخ، وكيف مارس هذا الدهاء. وكما يقال العاقبة بالخواتم، ونحن نعيش احدي الخواتيم الآن. ولذلك سنقفز الي الوضع الراهن.
    ظنّ السودانيون أنهم قد طووا صفحة الحروب والإقتتال والدمار، وسوف يبدأ عهد التنمية والبناء مع توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام2005. أمّا النظام فقد كان يعول كثيرا علي توقيع الاتفاقية وايقاف الحرب، وبالتالي قدم تنازلات كبيرة ، وقبل بإتفاق ملئ باالعيوب والثقوب. إذ كان النظام يري في وقف الحرب ارضاءا للغرب الذي وقف باستمرار مؤيدا مطالب الجنوبيين القومية. وحين بدأت المفاوضات التمهيدية المبكرة، كانت العقوبات لاقتصادية ضد النظام في السودان قد بدأت. لذلك، ولدت مبكرا علاقة ما سمي بالجزرة والعصا في السياسة الأمريكية أو الغربية عموما تجاه السودان. ومن الطبيعي أن تفهم كل سياسات النظام الخارجية تجاه المسألة الجنوب في إطار الترهيب والترغيب أو مدى خدمة تلك السياسة لعملية القرب أو البعد من أمريكا والغرب. ومن هنا يمكن أن نفهم التصعيد الحالي فيما يخص وضعية أبيي المتنازع عليها. فقد كان النظام السوداني يتوقع أن تسارع الولايات المتحدة الأمريكية برفع إسم السودان من قائمة الدول الرعاية للإرهاب إلغاء العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. وذلك، بعد أن أجري الاستفتاء بطريقة رضي عنها المراقبون الغربيون، ثم قبل بنتيجة الاستفتاء التي صوتت لخيار الانفصال، محتملا النقد وتهمة التفريط في وحدة الوطن. فقد كان في إنتظار مكافأة أعظم من تلك التضحيات. ولكن الولايات المتحدة منذ يناير/كانون الثاني2011 تجاوزت الجنوب واتفاقية السلام الشامل، وشرعت في التركيز علي دارفور.
    لم يكن الاستفتاء مطلبا سودانيا بل هو وعد دولي واقليمي. وخشي الشماليون أن تصح تهمة الجنوبيين لهم بنقض العهود والمواثيق. لذلك قام الاستفتاء في اجواء، كان صوت الانفصال هو الأعلي؛ولكن ليس بأي حال من الاحوال هو الخيار الافضل. ولكن ظروف تطبيق الاتفاقية وبالذات التقاعس عن تلبية استحقاقات التحول الديمقراطي، مما سمح بغلبة خيار الانفصال وقمع الاصوات الوحدوية.
    طرح سؤال هام بعد أن أصبح خيار الانفصال في الاستفتاء أقرب الي الحتمية، وبدأ الجميع التعامل معه كأمر واقع:هل كان الانفصال هو الخيار الافضل؟ وفي بعض الاحيان يكون التساؤل:هل تناقصت الخيارات حتي لم يبق امام السودانيين غير الانفصال السلس أو السلمي؟ بالتأكيد كان المستقبل مختلفا تماما عندما وقع الشريكان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا في التاسع من يناير2005. ورغم أن الاتفاقية كانت نتاج ضغط قوي من الدول الغربية ومجموعة الايقاد، وكانت الارادة الوطنية منهكة نتيجة الحرب الاهلية، الا أن التوجه العام في روح الاتفاقية، لم يكن انفصاليا. وقد ظهر هذا جليا في بنود الاتفاقية بدءا من الديباجة. يقول المبدأ الأول في المبادئ المتفق عليها ( 1-1) :"ان وحدة السودان، التي تقوم علي أساس الارادة الحرة لشعبه والحكم الديمقراطي، والمساءلة، والمساواة، والاحترام، والعدالة لجميع مواطني السودان، ستظل هي الاولوية بالنسية للطرفين، وأنه من الممكن رد مظالم شعب جنوب السودان وتلبية طموحاته ضمن هذا الاطار". ولم تقف الاتفاقية عند هذه العموميات، بل حين حددت الآليات مثل تكوين الحكومة ، جاء في المادة ( 1-5-2-) : "خلال الفترة الانتقالية تقوم حكومة وحدة وطنية تعكس التعددية وتعزيز الوحدة الوطنية والدفاع عن السيادة الوطنية واحترام وتنفيذ اتفاقية السلام". وحتي عن الاستفتاء، تقول الاتفاقية ( 5-2) :". . . لكي يؤكد وحدة السودان عن طريق التصويت لاعتماد نظام الحكم الذي تم وضعه بموجب اتفاقية السلام، أو التصوبت للانفصال". كانت الاتفاقية واضحه في الميل الي الوحدة، وبالفعل كان سلوك وخطاب عرابيّ الاتفاقية:قرنق وعلي عثمان، يؤكدان في كل مناسبة، علي الموقف الوحدوي. ولكن كبف ولماذا حدث هذا التحول الكامل عن الوحدة والي تبني الانفصال؟
    يعتقد كثيرون أن فكرة السودان الجديد دفنت مع قرنق، وقبرت معها الدعوة للوحدة. ودأب الشماليون علي اتهام سيلفا كير بالانفصالية علنا وكان يجهد نفسه لنفي التهمة، ولكن مواقفه كانت دائما تخذله. ولم يكن ميالا للحوار والنقاش الفكري ليطور مواقف جديدة، فهو ابن المؤسسة الامنية داخل الحركة المعروفة بالصمت والغموض. وحين تقلد منصب النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب، كان يمضي جل وقته في جوبا، ويكاد يكون غائبا عن الخرطوم.
    بدأ مبكرا تكون جبهة خيار الانفصال داخل الحركة الشعبية، أساسا بسبب الخلافات المفتعلة والحقيقية مع المؤتمر الوطني. فقد بعدت الحركة الشعبية عن حلفائها التقليدييين أي التجمع الوطني الديمقراطي المعارض. وكانت قد وقعت معه ميثاق القضايا المصيرية في اسمرا عام1995. ولكن الحركة قبلت اقتراح استبعاده عن مفاوضات السلام. وبعد توقيع الاتفاقية ، وجدت الحركة نفسها بلا حليف، فاستطاع المؤتمر الاستفراد بها وفرض شروطه. وكانت البداية في تشكيل الوزارة، فقد أصر المؤتمر الوطني علي وزارة الطاقة رغم أن الاتفاق يقضي بأن تكون من حصة الحركة. ووصل النزاع حدا كاد أن يطيح بالاتفاقية نفسها. وراعت الحركة الشعبية الموقف أكثر من المؤتمر الوطني. وهذه الحادثة تلفت النظر الي وضع هام، وهو أن المؤتمر قد نجح في أن يبيع للحركة بأنه الضامن الوحيد لاستمرار وتطبيق اتفاقية السلام الشامل.
    جاءت حكومة الوحدة الوطنية مكونة اساسا ممن عرفوا بالقوميين الجنوبيين، وفيهم عدد مقدر من الذين انشقوا من الحركة خلال وجود قرنق، ودخلوا في تحالفات مع النظام في صفقة ما سمي بالسلام من الداخل. وكانت تنظيمات هذه المجموعات تدعو لفصل الجنوب علانية. وكان خلافهم الاساسي حول فكرة السودان الجديد، ورفعوا شعار: الجنوب أولا. ومن جانب حزب المؤتمر الوطني، ابعدت كل الشخصيات التي شاركت في مفاوضات نيفاشا عن تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية. ويعود ذلك الي الصراع الداخلي في الحزب، فقد اعتبر الجناح المتشدد أن فريق التفاوض قدم كثيرا من التنازلات. وتفوق المتشددون يعني ان تنفيذ الاتفاقية سيواجه عقبات عديدة. وهذا ما حدث فعلا، فقد وقفت حكومة عقبة امام انجاز كل ما يؤدي الي تحقيق التحول الديمقراطي المنصوص عليه في صلب الاتفاقية والدستور الانتقالي. ومع تصاعد المواحهات بين الشريكين، وغياب التوافق؛تراجعت الحركة عن الدفاع عن القضايا ذات الطابع القومي. وتخلت الحركة تدريجيا عن نظرتها الوحدوية. وفي هذه الاوقات زاد الحديث عن فكرة الوحدة الجاذبة. ولكن رأه البعض شعارا بلا مرجعية محددة أي ما هي الآليات والسياسات التي يمكن أن نقول عنها أنها تجعل الوحدة جاذبة؟ ومع ذلك ظلت الحركة الشعبية تتهم شريكها المؤتمر الوطني بأنه عجز عن جعل الوحدة جاذبة. ولكن السؤال:هل المؤتمر الوطني وحده المطالب بهذه المهمة أن أنها مسؤولية جماعبة تشترك فيها حتبي القوى من خارج الحكومة؟ ودخل الطرفان في عملية تلاوم بينما وقت الاتفاقية يمر، والعناصر الانفصالية صار لديها الدليل أو المبرر علي استحالة الوحدة.
    ومن أهم الاسباب التي منحت خيار الانفصال الافضلية هو بروز جماعة انفصالية شمالية، نظمت نفسها في:منبر السلام العادل. ويبدو أن التنظيم يجد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، دعما رسميا. فأصدر صحيفة"الانتباهة"والتي صارت من أكثر الصخف توزيعا، رغم لغتها العنصرية في كثير من الاحيان. وقد احدثت الصحيفة يساندها التنظيم شرخا كبيرا في العلاقات الجنوبية-الشمالية. وتستخدم الصحيفة اسلوب المهاترة والتجريح الشخصي ، واستهدفت اساسا بعض رموز الحركة من القياديين وعلي رأسهم باقان أموم وياسر عرمان. ولعب تنظيم منبر السلام العادل وصحيفة الانتباهة، دورا مؤثرا في عملية استقطاب الانفصاليين في المعسكرين. وساعدا في تغليب خيار الانفصال من زخم اعلامي وسياسي منظمين مع غياب كتلة منافسة لها نفس التأثير تدعو للوحدة.
    تقود النقطة الاخيرة الي التساؤل عن أين كان دور القوى الاخري عدا الشريكين الحاكمين؟ وقفت الاحزاب السياسية الشمالية المعارضة تتفرج وهي شامتة تتنظر تورطا أكثر للمؤتمر الوطني في المشكلات مع الجنوبيين. ولكن الأهم من ذلك، أن جميع الاحزاب كانت تعيش حالة مزرية من الضعف والانشقاقات التي اقعدتها عن النشاط الفعّال علي الساحة السياسية خلال تلك الفترة الحرجة. وقد مارس المؤتمر الوطني استراتيجية ناجحة لاختراق هذه الاحزاب، وبالفعل تم من ضم اجنحة من الاحزاب الي الحكومة. اما الاحزاب الجنوبية فاكتفت بالشكوي من هيمنة الحركة وتخويف معارضيها وابتزازهم. بالفعل لم يكن المرء يشعر بوجود الاحزاب الاخري في الجنوب. وهذا ما يفسر الغياب الحالي للصوت الوحدوي في الاستفتاء، خاصة وقد قامت الحركة ببروفة جيدة لاسكات المخالفين في انتخابات ابريل الماضي. ولكن مع قرب انتهاء أجل الاتفاقية احست بأن المؤتمر الوطني قد استفرد بها، فهناك الكثير من استحقاقات الاتفاقية لم يتم تنفيذها ونحن في نهايات عام2010. وهنا شرعت الحركة في التقارب مجددا الي الاحزاب الشمالية. ونشط ما سمي بتحالف احزاب جوبا، ورغم وجود الحركة في حكومة الوحدة الا أنها عملت مع المعارضة في نفس الوقت. وكان وضعا شاذا خاصة وان سيلفا كير لم يبارك هذه الخطوة التي تحمس لها أموم وعرمان ، وتم اعتقالهما لساعات رغم وضعهما الدستوري.
    لم يدم التحالف طويلا بسبب غلبة التوجه الانفصالي داخل الحركة. فهي لم تعد راغبة في تحالف طويل المدى مع الاحزاب الشمالية، لأن عينها عاي الاستفتاء الذي سيتم بعد شهور. لذلك، كانت أجندة قوى تحالف احزاب جوبا متباينة، فقد كانت الحركة الشعبية تعمل علي الضغط لتمرير قانون الاستفتاء من داخل البرلمان. بينما كانت الاحزاب الشمالية تعمل علي الغاء القوانين المخالفة للدستور والمعطلة للتحول الديمقراطي. ولم تستمر الحركة مع الاحزاب في معركتها الدستورية من أجل الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان. وهي مطالب تكررت كثيرا في ثنايا اتفاقية السلام الشامل. وكانت شديدة الحماس لها وصارت لفترة جزءا اصيلا من خطابها السياسي.
    ولكن مع تصاعد التيار الانفصالي، اعتبرت مسألة التحول الديمقراطي، قضية شمالية ـأو قومية عامة. وتوقف نشاط الحركة بل ماتت الفكرة كلها. اذ عقب اقرار قانون الاستفتاء ابتعدت الحركة وتوقف العمل. وكان هذا السلوك من الاشارات القوية علي أن الخيار الانفصالي أصبح طاغيا علي كل الاصعدة.

    المستقبل المأزوم

    قدمنا في الصفحات السابقة تحليلا لتطور التوجه الانفصالي لدي الجنوبيين وبالتحديد الحركة الشعبية. أما في الجانب الشمالي، فقد تنامي تيار يدعو للانفصال وقد حصل علي تأييد ضمني من النظام، أو علي الأقل استفاد من التواطؤ. فقد غض النظام النظر عن كل ممارسات الانفصاليين بالذات حملاتهم الاعلامية وما حملت من تجاوزات وانتهكات. وقد تعامل النظام ممثلا في أعلي قياداته باستخفاف شديد مع الانفصال، بل ابدي بعضهم فرحتهم به. ففي سؤال لأمين حسن عمر عن صدمة الانفصال نفي وجود أي صدمة، لأن الوحدة- حسب رأيه- لم تكن خيار الجميع. وظل يكرر نفس الموقف، واورد هنا نصّ اجابته علي سؤال:كيف ستتعاملون مع مشكلات ما بعد الانفصال. يرد:-"صحيح أن السودان اليوم يواجه مشكلات، وبالأمس كان يواجهها وقبلها عندما كان هناك حكّام آخرون كانت المشكلات أكثر حدة وشدة من هذا الحال، نحن لم نعد أحداًً بأننا سنحول السودان إلى جنة عدن، ولم نعدهم بأن الأمور ستكون أفضل من قبل من غير جهد أهل السودان، نحن نقود مسيرة أمة ونجتهد فربما نصيب أو نخطيء، الأمة نفسها ستنال كسبها إذا أنتجت أكثر من حاجتها وصادرها أكثر مما تستورد، ويعلم الجميع أن السودان لم يبلغ هذا المبلغ. "ويواصل:-"أما انفصال الجنوب فهو بإرادة أهله، والخيار الآخر كان أن نفرض عليهم استعماراً، 99%النسبة التي قيل إنها تحققت في الجنوب وهي لا شك بها قدر كبير من التزوير، فإن 70%من أهل الجنوب الموجودين في الشمال، قالوا إنهم لا يريدون انفصالاً، أما الخيار الآخر أن يقال من الأخلاق والعمل السياسي أن نحتفظ بجنوب موحد مع الشمال على الرغم من إرادة أهله، هذا موقف غير صحيح سياسياً وأخلاقياً، الذين يحمِّلون الحكومة ذهاب الجنوب هم من يتحملون مسؤولية ذلك، وهم من يجب أن يُساءلوا سياسياً وأخلاقياً، فجميعهم شاركوا لوضع هذا الدستور وقبلوا بتقرير المصير، إذن الموقف الطبيعي أن نقبل بالنتيجة، فهذا موقف يجب أن تحمد عليه الحكومة لا تذم به. " (الاخبار29/9/2011) وسبق له في مناسبة اخري أن قال بأن انفصال الجنوب لم ينقص من موارد السودان ولا من فرصه في النهضة الا قليلا. وفرص السودان في النهوض والتنمية يمكن أن تزيد بالانفصال لا أن تنقص. ( موقع وزارة الدفاع السودانية 10/7/2011) .
    يري ( صلاح االدين) أن قضية الجنوب لم تعد تهيمن علي المسرح السياسي إلا أن البحث عن بناء الدولة سيستمر بديناميات مختلفة. وهنا يتضح لنا كيف أن التاريخ يكرر نفسه أو علي الأقل يتحرك دائريا وليس تصاعيا في السودان. يقول:-"مثلما حدث في السابق، فغن قضايا مثل الحكم والاقتصاد والهوية يجب أن تناقش ولكن دون الظلال الكثيفة التي كان يلقيها عليها الجنوب". ويبقي حذرا في التوقعات والمستقبل، حين يقول:"رغم التضحيات الهدف من السلام لم يتحقق، الدولتان تتأرجحان علي حافة االحرب". وهنا يؤكد علي ضرورة الإصلاح السياسي، واختيار نهج التراضي بعيدا عن الدائرة الشريرة:دورة الانقلابات والديمقراطية. ولكن هذا في نظره غير ممكن مع خطر الحرب. كما يري أن قضايا مابعد الانفصال المتضمنة في قانون الاستفتاء لم تتم تسويتها. ( مصدر سابق) . وهو لا يخبرنا لماذا تركت كل هذه القضايا معلقة حتي ما بعد الاستفتاء؟ هذا دليل دامغ بأن الاتفاق لم يكن شاملا-كما يسمس- لا للقصايا ولا للاطراف السياسية.
    قضايا الصراع-كما تسمي- هي الأصعب وكأن هذا السلام يعني فقط ايقاف الافتتال. فقد تبقت مشكلات معقدة وتهدد الاستقرار، مثل:- أبيي، جنوب النيل الازرق، جنوب كردفان، ودارفور. يضاف الي ذلك أن اقتصاد الشمال فقد ثلث موارده، ولم يصل الطرفان الي تسوية في موضوع عائدات النفط. ولم تتحقق التوقعات والآمال وعلي رأسها الأمن والاستقرار مما يعني جذب الاستثمارات. والحديث عن انفاق ما كان يصرف علي الحرب علي أوجه التنمية المختلفة. ويتحدث النظام هذه الايام عن الإصلاح الداخلي يهدف لتحقيق الوحدة الوطنية القائمة علي دستور توافقي. وأولوية الدستور –حسب النظام-الهوية والدين، وسيكون الأمر اقل صعوبة مما كان عليه في السابق مع الجنوب ( صلاح الدين) . ويضاف الي ذلك، قضايا الحكم الفدرالي، النظام الانتخابي، القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
    يكرر النظام السوداني الاخطاء وسوء التقدير، لانه يريد أن يبني المرحلة القادمة علي نفس الأسس التي انتجت الصراع الحالي الممتد منذ الاستقلال، أي الاصرار علي الدولة الدينية. فقد قال الرئيس عمر البشير في كلمة القاها في مدينة القضارف شرق السودان في 19 ديسمبر 2010 قبل اجراء الاستفتاء:- "اذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الاسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع واكد ايضا في هذه الكلمة التي نقلها التلفزيون ان "اللغة الرسمية للدولة ستكون العربية". ويمكن فهم سياسة النظام الحالية علي ضوء هذا الاعلان الصريح. فقد تحقق بالانفصال، خلق سوداني نقي:إسلاميا وعربيا بعد أن زالت عقبة الجنوب.ويمكن اعتبار هذا التصور سببا في بعث استراتيجية العودة للاقتتال في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.وبغض النظر عن من البادئ؟إذ كان من الممكن تفادي الصدام لو كانت عناك رغبة في سلام مستدام.


    ما العمل؟

    يقف السودان المتبقي بعد الإنفصال في مفترق طرق تماما، طريق النهضة والتعافي وإعادة التإهيل، إو طريق الانهيار والسقوط والتفسخ. فقد دشن الانفصال تاريخا طويلا من التخبط والفشل وعدم الجدية والغباء السياسي. فالانفصال صفعة التاريخ الطبيعية للسودانيين الذين فرطوا في فرص نادرة لتحقيق الاستحقاقات الوطنية وعلي رأسها الدولة المدنية الحديثة. وقد اصبح موقف السودان أكثر تعقيدا وهشاشة فقد ضعفت القدرات والموارد المادية والبشرية، وتناقص التعاطف والاهتمام. ونستعيد هنا نظرية المؤرخ المعروف-أرنولد توينبي-عن قيام ونشؤ الحضارات، وأرجع ذلك الي قانون التحدي والاستجابة. وهو يعني أن الشعوب والثقافات تقابلها بعض التحديات البشرية والطبيعية تصل احيانا إلي حد تهديد وجودها نفسه، وبمقدار قوة وايجابية الاستجابة والتعامل مع التحدي تنجح وتنهض الحضارات والشعوب. والآن يعيش السودان تحدي وجود بعد أن فقد – مجانا- جزءا حيويا من كيانه، فهو مطالب باستجابة في مستوى التحدي وهذا اختبار جديد للشعب السوداني الذي يحمل تقييما عاليا لذاته لم يثبت الحدث الاخير أنها صحيحة.
    كانت القوى السياسية السودانية المعارضة تكرر حين تسئل عن المستقبل وماذا لديها من برامج وخطط؟ تجيب انتظروا بعد9 يوليو2011. ولكن جاء ذلك اليوم الموعود ولم نر جديدا. والسلطة الحاكمة تتعامل مع الواقع الجديد بطريقة روتينية ومكتبية وبطريقة تجارة التجزئة. ولم يحرك هذا التحدى العظيم الذي هو أقرب الي يوم القيامة لدي الشعوب الحية، ساكنا غير الكلام العاطفي والممجوج عن الوشائج والروابط التاريخية. فمن الملاحظ أن القوى السياسية والمهتمين تعاملوا مع الأمر وكأنه قضاء وقدر، وبالتالي لا يحتاج للتفسير والتفلسف وعلينا التعايش معه وكفي. بينما هذه فرصة للتأمل والنقد بل حتي لو وصل الأمر لحد جلد الذات لأن الإثم عظيم. فهل يوجد وقت أفضل من هذه اللحظات لكي يجلس السودانيون معا للتفكير في مستقبلهم؟ للأسف جاءت البداية محبطة وتظهر إصرار السودانيين علي تكرار أخطائهم ببراعة يحسدون عليها!وبعد أقل من اسبوع من الكلام المعسول ( أو المعسّل) يسفر النظام عن حقيقة موقفه من انفصال الجنوب. وبدأت حملات الانتقام والتشفي بدءا من الاسراع في سحب الجنسية من الجنوبيين قبل التفاوض مع الطرف الآخر بل لجأ للمفاجأة والغدر. ولم يرتب كثير من الجنوبيين أوضاعهم لا في الشمال ولا في الجنوب. وبكر النظام باغلاق الصحف التي يملكها جنوبيون لكي أي صوت معارض أو مختلف محتمل. ثم جاء موضوع العملة.
    فالنظام مازال لا يفكر في المستقبل بطريقة استراتيجية، وسوف يهتم فقط بوضع العقبات أمام الجنوبيين لاثبات عدم قدرتهم علي حكم أنفسهم. ولكن المهم هو هل يستطيع الشماليون أنفسهم حكم بلادهم بمثل هذه السياسات قصيرة النظر؟ وقاصمة الظهر-كما يقال-سكوت المعارضة ، فالنظام لا يجد من ينصحه رغم أنه لا يصغي لأحد. وقد كان رد فعل المعارضة تجاه الانفصال غريبا، فقد غابت البيانات والندوات وطبعا المواكب. وانقسمت المعارضة إلي طائفتين، إحداهما ساكتة تماما بكماء لا تتحدث، والثانية لا تسكت أبدا ولكن لا تقول ما ينفع الناس ولا تتبع القول بالفعل.
    هذا الوضع الحرج يفرض علي السودانيين ضرورة الوصول سريعا الي عقد إجتماعي جديد أو مشروع قومي سوداني حديث وديمقراطي-رغم تشاؤم السودانيين من مصطلح مشروع. وهذا ملتقي فوق حزبي وعبر قبلي وجهوي وفئوى أي قومي مطلقا بدون أجندة خاصة. وهذا مطلب صعب ولكنه ضروري، في الحالة السودانية. إذ يتسم الوضع السوداني بقدر ملحوظ من التشرذم والانقسامية باعتبار أن السودانيين بعد المنع الطويل للعمل السياسي العلني ، فقدوا القدرة علي العمل الجماعي. فقد صارت الانقسامات والخلافات هي القاعدة داخل الاحزاب وفي علاقاتها البينية. وهذا في حد ذاته ، من التحديات أي تتسامي الأحزاب فوق خلافاتها الهامشية وتعمل معا من أجل أهداف قومية. ويبدو أن المؤتمر الوطني الحاكم شعر قبل المعارضة بالحاجة الي مثل هذه المنابر والعلاقات، ولكن بطريقته وأساليبه. وكان جهاز الأمن الوطني قد بادر بالدعوة إلي حوار وقد اصطدم بعدة عقبات مثل الحديث عن سقف الحوار والتعرض لموضوع تطبيق الشريعة.
    تركز اللقاءات الرئاسية مع الاحزاب التقليدية الكبيرة علي قضيتين، هما: حكومة قومية أم حكومة ذات قاعدة عريضة، وهذا خلاف شكلاني ولكن يكشف عن النوايا والجدية. وأما القضية الثانية فهي الدستور الجديد، وهو بدوره ضرورة مع انقضاء فترة الدستور الانتقالي. ومشكلة العقل السياسي السوداني هو أنه في أحيان كثيرة يخلط بين الغايات والوسائل، ويعكس الترتيب والأولويات. فالدستور والحكومة القومية هي في حقيقة الأمر وسائل لتحقيق قدر من الوحدة والروح القومي والاتفاق المفقودين بين السودانيين. ومن الملاحظ أن الجميع يتعامل معها كغايات وأهداف نهائية، ومع إنجازها تحل كل المشكلات. وهذه من موضوعات الصراع حول السلطة الساسية الذي لازم تاريخ منذ الاستقلال ، حتي أوصله أخيرا محطة الهلاك الراهنة. لذلك، أي حوار جديد لابد أن يعمل علي البحث عما يجمع السودانيون أي المشترك القومي.
    أمام السودان نهجان لا ثالث لهما:النهضة من خلال عقد اجتماعي أو مشروع قومي لسودان حديث وديمقراطي. والخيار الثاني هو الإنهيار وقد بدأ. فالبلاد بالإضافة للتفسخ السياسي والذي تمظهر في انفصال الجنوب، تتعرض كل مؤسساته التي تقيم الدولة والمجتمع للتآكل والفساد. ويمكن القول أن السودان يحتاج نوعا من القطيعة السياسية غير نادمين علي الماضي، فهو مجرد عبرة ودروس من الأخطاء. ومن الواضح أن الخوف مازال يلازمنا من الجديد والتجديد. فنحن نصرخ ونلعن الأوضاع السياسية الماضية ولكن لا نتقدم خطوة واحدة نحو إرساء الجديد والبديل المختلف. أما طريقة التنفيذ فهي في منتهي السهولة. فقد ظللنا منذ زمن ندعو الي مؤتمر دستوري فلتتحول هذه الدعوة الي مؤتمر قومي لتجنب الانهيار والسقوط.
    تقدمت القوى السياسية القديمة والجديدة بالإضافة للشخصيات القومية والمفكرين، بكثير من المواثيق والمقترحات، لذلك لن تكن البداية من الصفر. والمتوقع منها في هذه الحالة أن تتفق حول مبدأ تغيير النظام والسودان. خاصة وأن النظام نفسه صار يتحدث عن التغيير والإصلاح حسب تصوره ولكن اقتنع باستحالة الاستمرارية. وقد يختلف السيناريو السوداني-بسبب خصوصية البلد- عن مسارات الربيع العربي، ولكن المقصد والغاية لا يختلفان. فقد اصبحت شعارات الثورة الفرنسية مع تحوير طفيف تجمع الكل: الحرية، العدالة والكرامة. ويمكن للمشروع أو الميثاق السوداني أن يتبني هذه الشعارات ويطورها ويضمنها أدبياته. لقد هدرنا كثيرا من الحبر والكلام ولكن لم نجمع علي عمل شئ مشترك، فهل أفضل من هذا الظرف للانتقال من اللفظية والكلام إلي الفعل؟
    يتمثل الخلاص من حالة الصراع الراهنة فى ضرورة الاسراع في التوصل الي عقد اجتماعي يركز علي:-
    1. الدولة المدنية بغض النظر عن المرجعيات المصاحبة لها.
    2. القبول بالآخر المختلف.
    3. نظام ديمقراطي يجمع بين محاسن التوافقية والتنافسية.
    4. تنمية من تحت الي فوق، وعادلة.
    5. سياسة خارجية قائمة علي الندية.
                  

01-14-2012, 04:04 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    Quote: الوضع الاقتصادي في الشمال والجنوب بعد الانفصال

    كان السودان بلدا واحدا حتى قبل نصف عام.وانفصل سياسيا الى بلدين ولكن اقتصاده لايزال هو نفس الاقتصاد ولكن قسمة الموارد والاستخدامات فيه احدثت صدمة قاسية للطرفين لانه كان يعتمد الى حد كبير ، وإن كان بنسب متفاوته، على عنصر واحد وهو البترول.


    اثر الانفصال على اقتصاد دولة جنوب السودان
    تفاوت هذه النسب احدث مشكلة في الشمال اكثر مما في الجنوب حتى الان لان عائدات النفط في الشمال توقفت تماما( ما عدا جزء قليل ينتج في الجزء الشمالي لحدود 56 .. وطبعا ما ينتج في حقول اخر في الغرب) بينما استمر تدفق نفط الجنوب للسوق العالمي عبر الشمال واستمر استلام عائده بواسطة حكومة الجنوب انتظارا لاتفاق حول رسوم العبور ولهذا يقدر ان صدمة انحسار موارد البترول في الجنوب هي- حتى الان- الاخف مالم يحدث تطور سلبي في حالة عدم الاتفاق على اجراءات تسمح باستمرار عبوره الى الاسواق العالمية.
    وكان الاثر الثاني الصادم لاقتصاد الجنوب – بصورة اكبر واقتصاد الشمال بصورة اقل- هو توقف تصدير السلع العادية من الشمال الى الجنوب – بقرار سياسي- وتعدادها 180 سلعة بما فيها منتجات البترول المكرر. مما انتج ندرة شديدة وغلاءا فاحشا في اسواق المدن الجنوبية ولا يعرف على وجه الدقة تأثير توقف او تعثر مرور ملايين الابقار الشمالية ورعايتها الى الداخل الجنوبي- ما بعد بحر العرب ولكن احد تلك الاثار السالبة بدا واضحا بعد ان اتجهت آلاف من اقار الامبررو النيجرية ، التي غزت الجنوب في السنوات الماضية ،الى مناطق جنوب النيل الازرق – ربما بضغوط سياسية فاحدثت تخريبا واضحا في الزراعات التقليدية هناك.

    وهكذا يتفاوت تحديد آثار الانفصال في دولة جنوب السودان مابين القطاع الحديث الى القطاع الرعوي – الزراعي التقليدي مع توفر معلومات اكثر في القطاع الاول .. ولكن تبقى الحقيقة الواضحة هي أن الانفصال احدث آثارا سالبة فورية على المدى القصير للطرفين .. وان تلك الاثار السالبة ستظل تتفاعل لفترة طويلة قادمة خاصة في مجالي التجارة والرعي ولابد ان تظهر اثار ديمقرافي على كلا جانبي الحدود.
    ظل الاقتصاد الجنوبي قبل الانفصال وسيظل بعده مرهونا على مورد واحد وهو البترول الذي يشكل 98% من ايرادات الخزينة العامة وان كان الانفصال قد زاد من حصة الجنوبيين في قسمة البترول من 50%( في سنوات الفترة الانتقالية الى 75% ) بعد الانفصال وذلك بعد خصم حصة الشركات .. واقدر هذه الزيادة على موارد البترول للجنوب بمليار الى مليار ونصف دولار سنويا على اكثر تقدير.
    فهيكل الموارد الذاتية للجنوب إذا سيظل مرهونا بالترول الذي زاد حصة وإن بدا يتناقض انتاجا حتى ةصل 380 الف برميل نزولا من 500 الف برميل يوميا واي زيادة في الانتاج رهينة باستثمارات جديدة وكبيرة من الرشكات العاملة واي شركات جديدة – في مربع B- ولكن الشركات حساسة جدا وهو امر تشوبه الان ضبابيات كثيرة ..فمورد البترول متزايد ومتناقض في نفس الوقت.
    هناك مصدر اخر متوقع وهو المعونات الخارجية الموعود بها الجنوب تصريحا وضمنا وهذه دائما مشكلة كما اوضحت تجارب اوسلو مع فلسطين ومعنا وتجارب العراق وافغانستان فالمانحون يعدون ولايوفون وفي هذه المرة تضرب المانحين جائحة اقتصادية ومالية ماحقة مما يعني ان"الموعود المنتظر" سيكون بالتأكيد اقل كثيرا من المتوقع.وبالمؤشرات التي برزت حاليا فهناك حماس امريكي للمساعدات العسكرية للجيش لتحويله الى جيش احترافي- اكثر من المساعدات الاقتصادية وهناك حديث كثير من دوائر المانحين للتحذير من الفساد والمحاباة القبلية والصراع القبلي كمبرر- ربما- لعدم انفاذ الوعود السابقة.
    هذا المورد المعونات الخارجية لدولة الجنوب إذن اضحى منقوص المصداقية ولايمكن ترتيب موازنات ولا برامج تنمية عليه.واخيرا هناك مورد الاستثمار الاجنبي الخاص الذي يأتي لشماريع التنمية وهذا مرتبط تماما باستقرار الاوضاع السياسية برؤية المستثمرين لوجود اطر مؤسسية وقانونية لاستقبال الاستثمار وحمايته. هذا امر يبقى حاليا في طي التخمين ولابد ان يمضي وقت قبل ان تستقر الاوضاع السياسية والقانونية والاقتصادية بصورة تغري المستثمرين الخواص بالاقدام على وضع اموالهم في الجنوب.
    هذه إذن هي معادلة الموارد وهي متأرجحة وغير مؤكدة وبالتالي يصعب تحديدها والبناء عليها وتقابلها في الناحية الاخرى معادلة المنصرفات وهنا تطول القائمة . فدولة الجنوب الجديدة تحتاج الى كل شئ
    1- اعادة تنظيم واستيعاب عشرات الالوف من الجنود والشرطة والامن في هياكل معروفة منضبطة الموارد والهياكل البشرية والجسدية physical غير المتوفرة حاليا.
    2- بنيات تحتية من طرق ومطارات.
    3- خدمات ، مدارس ومستشفيات
    4- ايواء على مستوى كبير لمئات الالوف من النازحين داخليا locally displaced من دولة الشمال مما يقتضي صرفا هائلا على الهايكل المادية مهما كانت بساطتها.
    5- بناء خدمة مدنية وقضائية في المستويات الوسيطة والدنيا.
    باختصار المطلوب انشاء دولة من الصفر ..ن وفي اطار تنازع قبلي على الموارد كما حدث قبل فترة قليلة من النوير والمورلي ( مشاكل الهامش تتحول هناك الى مشاكل تشمل الهامش والمركز!).
    كل هذا يعني الحاجة الى موارد تتعدى المتاح بعشرات المرات ! ويعني هذا ان المشكلة هناك تتعدى الاقتصاد الى السياسة والاجتماع وتختلط بهما اختلاطا معقدا .. في جو مستعر من ثورة الآمال The revolution of rising expectations التي تعلم اصحابها ثقافة اللجوء السريع الى البندقية لتحقيق مطالبهم الملحة والآنية بينما غابت فضيلة الصبر والتسامح من الجميع.
    مستقبل الاقتصاد في الشمال بعد الانفصال

    مؤشرات نمو الاقتصاد في الشمال في السنوات العشر قبل الانفصال كانت تشير الى تضاعف حجم الاقتصاد عشرة مرات في السنوات 2000- 2010 (حسب البنك الدولي) ومتوسط نموه السنوي 7.2% في تلك الفترة ( وهو معدل عالمي) واستقرار التضخم في حدود 7% حتى 2007 وارتفاع الى 13.7% في السنوات الثلاث الاخيرة وارتفع دخل الفرد من 1083جنيها عام 2000 الى 3998 عام 2010 ( من الف الى 4000 الف جنيه بتضاعف اربعة مرات تقريبا) وارتفعت الايرادات والانفاق العام والانفاق على التنمية بنسب تتراوح بين 470% رالى 665% وبالتالي امكن زيادة التحويلات الى الجنوب من 12.5% من الدخل القومي الى 23.3% والولايات بنسبة اقل ( من 22.5 الى 24.8) وانخفض نصيب الحكومة القومية من 65% الى 51.9% ويعني هذا انهتم فعلا اعادة وزيع الثروة فيؤ البلاد حسب اتفاقية نيفاشا.
    ومن ناحية اخرى زاد تدفق الاستثمار الاجنبي الخاص والعام من 1.6 مليار الى 3.5 مليار اخر الفترة ولكن حدثت في ذات الوقت ظواهر سلبية منها تسيد قطاع البترول للصادرات بنسبة 96.3% وتدهور سعر الصرف بعد عام 2007 وارتفع معدل نمو النقد سنويا الى 27% وبدا التضخم في الزيادة وظهر سوق مواز للعملة.
    آثار انفصال الجنوب
    في هذا الجو الايجابي- عموما- حدث انفصال الجنوب منتصف 2011 واحدث صدمة عنيفة لاقتصاد الشمال فانخفض معدل الناتج الاجمالي الى 1.2% حسب البرنامج الثلاثي ولكن في ميزانية 2012 قدر ان يرتفع (باجراءات الميزانية) الى 2% فقط وارتفع معدل التضخم الى 23% ولكن الميزانية تتوقع له ان يستقر عند حدود 17% وذلك بعد تبني ميزانة انكماشية جدا في جانبيها النقدي والمالي.
    وسيرتفع رغم هذا الدخل الفردي من 1572 دولار عام 2010 الى 2111 دولار عام 2012 ولكن السبب الرئيسي في هذا الارتفاع هو انخفاض حجم سكان الشمال.وقدر البرنامج الثلاثي – الذي وضع بعد اعلان الانفصال مباشرة- وظهرت عليه تعديلات في ميزانية 2012 – اي بعد ستة اشهر – وجود عجز يقدر بنصف مليون طن من الحبوب في الانتاج الزراعي ولكن ميزانية 2012 تقدر ان يكون هناك فائض بنفس الحجم بنهاية العام وسينخفض نصيب القطاع الصناعي من 24.7% الى 16.7% في عام 2010 لخروج البترول ( باعتباره صناعة استخراجية) بينما يحافظ قطاع الخدمات – الاكثر نموا في السنوات الاخيرة – على نصيبة من الدخل القومي في حدود 45% مقرنة بالزراعة في حدود 35% من الناتج القومي الاجمالي.
    وقد تم تبني برنامجا ثلاثيا للاعوام 2012- 2014 لتلافي صدمة خروج النفط ويستند البرنامج على اجراءات مالية ونقدية تقشفية قاسية لتخفيض المصروفات وتمويل برنامج انتاجي لسلع الصادرات غير البترولية ( الذهب والقطن والصمغ والثروة الحيوانية) وسلع الواردات الاساسية (كالقمح والزيوت النباتية والسكر والمنتجات البترولية) ويعاني البرنامج من خلل في هيكل الايرادات اللازمة لتمويل هذا البرنامج وكذلك خلت ميزانية 2012 من اي ايرادت ( بعد ان رفض المجلس الوطني رفع الدم عن البترول الذي كان متوقعا ان يوفر 400 مليار جنيه).
    وتبقى على الحكومة ان تعتمد على موردين:
    الاول سد العجز من موارد داخلية كالاستلاف الداخلي من الجمهور والاستلاف من البنك المركزي – في اقل الحدود – والسحب من القروض الخارجية.
    وهناك برنامج لتسريع وتوسيع الاستثمارات البترولية في الشمال وتوزيع المربعات والامتيازات التي لم يفمل القائمون عليها شيئا مفيدا بالنسبة لها ولكن الاعتماد الاكبر هو على الاستثمار الخارجي لتمويل التنمية والسلع المشار اليها سابقا لاعادة هيكلة الموارد .. ولهذا فان هناك مجهودا كبيرا لتحسين قانون وبيئة الاستثمار الخارجي الخاص ( والى حد ما الاستثمار العام للدول العربية في مجال الامن الغذائي العربي في السودان).
    الخلاصة
    وهكذا يتضح ان الانفصال السياسي قد خلق مشكلة اقتصادية كبيرة لبلدين وقد تم هذا بصورة كافية بوقوع الانفصال.. ولم تسعفها النوايا الحسنة في فترة الاشهر الستة التي اقبت الانفصال ليسهل كل طرف للطرف الاخر الخروج من مأزق الانفاصال الاقتصادي . بل ان العكس تماما قد حدث حيث لجا الطرفان الى حد كبير الى التسويف والمشاكسة والمعاندة بصورة فاقمت الامر عليهما . ولكن في تقديري ان الامر لايزال قابلا للتدارك اذا خلصت النوايا او بدون ذلك اذا استبان الطرفان ان الاستمرار في نهج المعاكسة الاقتصادية سيزيد من مشاكل الطرفين.


    عبد الرحيم حمدي
    الخرطوم 2/2012

                  

01-14-2012, 04:14 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    398.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    خضر عطا المنان، طارق الشيخ، الاستاذ محمد سليمان ،وخلفه محمد دفع الله (الشرق) حامد ابراهيم(الراية) ومحمد الربيع( الوطن) .


    واكد سعادة السفير عبد الله ابراهيم الحاج عضو مجلس ادارة شبكة الجزيرة الاعلامية في كلمته ان الندوة تاتي متواكبة مه نهج الجزيرة في تشجيع الحوار الموضوعي والجاد لفهم ما يجري من تحولات هامة وكبيرة في منطقتنا العربية وما حولها ولا شك اننا جميعا ندرك تلك التطورات السياسية والاستراتيجية المتسارعة التي جرت في المنطقة منذ بداية العام الماضي والتي من بينها استفتاء تقرير مصير جنوب السودان والثورات العربية ،هذه التحولات الكبيرة وما يتبعها من متغيرات تؤثر على حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجد من الجزيرة المتابعة والرصد والتحليل.
                  

01-14-2012, 05:36 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 23043

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    وكان للبورداب حضور لافت:
    الظلامية د.نجاة محمود
    كمال سالم
    عمر بوب
    ابوساندرا
    بها بكرى
    كيكى
    معاوية الزبير
    وصاحب البوست
    وشخصى المسيكين
                  

01-14-2012, 07:11 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: بدر الدين الأمير)

    التنظيم والضيافة في غاية الروعة وبدا توزيع الادوار واضحا بين فرق المركز ايضا الانسجام التام الامر الذي انعكس بصورة ايجابية على سير اعمال الجلسات، مقدم الجلسة الاولى من بلاد شنقيط تشدد في الزمن والمرونة مطلوبة خاصة ان البادية اكتسبت حيوية والسجال استعر بين الدكتور حيدر والاستاذ عبد الرحيم حمدي فالاول تحدث عن الدولة الفاشلة ولم تعجبه الاراقام التي اوردها الثاني حول الاقتصاد .

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 01-14-2012, 07:32 PM)

                  

01-14-2012, 07:18 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    الاحد 15 يناير يقدم الدكتور منصور خالد الورقة الثالثة: القوى الدولية وانفصال جنوب السودان
    وقد وصل الدكتور مساء الاربعاء وهو مع القروب في فندق ملينيوم في السد
                  

01-15-2012, 06:48 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    404.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    الشيخ احمد آل ثاني مدير عام شبكة الجزيرة يخاطب الجلسة الخنامية
    406.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    منصور خالد وصلاح الزين
    DSC04552.JPG Hosting at Sudaneseonline.com



    ورقة الدكتور منصور خالد:

    التفاعلات الإقليمية والدولية لإستقلال جنوب السودان
    1. لكي نُدرك التفاعلات التي تولدت من إنفصال جنوب السودان عن شماله يفيد، في المبتدأ، أن نُلقي ضوءً على الظروف التي قادت إلى الإنفصال، فالإنفصال نهاية مأساوية لتاريخ طويل للعلاقة بين جنوب وشمال القطر منذ إستقلاله الذي إحتفينا بعيده السادس والخمسين في مطلع هذا الشهر. الظاهرة الجديرة بالإهتمام في هذه العلاقة خلال السبعة عشر عاماً الأولى منذ الإستقلال (1956م إلى 1972م)، ثم عبر ما يربو على العقدين من الزمان (1983م إلى 2002م) هي التصاعد المستمر لمطالب الجنوبيين. تلك المطالب بدأت بالفيدرالية بين شقي القطر عند إعلان الإستقلال 1955م بمعنى توحيد السودان فيدرالياً بين دولتين: الشمال والجنوب؛ ثم تطورت إلى الفيدرالية كنظام لحكم كل أقاليم السودان في عام 1965م؛ ومن بعد إلى الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية مجتمعة في 1972م؛ وفي النهاية إلى تقرير المصير المُفضي إلى واحد من خيارين: تأكيد الوحدة على أسس جديدة، أو الإنفصال. ليس من خُطتنا تشريحُ هذه المراحل؛ أولاً لأن إستعراضَها قد يتطلب ندوة خــاصة لذلك، وثانياً لأن المكتبةَ حافلةٌ بالكتب والبحوث حول الظروف التي أدت لتصاعد الجنوبيين بمطالبهم. تلك الظروف لخصها السياسي المخضرم أبيل ألير في كتابه (South Sudan, too many agreements dishonored).
    2. هذا الميراثُ السياسي الثقيل من إخلافِ الوعود والتنكرِ للعهود، لم يكن من الممكن تجاوزُه إلا بميثاق غليظ. وكان ذلك الميثاق إتفاقية السلام الشامل التي مهرها الطرفان في 9 يناير 2005م وإحتوت، من بين ما أحتوت عليه، بروتوكول ماشاكوس 2000م إعترف ذلك البروتوكول للمرة الأولى بحق أهل جنوب السودان في تقرير مصيرهم، أما بالإبقاء على الوحدة وفق النظم التي نصت عليها إتفاقيةُ السلام الشامل (2005م) والمعايير القيمية التي الزمت بها الطرفين، أو الإنفصال. وسبق الإتفاقية إجماعٌ من كل الأحزاب السودانية المعارضة للحكم على منح الجنوب حقَ تقرير مصيره في مؤتمر عقد في مدينة أسمرا، إريتريا في يونيو 1995م أطلق عليه إسمُ مؤتمر القضايا المصيرية.
    3. لماذا نستدعى هذا التاريخ؟ إستدعاء التاريخ حَفَزنا عليه سببان: السببُ الأولُ هو الظنُ السخيف عند عدد غير قليل بأن إنفصال الجنوب نتاجٌ لمؤامرة خارجية لتمزيق السودان، وهي مؤامرة ذاتُ اذرع طويلة وقصيرة منها الأفريقي، ومنها الأمريكي، ومنها الصهيوني، ومنها الصليبي. السخافة هي الرِقة، فسخافةُ الثوب هي ضَعفُ نسيجه، ######افة الرأي هو هُزاله. وفي عالمنا العربي ظلت نظريةُ المؤامرة هي الحُجةُ التي تساق لتفسير أي حدث هروباً إلى الأمام من المسئولية المحلية عن ذلك الحدث، دون أن تصحب تلك الحجة أدلةٌ واقعية. الشئ الوحيد الي لا يرد في أذهان أصحاب نظرية التفسير التآمري للتأريخ، أو يُسقطونه دوماً من الحساب، هو المفاعل المحلي، وهو أدنى الأسباب. الحجة القاطعة، إذن، هي أن إرادة أهل السودان قد إجتمعت على منح الجنوب حق تقرير المصير، حتى وإن أفضى إلى الإنفصال بإعتبار أن ذلك هو السهمُ السياسيُ الأخير (political weapon of last resort) لإنها حرب داحس والغبراء السودانية.
    السببُ الثاني هو ان إنسلاخ الدول – في الماضي والحاضر – ليس بالظاهرة المستغربة. فجميع الدول ذات السيادة في شمال ووسط أوروبا نشأت في القرن التاسع عشر إما عن طريق الأنفصال عن كيانات إمبراطورية: النمسا، المجر، دول البلقان عن الإمبراطورية النمساوية – الهنغارية؛ النرويج بالإنسلاخ عن السويد؛ هولندا بالإنسلاخ عن بلجيكا؛ ثم لوكسمبرج بالإنسلاخ عن هولندا. وفي القرن الذي تلاه نشأت كلُ دول أمريكا اللاتينية التي يجمع بينها – بلا إستثناء – دين واحد هو الكاثوليكية، كما تجمع بينها لغة واحدة هي الأسبانية، بإستثناء البرازيل التي سادت فيها اللغة البرتغالية. من ذلك إنفصال فنزويلا وكويتو (تعرف اليوم بإسم إكوادور) عن كولومبيا العظمى (Gran Columbia)، وإنفصال أورقواي من إمبراطورية البرازيل، ثم إنفصال الأرجنتين عن تلك الإمبراطورية بموجب إتفاقية منتفيديو في عام 1927م. وفي القرن العشرين وقع أيضاً إنفصالان هامان في دولتين، الأولى منهما ظلت موحدة منذ القرن الثامن عشر الا وهي الهند. إنقسمت الهندُ في عام 1947م إلى دولتي الهند وباكستان لإعتبارات دينية وثقافية، ثم إنسلخت بنقلادش عن باكستان في عام 1971م رغم الرباط الديني الذي يجمع بينهما. ذلك الرباط الروحي لم يَحُل دون إنسلاخ مسلمي بنغلادش عن مسلمي باكستان لعامل سياسي – إقتصادي لا علاقة له بالدين: هيمنة النخبة الحاكمة في السند على السلطة والثروة على حساب أهل البنغال. أيضاً عقب إنهيار الإمبراطورية السوفيتية في أواخر القرن الماضي تفرقت تلك الإمبراطورية شَذر مَذر إلى دول البلطيق الثلاث (أستونيا، لاتفيا، لثوانيا)، دول الكمنولث المستقلة التي كانت تضم 12 دولة وصارت 11 دولة عقب إنسحاب جورجيا. صاحبَ ذلك الحدث تشققُ يوغسلافيا إلى ست دول (سلوفينيا، كرواتيا، جمهورية الصرب، مقدونيا ثم جمهورية الجبل الأسود (مونتنقرو)). القارة الوحيدة التي نجت دولها من التمزق هي القارة الأفريقية التي أقر زعماؤها في المؤتمر الثاني للقمة الأفريقية بالقاهرة (1964م) الإبقاءَ على حدود الدول الأفريقية على الحالة التي كانت عليها عند رحيل الإستعمار. رغم ذلك لم تنجُ تلك القارة من تفتت الدولة في الحالات التي تعسر فيها بقاؤها موحدة إما بسبب رغبة النخب السياسية المهيمنة على تكريس هيمنتها الإثنية، ومثال ذلك إنشقاق دولة رواندا و بوروندي في عام 1962م، إلى جمهوريتي رواندا و بوروندي في عام 1962م أو للإنهاك الذي سببته الحروب الداخلية للدولة الأضعف وإختلاف الرؤى حول مناهج الحكم كحال إستقلال اريتيا عن إثيوبيا في عام 1991م برضا الدولتين. إنفصال الجنوب عن الشمال، إذن، هو الحدث الثالث من نوعه في أفريقيا.
    4. خلق إنفصالُ الجنوب عن الشمال وضعاً جديداً ذا أبعاد إقتصادية وسياسية وأمنية. فإن إعتبرنا جنوب السودان مركز الإهتمام يمكن النظر إلى الدول التي أثرت عليه، أو تأثرت به ، في في دوائر متحدة المركز (concentric) الدائرة الأولى هي الدول المجاورة له وعلى راسها شمال السودان؛ وثانياً الدول الأفريقية خاصة الأقرب في النطاق الجغرافي أو بحكم المصالح الحيوية؛ ثالثاً الدول التي أورثت الجنوب علائق خاصة وهامة قبل الإنفصال بحسبانه جزءً من الدولة السودانية مثل الدول العربية؛ رابعاً تلك التي نمت بينها وبينه علاقات بسبب الثروات النفطية تحت أراضــيه؛ وأخيـــراً دول العالم الأخـــرى. وليس من الضروري أن تكون أهمية العلاقة مع الدولة المعنية رهينة بقربها الجغرافي من مركز الدائرة إذ أن هناك إعتبارات تاريخية جعلت لدولة أو أكثر دولة علاقات أوثق بجنوب السودان من علاقاته مع من هم أقرب إليه جغرافياً. بهذا الفهم، سنتناول التفاعـــلات مع كل هذه الدول (بالمــــــعنيين للكلــمة فـــــــي اللـــــــــغـــة الإنجـــليـــزيــــة Interaction and interplay).
    5. بإنفصال الجنوب عن جمهورية السودان – الدولة الام – اصبحت تلك الدولة، بالضرورة، دولة خارجية بالنسبة لدولة جنوب السودان المستقلة ذات السيادة. مع ذلك تظلُ جمهوريةُ السودان هي الجارُ الأقرب إليه. وللروس تعبير طريف حول الدول القريبة لروسيا حتى وإن كانت ذات سيادة. تلك الدول ينعتها الروس بالخارج القريب (the near abroad). لهذا فإن اي حديث عن تفاعل الدولة الناشئة مع الخارج يبدأ بجمهورية السودان إذ لعب التاريخ والجغرافيا دوراً هاماً في تكوين وتكييف العلائق فيما بينهما.
    دعنا نتناول ظاهرتين قضت بهما الجغرافيا والتاريخ. فجغرافياً أصبحت الحدود الشمالية للدولة الجديدة (الحدود بين شمال دولة الجنوب وجنوب دولة الشمال) هي أطول حدود لتلك الدولة (2010 كيلومتراً) في حين لا تزيد الحدود بين دولة الجنوب والدول الخمس الأخرى المجاورة لها: إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، كينيا، الكونغو الديموقراطية ويوغندا مجتمعة الفي كيلومتراً. الحدود الشمالية الجنوبية تقع في المنطقة ما بين خطي العرض 7 – 13 شمال خط الإستواء وخطي الطول 14 – 34 شرق قرينتش، كما تتساكن على ضفتيها واحدٌ وثمانون قبيلة رعوية تمثل في مجموعها 20% من سكان السودان (جنوبه وشماله). عند تلك الحدود تتلاقى خمسُ ولايات شمالية: جنوب دارفور، جنوب كردفان، النيل الأبيض، النيل الأزرق، سنار ومن ناحية الجنوب ثلاثُ ولايات: أعالي النيل، شمال بحر الغزال، الوحدة. هذه القبائل ترتحل شمالاً وجنوباً في فصول الجفاف سعياً وراء مراع أكثر إخضراراً دون إعتبار لأي حواجز غير طبيعية، فلا الرعاة ولا أبقارهُم تعرف شيئاً عن جوازات السفر. وحتى في سني الحرب – والصراع على أشده – إستمرت تلك العلاقات في الرعي المشترك، والتجارة البينية تنساب إنسياباً طبيعياً مما حدا بالدكتور جون قرنق لأن يطلق على تلك المنطقة التي ظلت تُعــرف بمــناطق التمـاس (areas of contiguity) نعتاً آخر هو مناطق التمازج (fusion). الثاني هو أن أهل الجنوب، خاصة في المناطق المتاخمة للشمال يعتمدون إعتماداً كبيراً على التجارة مع الشمال لا سيما بالنسبة لضروريات الحياة. كان هذا هو الوضع قبل إنتاج البترول، ولم يغير إنتاجه وتصديره شيئاً في تلك العلائق التبادلية، والإنتاجية، والإجتماعية. ومن المؤسي أن إنتاج النفط – حتى هذه اللحظة – لم يلعب الدور الذي كان ينبغي أن يلعبه كمحرك لقاطرة النمو الحقيقية: الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، بحسبانها أهم مورد متجدد يملكه السودان لدفع النمو الإقتصادي.
    6. قبل الإستفتاء على تقرير المصير إتفق الطرفان على ضرورة معالجة الأوضاع التي قد تنجمُ عن الإنفصال أو تترتب عليه مما يعنى أن طرفي الإتفاق كان يدركان أن الإنفصالَ أمرٌ محتمل. ولهذا نص قانون الإستفتاء عام 2010م في الفقرة الفرعية (3) من الفقرة السابعة والستين تحت عنوان ترتيبات ما بعد الإستفتاء على ما يلي: في حالة تصويت أهل جنوب السودان على خيار الإنفصال يشرع الطرفان بشهادة الدول والمنظمات الموقعة على الإتفاق في التفاوض بهدف الإتفاق على الموضوعات الحيوية التالية التي تترتب على الإنفصال: (أ) الجنسية، (ب) العملة، (د) القوات المشتركة، الأمن القومي والمخابرات، (ه)، الإتفاقيات الدولية، (و) الإصول والديون، (ز) حقول النفط (ط)، المياه، (ي) الممتلكات الثابتة، (ك) أي موضوعات أخرى يتفق عليها الطرفان. وتشمل الدول والمنظمات التي أشارت الفقرة لإشهادها على التفاوض دول الإيقاد (أريتريا، إثيوبيا، جيبوتي، كينيا، يوغندا)، الإتحاد الأفريقي ، الإتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، بريطانيا، النرويج، الولايات المتحدة، الامم المتحدة.
    7. هذا النص المُحكم يعني أن الطرفين لم يكونا فحسب على إدراك بأن هناك تبعاتٍ ستترتب على الإنفصال، بل كانا أيضاً حريصين على تفادي أي صراع قد ينشأ بينهما في المستقبل، وعلى تعاون وثيق بين الدولتين. تلك النظرة، في تقديرنا، كانت قائمة على أن قابلية(viability) أي واحدة من الدولتين على النمو المُعافي، تعتمد على قابلية الأخرى. رغم ذلك تدهورت العلائق بين الدولتين بصورة سريعة ومرعبة بعد مضي بضع أشهر من إعلان إستقلال الجنوب في الوقت الذي كان فيه الطرفان والشهود يؤملون بعد أن وضعت الحرب أوزارَها، أن تخفَ أيضاً أثقالهُـــا السياسية والإقتصادية والإجتماعية. بدلاً عن التقصي عن الأسباب التي قادت لذلك التدهور المؤسي للعلاقات لجأ المتحذلقة من الخبراء لتفسير ذلك الحدث باللجوء لنظرية المؤامرة، وتلك حجة من لا حجة له. لا غرو، فالحذلقة – في بعض معانيها – هي إدعاءُ المرء أكثرَ مما يعرف، أو العنادُ بلا جدوى. فما الذي وقع عقب إعلان خيار الجنوبيين للإنفصال؟
    ثُمة أسبابٌ نفسية لعبت، في البدء، دوراً هاماً في تسميم الأجواء وقادت من بعد إلى قرارات نزوية من جانب، ورود فعل لا تقل عنها نَزواناً من الجانب الآخر النزوات في السياسة لا تقود إلا إلى أفعال ورود أفعال غير محسوبة العواقب. نزعم أن أولَ ما فوجئ به صناعُ القرار في الخرطوم، وأجج السَورَة في نفوسهم ليس هو قرار الإنفصال – فقد أعلنوا رضاهم عنه وتأييدهم له – عُنصُر الفُجاءة الأكبر كان في نسبة الجنوبيين الذين صوتوا للإنفصال 97.58% من المقترعين. وحين كان عدد المقترعين 3.792.518 مليوناً، أي ما يوازي 98.83% % من الناخبين المسجلين، كان الحد الأدنى المطلوب لإقرار الإنفصال هو 60% من المصوتين الفعليين. ردُ الفعل الطبيعي لذلك الحدث المفاجئ هو أن يقولَ طرفا الإتفاقية أنهما لم يفعلا كلَ ما كان يتوجبُ عليهما فعلُه لجعل الوحدة جاذبة وفق ما نصت عليه الإتفاقية، ثم السعي، من بعد إلى تهيئة الجو لكيلا لا يتحول الإنفصال السياسي الذي قضى به إتفاق سياسي بين الطرفين الحاكمين إلى قطيعة وجدانية بين الشعبين. قرار الإنفصال كان بلا شك صدمة للمواطن الشمالي الذي كان يتمنى أن يبقى القطرُ موحداً، إلا أن ردَ الفعل غير محسوب العواقب – والذي اسهم بقدر في تسميم الأجواء – جاء من متخذي القرار في الشمال وتجاوز أثرُه صانعي القرار في الجنوب إلى المواطن العادي فيه.
    ما هو رد الفعل غير محسوب النتائج؟ في هذا المجال نتناول حدثين هامين: الأول هو الجنسية والثاني إقامة المواطنين الجنوبيين في الشمال طالما رغبوا في، أو إقتضت مصالحهم، ذلك. فحولِ الجنسية رفضت حكومة السودان مبدأ الجنسية المزدوجة التي دعا لها الجنوبيون، رغم أن دستور السودان يقر ذلك في مادته (7 – 4) والتي تقول: "يجوز لأي سوداني أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون". صحيح أن في تجارب الدول قرارات غاضبة تشابه قرار حكومة السودان نحو مواطنيها ذوي الإصول الجنوبية، إلا أن الدول التي إتخذت تلك القرارات بادرت بخلق الأطر الدستورية لقراراتها تلك حتى لا تقعَ في حرج. مثالُ ذلك قرار دولة كرواتيا بإلغاء الجنسية المزدوجة في دستورها حتى تحمل مواطنيها، أو القاطنين فيها من الصرب، على التخلص من جنسية تلك الدولة قبل أن يحوزوا على الجنسية الكرواتية. القرار الثاني هو ذلك الذي قضى بترحيل مئات الآلاف من الجنوبيين القاطنين في الشمال إلى وطنهم الأصلي، أو بالأحرى إلى موطن أسلافهم. فعدد كبير من هؤلاء الجنوبيين ولد في الشمال ونما فيه، ومن هؤلاء من لم يشارك في الإستفتاء على تقرير المصير، ومنهم من شارك فيه وإختار الوحدة، بل منهم من كانوا قيادات فاعلة في الحزب الحاكم. ومع يقيننا بأن دوافع القرار لم تكن عرقية، إلا أنه من الصعب على أي جنوبي، بل أي مراقب، أن يذهب لغير ذلك التفسير خاصة وقد شمل القرار شخصيات جنوبية مسلمة كان لها دور فاعل في الحزب الحاكم.
    إلى جانب هذين القرارين هناك قرار ثالث مس المواطن الجنوبي مساً مباشراً هو إيقاف التجارة مع الجنوب مما كان له أثرٌ بالغ في إنعدام السلع الضرورية، وإرتفاع إسعارها إرتفاعاً باهظاً لا يطيقه المواطن العادي. مع ذلك قد تكونُ لهذا القرار مبرراتٌ موضوعية أكثر من سابقيه لأنه جاء كرد فعل على النزاع بين الدولتين حول الترتيبات المصرفية.
    على أي، سمم هذان العاملان جَو التفاوض بين الدولتين حول القضايا العالقة والتي كان من المقرر أن يفرَغَ الطرفان من معالجتها قبل التاسع من يوليو 2011م (موعد إعلان إستقلال الجنوب). ومن الغريب أن المفاوضات حول بعض هذه الإمور ظلت تسير بسلاسة في الشهور الأولى بعد الإستفتاء بإسهام مشكور من لجنة الإتحاد الأفريقي التي يرأسها تابو أمبيكي الرئيس السابق لجمهورية جنوب أفريقيا بعون من دول الإيقاد، ودولة إثيوبيا، والوسطاء الدوليين الذين أسهموا في الوصول إلى إتفاقية السلام الشامل: الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج، إلى جانب الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد. في جميع هذه الحالات كان المتفاوضون يستهدون في جهودهم بمبادئ القانون الدولي حول خلافة الدول (Succession of States) وتجارب الدول المماثلة.
    الإنفعالات الغاضبة، وما صحبها من كيدَ وكيدَ مضاد، جعلت من العسير أن تكون المعالجة للقضايا العالقة معالجة موضوعية، وأن يتم حسمها قبل إنفصال الجنوب. التلكؤ في حسم هذه القضايا أدى إلى تفجير المواقف فيما بعد. وعلى رأس تلك القضايا مصير منطقة أبيي، والوضع النهائي للقوات المشتركة المدمجة خاصة تلك التي تعسكر في الولايات الشمالية: جنوب كردفان والنيل الأزرق. وبدلاً من إيجاد حلول مرضية وعادلة ينصرف بعدها الطرفان ليس فقط إلى خلق البيئة المواتية للتعايش السلمي بين الدولتين، بل أيضاً إلى إرساء قواعد التعاون المفضي إلى تكامل بينهما، تحولت إلى أدوات ضغط في الحوار حول القضايا الإقتصادية وعلى رأسها قضية إقتسام عائدات، وترحيل وتسويق النفط. أشد وبالاً من القرارات النزوية غير محسوبة النتائج لجوء عناصر مسئولة من الطرفين إلى إستخدام الإعلام للتخاطب مع بعضهما البعض في غير روية وإحكام. وعندما يكون هذا التفلت الإعلامي لحظات التفاوض حول قضايا مصيرية كثيراً ما يقود إلى عواقب جاءت عن قصد أو دون حســـــبان (unintended consequences) مثل هذه العواقب لا يُعاب عليها الإعلاميون الذين يستهوي أغلبهم السبق الفحص كما تستهوي بعضهم الإثارة، وإنما يُعابُ عليها السياسيون الذين كان ينبغي أن يدركوا أن الصمت من ذهب، خاصة حول القضايا التي لا يمكن معالجتها إلا عبر الدبلوماسية الهادئة. وعلنا نذكر هنا أن رئيس الحركة قد اصدر توجيهاً للوفد المفاوض لوفد حكومة السودان خلال مفاوضات السلام بان تصدر جميع التصريحات حول سير المفاوضات من رئيس المجموعة المفاوضة أو الناطق الرسمي بإسم الحركة، فيما يليه. أهم من ذلك كان توجيه لكليهما بأن تتوخى التصريحات الحقيقة وأن تكون قوية مؤثرة وملتزمة بغحترام الآخر. (factual, rabust and respectful to others) فإن كانت تلك هي الوصفة اللازمة للتعامل بين التمفاوضين والحرب دائرة، فما أحرى المتفاوضين بالإلتزام بهذه الوصفة في مرحلة السلام لكيلا يفقد السودان الوحدة والسلام معاً. هذه الإعتبارات مجتمعة أدت إلى عرقلة سير المفاوضات في أكثر الفترات حرجاً، أي الفترة التي بدأ فيها الحوار الجاد حول إقتسام عائدات النفط، التي تمثل موضوع حياة أو موت بالنسبة للدولتين. فإن كان الجنوب – في وضعه الراهن – يعتمد على عائدات النفط بما لا يقل عن 97% للإيفاء بإنفاقه الإداري، والخدمي، والأمني، فإن الشمال يعتمد بنسبة 60% على إنفاقه في هذه المجالات من ذات المصدر. ودون عودة للروح التي سادت المفاوضات، والنأي عن الكيد والكيد المضاد، لا يمكن للدولتين أن تصبحا دولتان قابلتين للنمو الطبيعي.
    8. نترك الخارج القريب (حسب التعبير الروسي) لننتقل إلى دول الجوار الجغرافي الأخرى: إثيوبيا في الشرق، ويوغندا وكينيا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية في الجنوب، وأفريقيا الوسطى في الغرب. نقتصر الحديث على الدول الثلاث الأولى خاصة بما لها من علائق توثقت أثناء الحرب الأهلية، وأصبح – بسبب من هذا – لكل واحدة منها على الجنوب يدٌ سلفت، وعليه نحوها دينٌ مستحق. فأثيوبيا كانت هي نقطة الإرتكاز الأولى للعمل العسكري للجيش الشعبي في عام 1983م. تلك العلاقة لم تفتر إلا في فترة قصيرة أعقبت سقوط نظام منقستو. لأثيوبيا أيضاً حدود مشتركة مع جنوب السودان تعيش في جانبيها، وتتنقل عبرها، قبائل ذات أصل مشترك مثل الأنواك والنوير. ولعلنا نضيف – ونحن في معرض الحديث عن الدول التي اسهمت في دعم العمل السياسي والعسكري للحركة الشعبية – دولة إريتريا رغم انها ليست من الدول المحادة للجنوب. الدور الذي لعبته إريتريا إلى جانب إثيوبيا في دعم الحركة الشعبية خلال فترة نضالها لم يقتصر على المجال العسكري بل شمل أيضاً، السعي لدى الخرطوم للوصول إلى سلام عبر التفاوض، وتأهيل الكوادر الجنوبية في معاهد الدراسة المختلفة في البلدين. لكل ذلك كان من الطبيعي لجوء حكومة الدولة الجديدة إلى هاتين الدولتين لإعادة تنظيم مؤسساتها الأمنية والدفاعية، وتدريب الكوادر العاملة في هذه المؤسسات. كما ليس من الغريب أن يكون أول من جَسِروا على الإستثمار في الجنوب في مجال البناء والفندقة والنقل هم الأثيوبيون والأريتريون.
    الدولتان الأخريتان: كينيا ويوغندا إستضافتا خلال الحرب أكبر عدد من لاجئي الجنوب، وظلتا المركز الرئيس لنشاط الحركة الشعبية السياسي والدبلوماسي. كما وفرت الدولتان فرص التدريب والتأهيل للمئات من الكوادر التي تحفل بها الآن الخدمة العامة الجنوبية، خاصة لسد فجوات عديدة في تلك الخدمة بسبب غياب مهارات معينة بين آلاف موظفي الخدمة القدامى، أو أولئك الذين إرتحلوا إلى جنوب السودان من شماله. من جانب آخر، ظلت كينيا هي المنفذ البحري الوحيد للجنوب إبان الحرب، وأستمرت على هذا الحال بعد حلول السلام بحكم قرب موانيها (ممباسا) من العاصمة جوبا والمنطقة الإستوائية في جنوب السودان. لكل هذه الأسباب لم يكن غريباً أن تحتل الدولتان مكاناً مميزاً لدى الدولة الجديدة – حتى قبل الإنفصال – في مجالات التجارة، والتبادل السلعي، والخدمات المصرفية. وبالطبع كان لهذا الإنفتاح نتائج سلبية تمثلت في إندماج أعداد كبيرة من مهربي البضائع، والمتاجرين في السلاح، والساعين للكسب غير المشروع. رغم ذلك فإن علاقة دولة جنوب السودان مع هاتين الدولتين مرشحةٌ للمزيد من التطور بحكم أنهما تمثلان – إلى جانب تانزانيا – قطــب الـــرحـــى فــــي مجمـــوعة شرق أفريقيا (East African Community)، خاصة بعد توسع المجموعة في عام 2000م بإنضمام رواندا وبوروندي لها جاء ذلك بعد فترة من الصراعات السياسية – أو قل الخلافات المذهبية – بين أعضاء المجموعة الثلاث الأول. في تجليها الجديد تتجه المجموعة نحو تكامل إقتصادي يشمل الإتحاد الجمركي، العملة المشتركة، إلغاء الحواجز التي تحول دون إنسياب العمالة والخدمات ورؤوس الأموال، توحيد سمات دخول الأجانب لدول المجموعة، إستخدام البطاقات الوطنية لعبور حدود دول المجموعة. جنوب السودان يسعى الآن إلى الإنضمام إلى تلك المجموعة بحكم جواره لكينيا ويوغندا إذ أن الجيرة المباشرة لأي من دول المجموعة هو شرط وجوب للإنضمام لها. ولكن ما يلفت النظر إبداء جمهورية السودان الرغبة عقب إنفصال الجنوب في الإنضمام لتلك المجموعة، في حين انها لم تُبد تلك الرغبة منذ عام 2000م عند توسع المجموعة، أو خلال الفترة الإنتقالية. ثُمة ما يلفت النظر سببان: أولهما هو عدم إمكانية إنضمام جمهورية السودان لمجموعة لم تعد تجاورها. فلو حدث ذلك قبل الإنفصال لحق لها ذلك بإعتبار حدودها الجنوبية مع كينيا ويوغندا، اما بعد الإنفصال فلا سبيل لها للإنضمام للمجموعة إلا بحكم جوارها لدولة جنوب السودان متى ما صارت تلك الدولة عضواً المجموعة. ثانياً إن كان ما تتغيأه جمهورية السودان من الإنضمام لتلك المجموعة هو التكامل الإقتصادي على النحو الذي تسعى له مجموعة شرق افريقيا، أي الإتحاد الجمركي، إنسياب رأس المال والعمالة والخدمات دون قيود، تحرك المواطنين ببطاقاتهم الوطنية، توحيد النظام المصرفي والعملة يصبح من الغريب رفض جمهورية السودان كل هذه الحقوق التمايزية داخل فضاء جغرافي كان موحداً حتى يوليو 2011م ثم السعي، من بعد، إلى الحصول عليها عبر وسيط خارجي هو مجموعة شرق أفريقيا. فالذي تسعى له جمهورية السودان اليوم عبر الإنضمام للمجموعة هو الإستفادة من مزايا الإنتاج الكبير، والوفورات المترتبة عليه، وإزالة الآثار الناجمة عن التنافس العشوائي، وإنهاء مفاهيم القومية الإقتصادية (economic nationalism) هذا، هو عين ما كان من الواجب قيامه بين شمال السودان وجنوبه. هذا نموذج آخر للسياسات النزوية . وبما أن التكامل المنشود هو، في جوهره، تكامل إقتصادي، وبما أن الإقتصاد علم عدد وحساب. يختلط العدد، ويضطرب الحساب كلما تدخلت فيه النزوات السياسية.
    9. عامل آخر يضفي أهمية على دول الشرق الأفريقي المجاورة لجنوب السودان، خاصة يوغندا وكينيا وأثيوبيا هو موضوع مياه النيل، وهو أمر يفضي بالضرورة إلى العلاقة مع مصر. المصدران الأساسيان لمياه النيل هما بحيرة فكتوريا في يوغندا، وبحيرة تانا في إثيوبيا. هذان المصدران ترفدهما بالمياه مصادر أخرى بعضها في أثيوبيا وبعضها الآخر في أفريقيا الإستوائية (الكونغو وتنزانيا، بورندي). ما يعنينا هنا هو أن ثمانين بالمائة من مياه النيل التي تتدفق من خلال السودان إلى مصر تجئ من إثيوبيا عبر (النيل الأزرق ونهري السوباط وعطبرة)، في حين يجئ ما تبقى من المياه (20%) عبر النيل الأبيض من مصدره الرئيسي (بحيرة فكتوريا في يوغندا). وفي الحالتين لا يضيف السودان (شماله وجنوبه) إلى هذين المصدرين شيئاً إلا نذراً يسيراً من نهري بحر الغزال وبحر الزراف في جنوب السودان تضيع مياهه بالتبخر في مستنقعات مشار.
    10. ما هو، إذن، موقع جنوب السودان من موضوع مياه النيل إن كان هو دولة عبور لا دولة منبع، وإن كانت المياه الوحيدة التي يرفد بها حوض النيل تذهب هباءً عبر التبخر؟ إن الحديث عن مياه النيل لا يستقيم إلا بإستعراض موضوعين: الأول هو إستخدام المياه، والثاني موضوع أقحمه المتحذلقون حول العلاقة بين دولة جنوب السودان وإسرائيل، وما يتوهمونه من رغبة للدولة العبرية لخنق مصر مائياً عبر جنوب السودان. هذا زعم لا يصدر من خبراء الري وفقهاء قوانين المياه، بل ممن يطلقون على أنفسهم، أو ينُعتون بالخبراء الدبلوماسيين أو الخبراء الإستراتيجيين "وهم من كل حَدب يَنسِلون". كما لا يصدر إلا من شخص يجهل تاريخ الصراع على مياه النيل، ولا يلم بالطوبوغرافيا المائية للنيل، ويتجاهل طبيعة العلاقات القديمة بين الجنوب وإسرائيل، والراهنة بين مصر وإسرائيل، وبينها وبين جنوب السودان. ولو كان في مقدور إسرائيل أن تفعل ذلك قبل تطبيع علاقاتها بمصر في عهد السادات لفعلته مع دول المنبع التي تعود علائقها معها إلى ستينات القرن الماضي: إثيوبيا، يوغندا كينيا.
    ما هي إذن، قضية المياه بالنسبة لمصر؟ مصر، بخلاف كل دول حوض النيل، تعتمد إعتماداً كلياً على مياه النيل، ولهذا لم يخطئ من أسماها بهبة النيل. بيد أن مصر هي دولة واحدة من دول حوض النيل الذي يغطي حوض مجراه المائي (catchment area) مساحة 2.9 مليون كيلومتر2. وحتى هذه اللحظة فإن الدولتين المستفيدتين من مياه النيل هما مصر والسودان إما بموجب إتفاقية تمت بين الدولتين في عام 1959م (وقعت على عهد الرئيسين عبد الناصر و عبود)، أو إتفاقيات وضعتها الدول الإستعمارية بهدف حماية مصالح مصر المائية. تشمل تلك الإتفاقيات البروتوكول الموقع بين بريطانيا (نيابة عن مصر) وإيطاليا (نيابة عن الحبشة) في عام 1891م؛ المعاهدة الموقعة في بروكسل في عام 1894م بين بريطانيا (نيابة عن مصر) ودولة الكونغو الحرة وتعديلاتها في عام 1906م؛ الإتفاقية الموقعة من جانب بريطانيا (نيابة عن مصر) وإمبراطورية إثيوبيا ودولة إيطاليا في عام 1906م؛ إتفاقية مياه النيل في عام 1929م والتي وقعتها بريطانيا نيابة عن دول شرق أفريقيا (كينيا، تنجانيقا، يوغندا)؛ المذكرات المتبادلة بين بريطانيا (نيابة عن دولة يوغندا) مع مصر. جميع دول المنبع فيما يعرف بالحوض الشرقي (إثيوبيا) أو في الحوض الإستوائي (كينيا، تنزانيا، يوغندا) لم تكن فقط لا تملك زمام أمرها في ذلك الزمان، بل لم تكن أيضاً في مستوى تنموي يسمح لها بإستغلال مياه النيل للزراعة، أو توليد الطاقة الكهرومائية. كما أن جل إعتماد هذه الدول في المجال الزراعي كان على الأمطار. وبتطور هذه الدول، وتصاعد إحتياجاتها التنموية، وتضاعف عدد سكانها، وتقلص كثافة الأمطار فيها لعوامل أيكلولوجية مثل إنحسار الغطاء النباتي، أخذت هذه الدول تطالب بمراجعة تلك الإتفاقيات بالقدر الذي يمكنها من الإيفاء بإحتياجاتها المائية الراهنة والمستقبلية. فالصراع الذي يدور اليوم هو صراع وجودي؛ والصراعات الوجودية لا تُحسم بإنكار الحقوق المشروعة، أو إفتعال المعارك، أو الحذلقة. معالجة مثل هذه الصراعات يكون بالتقويم الموضوعي لعناصر النزاع. من هذه العناصر الحفاظ على حقوق مصر المكتسبة لأن أي إنتقاص من هذه الحقوق لا يصبح فقط إفتئاتاً على قوانين المياه الدولية بل قد يكون مشروعاً لإبادة شعب. في ذات الوقت لابد من التعامل مع مطالب دول حوض النيل العليا بإعتبارها مطالب مشروعة لا ذرائع تتكي عليها هذه الدول لإيذاء غيرها. ما هو الحل؟
    الحل يكمن في جنوب السودان الذي يؤهله وضعه الأيكولوجي والطبوغرافي لتوفير مياه إضافية لدولتي العبور والمصب (شمال السودان ومصر). فمن بين المقترحات التي ظلت مطروحة منذ عام 1904م زيادة حجم المياه المتوفرة لدولتي العبور والمصب (السودان ومصر) بتنفيذ ما يسمى بمشروعات أعالي النيل. فحصاد الماء الإضافي – إن إستثنينا الإجراءات التي يجب على الدول المستخدمة لمياه النيل إتخاذها لترشيد إستخدام المياه – يتم عبر مشروعات تقع جميعها في جنوب السودان. تلك المشروعات تشمل مشروعي قناتي جونقلي الأولى والثانية. العمل في المشروع الأول بدأ في عهد الرئيس نميري في منتصف سبعينات القرن الماضي وقطع تنفيذه شوطاً بعيداً إلا أنه تعطل عند بداية الحرب الأهلية في عام 1983م. ويقوم المشروع على تجفيف منطقة السدود في ولاية جونقلي بجنوب السودان حيث تروح كميات كبيرة من مياه النيل هدراً بسبب التبخر. وحسب التقديرات التي قام بها خبراء الري في مصر والسودان سيوفر هذا المشروع حصاداً مائياً يبلغ حجمه 4 بليون متر مكعب في العام يتم إقتسامها بالتساوي بين مصر والسودان. أما المشروع الثاني فيقوم على حصاد المياه المتبخرة من نهري الغزال والزراف بجنوب السودان في مستنقعات مشار، ومن المؤمل أن يوفر هذا المشروع نفس الحجم من المياه لمصر والسودان.
    وإدراكاً منها لأهمية هذه المشروعات حرصت مصر – قبل إستقلال الجنوب – على توسيع علائقها مع الجنوب في كل المجالات، بما في ذلك مجال تطوير وصيانة الموارد المائية. بل أنها شرعت منذ في النصف الثاني من الفترة الإنتقالية في الدخول في مشروعات تعاون متعددة بين حكومة مصر وحكومة جنوب السودان وكان من أهم مجالات التعاون قياس النيل، تطهير مياه النيل، تدريب الكوادر في مجالات هندسة المياه، والتعليم الذي من بين مشروعاته إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية في الجنوب. في ذات الوقت أكدت حكومة جنوب السودان يومذاك إلتزامها بإتفاق مياه النيل بين مصر والسودان في عام 1959م كما أبدت رغبتها في السعي على أن يكون هناك وفاق بين دول حوض النيل الإستوائي (يوغندا، كينيا رواندا، تنزانيا، الكونغو)، من جانب، ومصر من جانب آخر.
    11. علنا بعد أن فرغنا من الحديث عن الجيرة الجَنب للدولة الجديدة وعن مصر التي سيظل جنوب السودان مجالاً حيوياً لها، ننصرف لحديث عن دول أخرى هي أبعد جغرافيا لكن تجمعها مع تلك الدولة أما علاقات تاريخية، او مصالح إقتصادية، أو هموم مشتركة. في هذا الإطار تندرج الدول الأفريقية التي ظلت ذات علاقات وثيقة مع الجنوب خلال فترة النضال: دول الجنوب الأفريقي، نجيريا، غانا؛ او الدول العربية التي حرصت على توثيق علائقها مع الجنوب حتى قبل الإنفصال؛ او تلك التي جاءت بها إلى جنوب السودان ثرواته النفطية؛ أو دول الشمال (أمريكا الشمالية، أوروبا) التي كان لأغلبها دور هام في الدعم الدبلوماسي والإنساني للجنوب خلال فترة الحرب عن طريق برنامج شريان الحياة الذي كانت تقوم بتنفيذه منظمة اليونيسيف، أو خلال فترة التفاوض (أمريكا، بريطانيا، النرويج، إيطاليا)، او بعد السلام في مجال تطوير القدرات والبنية التحتية. العلاقات مع الدول الأفريقية المشار إليها لم تفتر بعد الإنفصال بل إزدادت متانة إذ اصبحت جنوب افريقيا مثلاً هي اهم مراكز تدريب كوادر الخدمة العامة، وأصبح رئيسها السابق تابو امبيكي، كما أسلف الذكر، رئيساً للجنة الأفريقية التي أوكل لها الإتحاد الأفريقي متابعة مشكلة دارفور والقضايا العالقة بعد إنفصال الجنوب. أما الدول التي أتت بها إلى الجنوب ثرواته النفطية: الصين، ماليزيا، الهند فقد اصبحت الأولى منها (الصين) على رأس شركاء الجنوب في تنميته، خاصة في مجالات البنى التحتية، كما اصبح للهند وماليزيا دور متعاظم في تأهيل الكوادر، ليس فقط في مجال النفط، بل في مجالات أخرى كالهندسة والمعلوماتية. وإن كانت هناك من مشكلة قد تطرأ بين حكومة الجنوب والدول المشاركة في إنتاج النفط فربما تكون في مراجعة إتفاقيات النفط التي يرى بعض الجنوبيين أنها تمت تحت إكراه (duress). هذا الظن نابع من أن تلك الإتفاقيات ابرمت في ظروف الحرب، وفي وقت كانت فيه حكومة السودان واقعة تحت حصار دولي قاهر. أما من جانب الدول العربية فقد سعى رئيس حكومة الجنوب – قبل الإنفصال – إلى إنشاء علاقات مع عدد من الدول العربية إلى جانب العلاقة التي رسخت مع حكومة مصر وأحزابها منذ فترة النضال. في هذا المجال بادر رئيس حكومة الجنوب بزيارة المملكة الأردنية الهاشمية التي تطوعت بتدريب كوادر الخدمة العامة التي يحتاجها الجنوب، ودولة قطر التي أكدت رغبتها في الولوج في مجالين هما: التشييد والزراعة، ودولة الإمارات التي أنشأت أكبر مشروع للسياحة البيئية في المنطقة، والكويت التي ظلت هي البلد العربي الوحيد المشارك في صناعة النفط كجزء من مجموعة توتال الفرنسية. ومن المفيد أن نشير – ونحن في قطر – إلى أن قطر هي الدولة العربية الأولى التي بادرت بإنشاء مصرف في جنوب السودان (بنك قطر الوطني) للمعاملات المصرفية والإستثمار. جميع هذه المشروعات لم تتعطل بسبب الإنفصال، ولا مصلحة للجنوب في تعطيلها. نضيف ايضاً أن الدولة الجديدة لم تبت بعد في أمر إنضمامها إلى منظمة الدول الإسلامية بالرغم من أن هناك مشروعات للبنك الإسلامي بدأ التشاور يهل قبل الإنفصال. المنظمة ليست منظمة دينية بل تجمع سياسي لدول يدين أغلب – وفي حالات بعض – أهلها بالإسلام، كما أن البنك ليس بمؤسسة خيرية تعول المسلمين بل هو مؤسسة تنموية تعين على الإنشاء والتعمير في دول الأعضاء، وتسهم في الإرتقاء بالخدمات الأساسية في هذه الدول، وتشجع مناشط القطاع الخاص الجاد، وتوفر الضمانات الإئتمانية للمشروعات المختلفة في داخل دول المنظومة. ولهذا السبب إنضمت للمنظمة كل الدول الأفريقية الإسلامية، وبعض الدول التي تضم بين سكانها مجموعة مسلمة – أياً كان حجمها – مثل نيجريا ويوغندا. وخارج افريقيا تسعى الهند إلى الإنضمام للمنظومة رغم أن عدد المسلمين فيها لا يتجاوز العشرة في المائة، هذا بحكم النسبة أم بحكم العدد فيربون على المائة مليون نسمة. ولا شك في أن الدولة الجديدة ستهتدي بكل هذه الإعتبارات – السياسي والمصلحي – قبل أن تتخذ قرارها. أما فيما يتعلق بالدول الأخرى فلاشك في أنها تدرك كما يدرك الجنوب – أن الوضع الإستراتيجي للمنطقة، والإمكانات الضخمة المتوفرة فيها، ستظل تجعله مكان إهتمام كبير. بيد ان كبرى المشاكل التي قد تحبط كل هذه الجهود هي ، أولاً عدم الإستقرار في المنطقة بسبب الصراعات الإثنية، والتي كثيراً ما يؤجج نيرانها بعض السياسيين الطامحين. هذا أمر ليس بالغريب في منطقة خرجت لتوها من حروب متتالية وما زالت حكومتها تسعى للقضاء على رواسب الحرب. ثانياً ضعف أجهزة الدولة الرقابية والمحاسبية الذي فتح الباب واسعاً للتخبط في القرارات والفساد. هذان الموضوعان إحتلا حيزاً كبيراً في ندوة الإستثمار في جنوب السودان التي نظمتها وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطون في الفترة ما بين 14 إلى 15 ديسمبر 2011م. رغــم ذلك، يبـــقى جـــنوب الســــــودان هــــــو آخــــر التخــــوم للإستثـمــــــــار (for investment ultimate frontier) لأنه يكاد يبدأ من الصفر في كل مجال من مجالات الإستثمار، ولأنه يملك من الموارد الطبيعية ما لا يملكه إقليم آخر. ولا شك في أن الذين قرروا إقتحام ذلك التخم الوَعِر يدركون هذا، بل منهم من شبه المشاكل التي تكتتف جنوب السودان اليوم بمحاولة إصلاح طائرة وهي محلقة في السماء. ومن الجلي من توافد المستثمرين على الجنوب من كل أصقاع العالم أن الأعطاب التي تنتاب تلك الطائرة لم تمنع الكثيرين من إمتطائها.
    نختتم هذه الورقة – دون أن نقول ختامه مسك – بعلاقات الدولة الناشئة مع إسرائيل. العلاقات بين حركات جنوب السودان نشأت على يد الجنرال جوزيف لاقو قائد الأنانيا (الإسم الذي كانت تطلقه المقاومة المسلحة ضد حكومة السودان على جيشها) في منصف ستينات القرن الماضي. وتطورت تلك العلاقة بعد فشل مؤتمر المائدة المستديرة 1965م الذي كان هو آخر المحاولات في عهد الأنظمة الديموقراطية لحل ما كان يسمى بمشكلة الجنوب. ولو قيض لتلك المفاوضات أن تنجح لأُسقط في يدي ثوار الأنيانيا وقائدهم. كما لو كان الموقف العربي من قضية الجنوب أكثر موضوعية لما حُمل أولئك الثوار على اللجوء إلى إسرائيل، أو بالأحرى لما تمكنت إسرائيل من إجتذابهم إليها. قضية الجنوب كانت في حسبان أغلب الدول العربية هي مؤامرة إستعمارية لتمزيق السودان، ومحاولة صليبية لإيقاف المد الإسلامي. وعندما إتجه السودانيون في عام 1972م إلى أمر جَزم إنتهى بمنح الجنوب حكماً ذاتياً وضعت الحرب الأهلية التي دامت سبعة عشر عاماً أوزارها، وأعقب ذلك سلام دام لعشر سنوات. في خلال هذه السنوات العشر أصبح جوزيف لاقو – عراب العلاقة مع إسرائيل – نائباً لرئيس جمهورية السودان لعقد من الزمان، بل أصبح بعد إنهيار نظام مايو وفي عهد نظام الإنقاذ سفيراً لذلك النظام في الأمم المتحدة يتحدث بإسمه ويدافع عن قضاياه. اما في الحرب الأهلية الثانية لم تكن الحركة الشعبية في حاجة إلى دعم إسرائيلي عسكري إذ أغناها عن ذلك تحالف قد يبدو غريباً : فأكبر الدول التي أسهمت في دعم الحركة عسكرياً هي ليبيا القذافي، وإثيوبيا منقستو، ثم اليمن الجنوبي فيما كان يعرف يومذاك بمثلث أديس أبابا – طرابلس – عدن. مع ذلك، كان للجماعات المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة دور هام في دعم المعارضة السودانية وعلى رأسها الحركة الشعبية عبر جماعات الضغط في واشنطن في دوائر صنع القرار: الكونغرس، وزارة الخارجية، معاهد البحوث، جماعات حقوق الإنسان ومحاربة الرق. رغم ذلك أفلحت الحركة - أو على وجه التحديد قائدها جون قرنق – في إنهاء الحصار العربي الذي كان مفروضاً على الحركات السياسية ذات المنبت الجنوبي حتى أضحت القاهرة هي أكبر المنابر الدبلوماسية للحركة في الوطن العربي.
    هذه مقدمة ضرورية لإبانة بضع إمور:
    أولاً أن تعاون حركات جنوب السودان مع إسرائيل ليست بالأمر الطارئ أو الخفي حتى يُذهل البعض. ثانياً أن ذلك التعاون – خاصة في بداياته في ستينات القرن الماضي – كان رد فعل على تصوير أغلب الدول العربية بإيعاز من الأنظمة الحاكمة في الشمال للحرب التي ظلت تدور رحاها من 1955م إلى 2005م – أي على مدى نصف قرن من الزمان – بأنها نتاج مؤامرة خارجية وكأن لم تكن هناك أسباب ودوافع داخلية للحرب. ثالثاً أن إرتباط الجنوب بإسرائيل الذي جاء في بدايته نتيجة لتقاطع مصالح لم يمنع قادة تلك الحركات من تسنم أعلى درجات المسئولية في الدولة السودانية: العلماني منها والإسلامي. لهذا لا ينبغي أن تكون إقامة دولة الجنوب لعلاقة دبلوماسية مع دولة إسرائيل مصدر عجب أو إستغراب بحكم العلائق القديمة غير المنكورة. كما لا ينبغي أن تكون مصدر عجب في ظل وجود علاقات بين الدولة العبرية ودول عربية منها المعلن، ومنها المستتر وجوباً. هذه الحقائق كانت واضحة لصانع القرار السياسي في السودان، فقبل بدء الدولة الجديدة في صوغ علاقاتها الدبلوماسية توجه صحفي بسؤال للرئيس عمر البشير حول ما أعلنته دولة الجنوب عن عزمها على إقامة علاقات مع دولة إسرائيل. على ذلك السؤال رد الرئيس البشير قائلاً: "من حق دولة الجنوب المستقلة أن تقيم أية علاقات مع من تريد شريطة أن لا يكون الهدف من العلاقة هو التآمر ضد السودان".
    الأمر إذن لا يتعلق بإقامة دولة الجنوب المستقلة لعلاقة مع إسرائيل، ولا بالمصالح التي تسعى الدولة الجديدة لتحقيقها لنفسها عبر هذه العلاقة دون أضرار بغيرها، وإنما يتعلق بالذي تبتغيه إسرائيل من تلك العلاقة. فمن حق الجنوب – أن اراد – أن يستفيد من خبرات الدولة العبرية في مجالات كثر أظهرت فيها نجاحاً غير منكور، ولكن ليس من مصلحته أن يكون طرفاً في الإستراتيجيات الإقليمية لإسرائيل.
    ولربما كان أكثر ما أثار ثائرة البعض – في السودان وفي الوطن العربي – الزيارةُ الأخيرة التي قام بها رئيس دولة الجنوب لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالأولوية التي أعطيت لتلك الزيارة، والزمان الذي تمت فيه. فإختيار إسرائيل كأول دولة يزورها رئيس الجنوب بعد زيارته للولايات المتحدة لم يكن إختياراً موفقاً في رأي الكثيرين إذ ما أكثر الدول، بل القارات (أستراليا مثلاً) التي أسهمت أكثر بكثير مما أسهمت به إسرائيل في دعم الجنوب في سني حربه، كان ذلك في المجال الإنساني أو التنموي أو السياسي. ومنها من فتحت أبوابها لإيواء الالاف من الجنوبيين وأسرهم، ومن بين من آوتهم قادة مرموقين، وما زالت تفعل دون أن تطلب منهم الرحيل، ناهيك عن أن يكون ترحيلهم على رأس الموضوعات المطروحة للنقاش مع الدولة الناشئة كما فعلت إسرائيل. فإن كانت الولايات المتحدة مؤهلة بإمتياز لأن تكون أول دولة يزورها رئيس حكومة الجنوب بحكم إسهاماتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية والمعنوية خلال سني الحرب، ودورها في صنع السلام، ثم إسهامها في متابعة تنفيذ إتفاقية السلام، إلى جانب كونها مقراً لمنظمات هامة كالأمم المتحدة والبنك الدولي، فإن إسرائيل لا يمكن بحال أن تكون هي الدولة الثانية التي تجدر بزيارة رئاسية من الدولة الجديدة. أما من حيث الزمان فلا غرابة في أن يزور رئيس الجنوب دولة تعترف بها حكومته ويحرص على تمتين العلائق معها. ولكن عندما تكون الزيارة لهذه الدولة في ظل نظام يُجاهر برفضه لكل الحقوق المشروعة لشعب كامل داخل دولته يصبح الأمر مصدر تساؤل، لا سيما أن كانت الزيارة من جانب رئيس دولة نشأت عبر نضال طويل من أجل الحقوق المشروعة للمواطن.
    لإسرائيل، بلا شك، إستراتيجياتها في المنطقة العربية – الأفريقية، بل العالمية. ونُخمن أن إهتمام إسرائيل بما يدور في السودان لا يتعلق بالطابع الديني للنظام الحاكم فيه، كان ذلك الإهتمام من منطلق سياسي، أو رؤيوي. فمن المنطلق السياسي لإسرائيل علاقات مستترة مع دول عربية تُحَكمِّ الشريعة في دستورها وقوانينها. ومن الناحية الرؤيوية فهي الدولة الوحيدة بين الدول التي تنمي نفسها للمنظومة اللبرالية في العالم التي تسعى إلى إقامة دولة يهودية – أي قائمة على الدين – يصبح فيها كل من عدا اليهود رعايا. لا خفاء في أن قضية إسرائيل مع النظام الحاكم في السودان قضية سياسية بسبب من علائقه مع إيران وحماس، واياً كانت الأسباب لتلك العلاقة، فلا مصلحة لدولة الجنوب في أن تكون شريكاً في، أو أداة لتنفيذ الإستراتيجية الإسرائيلية. كما لا تُخفي إسرائيل قلقها من صعود الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي خشية من إستقواء حماس بتلك التيارات الصاعدة للحكم. ومهما كان من أمر مخاوف إسرائيل فإن مخاوفها يجب أن تظل هي مخاوفها لا مخاوف الآخرين.
    لهذا ما يتوقعه المرء من الدولة الوليدة هو حساب الإمور في مجال الدبلوماسية بميزان من ذهب، بدلاً من ردود الفعل الغاضبة. ونحن على ثقة أن الدولة الوحيدة – وهي في أولى عتبات نموها – مازالت في طور تكييف سياساتها الخارجية. لهذا فإن كثيراً من القرارات فيها هي قرارات فردية لا تأخذ في الإعتبار المشهد العام لما حولها. ومن بين الأفراد الذين يتخذون هذه القرارات، أو يوصون بها من لا يُلقى بالاً للقيم التي ناضلت الحركة الشعبية من أجلها. ولعله من المفيد للدولة الناشئة التملي في تجارب دول أفريقية أخرى ظلت تتخذ منها نبراساً للنضال. فبالرغم من أن أكبر جالية يهودية في افريقيا ذات نفوذ في مجال الأعمال والقانون والعلوم تقيم في جنوب افريقيا، وبالرغم من التبادل الدبلوماسي بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، لم يسعَ رئيسٌ جنوب افريقي لزيارة دولة إسرائيل، بل كانت الزيارة الأولى في الإتجاه المعاكس من إسرائيل إلى جنوب أفريقيا في عام 2004م، أي بعد مضي ثمان سنوات من سقوط نظام الأبارثيد. تلك هي الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء أيهود أولمرت.
    بنفس القدر فإن التعامل مع القرارات التي تصدر عن الدولة الجديدة ولا تلقى قبولاً في السودان أو خارجه بإطلاق تهم التخوين، أو التهجين للدولة الناشئة ستقود إلى ردود فعل قد لا تضر دولة الجنوب، ولكنها لا تفيد بحال أصحاب ردود الأفعال هذه. من بين ردود الأفعال الوصف المؤسف الذي أطلقه زعيم حمساوي كبير في وصف الدولة الجديدة. قال ذلك الزعيم عند سعي إسرائيل للحيلولة دون ضم فلسطين إلى الأمم المتحدة، أن تلك المنظمة إتسعت لتستوعب حتى "الدولة اللقيطة"، قاصداً بذلك دولة جنوب السودان. لم يذكر الزعيم دول الباسفيك التي نالت عضوية الأمم المتحدة مثل جزائر السولومون التي لا يزيد حجمها عن 28.400 كلم2 ولا يتجاوز سكانها نصف المليون نسمة؛ أو جزر مارشال التي لا يتجاوز حجمها 181 كلم2 ويقطنها 86.000 شخص، أو ساموا التي تحتل 2.800 كلم2 ويقطنها 180.000 مواطن، أو إمارة ليشتنستاين التي لا تزيد مساحتها عن 160 كلم2 ولا يزيد حجمها عن 23.000 كلم2 ويبلغ عدد سكانها 800.000 نسمة. لم يذكر كل هذه الدول الأعضاء، وإنما ذكر رعاه الله، دولة مساحتها في حجم مساحة فرنسا، وسكانها يقاربون الثمانية مليون، وأهم من ذلك ظل أهلها يناضلون من أجل حقوقهم المشروعة على مدى نصف قرن من الزمان. كما لم يدر أنه بإشارته تلك لم يسئ إلى تلك الدولة بقدر ما أساء للدولة الأم التي أنجبتها واقرت بشرعية نضال أهلها الطويل، وكانت الدولة الأولى التي إعترفت بها ثم أعقبتها جمهورية مصر العربية. التصريحات النزوية، كالقرارت النزوية في السياسة، تضر أكثر مما تنفع. أن ما تحتاج إليه جمهورية جنوب السودان الناشئة هو الوعي بطبيعة نشأتها بدلاً من الوصايا عليها؛ والإدراك السليم للتحديات التي تواجهها وعونها على تجاوز تلك التحديات بدلاً من التهجين والإستصغار لها، والتواصل وتبادل الراي معها لا الإستعلاء عليها.
                  

01-16-2012, 07:39 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)
                  

01-16-2012, 08:22 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    وقائع اليوم الاول السبت 14 يناير 2012

    Quote:
    خبراء وأكاديميون في ندوة "دولتا السودان.. فرص ومخاطر ما بعد الانفصال"
    : مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية تهدد السودان ودولة الجنوب
    عبد الله الحاج: الحوار الموضوعي مهم لفهم ما يجري من تحولات في منطقتنا
    عبدالرحيم حمدي: قسمة الموارد بين البلدين أحدثت صدمة قاسية للطرفين لكن الشمال الأكثر تأثراً
    د. حيدر إبراهيم: غياب الرؤية عند حزب المؤتمر الوطني أضاع فرصة الوحدة الوطنية
    د. حامد التيجاني: الحكومة تعاملت مع قضية دارفور من زوايا أمنية وحرمتها من التنمية
    د. حسن الحاج: المؤسسة العسكرية والأمنية بدأت تأخذ أدواراً جديدة في الساحة السياسية
    محمد دفع الله:
    ناقش خبراء وتنفيذيون سابقون وأكاديميون فرص ومخاطر ما بعد الانفصال التي تواجهها دولتا السودان وجنوب السودان الجديدة.. وأجمع المشاركون على أن الدولتين بالفعل تواجهان مخاطر واسعة اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية.. كما ناقش المشاركون في الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات ان كانت الدولتان تتجهان نحو المزيد من التوتر في علاقاتهما وتضمن النقاش مستقبل علاقات الدولتين بدول الجوار العربي والافريقي وكيفية تفاعل القوى الدولية النافذة مع حدث الانفصال وملامح علاقتها مع الدولتين.
    وافتتح الندوة سعادة السفير عبد الله إبراهيم الحاج عضو مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية وقال إن الندوة تأتي متواكبة مع نهج الجزيرة في تشجيع الحوار الموضوعي والجاد لفهم ما يجري من تحولات مهمة وكبيرة في منطقتنا العربية وما حولها.
    وقال ان التطورات السياسية والاستراتيجية المتسارعة التي جرت في المنطقة منذ بداية العام الماضي والتي من بينها تقرير مصير جنوب السودان والثورات العربية تؤثر على حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتجد من الجزيرة المتابعة والرصد والتحليل
    واكد ان الجزيرة التزمت ومنذ نشأتها بتقديم خدمة إعلامية محورها الانسان حيثما كان من خلال توفير الخبر الصادق واتاحة المنبر للرأي الحر والاسهام في تشكيل الوعي بما يحدث.
    الانفصال صدمة قاسية
    وقدم عبد الرحيم حمدي وزير مالية سابق في الحكومة السودانية لمحة عن الوضع الاقتصادي في الشمال والجنوب بعد الانفصال قال ان قسمة الموارد بين البلدين احدثت صدمة قاسية للطرفين لانه كان يعتمد الى حد كبير وإن كان بنسب متفاوتة، على عنصر واحد وهو البترول.
    وقال ان تفاوت نسب البترول احدث مشكلة في الشمال اكثر مما في الجنوب حتى الآن عائدات النفط في الشمال توقفت تماما، بينما استمر تدفق نفط الجنوب للسوق العالمي عبر الشمال واستمر تسلم عائده بواسطة حكومة الجنوب انتظارا لاتفاق حول رسوم العبور ولهذا يقدر ان صدمة انحسار موارد البترول في الجنوب هي - حتى الآن - الاخف.
    واشار الى ان الاثر الثاني الصادم لاقتصاد الجنوب - بصورة اكبر واقتصاد الشمال بصورة اقل - هو توقف تصدير السلع العادية من الشمال الى الجنوب - بقرار سياسي - وتعدادها 180 سلعة بما فيها منتجات البترول المكرر. مما انتج ندرة شديدة وغلاء فاحشا في اسواق المدن الجنوبية.
    وقال ان الاقتصاد الجنوبي ظل قبل الانفصال وسيظل بعده مرهونا على مورد واحد وهو البترول الذي يشكل 98 % من ايرادات الخزانة العامة وان كان الانفصال قد زاد من حصة الجنوبيين في قسمة البترول من 50 % بعد الانفصال وذلك بعد خصم حصة الشركات.. وقدر هذه الزيادة على موارد البترول للجنوب بمليار الى مليار ونصف دولار سنويا على اكثر تقدير.
    واشار الى ان دولة الجنوب في حاجة الى اعادة تنظيم واستيعاب عشرات الالوف من الجنود والشرطة والامن في هياكل معروفة منضبطة الموارد والهياكل البشرية والجسدية physical غير المتوافرة حاليا. كما انها بحاجة الى بنيات تحتية من طرق ومطارات، وخدمات، مدارس ومستشفيات، كما انها بحاج الى ايواء على مستوى كبير لمئات الالوف من النازحين داخليا من دولة الشمال مما يقتضي صرفا هائلا على الهايكل المادية مهما كانت بساطتها. واضاف ان دولة الجنوب تحتاج بناء خدمة مدنية وقضائية في المستويات الوسيطة والدنيا.
    آثار انفصال الجنوب
    ومضى حمدي الى القول: في هذا الجو الايجابي - عموما - حدث انفصال الجنوب منتصف 2011 واحدث صدمة عنيفة لاقتصاد الشمال فانخفض معدل الناتج الاجمالي الى 1.2 % حسب البرنامج الثلاثي ولكن في ميزانية 2012 قدر ان يرتفع (باجراءات الميزانية) الى 2 % فقط وارتفع معدل التضخم الى 23 % ولكن الميزانية تتوقع له ان يستقر عند حدود 17 % وذلك بعد تبني ميزانة انكماشية جدا في جانبيها النقدي والمالي.
    واوضح ان الدخل الفردي سيرتفع من 1572 دولارا عام 2010 الى 2111 دولارا عام 2012 ولكن السبب الرئيسي في هذا الارتفاع هو انخفاض حجم سكان الشمال. وقدر البرنامج الثلاثي - الذي وضع بعد اعلان الانفصال مباشرة - وظهرت عليه تعديلات في ميزانية 2012 - اي بعد ستة اشهر - وجود عجز يقدر بنصف مليون طن من الحبوب في الانتاج الزراعي ولكن ميزانية 2012 تقدر ان يكون هناك فائض بنفس الحجم بنهاية العام وسينخفض نصيب القطاع الصناعي من 24.7 % الى 16.7 % في عام 2010 لخروج البترول.
    وقد تم تبني برنامج ثلاثي للاعوام 2012 - 2014 لتلافي صدمة خروج النفط ويستند البرنامج إلى اجراءات مالية ونقدية تقشفية قاسية لتخفيض المصروفات وتمويل برنامج انتاجي لسلع الصادرات غير البترولية (الذهب والقطن والصمغ والثروة الحيوانية) وسلع الواردات الاساسية (كالقمح والزيوت النباتية والسكر والمنتجات البترولية) ويعاني البرنامج من خلل في هيكل الايرادات اللازمة لتمويل هذا البرنامج وكذلك خلت ميزانية 2012 من اي ايرادت (بعد ان رفض المجلس الوطني رفع الدم عن البترول الذي كان متوقعا ان يوفر 400 مليار جنيه).
    وتبقى على الحكومة ان تعتمد على موردين.
    التاريخ وقضايا الصراع
    ومن جانبه قال الدكتور حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية ان قضايا السودان بعد الانفصال لن تختلف عما قبل الانفصال طالما ظلت السياسات والعقلية وقال ان هي فهذه سيرورة تاريخية، وسلسلة لم تنقطع من الفشل والاخفاقات سارت عكس التاريخ، وروح العصر الممثلة في الديمقراطية، والتنمية، والعقلانية. وركنت النخب والقيادات السودانية الي التحايل علي التاريخ بمواصلة تجارب الحماقات، ولم تتوقف لتفكر، وتراجع، وتنقد، لإصلاح مسيرتها. والسؤال الحقيقي: هل يمكن أن نكتب تاريخين أي ما قبل وما بعد الانفصال؟ ورغم هول الحدث، الذي كان يمكن ان يكون كالزلزال في بلدان اخرى، لم يختلف اليوم التالي عن بقية الايام.
    واوضح ان السودان، مثل سائر الكيانات السياسية واجه اشكالية بناء الدولة الوطنية، أو الدولة القومية. يعود هذا المشكل الى كون الدولة جاءت أصلا من الخارج أي مستزرعة، وليست نتاجا لتطور تاريخي طبيعي ذاتي.
    وقال إن المشكلة الثانية ان السودان لم تكن تجمعه قومية واحدة كالمانيا أو ايطاليا مثلا، ليس بالضرورة أن تكون اغلبية عدديا، ولكن قادرة على التوحيد وجامعة. فقد كان السودان شديد التنوع وبالتالي معقد التطور، لأنه متنافر وقابل للنزاعات والصراع. ولذلك، فشل السودان منذ الاستقلال 1956 في:إدارة التنوع الثقافي من خلال بناء الدولة الوطنية التي تقوم بانجاز تنمية مستقلة وعادلة.
    واشار الدكتور حيدر الى ان أزمة الحكم في السودانيين - الشمال والجنوب - بنيوية أي في غياب الرؤية ثم تطبيق هذه الرؤية بمنهجية وعلمية على الواقع. ومثل هذه الاعمال التي نقوم بها تقدم معالجات وظيفية أو جزئية مرتبطة باداء الوظائف وليس بكلية البناء وبالتالي لا تساعد في عملية التغيير الشامل والجذري.
    ولفت الى ان قضايا الصراع ذات جذور بعيدة ولكن تعمد السودانيون وفي كل مرة يقفزون على المرحلة السابقة دون تصفية حسابتهم الماضية بالنقد، والتأمل والتأسي بالعبر. وهذا يعني الاستخفاف بالتاريخ، وعدم التعامل معه بجدية.
    واكد د. حيدر ان الدولتين في اسوأ أحوال ممكنة، ونحن مبشرون بدولتين فاشلتين متجاورتين ستقومان بترحيل كل الاخفاقات الداخلية والأزمات الذاتية الي صراع خارجي مع الدولة الأم سابقا. وفي هذه الحالة لا يتوقف الصراع لأن هنالك - باستمرار - مؤامرة أو عدو خارجي. وهذا يعني عدم البحث عن الخطأ والقصور في الواقع والحياة، وبالتالي البعد عن الاسباب الفعلية وتوهم الاسباب.
    ولم يحمل د. حيدر الاحزاب السودانية ما حصل وقال في هذه الاثناء: لا يصح التحامل على الاحزاب التقليدية، وذلك لأن الاحزاب المسماة:عقائدية أي الشيوعيين والاسلاميين والقوميين والبعثيين، لم تساعد كما كان متوقعا وبحكم حداثتها في اثراء قضية الدولة الوطنية الحديثة. فهذه الاحزاب - بلا تعسف - هي أقل قومية وأضعف ارتباطا بالوطن، لانها ذات تطلعات أكبر من القطر - الوطن. فقد كانت شعارات هذه القوى والاحزاب فوق - قومية أو عابرة للأوطان، فهي ذات طابع عالمي أو أممي أو قومي عربي. فهذه الاحزاب تشترك في جعل السودان - الوطن مجرد وسيلة لتطبيق الايديولوجيات الكبرى التي تؤمن بها
    وقال ان السودانيين ظنوا أنهم قد طووا صفحة الحروب والاقتتال والدمار وسوف يبدأ عهد التنمية والبناء مع توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام2005. مشيرا الى ان النظام كان يعول كثيرا على توقيع الاتفاقية وايقاف الحرب لذلك قدم تنازلات كبيرة وقبل بإتفاق ملئ بالعيوب والثقوب. إذ كان النظام يرى في وقف الحرب ارضاء للغرب الذي وقف باستمرار مؤيدا مطالب الجنوبيين القومية.
    وزاد القول: حين بدأت المفاوضات التمهيدية المبكرة، كانت العقوبات لاقتصادية ضد النظام في السودان قد بدأت. لذلك، ولدت مبكرا علاقة ما سمي بالجزرة والعصا في السياسة الأمريكية أو الغربية عموما تجاه السودان. ومن الطبيعي أن تفهم كل سياسات النظام الخارجية تجاه المسألة الجنوب في إطار الترهيب والترغيب أو مدى خدمة تلك السياسة لعملية القرب أو البعد من أمريكا والغرب. ومن هنا يمكن أن نفهم التصعيد الحالي في ما يخص وضعية أبيي المتنازع عليها. فقد كان النظام السوداني يتوقع أن تسارع الولايات المتحدة الأمريكية برفع اسم السودان من قائمة الدول الرعاية للإرهاب إلغاء العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. وذلك، بعد أن أجري الاستفتاء بطريقة رضي عنها المراقبون الغربيون.
    وذكر الاستفتاء لم يكن مطلبا سودانيا بل هو وعد دولي واقليمي. وخشي الشماليون أن تصح تهمة الجنوبيين لهم بنقض العهود والمواثيق. لذلك قام الاستفتاء في اجواء، كان صوت الانفصال هو الأعلى؛ ولكن ليس بأي حال من الاحوال هو الخيار الافضل. ولكن ظروف تطبيق الاتفاقية وبالذات التقاعس عن تلبية استحقاقات التحول الديمقراطي، مما سمح بغلبة خيار الانفصال وقمع الاصوات الوحدوية.
    وقال ان الخلاص من حالة الصراع الراهنة يتمثل فى ضرورة الاسراع في التوصل الى عقد اجتماعي يركز على الدولة المدنية بغض النظر عن المرجعيات المصاحبة لها. وعلى القبول بالآخر المختلف. كما يتركز على نظام ديمقراطي يجمع بين محاسن التوافقية والتنافسية. وعلى تنمية من تحت الى فوق، وعادلة. وسياسة خارجية قائمة على الندية.
    ومن جانبه تحدث الدكتور حسن علي الحاج عميد كلية الدراسات الاجتماعية والاقتصادية في جامعة الخرطوم عن التصنيفات التي تعج بها الساحة السياسية السودانية من احزاب سياسية ومجتمع مدني وقال ان هذه الاخيرة دورها محدود في السودان ولفت الى ان القمة العسكرية والامنية كانت تؤدي دورا معروفا الا انها بدأت تأخذ دورا جديدا اسماها بالمهنية الجديدة وقال ان المطالب في السودان توسعت حيث شملت الحريات وكتابة الدستور واسقاط النظام وتغيير النظام.. وتحدث الدكتور حسن عن التفاعلات السياسية في شقها السلمي، التي قال ان استقطابا كبيرا حدث فيها.
    انعكاسات أزمة دارفور
    وقال الدكتور حامد التيجاني في حديثه عن ازمة دارفور وتداعيات انفصال الجنوب ان السودان يمر بفوضى وتفكك في كل مفاصل الدولة، وقال ان مشكلة دارفور يمكن ان تنزلق ويحدث فيها ما حدث في مشكلة جنوب السودان ويفقد السودان جزءا جديدا من ارضه.
    ولفت الدكتور التيجاني الى ان حكومة الانقاذ حصلت على قروض بقيمة 13 مليار دولار لم يحصل اقليم دارفور منها الا على حوالي 2 %.. واشار الى ان النظام اضعف الانتماء الى الوطن وحل محله الانتماء الى القبيلة وهو انتماء ضيق.. وتساءل في هذه الاثناء هل النخب السودانية الشمالية يمكن ان تضحي بدارفور، كما ضحت بجنوب السودان وندد بلجوء الى الحكومة الى التعامل بالقوة بدل الحوار.
    واورد الدكتور التيجاني بعض الاحصاءات وقال ان 23 % من الدخل القومي في السودان يتم صرفها في الحرب على دارفور بينما يتم صرف حوالي 1،3 % من الدخل على التعليم والصحة...
                  

01-16-2012, 08:28 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    وقائع اليوم الثاني الاحد 15 يناير 2012
    Quote: المتحدثون في ندوة "الجزيرة للدراسات" ناقشوا التداعيات الإقليمية والدولية للانفصال على البلدين..
    وجهات نظر متباينة حول: من يقف وراء انفصال جنوب السودان؟
    د. منصور خالد: الانفصال نجم عن أسباب داخلية والقائلين بالتدخل الخارجي يتهربون من المسؤولية
    د. أماني الطويل: انفصال جنوب السودان حرم الخرطوم من موارد البترول وسيتسبب في تراجع الدعم الصيني
    د. لوك أوبالا: الصراع في الشمال مازال قائما برغم الانفصال وتحول الدولة إلى عربية إسلامية
    محمد دفع الله:
    هيمن موضوع التفاعلات الاقليمية والدولية إزاء انفصال جنوب السودان على أجواء اليوم الاخير من الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: "دولتا السودان..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال"
    وبرزت في هذا الجانب وجهات مختلفة اذ استبعد بعض المتحدثين وجود العامل الخارجي وراء انفصال جنوب السودان وحملوا المسؤولية الى النخب الحاكمة المحلية ومن ابرز من يقولون بذلك الدكتور منصور خالد المفكر السوداني والتنفيذي الذي كان شغل عدة وزارات من بينها وزارة الخارجية السودانية..في حين يرى آخرون ان الهيمنة الخارجية وراء انفصال الجنوب.
    اضافة الى ذلك ناقشت الندوة عددا من المحاور الاخرى شملت علاقات دولتي جنوب السودان والسودان بالدول العربية وبالدول الافريقية..
    استهل الندوة الدكتور منصور خالد ملقيا الضوء على الظروف التي قادت إلى الانفصال الذي وصفه بانه نهاية مأساوية لتاريخ طويل للعلاقة بين جنوب وشمال السودان منذ استقلاله عام 1956 مشيرا الى مطالب الجنوبيين الاولى التي بدأت بالفيدرالية بين شقي السودان ثم تطور الطلب الى الحكم الذاتي للجنوب؛ وفي النهـاية المطالبة بتقرير المصير المُفضي إلى واحد من خيارين: تأكيد الوحدة على أسس جديدة أو الانفصال.
    وقال الدكتور منصور خالد ان هذا الميراث السياسي الثقيل من إخلافِ الوعود والتنكرِ للعهود، لم يكن من الممكن تجاوزُه إلا بميثاق غليظ. وكان ذلك الميثاق اتفاقية السلام الشامل التي مهرها الطرفان في 9 يناير 2005م واحتوت، من بين ما احتوت عليه، بروتوكول ماشاكوس 2000م حيث اعترف ذلك البروتوكول للمرة الأولى بحق أهل جنوب السودان في تقرير مصيرهم.
    الانفصال لأسباب داخلية
    واشار الى ان ظن البعض بان الانفصال حدث نتيجة مؤامرة خارجية ظن سخيف نتاجٌ لمؤامرة خارجية لتمزيق السودان وبحسبهم هي مؤامرة ذاتُ اذرع طويلة وقصيرة منها الأفريقي، ومنها الأمريكي، ومنها الصهيوني، ومنها الصليبي.
    واضاف: وفي عالمنا العربي ظلت نظريةُ المؤامرة هي الحُجةُ التي تساق لتفسير أي حدث هروباً إلى الأمام من المسئولية المحلية عن ذلك الحدث، دون أن تصحب تلك الحجة أدلةٌ واقعية.
    وقال ان الانفصال هو إرادة أهل السودان قد اجتمعت على منح الجنوب حق تقرير المصير، حتى وإن أفضى إلى الانفصال باعتبار أن ذلك هو السهمُ السياسيُ الأخير لانها حرب (داحس والغبراء) السودانية.
    وقال ان انسلاخ الدول في الماضي والحاضر ليس بالظاهرة المستغربة اذ ان جميع الدول ذات السيادة في شمال ووسط أوروبا نشأت في القرن التاسع عشر عن طريق الانفصال عن كيانات إمبراطورية..واورد عددا من نماذج الدول التي نشأت نتيجة الانسلاخ.
    واشار الى ان الانفصال خلق وضعاً جديداً ذا أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية حيث تأثر بذلك السودان الشمالي والدول الافريقية المجاورة.
    واضاف: قبل الاستفتاء على تقرير المصير اتفق الطرفان على ضرورة معالجة الأوضاع التي قد تنجمُ عن الانفصال أو تترتب عليه مما يعنى أن طرفي الاتفاق كانا يدركان أن الانفصالَ أمرٌ محتمل.
    التدهور المريع للعلاقات
    وقال د. خالد: ان العلاقات بين الشمال والجنوب تدهورت بصورة سريعة ومرعبة بعد مضي بضعة أشهر من إعلان استقلال الجنوب في الوقت الذي كان فيه الطرفان والشهود يؤملون بعد أن وضعت الحرب أوزارَها، أن تخفَ أيضاً أثقالهُـــا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
    واشار الى عنصر المفاجأة عقب الانفصال الذي تمثل في نسبة الجنوبيين الذين صوتوا للانفصال 97.58 % من المقترعين. واضاف: حين كان عدد المقترعين 3.792.518 مليوناً أي ما يوازي 98.83 % من الناخبين المسجلين، كان الحد الأدنى المطلوب لإقرار الإنفصال هو 60 % من المصوتين الفعليين. ردُ الفعل الطبيعي لذلك الحدث المفاجئ هو أن يقولَ طرفا الاتفاقية أنهما لم يفعلا كلَ ما كان يتوجبُ عليهما فعلُه لجعل الوحدة جاذبة.
    وأكد الدكتور منصور خالد ان قرار الانفصال كان بلا شك صدمة للمواطن الشمالي الذي كان يتمنى أن يبقى القطرُ موحداً، إلا أن ردَ الفعل غير محسوب العواقب — والذي اسهم بقدر في تسميم الأجواء — جاء من متخذي القرار في الشمال وتجاوز أثرُه صانعو القرار في الجنوب إلى المواطن العادي فيه.
    وقال ان عدم منح الجنوبيين جنسية للجنوبيين من الجنوب جاء نتيجة قرار غاضب من حكومة السودان الا انه قال ان الدول التي اتخذت تلك القرارات بادرت بخلق الأطر الدستورية لقراراتها تلك حتى لا تقعَ في حرج.
    نتائج القرارات الغاضبة
    ولفت الدكتور منصور خالد الى ان الانفعالات الغاضبة، وما صحبها من كيدَ وكيدَ مضاد، جعلت من العسير أن تكون المعالجة للقضايا العالقة معالجة موضوعية، وأن يتم حسمها قبل انفصال الجنوب، واكد ان التلكؤ في حسم هذه القضايا أدى إلى تفجير المواقف فيما بعد. واشار الى موضوع مياه النيل وقال انه بالضرورة ان يفضي الى علاقة بين مصر ودول المنبع مثل اثيوبيا واوغندا وغيرها.
    واضاف: ان قضية الجنوب كانت في حسبان أغلب الدول العربية هي مؤامرة استعمارية لتمزيق السودان، ومحاولة صليبية لإيقاف المد الإسلامي. وعندما اتجه السودانيون في عام 1972م إلى أمر حاسم انتهى بمنح الجنوب حكماً ذاتياً وضعت الحرب الأهلية التي دامت سبعة عشر عاماً أوزارها وأعقب ذلك سلام دام لعشر سنوات. وخلال هذه السنوات العشر أصبح جوزيف لاقو — عراب العلاقة مع إسرائيل — نائباً لرئيس جمهورية السودان لعقد من الزمان، بل أصبح بعد انهيار نظام مايو وفي عهد نظام الانقاذ سفيراً لذلك النظام في الأمم المتحدة يتحدث باسمه ويدافع عن قضاياه.
    وقال انه في الحرب الأهلية الثانية لم تكن الحركة الشعبية في حاجة إلى دعم إسرائيلي عسكري إذ أغناها عن ذلك تحالف قد يبدو غريباً فأكبر الدول التي أسهمت في دعم الحركة عسكرياً هي ليبيا القذافي، وإثيوبيا منقستو، ثم اليمن الجنوبي فيما كان يعرف يومذاك بمثلث أديس أبابا — طرابلس — عدن.
    التعاون مع اسرائيل قديم
    واكد أن تعاون حركات جنوب السودان مع إسرائيل ليست بالأمر الطارئ أو الخفي حتى يُذهل البعض وقال ان ذلك التعاون كان رد فعل على تصوير أغلب الدول العربية بإيعاز من الأنظمة الحاكمة في الشمال للحرب التي ظلت تدور رحاها من 1955م إلى 2005م بأنها نتاج مؤامرة خارجية وكأن لم تكن هناك أسباب ودوافع داخلية للحرب.ولفت الى أن ارتباط الجنوب بإسرائيل الذي جاء في بدايته نتيجة لتقاطع مصالح لم يمنع قادة تلك الحركات من تسنم أعلى درجات المسئولية في الدولة السودانية.. العلماني منها والإسلامي.وزاد القول: لهذا لا ينبغي أن تكون إقامة دولة الجنوب لعلاقة دبلوماسية مع دولة إسرائيل مصدر عجب أو استغراب بحكم العلائق القديمة غير المنكورة كما لا ينبغي أن تكون مصدر عجب في ظل وجود علاقات بين الدولة العبرية ودول عربية منها المعلن، ومنها المستتر وجوباً.واشار الى انه ما يتوقع من الدولة الوليدة هو حساب الامور في مجال الدبلوماسية بميزان من ذهب بدلاً من ردود الفعل الغاضبة. وقال نحن على ثقة أن الدولة الوحيدة — وهي في أولى عتبات نموها — مازالت في طور تكييف سياساتها الخارجية. لهذا فإن كثيراً من القرارات فيها هي قرارات فردية لا تأخذ في الاعتبار المشهد العام لما حولها.
    الصراع عقب الانفصال
    ومن جانبها تناولت الدكتور اماني الطويل مدير الوحدة الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية موضوع العلاقات الصراعية بين دولتى السودان وتأثيرها على المصالح السودانية والعربية فقالت انه لا يمكن النظر الى الحالة الصراعية بين شمال وجنوب السودان بمعزل عن تفاعلات المرحلة الانتقالية بين الطرفين فى إطار حكومة الوحدة الوطنية فى الفترة من 2005 الى 2011 وأيضا بمعزل عن الإطار التاريخى للصراع بين شمال وجنوب السودان، وهو الصراع الذى كان أهم سمات حكومات الاستقلال الوطنى فى السودان والمتضمن حربا أهلية قاسية.
    وقالت ان عوامل متنوعة تضافرت لاستمرار الحالة الصراعية بين دولتى شمال وجنوب السودان بعد إعلان استقلال دولة الجنوب ومن بين هذه العوامل الدور الخارجى خصوصا الأمريكى فى العلاقات بين الدولتين كان أسباب هذه الحالة حيث نظر الشمال الى التفاعل الأمريكى مع الجنوبيين على أنه يملك مشروعا لاسقاط نظام حزب حكم المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان، خصوصا مع دعم الجنوب جزئيا لمسارات المحكمة الجنائية الدولية التى تسعى للقبض على الرئيس البشير.
    وقالت ان العامل الثاني يتمثل في الدور التحريضى والعنصرى الذى قام به منبر السلام العادل وصحيفة الانتباهة طوال الفترة الانتقالية التي يملكها خال الرئيس السوداني بما نتج عنه ضمن عوامل أخرى تصاعد الهواجس الجنوبية بشأن العلاقة الوحدوية ومكانة المواطن الجنوبى فيها. وفى هذا السياق تم إجهاض اتفاق أديس أبابا بين د. نافع على نافع، ومالك عقار.
    ولفتت الدكتورة أماني الى طبيعة دائرة صناعة القرار السياسيى فى شمال السودان والتى تتميز بافتقادها الى المؤسسية فى عملية صناعة القرار، وعدم استقرار الأوزان النسبية لعناصرها بين صعود وهبوط، وشخصنة القرار ممثلا فى الرئيس.
    واشارت الى المنهج الجنوبى فى تسديد الفواتير للغرب صاحب الفضل الأكبر فى حصول الجنوب على استقلاله على الصعيدين السياسى والاقتصادى، ولعل نماذج الانحياز لمنهج الجنائية الدولية، وبيع مساحات واسعة من الأراضى الزراعية لشركات أمريكية بأبخس الأسعار مؤشرات دالة على هذا المنهج.
    وقالت ان صعود تيارات الإسلام السياسي الى صدارة المشهد السياسي فى كل من ليبيا ومصر حيث ان تقدير الموقف الجنوبى يتجه نحو أن حكومتى كل من مصر وليبيا سوف يسيطر فيها الإسلاميون على عملية صناعة القرار سوف تتجه الى تقديم دعم لا محدود لشمال السودان بانتمائه الى نفس المرجعية السياسية من جهة بما ينطوى عليه ذلك من دعم لعناصر القوة فى شمال السودان وصعود وزنه النسبى فى مواجهاته مع دولة جنوب السودان.
    تراجع الدعم الصيني
    وفي شرحها لانعكسات الحالة الصراعية على المصالح السودانية والعربية قالت بامكانية تراجع الدعم الصينى للسودان الشمالى فى ضوء مراجعة بكين لمجمل استراتيجياتها، وطبيعة السياسات المترتبة على الاستراتيجيات الصينية الجديدة فى المنطقة العربية وإفريقيا بعد ثورات الربيع العربى، والتى من الممكن أن تشكل تهديدا للمصالح الصينية الاستراتيجية فى ضوء نخبة سياسية جديدة.
    واشارت الى ان الانفصال خصم من الموارد والاحتياطيات النفطية (حوالي 70 %) بما يعنيه من خسارة فادحة لموارد الموازنة العامة فى شمال السودان.
    وحذرت من تحول مناطق التماس بين الشمال والجنوب الى مناطق صراعية تهدد باندلاع حرب شاملة بين الشمال والجنوب وذلك فى ضوء تحولات توازنات القوى المتوقعة بعد الشراكات الاستراتيجية بين دولة جنوب السودان وإسرائيل.
    واشارت الى ان الخسائر الجنوبية الاستراتيجية من تصاعد الحالة الصراعية فى البيئة السودانية الإجمالية تتمثل فى تراجع قدرات المشروع النهضوى والتنموى الذى وعد به رئيس دولة جنوب السودان مواطنيه. وفي تراجع قدرات دولة جنوب السودان فى تدشين علاقات تعاقدية عادلة بشأن الموارد خاصة البترول بما يتيح للشركات العالمية عملية نهب منظم للموارد الجنوبية فى حالة مثيلة للعديد من الدول الجنوبية أهم عناصر جذب الاستثمارات الأجنبية.
    إعادة الهيكلة الاجبارية
    وفي تناوله لعلاقات جنوب السودان والسودان بالدول الافريقية قال الدكتور لوك أوبالا الاكاديمي في جامعة نيروبي ان الانفصال ترتب عليه اعادة تشكيل لكل من دولتي السودان وجنوب السودان وبسبب الانفصال فان السودان اصبح دولة عربية اسلامية بعد ابعدت الجنوبيين الافارقة المسيحيين، لكن الامر اللافت للنظر انه على الرغم من انتهاء الحرب مع الجنوب الا ان الصراع في السودان ما زال قائما.. وفي المقابل فقد أصبحت دولة جنوب السودان بفضل الانفصال دولة افريقية سوداء غالبية سكانها من المسيحيين.
    ولفت الى ان انفصال جنوب السودان سيجبر السودان الى القيام باعادة تشكيل كاملة لمفاصل الدولة السودانية الجديدة..واشار الدكتور أوبالا الى التناقض الذي ما زال قائما في السودان والذي يتمثل في ان التوجه نحو الحوار وفي الوقت ذاته حمل السلاح كما يظهر الان في كل العديد من الاقاليم السودانية.
    لكن الدكتور لوك يرى من الناحية الجنوبية ان حكومة سلفاكير الذي يتزعم الحركة الشعبية غير قادرة على ادارة البلاد ولفت الى ان الانفصال القى عليها العديد من الالتزامات تجاه العديد من المنظات الدولية من بينها الاتحاد الاوروبي ومنظمة الايجاد الافريقية ومنظمة الوحدة الافريقية.
    ويرى الدكتور اوبالا ان عددا من التحديات توجه الحكومة في جنوب السودان من بينها العلاقات الخارجية والمسؤوليات الخارجية والداخلية اضافة الى الواقع الامنى الذي يعيشه الجنوب الان في ظل الصراع القبلي.

    الشرق

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 01-16-2012, 08:33 AM)

                  

01-16-2012, 09:20 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    أحمد بن جاسم في ختام ندوة "السودان فرص ومخاطر":
    إقامة منصة للحوار بين شمال السودان وجنوبه جزء من رسالة الجزيرة

    أكد سعادة الشيخ احمد بن جاسم آل ثاني المدير العام لشبكة الجزيرة اهمية الندوة التي عقدها مركز الدراسات لتشجيع الحوار بين الاطراف السودانية في شمال السودان وجنوبه.وقال في كلمة اختتم بها الندوة التي استمرت يومين ان الندوة جاءت انطلاقا من رسالة شبكة الجزيرة الاعلامية من اجل تأسيس الوعي وتشجيع الحوار، ورحب بالحضور منوها بأهمية الندوة في استكشاف آفاق الفرص للعلاقات بين الشمال والجنوب، وقال ان تنظيم مركز الجزيرة وشبكة الجزيرة للندوة ماهو الا دور من ادوار عدة تقوم بها الشبكة حيث وفرت هذه المنصة للحوار بين الاطراف السودانية معربا عن امله في ان يكون هذا الحوار منطلقا لتحريك المياه الراكدة وإثراء الحوار لما فيه خير السودان، واعرب عن امله في ان تتحول المخاطر في مثل هذه الحوارات الى فرص وتبنى على الفرص الموجودة والمتاحة لمستقبل افضل مؤكدا ان هذا هو دورنا في الجزيرة ونتمنى ان نكون قد قمنا به وسوف نستمر ايضا في دعمه سواء من خلال مركز الجزيرة للدراسات او في شبكة الجزيرة بصفة عامة لنقل وإثراء مثل هذه الحوارات.
                  

01-16-2012, 09:22 AM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    Quote: الوضع الاجتماعي والثقافي في جنوب السودان وتحديات بناء الدولة
    آرثر غابرييل ياكــــ

    مقدمة
    منذ أن نال شعب جنوب السودان استقلاله في التاسع من يوليو 2011 لم تخلو كل الخطب السياسية، والاجتماعية والثقافية من مصطلحين مهمين هما: بناء الدولة وبناء الأمة. حتى أصبحا كأنهما مصطلحان مترادفان. وعلى الرغم من بناء الأمة مرتبطة ارتباطا وثيقة ببناء الدولة، إلا أن الأولى تعني أكثر مما تعني بالهوية الثقافية، أما الأخرى فمرتبطة بخلق مؤسسات حكومية جديدة و تقوية تلك المؤسسات الموجودة أصلاً في ظل هذه الدولة. وأن إعادة بناء البني التحتية للمؤسسات التي انهارت خلال فترة الصراع، لفي غاية الأهمية، إن لم تكن أكثر أهمية من البني التحتية المادية الأمر الذي تغفله الحكومات أحياناُ، ذلك الإغفال الذي يؤدي إلى ضعف أو فشل دولةٍ مما يشكل تحديات أمنية وسياسية وإجتماعية ليس في الداخل فقط بل على المجتمع الدولي أيضاً، سواء كان سبب الفشل هو الفقر، أو عدم الاستقرار ، أو المرض الناتج عن غياب أجهزة و مؤسسات قوية. لذلك فمسئولية بناء دولةٍ، مثل دولة جنوب السودان، التي جاءت إلى الوجود عبر الاستفتاء المتضمن في اتفاقية السلام الشامل، بعد رحلة معاناةٍ طويلةٍ، وما زالت تعاني من آلام مخاض نزاعات عرقية داخلية تارةً، وحرب الوكالات التي تشنها المليشيات تارةً أخرى، تلك المسئولية لا تقع على كاهل حكومة دولة جنوب السودان وحدها، بل أيضاً تستلزم وتتطلب عون من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. لأن فشل بناء دولة في الشرق الأفريقي قد يؤدي إلى إحداث هزاتٍ تؤثر على المنطقة وقد تمتد خارجها. وليس ضعف بناء الدولة في أفغانستان بعيداً عن ذاكرة العالم وتأثير هذا الضعف المروّع والمتمثل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

    تحاول هذه الورقة، أن تلقي الضوء على التحديات التي تواجه الإستراتيجيات التي تؤدي إلى إنجاح بناء الدولة. وقبل الخوض في تلك التحديات لا بد من تعريف "الدولة" حتى يمكننا بناءها بصورة سليمة.



    تعريف الدولة:

    الدولة بمعناها الواسع هي تجمع بشري مرتبط بإقليم محدد يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني موجه لمصلحته المشتركة، تسهر على المحافظة على هذا التجمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة.

    نستنج من هذا التعريف أن هنالك أربعة عناصر لا بد من اكتمالها حتى تكون هنالك ما تسمى دولة، هذه العناصر هي: (1) تجمع بشري، (2) إقليم يرتبط به التجمع البشري، (3) سلطة توجه المجتمع البشري و، (4) نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وقانوني يتمسك به الجميع.

    على الرغم من اجتماع كل هذه العناصر إلا أنها قد لا تضمن قيام ما تسمى بالدولة إن لم تصحبها اعتراف من المجتمع الدولي على سبيل المثال جمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها عشية انهيار نظام الرئيس سياد بري في عام 1991.

    تعريف بناء الدولة:
    تقصد بها بناء مؤسسات وأجهزة الدولة. أو خلق مؤسسات حكومية جديدة وتقوية التي كانت موجودة أصلاً. وقد تعني أيضاً بناء السلام في مجتمعات تعج بالعنف والصراعات الداخلية كما حدثت مؤخراً في إقليم جونقلي بجنوب السودان. وتعرف أيضاً بأنها عملية تنمية قدرات ومؤسسات وشرعية الدولة ذات علاقة بإجراءات سياسية فاعلة وخلق تفاوض لتحقيق متطلبات متبادلة بين الدولة و مجموعات اجتماعية.






    الوضع الثقافي وتحديات بناء الدولة:

    اللغة:

    للغة تأثير كبير في خلق وحدة ثقافية وطنية تجمع كل الإثنيات. لا شك أن تعدد اللغات في الدولة الجديدة تشكل عائقاً أمام تشكل أو بناء الأمة. فاللغة الوطنية قد تخلق شعوراً وتُشكل وجدانا وتعاطفاً لا تقوم به أيٍ من اللغات الحديثة. وغياب مثل هذه اللغة التي توحد الجميع في قالب ثقافي يشعر به المرء أفضل بكثير مما يشعره بالطبع عند تعامله باللغات الحديثة، كاللغة الإنجليزية، مثلاً، والتي أعتبرها الدستور الانتقالي لجنوب السودان، كلغة رسمية، ليست هي بلغة وطنية تساهم بفعالية في خلق وحدة ثقافية في مجتمع متعددة الثقافات. قد يقفز إلى الذهن سؤال منطقي عن كيفية خلق لغة وطنية في مجتمع متعدد الثقافات واللغات. ما هي القبيلة التي يمكن استخدام لغتها دون اللغات الأخرى والقبلية ما زالت راسخة و متفشية تفشي حمى الملاريا والتايفود من قمة رأس مؤسسات الدولة إلى أخمص قدميها. اللغة هي السيارة التي تحمل الثقافة ، كما عرفها أيلور شورتر، إذاً استخدام لغة قبيلة ما قد تكون سيارة لحمل ثقافة تلك القبيلة إلى القبائل الأخرى وإنتاج هيمنة ثقافية. بالطبع، دولة جنوب السودان، ليست هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتميز بالتعدد اللغوي، فهنالك الهند وسنغافورة على سبيل المثال لا الحصر. الاستفادة من اللغات المحلية وجعلها لغات رسمية إلى جانب اللغة الإنجليزية ليست بالأمر الصعب. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟

    على الرغم من أن جنوب السودان تمتاز بالتعددية القبلية واللغوية، إلا أن هنالك قبائل تتحدث لغة واحدة مع بعض التباينات الطفيفة، كاللكنة والصوتيات. ففي ولاية الإستوائية توجد قبائل تسمى بالقبائل المتحدثة بلغة الباري وهي: قبيلة الباري، فوجولو، كوكو، كاكوا، ليجي، نجانقورا، وقبلية المنداري . تتوزع هذه القبائل في ولاية استوائية الوسطى. وطالما هذه القبائل جميعها تعيش في منطقة واحدة يمكن إعتبار لغتها لغة رسمية في الولاية المذكورة حتى يتسنى للجميع معرفة ثقافة تلك القبائل عندما يتم كتابة آدابها، وثقافتها، وتاريخها الاجتماعي بلغاتها المحلية الأمر الذي ينمي الشعور بالانتماء إلى كيان أكبر من الكيان القبلي حين تحترم وتتداول لغاتها وفي ذلك تأكيد على حق الأقليات كما أكدها مؤتمر السلام عام 1919 في "حرية استخدام لغاتهم وتلقي التعليم بها. أما إن كان في الولاية الواحدة أكثر من قبيلة تستخدم لغات مختلفة فلا غضاضة في استخدام كل هذه اللغات في آنٍ واحد. والأمر في النهاية متروكة لمتخصصي علم اللسانيات.

    هنالك عامل آخر قد يعيق عملية بناء الأمة، وهي اللغة العربية التي ألغتها الحكومة من الدستور الانتقالي، وجعل اللغة الانجليزية لغة رسمية . يعتبر هذا القرار السياسي، قرار إقصائي و جائر وغير موفق: إقصائي لأنه يبعد خريجي كليات الجامعات السودانية (السودان القديم) من الإستوظاف في دواوين الحكومة لعدم إجادتهم اللغة الإنجليزية للدولة الجديدة. وجائر لأن أولئك الشباب والشابات الذين تلقوا تعليمهم باللغة العربية لم تكن خيارهم بل خيار الدولة التي نشأوا وترعرعوا في كنفها. وقولنا أن القرار غير موفق، لأن جُل النظام القضائي في البلاد ما زال يتعامل باللغة العربية في الإجراءات القضائية العادية، وأن هنالك ولايات ما زالت تتعامل—حتى بعد تضمين هذا القرار السياسي في دستور البلاد—باللغة العربية، والأدهى من ذلك أن البرلمان الذي أجاز هذا الدستور، ثلث أعضاءه لا يجيد اللغة الإنجليزية، الأمر الذي جعلهم يحتجون في أحد الجلسات عندما خاطبهم وزير العدل باللغة الإنجليزية. إذاً، إلغاء اللغة العربية، بصورة غير مباشرة، قد يبدو أن فيها صبغة النفور لأنها كانت لغة العدو الذي حاربنا منذ استقلال الدولة القديمة. ولكن، إن كان هذا هو المقصد الذي جعل كتاب الدستور يلغون اللغة العربية، ففي هذا القرار جهل كبير، فاللغة عمرها لم تكن عدو، إنما اللغة مثمرة أو مولدة كما يقول ناعوم شومسكي. واللغة العربية لمن لا يعلمون، فقد صنفها الإتحاد الإفريقي كلغة إفريقية.

    لقد أنتج هذا الإقصاء المؤسس لجيل تلقى تعليمه باللغة العربية وآخر باللغة الإنجليزية نوع من الصراع الثقافي والاجتماعي بين من هم نشئوا وتلقوا تعاليمهم باللغة العربية وعملوا في الدواوين الحكومية للدولة الأم وأولئك الذين نشئوا وتعلموا باللغة الإنجليزية في دول المهجر، وأيضاً من هم انخرطوا في النضال لسنوات. هذا الصراع الثقافي قد أدى إلى وصف المجموعة الأولى بأنهم "مندوكورو". لا شك أن غالبية شعب جنوب السودان قد تأثر بالثقافة العربية السودانية كما تأثر عرب السودان بالثقافة الأفريقية وبذلك تم خلق ثقافة أفروعروبية كنتاج طبيعي للتثاقف الذي يحدث بين مجموعات ثقافية متباينة. معرفة أي لغة هي إضافة قوية للفرد الذي يجيده، أما بالنسبة للشعب الذي يتواصل يومياً بلغة ما ثم فجأة تلغى هذه اللغة بقرار سياسي فهذا فقد كبير. ولأهميتها البالغة—اللغة العربية—أدرجت وزارة الدفاع الأمريكية ضمن اللغات التي تُدرس في معهد اللغات التابعة لها في كاليفورنيا، بجانب الفارسية، والعبرية، والهندية، والصينية، والباشتوية، ولغات أخرى. نحن الآن نمتلك هذه اللغة ونجيد القراءة الكتابة بها. إقصاء الخريجين والذين تدرجوا في سلك الخدمة المدنية في الدولة الأم واكتسبوا بذلك خبرة لا تستهان بها، تعيق كثيراً إجراءات بناء مؤسسات وأجهزة الدولة. لأن إقصاءهم تعني إقصاء الموظف المؤهل الذي نحتاجه في تطبيق تلك الإجراءات.
    كان حريا بناء النظر إلى تجارب الدول التي إتخذت أكثر من لغة كلغة رئيسية، على سبيل المثال، دولة أريتريا التي اتخذت من الإنجليزية والعربية والتنقريجية لغات رسمية لها، وسويسرا دولة الأربعة لغات: الجرمانية حيث تتحدث بها 74% من سكانها، والفرنسية التي تتحدث بها 21% من سكانها، والإيطالية التي تتحدث بها 4% من سكانها بالإضافة إلى اللغة الرومانتشية التي تتحدث بها 1% فقط من جملة سكان سويسرا. وهكذا ساعدت تلك اللغات الأربع في خلق تجانس اثني بين المجموعات العرقية السويسرية المختلفة.

    الآثر الثقافي لهجرات الأجانب إلى جنوب السودان

    تشكل هجرات الأجانب الباحثين عن العمل خطر على شعب جنوب السودان نسبة لعدم وجود معايير وضوابط وضعتها الدولة الجديدة تنظم هذه الهجرات العشوائية. لا تحاول هذه الورقة أن تحرض الدولة وشعبها وخلق مشاعر الاستعداء ضد الأجانب. لكن، مثل هذه الهجرات التسونامية تشكل خطراً على الثقافة المحلية. التثاقف من منظور أنثروبولوجي هو عملية بموجبها تتم عملية تحول أشخاص و مجموعات نتيجة لتعاملهم مع ثقافة أو ثقافات مجموعات أخرى. إن دولة جديدة مثل جنوب السودان تحتاج إلى هوية ثقافية تؤدي إلى بناء أمة لانه ليست هنالك ما تميز أمة عن أخرى إلا هويتها الثقافية. فالتثاقف مع المجموعات الأجنبية ضرورية لخلق تواصل مع تلك المجموعات، ولكنها في الوقت ذاته مضرة إن كانت تؤدي إلى طمس الثقافات المحلية التي أصبحت تتأثر بها. بالطبع الثقافة ليست كالحذاء يختاره المرء حسب مزاجه، ولكن أن يتخلى الإنسان عن ثقافته فإنه سيصبح بلا هوية ولا جذور. وهنا تفقد التثاقف كنشاط ثقافي تبادلي بين مجتمعين، معناه، وتصبح الكرة في ملعب من كان أكثر دراية وخبرة وقوة. وعامل الخبرة والقوة تأتيان هنا بمنطق من يمتلك مؤسساتٍ دولة شكلت هوية شعبها الثقافية منذ عقود وقادرة على التأثير على الثقافات الأخرى وخلق ما يمكن تسميتها بالهيمنة الثقافية. و بالنظر إلى الخلفية الثقافية لشعب الجنوب نجد أنها لم تجد البيئة الصالحة للتعبير عن ثقافتها منذ استقلال السودان في الأول من يناير عام ست وخمسون وتسعمائة وألف. فكل النخب السياسية التي حكمت السودان منذ ذلك الحين عملت على تعريب المجموعات السودانية غير العربية وعدم إتاحة فرص للتعبير عن ثقافاتهم عبر أجهزة الدولة التي كُرست عمداً لإرساء ثقافة أحادية وهي الثقافة العربية الإسلامية، الأمر الذي أدى رفض الجنوبيين لتلك الثقافة المفروضة ولجوؤهم إلى اتخاذ ثقافات بعض الدول الأفريقية كثقافة لها، خاصةً في مجال الموسيقى مما خلق شخصية مشوهة موسيقيا تستمتع بالموسيقى فقط دون فهم مغزى الكلمات. وهذا ينطبق على معظم الجنوبيون إلا القلة ممن أُتيحت لهم سانحة التواصل والتعايش مع شعوب تلك المناطق. إن رفض الجنوبيون للثقافة العربية الإسلامية وقبولهم بالثقافة الإفريقية قد ساهمت بدرجة كبيرة، الآن، في قبولهم—دون وعي—بما أسميه بالغزو الثقافي الأجنبي، و لا يحتاج المرء أن يكون عالماً أنثروبولوجياً ليعي أنه يحدث الآن، فقط، ما يحتاجه الإنسان هو أن يذهب إلى أحد ألأندية الليلية ليشعر بأنه موجود جسدياً في جنوب السودان، وثقافياً في كينيا أو يوغندا أو أثيوبيا حسب الموسيقى التي تُعزف في النادي.

    الوضع الاجتماعي:

    الانتماء الحزبي والقبلي
    تعتبر التعددية العرقية في دولة جنوب السودان مصدراً للثراء الثقافي والاجتماعي إن استغلت بصورة صحيحة. إلا أن الوضع الراهن، والذي فيه انفجر الصراع القبلي وبرزت الشوفينية العرقية بجلاء حتى في أوساط النخبة التي يتحتم عليها إيقاف تلك النعرات التي أدت وما زالت تؤدي وتكلف الدولة أرواح بشرية هائلة، هذا الوضع قد أثبت دون أي ريبة أن اتفاقية السلام الشامل قد أوقفت الحرب ولكنها لم تأت بالسلام الدائم. فنهاية الحرب لا تعني دوام السلام.
    فالحركة الشعبية، التي أتت بالسلام مع شريكها المؤتمر الوطني، كانت قد أفلحت في أهلك الأوقات (أوقات الحروب الطاحنة) في دمج رجال ونساء ينحدرون من أعراق مختلفة متشاكسة، وخلق جيش فاعل منها يعمل من أجل هدف واحد، هو أنصع دليل على إمكانية الحركة الآن، لتجاوز الشوفينية العرقية. وهذه محسنة تحسب وتقدر كثيراً للحركة الشعبية. إلا أنها، الحركة نفسها، التي نجحت إلى حد كبير في تذويب كل الاثنيات من أجل تحقيق هدف واحد تحقيق مشروع قومي شامل، تقاعست إلى حد كبير في دمج رجال ونساء الأعراق في عملية بناء مؤسسات وأجهزة الدولة الآن. فبدلاً من توظيف كوادر مؤهلة في دواوين الحكومة أصبح الولاء الحزبي أولاً والانتماء القبلي ثانياُ هما أساسا التوظيف. وما استقالة وزيرة الخدمة العامة أوت دينق إلا دليل على ما ذهبنا إليه. فقد حاولت الوزيرة—حسب توجيهات الرئيس— تنقية الوزارات من الكوادر غير مؤهلة و إبدالهم بمن هم أكثر كفاءة وتأهيلاً، إلا أنها واجهت صداً منيعاً من بعض زملائها الذين اعتبروا ما تقوم بها من تنفيذ لتوجيهات الرئيس استهدافاً لأعضاء الحركة الشعبية غير المؤهلين لتبوء وظائف حكومية. فكان أن أقدمت على الاستقالة من الوزارة، كأول من تستقيل في تاريخ الدولة الجديدة، في وقت اصبح الكل يلهث وراء الاستوزار بأي وسيلة.

    الصراع القبلي كنتاج للتخلف الاجتماعي

    في المجتمع المتخلف، تعتبر القبيلة أن العنف هو الوسيلة المثلى لرد شرف وكرامة القبيلة عند اصطدامها مع قبيلة أخرى، حتى إن كلفها رد الكرامة والشرف خطف الأطفال والنساء أو قتلهم واستباحة أرواح شيوخ وسلب ممتلكات الأخر وحرق البيوت. وهذا ما حدث بالضبط، في ولاية جونقلي بين القبيلتين المتصارعتين المورلي واللاونوير. وتعود جذور هذا الصراع إلى أسباب اجتماعية مرتبطة بالموروثات التقليدية للقبائل المتناحرة حيث تعتقد قبيلة المورلي، مثلاً، أن كل الأبقار هي حقوق شرعية لها، أضف إلى ذلك التوترات التي تحدث حول مصادر المياه حين تجف المياه في فصل الجفاف أو بسبب عدم الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها بعض المليشيات. الأدوات التي استخدمت في هذا الصراع قديماً، كانت عبارة عن عصا وحراب، أما الآن فقد ذاد انتشار السلاح نتيجة لوجود المليشيات التي تشن حرب الوكالة في محاولة لتقويض الحكم في الجنوب و امتلاك المسرحين من جنود الحركة الشعبية، أدت كل ذلك إلى تعقيد وتأجيج جذوة نيران الصراع في الآونة الأخيرة. وقد اهتبل بعض النخب السياسية سانحة هذا الصراع وسكب الزيت على نيرانه لتحقيق مصالح ذاتية، وهنا تبرر على السطح مظاهر الأنوية والتقوقع حول الذات أو الجماعة المرجعية. و الأنوية هي في الأساس العجز عن اعتبار مسألة ما، إلا من خلال وجهة النظر الذاتية. التقوقع حول الذات جعل بعض الساسة والمثقفين الذين ينتمون إلى الولاية التي تدور فيها التصارع بين قبيلتي اللاونوير والمورلي، يهاجمون مساعي نائب الرئيس لإيقاف نزيف الدم. إذا، نرى أن الصراعات القبلية التي كانت تدور حول مصادر المياه والأبقار قد تطورت وأصبحت أكثر تعقيداً بولوج نخب سياسية مثقفة تحاول تمرير أجندتها الذاتية عبر جثث الأبرياء. ومثل هذه الصراعات تعيق كثيراً المساعي التي تُبذل من أجل بناء وإعادة بناء أجهزة ومؤسسات الدولة.

    مرض فقدان المناعة المكتسبة

    وفقاً لحديث رئيسة مفوضية محاربة الايدز جنوب السودان، الدكتورة سرينا نوفيلو، فإن هنالك 3% يعني 300 الف من المصابين بالأيدز من ضمنها الأطفال وأكثرهم النساء. وتذهب رئيسة المفوضية قائلة: أن هذا يعود إلى أن النساء يذهبن إلى الفحص وأما الرجال دائماً يرفضون الفحص بشدة إلا في اللحظات الأخيرة للمرض، وهنالك 15 الف حاليا يتناولون (كترمسول) المضادات الحيوية لتقوية المناعة للجسم، وأما المرضى الذين عددهم 350 بدا علاج الفيروس. نستنتج من الحديث أعلاه الغياب التام للبني التحتية الصحية، من مستشفيات، وأطباء، ودعم مالي لتوفير الأدوية، وبرنامج توعوي تقوم بها وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة في توعية الشعب وخاصة الرجال للقيام بإجراء الفحص من خلال إقناعهم من الفحص والكشف المبكر للفيروس قد يساعد كثيراً في تقوية المناعة في المراحل المبكرة للمرض. من يمعن النظر في الحياة الإجتماعية والتداخل الاجتماعي بين أفراد المجتمع في جوبا يتملكه الخوف بأن هذا المرض اللعين قد يصطاد الكثير من البشر. فالوعي الصحي في أدنى مستوياتها حتى بين من يفترض فيهم الوعي. لذلك يمكن القول بأن الرقم الذي ذكرته رئيسة مفوضية مكافحة الأيدز، أعلى بكثير من ما هو مكتشف حتى الآن. البشرية هي العمود الفقري لأي أجراء تتبعه الحكومة لتقوية قدرات وبناء أجهزة الدولة، لذا لا بد أن تأتي الاهتمام بالبنية التحتية الصحية في المقدمة.

    الآثار النفسية للحرب

    لقد تركت الحرب الأهلية في الجنوب طيلة ال22 عاماً آثاراً اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا. وأن الآثار النفسية التي تركتها الحرب لهي بالغة جداً يصعب محوها وتؤثر في الاستراتيجيات التي تضعها الدولة لبناء أجهزة ومؤسساتها حتى تستطع أن تقف في مصاف الدول الأخرى. إن عملية بناء الدولة ومن ثم بناء أمة متحدة تحتاج إلى نخبة مثقفة تقوم بتنقيح تاريخ هذا الشعب وإعادة كتابتها وطوي الصفحات السيئة منها، نهائياً، حتى لا تؤثر على الخطوات التي تتبعها الدولة في بناء مؤسساتها وأجهزتها. على سبيل المثال، إن الانشقاق الذي حدث للحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 1991 قد أحدث شرخاً نفسياً عميقاً في صفوف قيادات وجنود الحركة الشعبية. ولسنا هنا بصدد سرد الأحداث التي وقعت في ذلك العام. و لكن، قد بدا جلياً أن قيادات عليا في الحكومة و الحزب الحاكم ما زالت تحمل ذكريات تلك الأحداث حتى الآن، وتضمر في نفوسها شعوراً سيئاً إزاء رفاقهم الذين انسلخوا آنذاك ولكنهم عادوا إلى صفوف الحركة. ونشير هنا إلى الإشارات والاتهامات الصريحة التي ما أن وجد المحافظ السابق لبنك جنوب السودان، سانحة اجتماعية إلا وإهتبلها ومن ثم شن الهجوم على نائب رئيس الجمهورية، محاولاً بذلك إرجاع الذاكرة الجمعية إلى أحداث عام 1991. لكل شعب صفحات سوداء وأخرى ناصعة في تاريخها. وعلى النخب المستنيرة تشجيع العوامل التي أدت إلى توحيد الشعب في الماضي واستنباط العبر والدروس للاستفادة منها في الحاضر، الحاضر الذي إن لم ننقحه من الشوائب فسوف لم ير الأجيال القادمة بزوغ شمس مستقبلٍ مشرق. أما المحطات التاريخية التي تعثرنا فيها فيجب دراستها أسبابها وسلبياتها ومن ثم تثبيط العوامل التي أدت إلى حدوثها حتى يمكن تفاديها في المستقبل. وقد لا تستطيع حكومة، أياً كانت قوتها في بناء أجهزة ومؤسسات دولة إلا بالإمعان والوقوف في تلك المحطات حتى لا تقف حجرة عثرة أمام بناء دولة جنوب السودان. وعلى الحكومة ومنظمات المجتمع المدني تكوين مفوضية للمصالحة الوطنية تقوم بوضع خطط وإستراتيجيات وآليات تنفيذ تلك المصالحة الوطنية، على أن تضم آليات لضمد جروح الماضي حتى يشعر الضحايا بأن عدالةٍ ما قد تمت، سرد تاريخي عبر قول الحقيقة وتتطلب هذه إجراءات سياسية ومؤسساتية تشمل تكوين مفوضيات الحقيقة، آليات وطنية أو عالمية لتطبيق العدالة، طرائق التعويض، مشاريع علاجية اجتماعية ونفسية، إجراء حوارات ودعم لمبادرات المجتمع المدني وإعادة هيبة المؤسسات التقليدية "السلاطين" وإشراكهم في تلك الإجراءات لما لهم من سلطة، لا يمكن إغفالها، على المجتمعات المحلية.

    خلاصة
    لم تكن وجود دولة فاشلة أو ضعيفة في المنظومة العالمية أمر يهم الدولة المعنية فقط، بل المنظمات والدول الأخرى خاصة المتقدمة منها. لما يجره هذا الفشل أو الضعف من تبعات تؤثر ليست داخلياً فقط، بل تمتد إلى دول ما وراء البحار, وليس سلبيات ضعف دولة أفغانستان بعيدة عن الذاكرة كما ذكرنا سالفاً، وما الصومال أيضاً التي انهارت في تسعينيات القرن الماضي وأخذت تؤثر سلبياً على كل الدول بدون استثناء، إلا نموذجا بارزا لذلك. فلا بد من مساعدات دولية والتي يجب أن لا يقتصر على مساعدات تمويلية فقط، بل خبرات تحتاجها دولتنا الوليدة. فعلاج مرض الأيدز مثلاً، والذي يحتاج علاجه ليس على الدواء باهظ الثمن فحسب، بل أيضاً على برنامج علاجي دقيق يتم إتباعه بدقة لفترة طويلة من الزمن. ولذلك يجب أن يشمل هذا العلاج برنامج تثقيفي وتعليمي وتعريفي مكثف بالمرض وعلاجاته حتى لا ينتكس المناعة أمام فيروس ال أش أي في والذي قد تتطور وتصبح مقاوماً شرساً للدواء. إذا إنشاء بني تحتية صحية، في مثل هذه الحالة، تحتاج إلى خبرات ومساعدات دولية.

    على الحكومة والمنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية التقليدية (سلاطين القبائل) أن تعمل جنباً إلى جنب لإرساء أساس قوي لبناء دولة جنوب السودان. لقد ارتبطت فكرة بناء الدولة في أذهان الكثيرين بالغزو الأجنبي ، لذلك يجب على الأمم المتحدة —في تعاملها مع السلطات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية التقليدية— التزام مبدأ احترام السكان المحليين وسيادة الدولة والالتزام بالقوانين، خلافاً لما نراه أحياناً من تعامل بعجرفة والتقليل من شأن السكان المحليين. تفادي مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى تفاهم و احترام متبادل ومن ثم إنجاز ما نحن بصدده وهو بناء الدولة. فإن فشلنا فإن نتائج ذلك الفشل سوف لا يكون داخلياً فقط، بل يمتد إلى ما لا نعلمه.

    غياب البنية الثقافية التحتية: ليس هنالك مكتبات عامة، مسارح، أدوار السينما، ومتاحف تساعد في تفاعل الجمهور وتقوم بدعم المنتجات والأنشطة الثقافية مثل الأداء المسرحي وإقامة المعارض الفنية. يوجد في عاصمة جنوب السودان مركز ثقافي واحد تملكه الحكومة وقد تم استغلاله لممارسة أنشطة لا علاقة لها بالثقافة من قريب أو بعيد، بل ذات علاقة باستنزاف أموال الشعب، كالحفلات الربحية الراقصة والقمار.
    تتطلب تأسيس بنية ثقافية تحتية دعم مباشر من المنظمات الدولية كاليونسكو وغيرها من المنظمات العربية والأفريقية.
    تقف الصراعات القبلية والعنف القبلي أمام أي إستراتيجية تضعها الدولة بُغية إنجاح بناء الدولة. وإن لم تضع الحكومة نصب أعينها أمر نزع السلاح المنتشرة في الجنوب سواء أن كان هذا الانتشار ناتجة عن الأسلحة التي تملكها المسرحين من أفراد الجيش الشعبي، أو التي تمدها حكومة الخرطوم للمليشيات، فإن أي جهد يُبذل من أجل بناء الدولة فلا يكون إلا مجرد حرث في البحر. على الحكومة وضع إستراتيجية تنموية شاملة من إنشاء مستشفيات، مدارس، توفير مصادر مياه للماشية، والخ.. في المناطق التي ذات الصراع القبلي كولاية جونقلي، وذلك للتقليل من الاحتكاكات التي تحدث بين تلك القبائل. كما يجب، أيضاً، وضع خطة لإجراء مصالحة وطنية بين تلك القبائل المتشاكسة مع وجود مشاركة فعالة للقيادات التقليدية لتلك المجموعات.
    في الختام، لا بد من القول بأنه، ونسبة لعدم وجود الخبرة الكافية لحكومة دولتنا الوليدة، إن لم تجد--الخطط والإستراتيجيات التي تضعها الحكومة لبناء دولة جنوب السودان—دعم المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، فإننا بلا شك، في نهاية المطاف، سوف نؤسس إلى قيام دولة ضعيفة أو فاشلة. وقد كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، صادقاً حين قال: اليوم، ليس هنالك تحدي في العلاقات الدولية أكثر إلحاحاً أو صعوبةً من دعم الدول الضعيفة.








                  

01-16-2012, 01:36 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دولتا السودان ..فرص ومخاطر ما بعد الانفصال (ندوة الجزيرة) ..ناس ال (Re: Faisal Al Zubeir)

    DSC04557.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    الدكتور صلاح الزين مدير المركز
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de