|
صدام والرصاصة والحكاية
|
Quote: أين الرصاصة الأخيرة التي قال انه يحتفظ بها لنفسه ليحرم أعداءه لذة التشفي ومتعة رؤيته أسيراً؟ أين البزة الزيتونية التي كانت توزع خبز الرعب في الداخل وتثير المخاوف في الخارج؟
|
كتب غسان شربل الحياة 2003/12/15
أين المسدس الذي لم يكن يفارق جسد الرئيس؟ المسدس الذي قالوا انه رفيقه القديم وصديقه الأخير. أين الرصاصة الأخيرة التي قال انه يحتفظ بها لنفسه ليحرم أعداءه لذة التشفي ومتعة رؤيته أسيراً؟ أين البزة الزيتونية التي كانت توزع خبز الرعب في الداخل وتثير المخاوف في الخارج؟
يحزن العربي على العراق ومصير العراق. ما كان ينبغي أن يصدق. كانت القصة مختلفة لو اقترب الاصبع من الزناد. لو اقتربت الفوهة من الصدغ. لو تسلّم الأميركيون جثة لا معتقلاً. مسكين العربي. دائماً تبدو الاسطورة أكبر من الرجل. تتحول حكاية ينقصها رصاصة.
وما كانت جثته لتعفيه مما ارتكب. لكنها كانت على الأقل ستساعد في القول انه دفع الثمن. كانت ستعفيه من عتاب نجليه وشماتة حفيده.
مأساة صانع المأساة. خسر السلطة وخسر وهج الحكاية. خسر القصر وخسر هيبة القبر. امسكوه فـ"استسلم لقدره". فتشوا أسنانه وحلقوا ذقنه واقتادوه. ولاطلاق النار على الهالة قالوا انه كان متعاوناً.
يغمض العربي عينيه. يشمت تكريتي آخر اسمه صلاح الدين. يستر دجلة ماءه بكفيه. تهب المواويل الحزينة على ذاكرة النخيل. يمتعض النشامى والماجدات. يلمع الدمع على وجه العراق. كم كان أفضل لو انحنى قبل العاصفة. كم كان أفضل لو جنب التراب ذل الاحتلال.
بخل سيد الرصاص على صدغه برصاصة. وكان سخياً في الرصاص على الآخرين. ذات يوم بعيد كمن للحاج سعدون التكريتي. عاجله وارداه ولم يترك بصمات. ذات يوم كمن لعبدالكريم قاسم وشارك في اطلاق الرصاص عليه. وفي ذلك الحادث زارت رصاصة قدمه. وتقول الحكاية انه انتزعها بسكين وفر الى دمشق ومنها الى القاهرة. وبعد استيلاء البعث على السلطة في 8 شباط (فبراير) 1963 عاد الى العراق وجرّب السجن والفرار. وكان المسدس رفيقه وصديقه. وثمة من يقول انه لم يكن بريئاً من وجبات التعذيب في "قصر النهاية".
كان ينتظر فرصته وهي جاءته في 17 تموز (يوليو) 1968. "السيد النائب" استاذ في مدرسة القسوة وبارع في مصادرة الخيوط. تحت خيمة "الأب القائد" احمد حسن البكر لن يبخل بالرصاص على الأعداء والأصدقاء. وليمة طويلة قاسية. سيصيب الرصاص كل بعثي لا ينحني للرجل الذي انتدبه القدر لمهمة كبرى. وسيصيب الرصاص كل معترض أو مشكك أو متسائل في الجيش والأمن وخارجهما. وعلى تلال الرصاص الذي أصاب سيقطف القصر في 1979 وسيفضل البكر لقب الرئيس السابق كي لا يستحق على الفور لقب الرئيس الراحل.
انه الحزب والجيش والأمن والاعلام. ارادته لا ترد. الدستور خادم يعد له القهوة. القوانين تمسح الغبار عن مكتبه. يغدق ان رضي لكن غضبه رهيب. القوة لعبته في مخاطبة العراقيين. القوة لغته في فهم العالم ومخاطبة الجيران. أدّب ثورة الخميني بحرب طويلة وشطب الكويت من الخريطة, ثم انكفأ أسيراً للحصار فيما الشعب أسير قائده.
اعجبه ستالين. يقتل ويبني. ارادة فولاذية وشكوك تبيح مهرجانات القتل والتطهير. اعتبر التاريخ متحفاً للقساة وراح يراكم رصيده ليتقدم الصفوف في ذلك المتحف.
انه الرجل الذي قتل بلاده مرتين. مرة يوم حكم, وأخرى يوم سهل بتهوره وقوع بلاده تحت الاحتلال. انها مأساة صانع المأساة. سيد القسوة الذي أمطرت رصاصاً في عهده بخل على صدغه بالرصاصة. سيدخل التاريخ بوصفه الرجل الذي أدمى العراق وعكّر ماء دجلة وأبكى النخيل.
|
|
|
|
|
|