|
محمود درويش ومارسيل خليفة في بيروت
|
Quote: هل هو مزاج محمود درويش الشعري الذي <<يوحد>> اللبنانيين في سهرة <<عابرة>> |
وكان له كل شيء. لا البحر فقط او الغيمة او الجدار او الجرح الطفيف الذي بقي في الذراع. بل كل شيء: الانتظار اللامرئي، تنهدات الصبايا اللواتي داعبتهن كلماته، فسحة الكلام المكبوت والطويل الذي ينسال خلسة، بعض دموع تتسرّب فجأة من عيون مفتوحة على احتمالاتها، الموافقة المسبقة على ما سيكون... ما زال كثيرون كما كانوا: أناسا مستعدين للعاطفة، أناسا مستعدين للذهاب الى أقصى الأشياء، حتى لو لم تكن الأشياء ترضى بهم. هل هو مزاج محمود درويش الشعري الذي <<يوحد>> اللبنانيين في سهرة <<عابرة>>، تحفر عميقا في مكانها، أم ان اللبنانيين <<يتواطأون>> على مزاج معين على امتداد فترة محددة، هي فترة الشعر نفسه، الذي يلقى؟ سؤال، قد لا يكون عابرا، لأنه يمتد من السؤال الشعري نفسه. والشعر كان حاضرا في أمسية محمود درويش، التي شهدتها قاعة قصر الأونيسكو، في السابعة من مساء أمس، بدعوة من <<مؤسسة الدراسات الفلسطينية>> احتفاءً بمرور أربعين سنة على تأسيسها. وما السؤال الشعري، إلا انزياح الشاعر، منذ فترة ليست بالقصيرة، الذي لم ينجر خلف قصائده القديمة، المثيرة لعاطفة هي بالتأكيد أكثر قدرة من احتمالات الفرد الواحد، بل اختياره لمجموعة من تلك التي نحب ان تكون عليه، والموجودة في دواوينه الأخيرة. تلك الدواوين التي تنحو أكثر الى مساءلة الفرد في أزمة قضيته الوجودية الكبرى، الأزمة المحتوية كل هواجسه ونضالاته اليومية وتساؤلاته التي لا تتوقف إزاء تفاصيله العديدة. قد لا يثير هذا الانزياح <<حماسة>> القسم الأكبر من الحاضرين الذين يأتون بكل تنوع هواجسهم، بيد ان المثير في الأمر ان يبقى الشاعر متصالحا مع الهواجس التي وصل إليها خلال هذه المسيرة من الكتابة الشعرية. صحيح ان درويش تحول الى رمز والى ناطق باسم أمة والى صفات عديدة متنوعة أسبغت عليه، لكنه قبل أي شيء آخر، يبقى ذلك الشاعر الذي يتصارع مع كلماته، مع مناخه، مع منجزه الخاص في كتابة قصيدة تتضمن حالاته المتنوعة. على كل، مرة أخرى، يعرف درويش كيف <<يصالح الشعر>> مع مدينة تغور في ثناياها، وإن كان كثيرون يذهبون إليه ظناً منهم انه سيأتي ليدغدغ مشاعر <<مكبوتة>>. هذه المشاعر التي تبدّت منذ البداية، في صفير الحضور استهجاناً، وبخاصة للكلمات التقديمية التي ألقيت، والتي أطالت، فالجميع كانوا يرغبون بمساحة أكبر للشعر، وبمساحة أكبر للموسيقى الجميلة التي قدمها الفنانان مارسيل خليفة وبيتر هيربرت. وفي تفاصيل أمسية أمس، كانت البداية مع النشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، من ثم كلام لعريف الأمسية الزميل صقر أبو فخر مقدما هشام نشابة رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية الذي تحدث عن مسيرة المؤسسة طيلة فترة وجودها، معددا إنجازاتها والأعمال المتنوعة التي قامت بها. من ثم تحدث باسم عقل عضو اللجنة التنفيذية للمؤسسة الذي أطال (ووجه بالتململ من الحضور) وركز في حديثه على علاقة محمود درويش ببيروت، وعلى شعره الذي عرف كيف <<يحتقر غطرسة المحتل ويسخر من تفوقه العسكري>>، ليعود أبو فخر ويغامر <<قليلاً في حبه لمحمود درويش>> قائلا: <<... ان الفلسطينيين في تاريخهم المعاصر والعرب مثلهم... لم يجمعوا على أمر أو شأن او رئيس او زعيم او فكرة، إلا على محمود درويش>>... قرأ درويش من الجدارية، <<هذه الأرض لي>>، وقصائد من ديوان <<لا تعتذر عما فعلت>>، بعدما كانت الأمسية قد افتتحت بمقاطع موسيقية لمارسيل خليفة برفقة عازف الكونترباس بيتر هربرت، لم تكن مصاحبة للقراءات، بل كانت تتخللها، وتقدمها. =اسكندر حبش,نقلا عن السفير البيروتية=
|
|
|
|
|
|