|
((شيبون)) شعر مكى ابو قرجة
|
لا أحد مسؤول عن مصرعي سواي
فلا تجزعوا وتفجروا في الخصومة
فما كنت ميالاً للغو والثرثرة
ولا نهش لحوم الميتين
ولا نوادر الفحش والقرقرة
لا أحد مسؤول عن موتي
سوى نبلي وجرأتي وسطوع صوتي
وما كنت أحمله من سجايا مجلوة باهرة
* * *
إنهال بالفؤوس على جدث الشاعر
- في سكونه الأبدي -
كاتبون فضوليون وبقايا عسس مرهقة
ينقبون في سيرته محمومين
يحدقون في قدميه المتدليتين
من حبل المشنقة
يخوضون بلا تفويض في تفاصيل
حياته القصيرة الزاخرة
يتداخلون في “الإنترنت” يروجون
لما يهرفون به من تنطع وفيهقة
يرفدون الصحف بالتحقيقات السقيمة “المفبركة”
والأعمدة اللئيمة الماكرة
فبعد خمسة وأربعين عاماً
من حدوث تلك الواقعة
ما راعهم هول الجريمة ولا صليل القارعة
ولا وطأة الشعر والموت والمسغبة
ولا وصية مايكوفسكي – عند انتحاره –
“عيشوا سعداء”.
فتلهيهم سذاجة العمر المديد
وبلهنية العيش السعيد
عن البحث في تلك المسألة
* * *
كان الشاعر منذوراً للزمن البخيل
والركض في الشوك والجمر
وغلواء المتربة.
فقد طالعوا نجمه الموغل في الأفول
وأشعاره القاسية المتعبة
رأوه زاعقاً، متوعداً، متألقاً:
“فليخسأ الأعداء إن طلبوا خضوعي
طلبوا محالاً دونه نزع الضلوع”
ثم يتلاشى مرهفاً وعاشقاً:
“جاءت تسائل من أنا فأجبتها
أنا ثائر وربيب شعب ثائر”.
قالوا: “شيبون حنجرة الشعب”.
لا، بل روحه المتوثبة المغامرة
التي حين أيقنت أنها لا ريب خاسرة
لاذت بالمنون وتوارت عن الأعين
الكئيبة الغادرة.
كانوا جماعة يتغامزون يتهمونه
بخيانة القضية
“يسنسرون” رسائله يمحون قوافيه
الساهرة المجودة الصقيلة
يصادرون أحاسيسه العارية وأنفاسه
الصافية البليلة.
ما القضية؟ ! ما الذي يعرفونه عنها
سوى سمادير تغشى العيون
وأحاديث ليل وهرطقات
بالخبث تنضح والظنون.
ما كانوا يستأهلون أن ينالوا
شرف خصومته بله قتله
فقد كانوا سذجاً نكرات
يقتاتون خرقاً بالية من النصوص والكلمات
ما أدركوا أن لغوهم سيودي
بحياة المبدع للآخرة
ويحطم سارية السفينة
فالضيغم ينأى بنفسه عن المعارك
الصغيرة البائرة
ليفسح الزمان طوعاً للضباع
الإنسان رخيصة الخائرة
* * *
كثيرون لا يعرفون أنه بقية الخزرج
أنصار النبي فرسان المدينة
الخارجين من عسف أمية
الباحثين عن مخرج
السارين في الفيافي والقفار
الحاملين صكوك الثأر والغبينة
* * *
شيبون بوتقة الشعر، عاصفة البحر،
عزة الصقر، جوهرة ثمينة.
قلب الباحش، اندفاع النهر، رقة النبع،
رحابة الليل، جلجلة الرعود.
شيبون برزخ حافل بالصدق،
عامر بالأماني والوعود
شقشقة العصافير عند السحر
رصانة الخلق، إباء النفس
شيبون حالة عزيزة بين البشر.
رد
Your Name:
|
|
|
|
|
|